صراع الدولة و المجتمع.. نموذج يعيد إنتاج ذاته
صراع الدولة و المجتمع.. نموذج يعيد إنتاج ذاته

أثبتت الأحداث الأخيرة في الريف و في مناطق أخرى أن هناك نموذج وحيد في السلوك السياسي العام بالمغرب، تتشارك فيه الدولة كسلطة مهيمنة و القوى السياسية الأخرى التي تدور في فلكها أو تعارضها.

يتمثل هذا النموذج في الطريقة التي يدار بها الصراع على السلطة و الحصول على التنازلات، فالقوي يستغل ضعف الطرف الآخر إلى أقصى درجة. فالدولة تقمع كل صوت معارض لسلطتها قمعا مطلقا و ترغمه على الانزواء في الهامش، و نفس الشيء تقوم به المعارضة عندما تتقوى، مثلا حركة 20فبراير و الحراك في الريف، و التي ترغم النظام على إعطاء تنازلات تزعزع أحيانا استقرار الدولة.

هذا يدل على أن المغرب مازال يعيش على إيقاع صراع على النمط التقليدي رغم مظاهر الديمقراطية التي تدل الأحداث على أنها ليست حقيقية.

يجب حل الصراع بطريقة ديمقراطية يقبل فيها الطرفان بعضهما البعض، بدون مناورة و بالالتجاء إلى التداول الديمقراطي للأفكار و المقترحات. لا تتحقق هيبة الدولة بقمع المعارضة و إسكات الصوت المخالف، بل تتحقق بالاستماع للمجتمع المدني و السياسي و التفاعل ايجابيا مع كل مقترح قابل للتطبيق. و لا يثبت حب الوطن إلا بالتفكير في مصلحة الوطن التي يستفيد منها الجميع، مثلا الاستقرار و التنمية.

يوجد المغرب الآن في مفترق طرق وفي مأزق سياسي ناتج عن تبني هذا النموذج التقليدي في الصراع الذي روجت له الدولة و تعلمته المعارضة و باقي القوى السياسية. ما يجعل لهذا  النموذج التقليدي آثارا بالغة على العلاقة بين المجتمع و الدولة هو تراجع دور الأحزاب في تفعيل الديمقراطية و الممارسة السياسية الحقيقية. ضعف هذه الأحزاب هو سبب و نتيجة لتدخل الدولة فيها، لإضعافها أو تفتيتها أو استخدامها في برنامج سياسي معين.   

 من بين النتائج الواضحة لهذا التراجع، هو حدوث مواجهات مباشرة بين الدولة و المجتمع، و كأن المجتمع فهم إستراتيجية الدولة في إضعاف الأحزاب أو استخدامها لأغراض تثبيت هيمنة النخبة الحاكمة عبر المؤسسات [برلما ن وحكومة]، و فهم أن لغة الدولة فيها مجاز مزمن يفهمه الجميع و يحمي سريته الجميع كذلك. إضعاف الأحزاب هو نتيجة لهذا النموذج في تدبير الصراع و نرى اليوم كيف أن الدولة تؤدي ضريبة هذا الإضعاف. لا يمكن التحايل على الديمقراطية لأنها سلوك له قواعد معروفة و ما أن يتم خرقها تتعطل حركيتها و يبرز فقط النموذج المهيمن الذي يختفي وراء جدران الديمقراطية، و الذي لا يؤمن إلا بعدم توازن القوى و بالضرب تحت الحزام.

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة