الاحتلال الفرنسي يعدم مغربيين شنقا في فيلم"الوردة السوداء" + فيديوان
الاحتلال الفرنسي يعدم مغربيين شنقا في فيلم

لم يخل تاريخ السينما، الفن السابع، من مآس إنسانية، وثقت لها بالصورة الحية عدسات الكاميرات، بعضها لم يكن عرضيا أو وليد الصدفة، ومنها ما شكل فعلا مدبرا، مثل تصفية الممثل الأمريكي (برندون لي)، ابن أسطورة ال"كونك فو" (بروس لي)، في ال31 مارس 1993، خلال تصوير فيلم "الغراب"، بمسدس شحن برصاصة حية.. وهي جريمة يعتقد أن (لي تغياد)، المافيا الصينية،  تقف وراءها؛ ومنها ما ارتقى إلى جريمة ضد الإنسانية، مثل جريمة إعدام  مقاومين مغربيين شنقا، من قبل سلطات الاحتلال الفرنسي، لإظهارهما في الفيلم الأمريكي–البريطاني "الوردة السوداء"، الذي تم تصوير بعض مشاهده في المغرب، سنة 1950

"الوردة السوداء":

بطاقة تقنية: قبل الخوض في وقائع الفيلم وخلفياته وأبعاده الإنسانية والأخلاقية، بغض النظر عن القانون الوضعي، قانون البشر، لا بد من تقديم فيلم "الوردة السوداء"، عنوانه الأصلي (The Black Rose)، عند الانتهاء من تصويره، وعرضه في صالات السينما، بتاريخ: 1 شتنبر 1950، قبل دبلجته إلى لغات أخرى (الفرنسية – الألمانية..). ومدة عرضه كانت: 121 دقيقة، قبل أن تتقلص ب30 ثانية (120 دقيقة و30 ثانية).

 "الوردة السوداء" (La Rose Noire)، عمل أمريكي–بريطاني مشترك، أنتجته الشركة السينمائية الأمريكية العملاقة (توينتي سونتري بروديكشنز)، سنة 1950، وقامت بتوزيعه شركة (توينتي سونتري فوكس فيلم كوربوريشن).

يصور الفيلم، وهو من أفلام المغامرة، عن قصة مؤلفها (طوماس ب. كوسطايند)، أحداثا تدور في القرن الثالث عشر، في أوربا (انكلترا)، والشرق الأقصى (الصين..). بعض مشاهد الفيلم تم تصويرها في المغرب.



لقطة بتصويرن:

اللقطة الأصلية:  يظهر في (الفيديو رفقته)، الذي نشرته قناة إخبارية–ثقافية شهيرة، بشأن المشهد المثير في فيلم "الوردة السوداء"، رجلان بلباس مغربي تقليدي، مشنوقان ومعلقان، الواحد بجانب الآخر، من عنقيهما بحبل مشدود إلى جدع شجرة شامخة. حيث إن الجثتين المعلقتين تبعدان بحوالي 4 أمتار عن سطح الأرض.

وحسب التعليق المصاحب للتسجيل الحي، فإن الفيلم الأمريكي "الوردة السوداء"، الذي تم إنتاجه عام 1950.. وأثناء تصوير بعض مشاهده في المغرب، قام الحاكم الفرنسي (لويس مورين) بإعدام اثنين من المقاومين المغاربة شنقا على الشجر، كي يظهروا في أحد مشاهد الفيلم، عوض استخدام الدمى، وحتى يكون المشهد أكثر واقعية. وكان ذلك كهدية من الضابط الفرنسي لمخرج الفيلم، لكونه من معجبي الممثل الأمريكي (أورسون ويلز)، الذي لعب في الفيلم دور (بايان)، قائد جيش المغول. ويعتبر "الوردة السوداء" الفيلم الوحيد الذي صورت فيه جثث حقيقية.



اللقطة المعدلة: لعل اللقطة المثيرة للجدل والاشمئزاز والاستفزاز في الفيلم، والتي تظهر فيها جثتا مقاومين مغربيين معلقتين، بعد إعدامهما شنقا، ومشدودتين إلى جدع شجرة شامخة، منتصبة في جبال الأطلس بالمغرب، كان وراء تغيير تلك اللقطة من المشهد ذاته، واستبدالها من ثمة بلقطة أخرى، حلت فيها عن قصد جثة دمية، عوض الجثتين الحقيقيتين.. حتى تبدو اللقطة جد عادية، وحتى يتم طمس "الجريمة السينمائية".



تحليل تقني:

أخضعت "الجديدة24" اللقطة المفبركة، لتي تم حصرها في الفيديو رفقته، لتحليل فني وتقني، ودراسة من زوايا مختلفة، ولمقاربة مقارنة مع الفيديو رفقته، الذي نشرته القناة الإخبارية–الثقافية الشهيرة. وخرجت من ثمة الجريدة بملاحظات واستنتاجات، أهمها:

اللقطة المفبركة تم تسجيلها بمجسم أو دمية ملفوفة بشكل مفضوح في ما يشبه جلبابا مغربيا تقليديا، وعلى رأسها عمامة. وهي لا تعطي البتة الانطباع سواء من حيث شكلها أو  مظهرها أو لباسها، أو  طريقة تثبيتها على جدع الشجرة، بواسطة حبلين، تعمدها مخرج الفيلم،  ولا أيضا من حيث زاوية التقاط تلك اللقطة  بعدسة الكاميرا المتحركة، (لا تعطي البتة الانطباع) بأن الأمر يتعلق بلقطة من مشهد قريب إلى الحقيقة والواقع. وهذا ما حاول المخرج عن قصد أن يخفيه في اللقطة المفبركة، بعدم التركيز طويلا أثناء التصوير على ما يشبه الجثة المعلقة، وعلى المشهد المفبرك في خصوصياته أو حتى عمومياته. وهذا ما يمكن ملاحظته في وضعيات ومواقف مبهمة وغير منسجمة للممثلين (الأبطال والثانويين والكومبارس)، في سياقين متضاربين، لا من حيث الديكور، ولا من حيث الحوار (..). فمثلا،  تظهر في اللقطة المفبركة فقط جثة معلقة واحدة.. في الوقت الذي يوجه  فيه بطل الفيلم (ولتر دو كورني) بهذا الشأن، سؤالا مباشرا ودقيقا، لا لبس فيه، إلى (بايان)،  قائد جيش المغول، كالتالي: "لكن ماذا فعلوا (Mais qu’est-ce qu’ils ont fait)؟" (سؤال استعمله  بصيغة الجمع وليس المفرد، في إشارة إلى المغربيين المشنوقين، المعلقين على الشجرة، حسب المشهد الحقيقي في النسخة الأصلية من الفيلم).

والأكثر أن اللقطة المفبركة والمونطاج جعلا البطل يظهر بالواضح والملموس، في واد، وقائد المغول في واد آخر. حيث عمد المخرج إلى حذف اللقطة الأصلية، التي كان من المفترض أن يجيب فيها (بايان)عن سؤول مخاطبه (البطل). واستعان في تقنية تمويه مكشوفة، قد يعتقد ا أنها بسبب حركة تنقل الكاميرا  (traveling)، بتوظيف لقطة أخرى من الفيلم،  تظهر (بايان) يتحدث في سياق لا علاقة لها بالمشهد الأصلي، وهو يدير فجأة رأسه، ليدل مخاطبه، بطل الفيلم، ويحدثه عن ممر يشق بالجوار الصخور والأتربة، في تباين غير واقعي وغير موضوعي وغير منطقي مع المكان الأخضر من جبال الأطلس، وسط الربيع والأشجار.. حيث كان في المشهد الأصلي، بطل الفيلم (ولتر دو كورني)، يقف على مقربة من خيمة سوداء، وقبالته مباشرة القائد العسكري (بايان)،  فوق صهوة فرسه.

مدة العرض الفاضحة:

كانت مدة فيلم  "الوردة السوداء"، الذي لعب فيه الممثل (تايرون باور)  دور البطل ( ولتر دو كورني)، عند عرضه، في نسخته الأصلية، في صالات السينما، ابتداء من 1 شتنبر 1950، محددة في 121 دقيقة، حسب موسوعة "ويكيبيديا"..غير أن هذه المدة أصبحت: 120 دقيقة و30 ثانية. حيث إن حذف  30 ثانية من عمر الفيلم،  يعتبر كذلك دليلا ماديا على تغيير واستبدال اللقطة المثيرة للجدل، بلقطة مفبركة، لدواعي طمس حقيقة الجثتين المعلقتين للوطنيين المغربيين، اللذين أهداهما القائد العسكري (الماجور لويس مورين)، عن سلطات الاحتلال الفرنسي، بعد أن أعدمهما شنقا، إلى مخرج الفيلم (هونري هاتواي)، إعجاب بالممثل الأمريكي (أورسون ويلز)، ومن أجل "عيونه".. بغية إظهارهما في الفيلم، ولكي يكون  "أكثر واقعية" المشهد المثير برجلي المقاومة، عوض الاستعانة بدمى.

التوثيق لجريمة سينمائية:

إذا كان نقاد السينما اعتبروا فيلم "الوردة السوداء" من روائع الفن السابع، فإن ذلك يخفي بين طياته طمسا لحقيقة مرة، تجعل منه أبشع إنتاج سينمائي على الإطلاق في تاريخ السينما العالمي. بل أكثر من ذلك، دليلا ماديا على همجية الغرب "المتحضر". وهذا ما يوثق له في الفيلم بالصورة، بالواضح والملموس،  مشهد جريمة إعدام مقاومين مغربيين شنقا،  وإظهارهما معلقين على جدع شجرة شامخة، منتصبة في جبال الأطلس بالمغرب.

فيلم "الوردة السوداء" أراد له مخرجه الأمريكي نهاية سعيدة. حيث تلتحق الحسناء "الوردة السوداء" بحبيب قلبها، بطل الفيلم (ولتر دو كورني)، الذي يكافئه ملك إنكلترا (إدوارد الأول)، ويجعل منه فارسا للمملكة  (chevalier).

لكن نهاية الفيلم السعيدة، يقابلها فيلم أكثر واقعية ومأساوية، يحمل عنوان "الوردة.. الجريمة  السوداء"  (The Rose.. Black Crime). جريمة حقا "سوداوية" في حق مقاومين وطنيين، يحملان الجنسية المغربية، ظلت، مدة 66 سنة، في طي  التجاهل  والكتمان. جريمة ترقى، باعتبار ظروف وملابسات وكيفية ارتكابها، إلى جريمة ضد الإنسانية.. المسؤولية فيها وعنها، متقاسمة بين فرنسا، ممثلة في سلطات الاحتلال، والولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة، بحكم أن الفيلم إنتاج أمريكي–بريطاني.

فجريمة قتل الوطنيين موثقة بالصورة الحية في الفيلم. ما يجعلها على الإطلاق الجريمة الوحيدة والفريدة من نوعها، في تاريخ السينما العالمي.. "جريمة فنية" شابت، في حالة شاذة، عالم "الفن السابع"..  بما تحمله العبارة من مآس إنسانية، وتناقضات صارخة  بين الجريمة والفن.

"الوردة.. الجريمة  السوداء":

في فيلم "الوردة.. الجريمة  السوداء"، سيتم التركيز على دور الدولة الفرنسية والدولة المغربية والمجتمع المدني المغربي، في إجلاء "الحقيقة التاريخية"، والتي لن تكون إلا محرجة بجميع المقاييس..  علاقة بجريمة تم تجاهلها وكتمانها، ولو بالتزام الصمت، بعد طمس معالمها، والتستر عن الجناة، فاعلين رئيسيين  ومشاركين في ارتكابها، من مختلف الجنسيات والمستويات والدرجات. جريمة إعدام شنقا، دون الحق في محاكة ولو غير عادلة، ترقى إلى جريمة ضد الإنسانية. ما يعني أنها غير مشمولة البتة بالتقادم..  كما الشأن في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، التي ارتكبتها، على سبيل المثال، النازية الهتلرية، داخل معسكرات الهولوكوست أو "الشوا" (Shoah la)، في عهد الرايخ الثالث، إبان الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945).. والتي لم تمر، رغم مرور الوقت، دون مساءلة وعقاب.

الدولة الفرنسية:

يعتبر فيلم "الوردة السوداء" الوحيد في تاريخ السينما، الذي صور بلحوم حية ومشهد لمشنوقين حقيقيين من المقاومة المغربية، بعد أن أعدمتهما شنقا سلطات الاحتلال الفرنسي، ممثلة في قائدها العسكري (الماجور لويس مورين)، خارج القانون، وبدون محاكمة (le lynchage)، على غرار  الخارجين عن القانون في الغرب المتوحش (العالم الجديد).. كما أن عرض الجثتين، ولو "من أجل عيون الممثل الأمريكي (أورسون ويلز) "،  يتنافى والقانون والأخلاق والإنسانية.

إن هذه الجريمة الفنية، والتي لا مثل لها في تاريخ الفن السابع، قد تكون أدخلت في نفق مظلم، الجمهورية الفرنسية، "بلد الأنوار"، بلد المبادئ والقيم الإنسانية والكونية، بلد "الثورة الفرنسية" (1789 – 1799). "الثورة الفرنسية" التي تختلف عن الثورات الأخرى، لكونها ليست فرنسية فقط، بل أفادت البشرية جمعاء. حيث ساهمت، على الصعيد العالمي، في الإسراع بصعود الجمهوريات والديمقراطيات. وأصبحت نقطة محورية لتطوير الأيديولوجيات السياسية الحديثة.

لقد ارتكبت سلطات الاحتلال جريمتها ليس فقط في حق مقاومين مغربيين، بل في حق المغرب الذي كان له ولجيوشه وشهدائه الفضل الكبير على فرنسا وعلى الحلفاء، في الحرب العالمية الثانية، من أجل الحرية والتحرر من النازية الهتلرية. وخير شاهد على ذلك، التاريخ ومقابر الشهداء المغاربة في أرجاء أوربا، المعروفين منهم أو المجهولين أو المنسيين

المسؤولية التاريخية:

إن الدول مسؤولة، في القوانين والمواثيق والأعراف الدولية، عن الجرائم التي يقترفها أو يكون اقترفها الموظفون الحكوميون والعسكريون وغيرهم، التابعون لإداراتها ومؤسساتها الرسمية، سواء باسمها، أو في ظل سيادتها، داخل ترابها، وخارج حدودها الجغرافية.  وهذا ما يجعل بلدان المنتظم الدولي تتحمل مسؤولياتها كاملة، وفي طليعتها المسؤوليات التاريخية،  عن جرائم الحرب  أو الجرائم ضد الإنسانية، مثلا. ما يجبرها على تقديم الاعتذارات رسميا إلى الدول التي عانت بسببها، من ويلات المآسي الإنسانية والتاريخية.

 ومن ثمة، فإن الدولة الفرنسية، المسؤولة عن حقبة الاستعمار في المغرب (1912 – 1956)، وعن أفعال وجرائم قادتها العسكريين على التراب الوطني، وفي حق الوطنيين المغاربة، مطالبة بتقديم الاعتذار إلى الدولة المغربية، عن جريمة سلطات الاحتلال ضد الإنسانية، الموثقة في فيلم  "الوردة السوداء".

كما أن على السلطات الفرنسية أن تقدم للمملكة المغربية، اعتذارا رسميا،  وأن تمدها بجميع المعلومات والبيانات التعريفية، التي تخص الشهيدين المغربيين..  وأن تسلمها رفاتهما، حتى يحظيا بمراسيم دفن وطنية ورسمية، تليق بهما وبروحيهما الطاهرتين، وحتى يتم رد الاعتبار التاريخي إليها، ولو بعد استشهادهما (à titre posthume).

الدولة المغربية:

جريمة قتل المقاومين المغربيين، والظروف  الحاطة بكرامتهما وإنسانيتهما، التي مرت فيها، لا يجب أن تبقى في طي الكتمان، أو مواصلة تجاهلها. حيث يتعين على الدولة المغربية أن تتحرك، من خلال مؤسساتها الحكومية وقنواتها الدبلوماسية (وزارة الشؤون الخارجية والتعاون – سفارة المغرب المعتمدة في فرنسا..)، لدى الدولة الفرنسية، من أجل طرح ومعالجة هذا الملف الاستثنائي، الذي يهم المغرب والمغاربة أجمعين، وكل من يحمل في كناش الحالة المدنية أو بطاقة التعريف الوطنية، الجنسية المغربية.. حتى ترتاح روحا شقيقانا الشهيدان في مثواهما الأخير.. فالمقاومان الوطنيان على روحيهما الطاهرتين، وبدماء أمثالهما، بني مجد استقلال المغرب، ويجب أن  تستحضر ذاكرتهما المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير،عند تخليد ذكرى تقديم عريضة المطالبة بالاستقلال، وعيد الاستقلال.


المجتمع المدني:

لم يخرج المجتمع المدني في المغرب عن صمته إزاء جريمة إعدام مقاومين مغربيين شنقا، والتي ترقى إلى جريمة ضد الإنسانية. المجتمع المدني الذي تعود المغاربة وعودتهم بعض حساسياته، على أن يحصل بينها الإجماع حول كل ما فيه زرع البلبلة والتفرقة، ومعاكسة القضايا الوطنية، خدمة لأجندات جهات معادية للوطن، تتقاضى منها بسخاء دعما ماليا ومعنويا. فهل "رخيص" دم هاذين الوطنيين اللذين أهدى القائد الفرنسي (الماجور لويس مورين)، جثتيهما للمخرج (هونري هاتواي)، لإظهارهما في فيلم "الوردة السوداء"، "من أجل عيون الممثل الأمريكي (أورسون ويلز)" ؟!!!




الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة