مقهى نجمة المحيط.. فضاء نشط الجديدة لسنوات وزاره محمد السادس مرتين لما كان وليا للعهد
مقهى نجمة المحيط.. فضاء نشط الجديدة لسنوات وزاره محمد السادس مرتين لما كان وليا للعهد

نجمة المحيط أو مقهى محماد كما كان يحلو للجديدين تسميته ، هو مقهى كان يتوسط حديقة محمد الخامس في الربوة العالية التي وضعت فيها الآن بعض معدات التمارين الرياضية ، هذا المقهى هو جزء من الذاكرة الفنية والثقافية لهذه المدينة.

إذ في زمن لم تكن فيه مهرجانات ولا ملتقيات فنية ، كان أبرز مكان يقدم الفرجة والتنشيط لساكنة المدينة وزوارها ولاسيما المراكشيين ، الذين كانوا مرتبطين أشد الارتباط بالجديدة قبل أن تقع الأحداث المؤلمة في مباراة ربع نهاية كأس العرش سنة 1983 بين الكوكب المراكشي والدفاع الجديدي في مباراة احتضنها ملعب الحارثي وانتهت بالتعادل السلبي لما ضيع البياز ضربة جزاء للكوكب في الأنفاس الأخيرة من المباراة ، وانتصرت الجديدة في مباراة معادة يوم الأربعاء ، وكانت تلك الأحداث سببا في انقطاع الود بين الجديديين والمراكشيين الذين حولوا وجهتهم نحو الصويرة وآسفي .

كانت نجمة المحيط مشيدة منذ المرحلة الاستعمارية ، وامتلك تسييرها أول مرة بن علال وصهره الجزائري قبل أن يتحول تسييرها إلى محمد أعراب القادم من تهالة .

كانت نجمة المحيط من حيث ميلادها توأم لمقهى الشمس الواقع في الأسفل ، وهو مقهى كان تابعا لفندق مرحبا ويقدم المشروبات الكحولية لرواده في ذلك الوقت وخاصة نوع من الجعة يطلق عليه \"عائشة الطويلة\" ، وبجانب مقهى الشمس كانت هناك دكاكين للمواد الغذائية وملعب للكرة الطائرة احتضن مباريات شيقة ومثيرة بين الجديديين والمراكشيين .

وتخصصت نجمة المحيط في الشاي والقهوة التي يتم تهييئها في أباريق ، لأنه في ذلك الوقت لم تكن \"الماكينة\" أو \"البريسة \" معروفة .

كانت نجمة المحيط تحولت في تسييرها منذ سنة 1958 إلى محمد أعراب ، الذي رفض أن يستمر المقهى في تقديم المشروبات الكحولية ، وبمقابل ذلك طلب من الباشا محمد لعلج الذي كان يساعد الخليفة بن المامون ، وكان بوابه هو شخص يدعى الرداد كان أكولا ، للدرجة التي نال فيها ولمدة طويلة لقب أكبر \"وكال\" بالجديدة ، ومن طرائفه أنهم دسوا له في يوم من الأيام بالكسكس صابونة بالموليف بيضاء فالتهمها ضنا منه أنها \"شحمة\" وأتبعها بكوب من الماء ليسهل عملية استقرارها في بطنه .

طلب أعراب من الباشا أن يرخص له باستعمال مكبر صوت، يبث بواسطته أغاني أسطوانات خالدة لأم كلثوم وفريد الأطرش ومحمد عبدالوهاب وعبد الحليم حافظ ومحمد الحياني وغيرهم، وطلب منه كذلك أن يرخص له بإقامة أمسيات غنائية خاصة مساء كل جمعة وسبت وأحد ، ووافق الباشا ومده برجلين من القوات المساعدة يؤمنان الحراسة، قبل أن يتدخل له المرحوم بوكراع لمده برجلي شرطة للغرض سالف الذكر .

 

ولازال جديديو ذلك الوقت يذكرون أنه بفضل نجمة المحيط ، تأتى لهم أن يحفظوا خالدات أم كلثوم ومنها رباعيات الخيام وكلمات أحمد رامي وألحان رياض السنباطي .

كنا صغارا لاندرك معاني هذه الرباعيات ولكن نرددها عن ظهر قلب ، ولما كبرنا عرفنا أنها كانت تدعو الإنسان أن يستغل شبابه وينعم بالدنيا وأن يتعفف ولايتكبر ويمشي الهوينى لأن ثرى الأرض التي نمشي عليها ماهو إلا أديم أجساد ساحرات أعينهن شديدة الاحورار .

كانت مقهى نجمة المحيط المكان الذي احتضن الأغنية الشعبية بشكل كبير ، وكان المكان الذي انتشرت منه الأغاني الغربية مع فيكو وآخرين ، بل كان المكان الذي أحيى فيه الكوميديون الداسوكين والزعري والمرحوم بنبراهيم أمسيات كثيرة .

وأذكر أن نجمة المحيط هو أول مقهى أدخل الإسفنج الرومي\" المرشوش بالسانيدة \" إلى الجديدة ، أو مايعرف ب \"البينيي\" على يد المعلم أحمد البيضاوي ، وشكل ذلك أيام زمان منافسة شرسة للإسفنج البلدي الذي كان يبدعه ويتقنه المعلم امحمد الشفناج الذي كان محله على يمين مدرسة الصفاء الحسنية .

أذكر أن مقهى نجمة المحيط كان يتوفر على لعبة \"البيار\" كما كان الشأن بمقهى با الصوردو التي تحولت الآن إلى مختبر الصور بن نزهة قرب المقاطعة الحضرية الثانية .

وكنا أطفالا صغارا في السبعينات نلعب البيار ب20 سنتيم ، وذات عشية من أيام شهر غشت من سنة 1974 ، بينما كنا منهمكين في اللعب فجأة طلب منا نادل بالمقهى أن نغادر المقهى على عجل ، ولما التفتنا كان شخص يصعد أدراج المقهى وبجانبه طفل  صغير أنيق المظهر، عرفنا فيما بعد أنه سيدي محمد ولي العهد ، وأن الشخص المرافق له هو عواد المكلف بتربيته ، وأن ولي العهد أنذاك رغب في أن يلعب البيار معنا فكنا أن لعبنا معه معززين مكرمين رغم أنف النادل ، وعرفنا فيما بعد أنه كان يقضي جزءا من عطلته بالجديدة بدار الخطيب وأنه زار معمل \"فايزر \"للأدوية الذي كان يعرف بمعمل \"لوبوتي فارمغرب\" والتقط له هناك صورا تاريخية المصور المرحوم سي أحمد الشماع  ، وتكررت زيارة ولي العهد لنجمة المحيط مرة أخرى .

وفي سنة 1994 قرر المرحوم الحسن الثاني الاحتفال بعيد الشباب رسميا بمدينة الجديدة ، وبالضبط بحديقة محمد الخامس وكان إدريس البصري وزير الداخلية ترأس عدة اجتماعات بمقر عمالة الجديدة للترتيب للاحتفالات ، واستقر الرأي على إزالة نجمة المحيط مؤقتا ، ومكانها ستكون لوحة تاريخية بأجساد شباب كثر تدربوا لهذه الغاية ، وقدمت أمام المرحوم الحسن الثاني عدة لوحات وضمنها تخريجة المحضار التي نالت إعجاب جلالته يومذاك ، وبشهادة الجميع كانت أنجح احتفالات في تاريخ أعياد الشباب .

وبعد احتفالات عيد الشباب لسنة 1994 بدأت العراقيل في وجه مالكها محمد أعراب ، وبدأت تظهر نية المجلس البلدي في إزالة المقهى بصفة نهائية ، حين بدأ يماطل في منح ترخيص لإعادة بنائها من جديد ووفق تصميم جديد ، واستمر الحال كذلك لتنتهي قصة نجمة المحيط المقهى الفني الذي وشم ذاكرة الجديدة وزوارها لفترة طويلة.


عبد الله غيتومي 



الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة