انتقال الأساتذة: هل هو ملف اجتماعي أم أداة انتخابية في مشروع حزب العدالة والتنمية ؟
انتقال الأساتذة: هل هو ملف اجتماعي أم أداة انتخابية في مشروع حزب العدالة والتنمية ؟

كلما تحدثنا عن شعبة الدراسات الإسلامية، إلا و تتبادر إلى الأذهان ضرورة مراجعة المناهج العلمية والمقاربات بهذه الشعبة، والنهوض بها لترقى إلى عولمة العلوم اللاهوتية والدينية. كنا نأمل أن يأتي الوزير ذو المرجعية الإسلامية الأستاذ الداودي برؤية متنورة تعيد النظر في واقع هذه الشعبة التي تساهم بالقسط الأوفر في تجييش عالم العطالة بحاملي الشهادات غير المتصالحين قيميا مع العالم الحديث و متطلباته، و إطلاق مبادرة تنهض بهذا التخصص ليس فقط لإدماجه في سوق الشغل، بل لكي يصبح علما قائما بذاته، وينافس العلوم الوضعية الأخرى بعيدا عن الغيبيات والتفكير الأسطوري الذي لا زال ينغمس فيه الكثير من طلبة وأساتذة هذه الشعبة.

 

 إن شعبة الدراسات الإسلامية ليست مرتعا لتلقين فقه الأخلاق والشمائل الإسلامية، بل يجب أن تغدو مختبرا لدراسة الدين والتدين ومقارنة العقائد و مقاصدها... كنا نأمل أن يخرج علينا وزير التعليم العالي بمخطط لتغيير مسار هذه الشعبة وإلحاقها بتخصصات أخرى....، أو بأطروحة للنقاش في هذا السياق، لكن مع الأسف يبدو أن إدارة السيد الوزير منشغلة بما هو أهم، تلبية رغبات بعض الأساتذة  في الانتقال من جامعة إلى أخرى في التخصص نفسه، وسيرا على نهج الشعبوية في اللحظات الأخيرة من عمر الحكومة، إذ يتم كل هذا في دربكة غير منسجمة مع استقلالية المؤسسة الجامعية.

 

يعتبر ما وقع مؤخرا في جامعة شعيب الدكالي بالجديدة من مغادرات بالجملة في شعبة الدراسات الإسلامية سلوكا ينافي الأعراف الجامعية، و ممارسة سياسوية، إذ غادر ثلاثة أساتذة من الدراسات الإسلامية كلية الآداب والعلوم الإنسانية متجهين نحو جامعات أخرى كالدار البيضاء و فاس بموافقة إدارة السيد الوزير، و منهم كما روي لنا من ذهب للرباط للبحث عن المنصب المالي، وبقدرة قادر توفق في الحصول عليه، و مما يزيد الأمر غرابة هو أن رئيس الشعبة والسيد العميد ورئيس الجامعة لم يترددوا لحظة واحدة في الموافقة لهؤلاء بمغادرة الجامعة ما دامت المؤسسة ستحتفظ بالمناصب، والأساتذة سيلتزمون أخلاقيا بالتدريس حتى توظيف أساتذة جدد.

 

إذن، مادام الكل موافق، سيقال لنا "آش حرق شطاطتك"، نحن نعيش في مكة وأدرى بشعابها، لقد أرسلت شعبة الدراسات الإسلامية إطارا إلى المشرق في إطار الإلحاق، ولم يعد بعد إلى أرض الوطن، ولا نظنه سيعود الآن، لأن هناك سابقة من شعبة الأدب العربي لأستاذ ذهب في نفس الإطار و لم يعد حتى الآن رغم الإنذار الذي توصل به. أضف إلى هذا أن أستاذ بنفس الشعبة سيحال على التقاعد، إذن، ستعاني الشعبة لا محالة من خصاص في تدريس الكثير من المواد، خصوصا و أن الأساتذة الجدد الذين سيتم توظيفهم، سيلجون الشعبة في إطار أساتذة التعليم العالي المساعدين. لو ضحّت الشعبة بأستاذ واحد للتعليم العالي سيكون الأمر مقبولا، أما أن تضحي بخمسة أساتذة متمرسين مقابل ثلاثة جدد في إطار التدريب واكتساب الخبرة، علما أن إجراء مباراة اختيار أساتذة جدد تتطلب هي الأخرى على الأقل سنة أو أكثر، هذا عبث في التسيير، ليس فقط على مستوى الجامعة، بل كذلك على مستوى الوزارة.  

 

كيف أصبحت وزارة التعليم العالي تخلق مناصب مالية في هذا الوقت بالذات لثلاثة أساتذة من نفس الشعبة حتى يتمكنوا  من تغيير الجامعة والرحيل إلى مؤسسات "القرب" في إطار مساعدتهم اجتماعيا؟ هذه سابقة خطيرة تنذر بأن الحسابات الانتخابية أهم من البحث العلمي؟ هل فعلا مدينة الدار البيضاء و مدينة فاس في حاجة ماسة إلى أساتذة في الدراسات الإسلامية؟ هل فعلا هناك حاجة لتوظيف أساتذة في الدراسات الإسلامية من الأصل بينما تخصصات أخرى تعاني من نقص شديد في الأطر ، ونذكر شعبة الدراسات الانجليزية في مدينة الجديدة، دون ذكر أكادير و مدن أخرى، و التي تضع أكثر من 150 طالب في الفوج ، وتستعين بأساتذة متطوعين جازاهم الله خيرا يمدون للشعبة والمؤسسة يد العون كل سنة بينما يتصدق السيد الوزير و يوزع المناصب لتمكين أنصار  و مريدي العدالة والتنمية من الالتحاق بالكليات التي يرغبون في الذهاب إليها. و هنا نتساءل أيضاً عن المناصب الشاغرة الآن، هل سيتم ملئها بتوظيف أساتذة جدد أم بأنصار جدد من الحزب؟

 

إذا كان السيد الوزير يؤمن بحركية الأستاذ الجامعي، فإننا نشاطره الرأي، إذ لا يعقل أن يدفن أستاذ في الشعبة نفسها التي قامت بتوظيفه منذ تخرّجه،  ولهذا يجب تقنين هذه الحركية و تعميمها على الجميع، حيث لن نقبل بأن ينتقل أساتذة الدراسات الإسلامية وأسماء معينة يشاع أنها محسوبة على حزب العدالة والتنمية أو متعاطفة معه، و باقي السواد من الأساتذة لا يستفيد من إحسان السيد الوزير، هذا يعتبر في نظرنا حيفا وسوء تدبير في المناصب المالية، إذ يجعلنا نضع تساؤلات كثيرة حول مصداقية توزيع المناصب المالية على الجامعات، و كيفية اختيار من سيشغلها. 

 

إنها بالفعل سابقة في تاريخ هذه الجامعة أن يرتحل ثلاثة أساتذة من شعبة واحدة دفعة واحدة، وبموافقة جميع الهياكل المسيرة للقطاع بدعوى احترام المساطر دون التساؤل عن الشق البيداغوجي و الفراغ الذي سوف يسببه غياب مثل هؤلاء الأطر، خصوصا و كما سبق أن أكدنا، لن توظف شعبة الدراسات الإسلامية أساتذة من الإطار نفسه، بل ستعتمد على حاملي الدكتوراه الجدد، و بالتالي سيلتحقون في إطار التدريب لمدة سنوات، و هكذا ستتحمل الشعبة عبئا إضافيا بتدريس المواد النظرية و سلكي الماستر و الإشراف عن الدكتوراه دون مشاركة هؤلاء الأساتذة الجدد. 

 

نعود لنقول، لو التحق هؤلاء الأساتذة بكليات جديدة تعاني من الخصاص و مكتظة كأكادير مثلا، ربما ما كنا نتطرق لهذا الموضوع و بهذا الشكل، لكن المشهد على حاله اليوم يبين صفقة متوافق عليها بين الأصدقاء، احترمت صوريا وشكليا جميع المساطر، إلا مبدأ تكافئ الفرص بين الأساتذة ! كان يجب التريث في هذا الملف الذي يتزامن مع الظروف الانتخابية الراهنة حتى لا تحسب على الحزب أخطاء كهذه.

 

إن انتقال الأخت بثينة القاروري مثلا يدخل في نفس السياق بفارق عدم احترام المساطر، كما قرأنا عن ذلك في الصحف، إذ أن الأخت المحظوظة تم إعفاؤها من تقديم طلب للشعبة، وانتظار الجمع العام، والبث في ملفها، وموافقة العميد، هذه المحنة مكتوبة على جبين لمن ليس له سند في الحكومة فقط.  وأخيرا، نقول للسيد الوزير، إن الحكومات السابقة والموشومة عندكم بالفساد، لم تشهد سابقة ترحيل ثلاثة أساتذة دفعة واحدة، و من شعبة واحدة إلى جامعات لا تعاني من خصاص حسب علمنا، و في تخصص لا يعاني هو الآخر من خصاص، و في ظرف انتخابي دقيق، كيف و هؤلاء الأساتذة كلهم ينتمون بالصدفة لشعبة الدراسات الإسلامية والتي يتواجد فيها الكثير من أنصار العدالة والتنمية؟

 

محمد معروف، أستاذ باحث بجامعة شعيب الدكالي

 

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة