جولة الملك محمد السادس في إفريقيا رسالة مُحمَّلة بعدة إشارات للإتحاد الافريقي
جولة الملك محمد السادس في إفريقيا رسالة مُحمَّلة بعدة إشارات للإتحاد الافريقي

لنتوقف قليلاً عند زيارة الملك محمد السادس التي يقوم بها حالياً في بعض الدول الإفريقية، ولنقُم بقراءةٍ جادَّةٍ لهذا الحدَث التاريخي الهام،وبخصوص رغبة المغرب للعودةِ إلى مؤسسة الاتحاد الإفريقي.

أمّا عن عودة المغرب لمؤسسة الاتحاد الإفريقي، فلقد وجه العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى” قمة كيجالي“،رسالة تم تسليمها من طرف رئيس مجلس النواب المغربي رشيد الطالبي إلى الرئيس الشادي إدريس ديبي إتنو، وهو الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي. مُعبراً في رسالته عن رغبة المغرب في استعادةِ عضوِيَّته في مؤسسة الاتحاد الإفريقي، والذي كان قد غادره في سنة 1984 لأسبابٍ مبدئية.

يأتي طلب المغرب هذا بعدما سحبت أكثر من 28 دولة اعترافها بكيان البوليساريو وأيضا لوعي هذه الدول اليوم،بجِدّيَة ومصداقية مشروع الحكم الذاتي في الصحراء المغربية الذي يقدمه المغرب لأبنائه الصحراويِّين أولاً وقبل كل شيء ثم للمجتمع الدولي كحل لهذا النزاع.أنقل إليكم هنا بعض الخطوط من رسالة الملك محمد السادس:

رغم كون المغرب قد غاب عن منظمة الوحدة الإفريقية، فإنه لم يفارق أبد إفريقيا

وجاء أيضاً في نص الرسالة:

بعد تفكير عميق، بدا لنا واضحاً أنه يمكن علاج الجسم المريض من الداخل بنجاعةٍ أكبر من علاجه من الخارج.

الرسالة طويلة ومُحمَّلة بالإشارات لماضي مؤسسة التحاد الافريقي وكون المغرب كان من ضمن الدول المؤسسة لها ولواقع الدول الافريقية وما يطمح له المغرب لمستقبل القارةمن شراكات اقتصادية واجتماعية وروحانية.

هذه الشراكة التي تحدث عنها العاهل المغربي الملك محمد السادس في رسالته للاتحاد الإفريقي قبل أشهر، هي الدافع الوحيد لجَولته الرّسمية لكلٍ من روندا، تنزانيا وإثيوبيا حالياً.

لإن إفريقيا السوداء كانت دائما سوقاً مهماً للمستثمر الخارجي، وحتى الآن فإن الدول الأوروبية هي المستفيد الأكبر من هذه السوق وخاصةً فرنسا.أمّا اليوم وبدلالة ما يحظى به المغرب من استقرار أمنيّ وقوَّة اقتصادية صاعدة في المنطقة،فقد أصبح بإمكانه منافسة تلك الدول ليكون عنصراً مستثمراً حاضراً وبقوة في دول إفريقيا، ويتجلى ذلك بشكل واضح في التجربة الناجحة لأكبر الشركات مغربية في إفريقيا الجنوبية، بما فيها البنوك (كالتجاري وفا بنك) وشركات البناء (كشركة الضحى العقارية) وغيرها من الشركات.

أكد المغرب في أكثر من خطاب وتظاهرة على انتمائه إلى القارة الإفريقية ودوره البناء اتجاه شعوبها، ومن ضمنهاما جاء في خطاب الملك محمد السادس بتاريخ(15 دجنبر 2015)في قمة المناخ التي أُقيمت في باريس،حيث أكد ضرورة مساعدة الدول الإفريقية، لكي تحقق هي الأخرى نهضتها الصناعية وأن ذلك حق مشروع ويجب مرافقتها لتحقيق هذه النهضة الصناعية وذلك بالاعتماد على الطاقات المتجددة.

زيارة العاهل المغربي الملك محمد السادسهذه أدَّت حتى الآن إلى العديد من الاتفاقيات في مجالات سياسية واقتصادية واجتماعية والثقافية. ولقد تمَّ عقد أزيد من 20اتفاقية مع تنزانيا، و19اتفاقية مع رواندا، في قطاعات الصحة والتعليم والتكوين المهني وكذلك البنيات التحتية والسكن والمواصلات والشؤون المالية والمجال الحِرَفي التقليدي، وشَرَكات التعاون الأمني. وقد تمَّت هذه الاتفاقيات بين الأطراف الحكومية وكذلك مع شرِكات خاصة.

عرفت زيارة محمد السادس لإفريقيا الشرقية الانتقال إلى بعض المرافق الأخرى التي يجب الإشارة إليها لما تحمله من بُعد إنساني واجتماعي ومن بينها: متحف (مركز النصب التذكاري لضحايا الإبادة الجماعية برواندا) الذي يشهد على مأساة كبيرة عانَى منها الشعب الرواندي وسببت جرحاً عميقاً حيث تعرض الآلاف من المدنيين إلى إبادةٍ جماعية في وقتٍ زمنيٍّقصير. ومن الطبيعي أن يتذكر العالم والأجيال القادمة ما حدث في هذا البلد، وأن ما حدث هنا يجب ألاَّ يحدث مرة أخرى.

وخلال زيارة الملك محمد السادس لدار السلام تم إعطاء انطلاقة بناء مسجد بمساحة 7400 متر مربع، يشمل قاعة للصلاة ومرافق للتعليم الديني، وسيحمل اسم ”مسجد محمد السادس“ تلبيةً لطلب المفتي الشيخ أبو بكر بن زبير بن علي رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بتنزانيا وعضو مؤسس لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة.

وهذا يدل على أن المغرب يحرص على الاهتمامبهذا المجال أيضا في دول إفريقيا، وخاصة أن العديد من الحروب الأهلية اندلعت في هذه الدول بسبب الصراعات الدينية وذهب ضحيتها الملايين من المدنيين وبأبشع الطرق. ونحن نعلم الدور الذي يقوم به المغرب اليوم في هذا المجالكي لا يترك الساحة أمام التطرف الديني المخالف لإسلامٍ معتدل يدعو للسِّلم والسلام.

وبهذا يكون المغرب وفيًّا لسياسته الاقتصادية ضمن إطار شراكات تتسم برابح رابح في قارةٍ ارهقتها الحروب الأهلية وكادت أن تقضي عليها.

وأخيراً، لم يفتنا وفاء العاهل المغربي وحرصه على أن يوجه التحية للشعب الذي يزور أرضه بكل احترام ومودة واخوة، والعاهل المغربي له طُرقه الخاصة وأسلوبه الراقي للتعبير عن ذلك.

وضحة الحيرش

28/10/2016

باريس

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة