هفوات 'برتوكولية' تشوب زيارة 31 سفيرا من دول العالم للجرف الأصفر (+ فيديو)
هفوات 'برتوكولية' تشوب زيارة 31 سفيرا من دول العالم للجرف الأصفر (+ فيديو)

شكلت الزيارة الرسمية التي قام بها، السبت الماضي، وفد من 31 سفيرا إلى الجديدة، محكا عسيرا للسلطات الإقليمية والمحلية والأمنية، جراء الهفوات "البروتوكولية" والتنظيمية والأمنية التي شابت هذا الحدث الدبلوماسي الدولي الضخم.

هذا، وقام  الدبلوماسيون من القارات الخمس، معتمدون في المملكة المغربة،  بزيارة رسمية قادتهم إلى مدينة أزمور، والمنطقة الصناعية للجرف الأصفر، وعاصمة دكالة.

وكانت وزارة الداخلية أخبرت، في وقت سابق، معاذ الجامعي، عامل إقليم الجديدة، حتى يتسنى للسلطات اتخاذ ما يلزم من تدابير بروتوكولية وتنظيمية وأمنية، لإنجاح زيارة سفراء دول العالم، التي تأتي  في ظرفية خاصة وحساسة وطنيا وإقليميا ودوليا، سيما في أعقاب  الزيارة التي قام بها الملك محمد السادس، إلى المنطقة الصناعية "الجرف الأصفر".

الوفد الدبلوماسي الدولي انطلق في الساعات الأولى من صباح السبت الماضي، من العاصمة الرباط، على متن حافلتين سياحيتين مميزتين بحرفي "أ" و"ب"، وتحملان عند مدخليهما الأماميين وفي أقصى يمين زجاجتيهما الواقيتين الأماميتين، ملصقات بصورة تجسد المسقاة البرتغالية، كتب عليها بالفرنسية: "زيارة السفراء إلى الجديدة".

هذا، وتوقف وفد السفراء، صباح السبت الماضي، في مدينة أزمور. حيث قام بزيارة المدينة العتيقة. وهي الزيارة التي مرت في ظروف وأجواء وصفتها مصادر مطلعة ب"الجيدة"، جراء  الترتيبات التنظيمية والأمنية التي اتخذتها السلطات المحلية والأمنية، ممثلة في باشا المدينة بالنيابة، والعميد الإقليمي، رئيس مفوضية الشرطة بأزمور.

بعد مدينة أزمور، انطلق الوفد الرسمي  إلى "الجرف الأصفر" حيث قام بزيارة  للمركب الصناعي، أكبر موقع كيميائي مندمج في العالم،  جعل من الجديدة أهم  قطب اقتصادي في المغرب. وتوقف دبلوماسيو القارات الخمس عند مركب إنتاج الأسمدة الفوسفاطية، المخصصة  بكاملها للتصدير إلى القارة الأفريقية (أفريكا فيرتيلايزر كومبليكس). وهو المركب الذي دشنه الملك محمد السادس، الاثنين 1 فبراير 2016. ويتكون هذا المركب الذي تطلب إنجازه استثمارا بقيمة 5,3 مليار درهم، من وحدة للحامض الكبريتي (1,4 مليون طن/ سنة)، ووحدة للحامض الفوسفوري (450 ألف طن/ سنة)، ووحدة للأسمدة (مليون طن معادل ثنائي فوسفاط الأمونيوم/ سنة)، ووحدة مركزية كهرو- حرارية بقدرة 62 ميغاوات، ومختلف البنيات الخاصة بالتخزين، والتي بوسعها استقبال 200 ألف طن من الأسمدة، أي بقدرة ذاتية تفوق الشهرين.

ومساء اليوم ذاته (السبت الماضي)، انتقل وفد السفراء إلى الحي البرتغالي، حيث وجدوا في استقبالهم قائد الملحقة الإدارية الثانية، والمدير الجهوي للثقافة.

وبشكل متأخر، تمت الاستعانة بالباحث الأثري أبو القاسم الشبري، مدير مركز دراسات وأبحاث التراث المغربي–البرتغالي، الذي أنقذ الموقف. إذ اضطر بمعية أسرته لقطع عطلة نهاية الأسبوع، والعودة من طريق السفر. وكانت السلطات الإقليمية والوصية على الثقافة والتراث، أحجمت عن  إخبار المسؤول عن التراث الأركيولوجي بهذه الزيارة الدبلوماسية الدولية.

خلال زيارة المسقاة البرتغالية وبرج الملاك، قدم الباحث الأثري أبو القاسم الشبري  لسفراء العالم، ضيوف المملكة المغربية والجديدة المتميزين، شروحات مستفيضة باللغات الفرنسية والإنجليزية والبرتغالية والإسبانية، عن المآثر التاريخية التي يزخر بها الحي البرتغالي، الذي كانت منظمة اليونسكو صنفته، في 30 يونيو 2004، تراثا  إنسانيا وحضاريا. كما استحضر  الدور التاريخي الذي قام به المغرب في استكشافات أمريكا الجنوبية وأمريكا الشمالية.  ولم تفت الفرصة لكي يتحدث عن ملابسات احتلال سبتة ومليلية، والصحراء المغربية، خلال القرون السابقة.

ومباشرة بعد زيارة الحي البرتغالي، توجه وفد السفراء إلى مقر عمالة الجديدة، حيث كان لهم لقاء برمج مع عامل الإقليم معاذ الجامعي.

هذا، ومرت زيارة سفراء  دول القارات الخمس،  في أجواء أبانت عن ضعف التدابير البروتوكولية والتنظيمية والأمنية، التي اعتمدتها السلطات بالجديدة. تدابير لا ترقى إلى مستوى أهمية  الحدث الدبلوماسي الدولي، الذي كان من شأنه أن يحقق للمغرب متكسبات على المستويات الاقتصادية والدبلوماسية والسياسية خاصة.

فقد لاحظ المتتبعون غياب عامل إقليم الجديدة أو من ينوب عنه (الكاتب العام)، عن مرافقة وفد السفراء خلال محطات زيارتهم الرسمية. وحتى قائد الملحقة الإدارية الثانية لم يكن على علم بزيارة سفراء العالم.

وحتى المرشد السياحي المحلي الذي تكلف مؤقتا، قبل مجيء الباحث الأركيولوجي أبو القاسم الشبري، باصطحاب الوفد الدبلوماسي داخل أسوار "الملاح"، لم يشعر بدوره من قبل، حتى يتم إمهاله الوقت الكافي للتحضير وتحضير نفسه ولو بارتداء لباس العمل، الزي المغربي التقليدي.

هذا، وشابت الارتجالية والفوضى تنقلات سفراء العالم في فضاء الحي البرتغالي. حيث كانوا يجدون مشقة في السير على الطريق، منذ انطلاقتهم من نقطة توقف الحافلتين اللتين كانتا تقلهم، خارج أسوار "الملاح"، ومرورا عبر بوابته الرئيسية، وعبر شارع الهاشمي باحباح (روا كاريرا)، المؤدي إلى المسقاة البرتغالية، ووصولا إلى برج الملاك. والأمر ذاته تكرار خلال عودة الوفد الرسمي إلى نقطة الانطلاقة. فالطريق التي مر منها السفراء، ضيوف المملكة المغربية والجديدة، كانت مكتظة بالمارة والراجلين القادمين في الاتجاهين، والذين كانوا يتداخلون، في ازدحام، مع الوفد، ويفككون تلاحمه إلى جماعات صغيرة وأفراد متباعدين بأمتار هنا وهناك. وكانت العربات القادمة في الاتجاهين عبر الشارع الضيق (روا كاريرا)، يزيد من حدة اختناق تنقلات الدبلوماسيين وتحركاتهم.

أما التدابير الأمنية، فلم تخل بدورها من عيوب صارخة. حيث كان أفراد الفرقة السياحية بالزيين الرسمي والمدني، يعيقون بحركاتهم واختلاطهم مع الوفد الرسمي،  تنقلات وتحركات السفراء، وعملية التواصل فيما بينهم. وهذا ما يظهر جليا من ال"فيديو" رفقته. فقد كان حريا أن يبقى أفراد الفرقة السياحية على بعد متر أو مترين من الوفد الدبلوماسي الرسمي، في مقدمته ومِؤخرته. في حين كان على عناصر شرطة الزي الرسمي تنظيم حركات السير، ومنعها مؤقتا في الاتجاهين، وإعادة توجيه مستعملي الطريق من راجلين وأصحاب العربات والدراجات إلى منافذ وممرات بالجوار.

وكان من المفترض والمفروض أن تعمد السلطات المعنية والمختصة، إلى إخبار الباحث الأثري أبو القاسم الشبري، مدير مركز دراسات وأبحاث التراث المغربي–البرتغالي، الذي يثقن كتابة وقراءة وتعبيرا 6 لغات دولية، حتى يكون في الموعد مع هذا الحدث الدبلوماسي الدولي المتميز. وبالمناسبة، فإن هذا لا يعتبر تقليلا من شأن وقيمة المرشد السياحي المحلي، الذي يعتبر بحق موسوعة في التاريخ، و"تراثا بشريا حيا".

ومن حيث الوقت والتوقيت، فقد كان ثمة تدبدب وارتجالية ملحوظان. فقد أنهى الوفد زيارته للحي البرتغالي، في ظرف 40 دقيقة. إذ كان يفصله من ثمة عن موعد لقائه المبرمج مع عامل إقليم الجديدة، في مقر العمالة، حوالي 60 دقيقة.. ساعة فراغ ، وقت ميت ومربك للحسابات، لم يكن في الحسبان، ولم تستحضره السلطات في تدبيرها وتدابيرها التنظيمية للزيارة الرسمية، رغم إشعارها سلفا من قبل وزارة الداخلية. وكان بالتالي من الصعب على قائد الملحقة الثانية أو رئيس الفرقة السياحية أو الباحث الأثري، اتخاذ المبادرة  وتدبر هذا الفراغ (60 دقيقة)، في غياب مسؤول رفيع المستوى، عامل الإقليم أو من ينوب عنه (الكاتب العام)، الذي كانت الزيارة الرسمية من العيار الثقيل، وأهمية الوفد الدبلوماسي الدولي، تحتمان حضوره في جميع محطات الزيارة.

هذا، وقبل حلول موعد اللقاء مع عامل الإقليم، بحوالي ساعة، كان السفراء آخذين مقاعدهم في قاعة الاجتماعات بمقر عمالة الجديدة.

وعليه، فإن الارتجالية والفوضى التي شابت التدابير البروتوكولية والتنظيمية والأمنية للزيارة الدبلوماسية الرسمية، وغياب عامل إقليم الجديدة أو من يقوم مقامه، وكذا، غياب مسؤول أمني رفيع المستوى، لا يمكن البتة تبريره. وكانت الظرفية تحتم حضورهم الفعلي، سيما أن يوم زيارة وفد السفراء  تزامن مع إجراء مباراة كرة القدم التي جمعت فريقي الدفاع الحسني الجديدي، والمغرب الفاسي (2 – 1). كما جاء تنظيم الزيارة عشية فاتح ماي، الذي يصادف عيد الشغيلة العمالية في العالم.

وفي سابقة مثيرة للجدل، فإن زيارة سفراء دول العالم إلى الجديدة، واكبها غياب تام وكلي للتغطية الإعلامية، وغياب عدسات كاميرات القناتين المغربيتين الأولى والثانية، وممثلي الجرائد الوطنية، الحزبية منها والمستقلة، والمواقع الإلكترونية، وحتى وكالة المغرب العربي للأنباء.

فقد كان على سلطات الجديدة، وعلى رأسها عامل إقليم الجديدة معاذ الجامعي، أن تستغل "إعلاميا" هذه الزيارة الدبلوماسية الدولية، للتعريف بمؤهلات المغرب والجرف الأصفر، حتى يكون لهذه الزيارة "ما بعدها" على جميع المستويات، الاقتصادية والصناعية والدبلوماسية والسياسية بالخصوص، سيما أنها (الزيارة) تأتي في ظرفية خاصة وحساسة وطنيا وإقليميا ودوليا. وهي الظرفية التي كان على السلطة الإقليمية الأولى، ممثلة في عامل إقليم الجديدة، أن تستحضرها بقوة.

وقد كان من المفروض أن تشكل حتما الزيارة الدبلوماسية، لو تم استغلالها بشكل معقلن "إعلاميا"، من خلال "طاباج ميدياتيك"، في جلب استثمارات ضخمة إلى المغرب، وإلى المنطقة الصناعية "الجرف الأصفر". وهذا ما كان سيكرس الوعي بأهمية الزيارة الملكية التي قادت الملك محمد السادس، الاثنين 1 فبراير 2016، إلى المنطقة الصناعية "الجرف الأصفر"، وتوجه جلالته نحو الانفتاح على دول أفريقيا ما وراء الصحراء. انفتاح أطلقه عاهل البلاد بتدشين مركب لإنتاج الأسمدة الفوسفاطية، المخصصة  بكاملها للتصدير إلى القارة الأفريقية (أفريكا فيرتيلايزر كومبليكس). ولعل سفراء دول العالم  كانوا بزيارتهم الرسمية للجرف الأصفر، وفي هذه الظرفية والتوقيت بالذات، واعين أكثر من غيرهم، بأهمية التوجهات الملكية وانفتاح جلالته على القارة الأفريقية.

وكانت كذلك الفرصة سانحة أمام سلطات الجديدة، لاستغلال زيارة السفراء "إعلاميا"، لتعزيز الدبلوماسية المغربية الخارجية، سيما في هذه الظرفية الحساسة،  بغية الدفاع عن قضية الوحدة الترابية، والتصدي للمواقف العدائية للجزائر، وللأمين العام "بان كيمون".. تماشيا مع المكتسبات التي حققها الملك محمد السادس، "الدبلوماسي الأول" و"قائد الدبلوماسية المغربية"، في قمة مجلس التعاون الخليجي-المملكة المغربية، التي سيظل شاهدا عليها الخطاب التاريخي الذي ألقاه جلالته، أصدق تعبير عن "النخوة المغربية في أبهى صورها وتجلياتها".



الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة