طقوس إمارة المؤمنين في المغرب.. أية حماية قانونية ؟ ‎
طقوس إمارة المؤمنين في المغرب.. أية حماية قانونية ؟ ‎

أثار مقطع "فيديو" جرى تداوله على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، ;بواسطة تطبيق "الواتساب"، تفاعلات وردود فعل توزعت ما بين مندد ومتسامح، بعد أن ظهر في التسجيل الحي بالصورة والصوت،  شخص يعمد بطقوس شبيهة بالطقوس الرسمية، في مناسبة من المناسبات، قد تكون عقيقة أو عيد الأضحى أو مناسبة دينية أو أسرية، إلى نحر كبش.   

الشخص المعني ويدعى (ب.)، ذو مكانة واعتبار خاصين، نظم  في حديقة إقامته حفلا متميزا، دعا لحضوره  نخبة من المعارف، تابعوا على إيقاع عزف جوقة موسيقية، استعملت آلات نفخ نحاسية (نفير)،  عملية نحر  كبش "سردي"، بطقوس  جد خاصة، وذلك  بتأثيث المشهد بحوالي 10 أشخاص، ظهروا في صورة "الخدم والحشم"، مرتدين، باستثناء "كبيرهم"، لباسا تقليديا موحدا، عبارة عن سلاهم بيضاء ونعال صفراء وطرابيش حمراء. وفيما كان  3 منهم يمسكون بالكبش الذي مددوه  على بساط أبيض مطرز، قام  (ب.)،  صاحب الحفل المتميز،  وكان يلبس جلبابا أبيض ونعلا أصفر، ويساعده "كبير"  من ظهروا  في صورة "الخدم والحشم"،  وكان بزي متميز عنهم، أحمر اللون، ورأسه ملفوف بعمامة بيضاء، يتوسطها طربوش أحمر،  (قام ب.) من وراء "إزار" أبيض، بنحر الكبش.. ليعمد الأشخاص الثلاثة الذين كانوا يحكمون قبضة الكبش،  إلى لفه في بساط أبيض مزكرش، كان يغطي مكان الذبح..  ويحملوه بسرعة... هذا،  في الوقت الذي لحق "كبيرهم" مسرعا  ب(ب.)،  ومده ب"فوطة"، مسح بها يديه، بعد عملية النحر.

وتجدر الإشارة إلى أن (ب.) الذي ظهر في ال"فيديو"، الذي خرج عن نطاق الاستعمال المحدود في إطار أسري، إلى العلن، بنشره أو تسريبه على مواقع التواصل الاجتماعي، وبواسطة تطبيق "الواتساب"، أكان ذلك عن طريق الخطأ أو عن غير قصد، أو كان  بنية مبيتة.. قد عمد، في حالة استشنائية وغير معهودة عند المغاربة، إلى نحر الكبش  "السردي"، بطقوس احتفائية جد خاصة، لا يمكن وصفها حتى بالتقليدية، لكونها تخرج عن العادات والتقاليد المتداولة في المجتمع. طقوس شبيهة بالطقوس الرسمية في المغرب، طقوس إمارة المؤمنين. والمثير حقا أن  نشر ال"فيديو" أو تسريبه، قد جاء تزامنا مع عيد الأضحى. ما قد ينم عن نوايا ونيات وخلفيات.

إلى ذلك،  فإن أخبارا غير مؤكدة، أوردتها مواقع التواصل الاجتماعي، أفادت أن الشرطة استدعت الشخص المعني بالأمر.

هذا، فإن واقعة نحر كبش "سردي"، بطقوس شبيه بالطقوس الرسمية، والتي خرجت إلى العلن، من خلال "فيديو" تم  تسرببه في ظرفية وفي ظرف من الظروف، وتزامنا مع عيد الأضحى،  إلى وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، تجرنا إلى  التساؤل عما إذا كان تقليد  طقوس إمارة المؤمنين،  أمرا مسموحا به، ولا تترتب عته أية مسؤولية قانونية.. أم أنه أمر ممنوع وغير جائز قانونا ؟

قبل الخوض في الموضوع، ومعالجته من الوجهة الواقعية والأخلاقية والقانونية، وجب التنبيه إلى أن الواقعة  حساسة، لكونها ترتبط بمجال دستوري، حكر على الملك، في إطار مؤسسة إمارة المؤمنين، بما تنطوي عليه من حمولات ورموز دينية وشرعية.

لقد نص دستور المملكة المغربية في الفصل 41 من الباب الثالث المتعلق بالملكية، على أن   "الملك أمير المؤمنين وحامي الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية.. يمارس الملك الصلاحيات الدينية المتعلقة بإمارة المؤمنين، والمخولة له حصريا،  بمقتضى  هذا الفصل، بواسطة ظهائر". ونص الفصل 46 من الدستور على أن "شخص الملك لا تنتهك حرمته، وللملك واجب التوقير والاحترام".

فإذا كان الملك، بصفته شخصية اعتبارية عامة، تمثل نموذجا ومثلا أعلى لشباب المغرب، الذين يسعون  إلى تقليده والسير على خطاه، والتقاط "سيلفيات" تذكارية معه، داخل وخارج أرض الوطن، تعبيرا منهم عن الحب والتقدير الذي يكنونه لشخصه، فإن الطقوس المرتبطة بإمارة المؤمنين تظل ذات طابع خاص وحصري، ولا مجال فيها لا للتقليد ولا للمنافسة. ومن الواجب أن تحتفظ بهذه الخصوصية، حتى لا تضيع هيبتها، بعد أن يصبح كل من هب ودب يمارس هذه الطقوس، في ظروف قد تجعلها مادة للسخرية والاستهزاء.

 لذلك، فإنه من غير المعقول ومن غير المقبول أن يقلد أي شخص، أكان ذي  مكانة واعتبار خاصين، أو من عامة الشعب،  وكيفما كان قصده ونيته، ملك البلاد في ما يتعلق بطقوس نحر أضحية عيد الأضحى، أو الاحتفالات الرسمية، والخطب الملكية، والتزيي بالأزياء النظامية والمخزنية.. لأن ذلك يدخل في إطار انتحال الصفات الرسمية والألقاب.. وهي أفعال يجرمها ويجرمها ويعاقب عليها القانون الجنائي في الفصل 380 وما يليه.

وعليه، وتبعا للنقاش الذي خاضت فيه الجريدة، عقب ما أثاره مقطع ال"فيديو" الذي تم تداوله على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، وبواسطة تطبيق "الواتساب"، والذي ظهر فيه  (ب.)،   وهو يعمد إلى نحر كبش "سردي"، بطريقة شبيهة بالطقوس الرسمية، وما واكب ذلك من تفاعلات وردود فعل.. فإن من المفروض على المشرع الجنائي،  واعتبارا  لكون ما قام به الشخص المعني، لا يشكل، في غياب نص قانوني، فعلا مجرما بمقتضى  القانون، واستحضارا  لمبدأ "لا جريمة ولا عقوبة إلا  بنص القانون"، (من المفروض) أن يتدخل لوضع نصوص زجرية خاصة بحماية الطقوس والبروتوكولات الرسمية، حتى لا تصبح عرضة للسخرية والانتقاص.. على غرار ما فعله من أجل حماية علم المملكة ورموزها من الإهانة، بعد أن خصهم بفصول جنائية زجرية.

 

 

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة