في ''محاكمة القرن'' بقصر العدالة بالجديدة.. المحامي سامي سلمان ينتزع حكما لفائدة 104.000 ضحية حوادث السير!
 في ''محاكمة القرن'' بقصر العدالة بالجديدة.. المحامي سامي سلمان  ينتزع حكما لفائدة 104.000 ضحية حوادث السير!

من قصر العدالة بالجديدة، استطاع الأستاذ سامي سلمان، المحامي بهيئة الجديدة (من جنسية تونسية)، أن ينتزع حكما قضائيا، فريدا من نوعه في تاريخ القضاء والعدالة بالمغرب، في الملف جنحي سير رقم: 1 مليون / 2019، والذي كان ينوب فيه عن ضحايا حوادث السير بالمغرب، الذين بلغ عددهم خلال العام 2018، بحسب 104.000 ضحية. حيث قضت المحكمة حضوريا بإحالة ملف "المتهم الوحيد" (l’ennemi public n 1)، وهو من ذوي السوابق العدلية المتعددة، وحالات العود المتكررة بشكل صاروخي، بعد قضائها ببراءة 16 متهما آخر، على "غرفة الأخلاق الحميدة"، لمحاكمته طبقا للقانون.. مع النفاذ المعجل، قبل الاحتفال باليوم الوطني للسلامة الطرقية لسنة 2020.

هذا، فإن جلسة المحاكمة العلنية جرت، الاثنين 18 فبراير 2019، داخل قاعة الجلسات الكبرى باستئنافية الجديدة، بحضور قضاة القضاء الواقف والجالس، وهيئة المحامين، والمتدخلين في الشأن القضائي، والسلطات القضائية والأمنية والدركية والترابية.. بإقليمي الجديدة وسيدي بنور، وممثلي الإدارات ورؤساء الجماعات الترابية، الذين وردوا بصفاتهم المعنوية هذه، في الشكاية المرجعية، باعتبارهم في "قفص الاتهمام"، لمسؤوليتهم التقصيرية، أو بشكل من الأشكال، على وقوع حوادث السير.. ناهيك عن الهيئات الحقوقية، وفعاليات المجتمع المدني.

والجدير بالذكر أن جلسة المحاكمة، التي اعتبرت "محاكمة القرن"، جرت لأول مرة في التاريخ، تحت أعين ومراقبة عامل إقليم الجديدة محمد الكروج، ممثل صاحب الجلالة، الذي باسمه تصدر الأحكام في محاكم المملكة.

وفيما يلي نص الحكم الذي أمرت المحكمة بنشره، لكل غاية مفيدة، في وسائل الإعلام، على نفقة "المتهم":

الحكم بتاريخ: 18/02/2019، في الملف جنحي سير رقم: 1 مليون /2019

بين كل من:

*/ النيابة العامة

*/ المشتكين:  ضحايا حوادث السير خلال العام 2018، بحسب 104.000 ضحية

*/ المتهمين:

01/ العربة ذات محرك أو السيارة حسب اسم الشهرة – الشاحنة – الحافلة – الدراجة – الدراجة بمحرك – الدراجة النارية – الدراجة ثلاثية العجلات – الدراجة ثلاثية العجلات بمحرك؛

02/ مدونة السير على الطرق حسب القانون رقم: 52.05 بأخر تعديلاته،

03/ الطرق العمومية؛

04/ التشوير؛

05/ الجماعات الترابية المنظمة بالقانون رقم: 113.14؛ 

06/ إدارات مراقبة العربات وجميع الادارات والأعوان المكلفون بمراقبة السير والجولان ومعاينة المخالفات

07/ مؤسسات تعليم السياقة؛

08/ جنح ومخالفات السير مجموعة بدراجاتها الثلاث، ومعها العقوبات والتدابير الإدارية؛

09/ الكحول وبصفة عامة المخدرات؛

10/ الهواتف المحمولة شهرت بالهواتف الملعونة؛

11/ العمل القضائي في مادة حوادث السير؛

12/ عصابات حوادث السير الوهمية ؛

13/ سيارات الأجرة الصغيرة والكبيرة؛

14/ الراجل مستعمل الطريق؛

15/ اليوم الوطني للسلامة الطرقية؛

16/ الساعة الإضافية المقررة بمقتضى المرسوم 2.18.855، بتاريخ أكتوبر2018؛ 

17/ الإنسان .

إن المشتكين وهم العدد 104.000، ضحايا حوادث السير خلال العام 2018، ما بين 101.000 جريح، والباقون توفوا بسبب الحوادث التي تعرضوا لها، رفعوا بتاريخ: 02/01/2019، إلى النيابة العامة، الشكاية ضد المشتكى بهم المذكورين سلفا، بشأن الاتهام بالتسبب في آفة حرب الطرق، والتسبب في قتل وجرح وعطب وإعاقة الضحايا المذكورين

 جاء في الشكاية.. كان يا ما كان في قديم الزمان، إنسان يعيش ببساطة الطبيعة، وفي راحة بال واطمئنان، حتى اكتشف الحجارة، ثم الفحم والنار، واكتشف الحديد الذي وصفه القرآن الكريم بقوله تعالى: (..وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ..)؛

ودخل هذا الإنسان ما سماه الثورة الصناعية، بتليين الحديد لصنع ما سماه أدوات تسهيل العيش، ولم يعلم أنه كان يصنع سلاحا فتاكا به، فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ؛

وفي خضم هذا السباق، صنع الإنسان ما سماه سيارة، واستوحى ذلك من راكبة الخيل والبغال، حتى حشر في كل سيارة عددا من الخيل، بحسب سرعتها ومتانتها وضريبتها، و"ما أدراك ما الضريبة"؛

وبعد انتهاء أيام العسل بين الانسان والحديد، وبين الإنسان والسيارة ،أصبحت هذه الأخيرة تنعت ب"الملعونة" أو "الشر" الذي لابد منه لما تحولت إلى أداة قتل جماعي ويومي؛

وتم توجيه الاتهامات والإثباتات بالشكاية لكل طرف من الأطراف المشتكى بها بحسب التفصيل التالي:

01/ فيما يخص "العربة" ذات محرك أو السيارة حسب اسم الشهرة – الشاحنة – الحافلة – الدراجة – الدراجة بمحرك – الدراجة النارية – الدراجة ثلاثية العجلات – الدراجة ثلاثية العجلات بمحرك ... فهذه الآلات مجموعة تبقى الفاعل الأساسي في حوادث السير، بدونها لن تكون حوادث سير أصلا فهي الفاعل، وهي في الوقت نسه أداة الجريمة أو الفعل.

02/ فيما يخص "مدونة السير" على الطرق، حسب القانون رقم: 52.05 بأخر تعديلاته. فهذه المدونة وإن شكلت حسب تقديمها قفزة نوعية وثورة في قطاع النقل الطرقي، من خلال أهدافها والمبادئ الأساسية التي اعتمدتها، فإنها تبقى مشوبة بخلل عدم التوازن بين حماية السائق وحماية ضحايا حوادث السير. إذ تضمنت أحكاما ترجح كفة وحقوق السائق المتسبب في الحادثة على كفة وحقوق الضحايا، من خلال التنصيص على عقوبات زجرية وغرامات خفيفة جدا (..). ومن جهة أخرى، فإن هذه المدونة وإن ذكرت في تقديمها أنها بنيت على مبدأ مسؤولية مختلف المتدخلين في السير على الطريق العمومية، فإنها في مقتضياتها مجموعة تجدها تحصر المسؤولية في السائق وحده، دون تركيز ودون ذكر هام لباقي المتدخلين، من قبيل الجماعات الترابية والإدارات المسؤولة على التشوير، وإدارات المراقبة، وبذلك تم شل تجريم ومساءلة باقي المتدخلين في السير، حتى ظل كل ملف يتعلق بحادثة سير مرفوع للضحية في مواجهة فقط السائق والمالك والتأمين، دون فتح الباب لتجريم ومساءلة باقي الأطراف المتدخلة بطريقة غير مباشرة في الحادثة، بسبب تقصيرها في التزاماتها ومسؤولياتها في تنظيم السير على الطريق

03/ فيما يخص "الطرق العمومية"، فهي متهمة بعدم الصلاحية إجمالا، ومتهمة بعدم التوفر على علامات التشوير أحيانا، وفي جميع الحالات متهمة بعدم توفير الظروف الملائمة ، لتكون طبقا مناسبا للاستعمال في تنقل العربات والشاحنات والراجلين. وهي إما بالية ومهترئة، تشجع السيارة على الوقوع في الحادثة، أو إن كانت جديدة، فهي إما أنها لا تتسع لتكون طريقا سليما مناسبا لتزاحم السيارات، أو تكون فاقدة لعلامات التشوير والسير والمرور، وتبقى بكل ذلك طبقا مناسبا لأي شيء إلا للسير السليم.

04/ فيما يخص "التشوير الطرقي"، فهو متهم بالغياب المتكرر بدون عذر في عدة طرق رئيسية وعمومية وداخلية، وكذلك الأمر فيما يخص تجهيز الطرق بالآليات التكنولوجية العصرية، حيث تجدها بطرق رئيسية وتغيب بباقي الطرق العمومية البعيدة عن المدن الكبرى. ما يخلق فوضى في السير تؤدي حتما إلى تكرار الحوادث.

05/ فيما يخص "الجماعات الترابية" المنظمة بالقانون رقم: 113.14، فهي لا تقوم بمسؤولياتها كاملة فيما يخص اختصاصاتها بالمادة 83 من القانون المذكور، وهي الاختصاصات المتعلقة بإحداث وتدبير المرافق والتجهيزات العمومية، لتقديم خدمات القرب فيما يخص النقل العمومي الحضري، والإنارة العمومية، وتنظيف الطرقات، والسير والجولان، وتشوير الطرق العمومية،  ووقوف العربات، وتنظيم المحطات الطرقية. وفي جميع الحالات، فإن الجماعات الترابية متهمة بعدم تحيين علامات التشوير، بحيث قد تجد أحياءا سكنية جديدة خالية من كل علامات تشوير، وقد تجد أحياءا  وطرقا أخرى مجهزة بعلامات تشوير متجاوزة واقعا وقانونا.

06/ فيما يخص "إدارات مراقبة العربات وجميع الادارات والأعوان المكلفين بمراقبة السير والجولان ومعاينة المخالفات"، فهي متهمة بالمرونة أحيانا المبالغ فيها في دور المراقبة، خاصة لما نعاين عربة أو شاحنة منتهية الصلاحية بظاهرها، بالعين المجردة، وهي تنتقل من مدينة إلى أخرى، أو داخل طرق المجال القروي، مع المرور بعدة نقاط مراقبة، دون توقيفها في الحين وفي الإبان.. فضلا عن إخلالات في عملية المراقبة التقنية للمركبات، حيث يختلط داخل المراكز المخصصة للمراقبة التقنية دور المراقبة بهدف الربح المالي، وقد يكون ذلك على حساب المراقبة في حد ذاتها.

07/ فيما يخص "مؤسسات تعليم السياقة"، فهي وإن تقوم بدورها في تعليم السياقة فإنها تناست نوعا ما دورها في "التربية على السلامة  الطرقية"، وذلك أيضا للوقوع في الخلط بين دور تعليم السياقة، والتربية على السلامة الطرقية، وبين البحث عن الربح المادي مقابل خدمات تعليم السياقة وحدها، دون التركيز الكافي على الدور بخصوص  "التربية على السلامة  الطرقية".

08/ فيما يخص "جنح ومخالفات السير" مجموعة بدراجاتها الثلاث، ومعها العقوبات والتدابير الإدارية، فهي متهمة بأنها "خجولة"، وضعيفة إلى درجة الهزالة أحيانا. وفي جميع الحالات، اعتبرها المشتكون غير مناسبة للردع والعقاب، خاصة وأنها إجمالا في حدود غرامات مالية، وحتى لما تضمنت العقوبات الحبسية مع الغرامة، تجدها تستنجد بعبارة "أو" المشهورة للتخيير، فتسقط العقوبة الحبسية، وتبقى الغرامة المالية الهزيلة، إلى ما بعد حين

09/ فيما يخص "الكحول وبصفة عامة المخدرات"، فهي تجعل سائق العربة غير متحكم في السياقة، وتوقعه بالضرورة في التسبب في الحوادث. وحتى لما يحاول ضابط أو عون الشرطة القضائية إخضاع السائق لوسائل المعاينة الآلية للمخالفات بشأن السياقة تحت تأثير الكحول بواسطة أداة "الرائز"، أو السياقة تحت تأثير مواد مخدرة أو أدوية، فيمتنع السائق عن الخضوع لذلك دون عقاب أو جزاء، بسكوت النص.

10/ فيما يخص "الهواتف المحمولة"، شهرت بالهواتف الملعونة، فهي بحسب شكاية المشتكين، وبحسب آخر الإحصائيات، أصبحت سببا رئيسيا جدا ورقما خطيرا في أسباب حوادث السير، لما يعمد السائق إلى الجمع بين السياقة واستعمال الهاتف سواء للرد على الاتصالات أو للإتصالات الكلامية والرسائلية، وأحيانا حتى للتفرج ومشاهدة الفيديوهات.

11/ فيما يخص "العمل القضائي في مادة حوادث السير"، الذي يقرر متابعة المتسبب في الحادثة في حالة سراح، خاصة بعد ترشيد الاعتقال الاحتياطي، فترى القاتل بحادثة سير قد غادر أبواب الضابطة أو النيابة العامة، قبل خروج جثة الهالك من داره إلى دار البقاء. ولما يعرض الملف على قضاء الحكم، تكون العقوبة بغرامة مالية بخسة، وبعدها التعرض والاستئناف والنقض. ولما يصل الملف إلى مكتب تنفيذ الغرامات، يكون المتهم قد غادر العنوان، وتبقى الغرامة حبرا في نسخة الحكم. وذكر المشتكون أن العمل القضائي تحت تأثير البحث عن المعادلة المناسبة ما بين دور الأحكام في الردع والعقاب ودورها في حماية الأشخاص، تجدها أحكاما مخففة مع التعليل بذكر تمتيع السائق بظروف التخفيف، مراعاة لظروفه العائلية والاجتماعية، خاصة لما يتعلق الأمر بسائق مهني قد يترتب عن معاقبته بعقوبة الحبس النافذ، الخروج من الحبس إلى عالم البطالة والتشرد.. وأحيانا كثيرة، يتم الحكم بتمتيع السائق بظروف التخفيف، رغم عدم حضوره أصلا للمحاكمة، وأحيانا أخرى إلى حد الآن تكتفي الأحكام القضائية بتحميل مسؤولية الحوادث إلى الأطراف المتسببة مباشرة في الحادثة، دون اجتهاد للحكم بتحميل باقي المتدخلين في تنظيم السير، مسؤولية الحوادث. ما يشجع هذه الأطراف المسؤولة بطريقة غير مباشرة على التزام الصمت، والسلبية في القيام بمسؤوليتها المتعلقة بتنظيم السير على الطريق، وأهم هذه الأطراف: الجماعات المحلية وإدارات مراقبة السير

12/ فيما يخص "عصابات حوادث السير الوهمية"، وهي عصابات منظمة تجمع فئات مهنية مختلفة من المفروض أن تتحلى بواجب قسم المهنة، الذي يفرض عليها احترام القوانين بصفة عامة، وعدم المساهمة أصلا في أي عمل مجرم.. خاصة وأن هذه الفئات تتسبب بعملها في "فبركة" حوادث سير وهمية في الأساس، لكن بوثائق رسمية تحولها إلى رقم من أرقام إحصائيات حوادث السير المهولة

13/ فيما يخص "سيارات الأجرة الصغيرة والكبيرة"، فهي تتحرك بطريقة عشوائية داخل المدن، وبسرعة جنونية خارج المدار الحضري، في الطرق الرابطة بين المدن، إلى درجة أنه أصبح الركوب في سيارة الأجرة مغامرة.

14/ فيما يخص "الراجل مستعمل الطريق"، فقد جاء في الشكاية المرجعية أن الراجل تجده أحيانا كثيرة  "يمشي متبخترا" في الطريق تاركا الرصيف المخصص للراجلين، وأحيانا أخرى تجد الراجل إما غير مطلع أصلا على قوانين السير، أو قرأها قراءة خاطئة لما تراه  "يمشي منتصب القامة" في الممر المخصص للراجلين، دون الانتباه إلى أن ذلك ليس حقا مطلقا، وإنما منظما بعلامات التشوير الضوئية.

15/ فيما يخص "اليوم الوطني للسلامة الطرقية"، فقد جعل المعنيين بالأمر يشعرون أنه مطلوب منهم الاحتفال بهذا اليوم، بعقد ندوات ولقاءات في الموضوع، من التاسعة صباحا إلى المساء، ثم الانصراف، كل إلى شأنه وإلى اهتماماته.. فيتحول الاحتفال بالسلامة الطرقية إلى يوم احتفالي يزورنا "كل سنة مرة"، على قول فيروز، فيتحول الاحتفال من هدف إلى مجرد وسيلة للاحتفال الروتيني، دون الاستمرار في تنفيذ الخلاصات والتوصيات المطلوبة للنهوض بالسلامة الطرقية.

16/ فيما يخص "الساعة الإضافية" المقررة بمقتضى المرسوم رقم: 2.18.855، بتاريخ أكتوبر 2018.. بحسب الشكاية، فقد حولت الساعة الإضافية المذكورة النهار بصفة عامة والصباح بصفة خاصة إلى ليل.. ومن المعلوم، حسب الإحصائيات، فإن نسبة الحوادث ليلا تزيد عن نسبة الحوادث نهارا، وتحولت بذلك إلى معطى طبيعي للتسبب في حوادث السير.

17/ فيما يخص "الإنسان".. فهو الذي يسوق السيارة دون احترام علامات التشوير والسرعة، ودون احترام قوانين السير، مع السياقة تحت تأثير الكحول والمخدرات، واستعمال الهاتف.. وهو الذي يتسبب في حوادث يمكن تجاوزها وتفاديها بأدنى حد من الاهتمام والتركيز في السياقة بانتباه.. وهو أيضا الذي يسوق تحت تأثير انفعالات مرضية نفسية سلوكية، من قبل الأنانية أو النرفزة والتهور.

وبعد البحث والتحقيق، استدعي الجميع للحضور أمام المحكمة، وحضر الجميع، وتخلف بدون عذر المشتكى به، المتهم رقم: 15، "الانسان" .وبعد التأكد من الهوية وتوجيه الاتهامات المنسوبة لكل طرف.. نفى كل واحد من الحاضرين المنسوب إليه.

لذلك، استمعت المحكمة إلى الشهود في القضية، بعد التأكد من الهوية وانتفاء أسباب التجريح، وأداء القسم، كما يلي:

- الشاهدة رقم: 1 "فلانة الفلانية" صرحت أنها كانت تسوق سيارتها صغيرة الحجم، قرب مؤسسة تعليمية خاصة جدا جدا بمدينة الجديدة، وبسبب تزاحم السيارات أمامها بركن السيارات على ثلاث مستويات بطريقة مخالفة تماما لقوانين السير، تحت أنظار الشرطة دون تحرير أي محضر في حق أي مخالف من المخالفين الواقفين بسياراتهم أمام هذه المؤسسة، وبسبب ذلك اصطدمت بإحدى السيارات المتزاحمة بعين المكان، وتعرضت سيارتها لخسائر مادية، وأصيبت هي بأضرار جسمانية.

- الشاهد رقم: 2 "فلان الفلاني" صرح أنه كان مارا بإحدى ساحات المدينة، وبسبب تزاحم الرصيف بكراسي وطاولات المقاهي، اضطر إلى الترجل وسط الطريق، حيث فوجئ بصدمه بسيارة مارة من عين المكان، وحكم بتحميله قسط من مسؤولية الحادثة، لأنه ترجل بالطريق المخصص للسيارات، ورفضت المحكمة استدعاء أصحاب المقاهي، لاعتبارهم يتحملون مسؤولية الحادثة مع السائق، باعتبارهم محتلين بدون حق للرصيف. وكذلك رفضت المحكمة استدعاء الجماعة المحلية في شخص ممثلها القانوني، باعتبارها أيضا مسؤولة عن ترك فوضى الرصيف وعدم تحريره من وضعية الاحتلال، التي تحول دون استعماله من طرف الراجلين. وذكر الشاهد في أخر شهادته أنه بسبب الحادثة تعطل عن العمل، وتعرض للطرد، وأصبح عاطلا، في حين تم الحكم على المتسبب في الحادثة سائق السيارة بغرامة مالية زهيدة.

- الشاهد رقم: مليون " الفلاني" صرح أنه كان يركن سيارته وراء القطب الجنحي بالمحكمة الابتدائية بالجديدة،  ولما غادر المحكمة ليركب سيارته، فوجئ بتزاحم كبير وركن سيارات مختلفة بنفس المكان، وفوجئ بإحدى السيارات راكنة أمام سيارته، منعته من مغادرة المكان، ولما حاول ذلك اضطر للاحتكاك بالسيارة الملاصقة. وتمت متابعته بشأن ذلك. ولما طلب استدعاء حارس المكان، ومالكي باقي السيارات التي تسببت في حالة الفوضى والتزاحم، منعته من مغادرة المكان بأمان، رفضت المحكمة ملتمسه، وحكمت بإدانته بالمنسوب إليه، مع صرف النظر عن أسباب الوقوع في الحادثة

بعد الانتهاء من الاستماع إلى الشهود، أعطيت الكلمة للنيابة العامة، والتمست تطبيق القانون، مادام أن مدونة السير في حد ذاتها والقوانين المطبقة بشأن ردع المتسببين في حوادث السير، كافية لتكون أداء تخلص من هذه الأفة.

بعد ذلك، سجلت المحكمة تخلف دفاع "الانسان"، بسبب تعرضه لحادثة سير أثناء طريقه للحضور إلى الجلسة، حسب إفادة زملائه. وأعطت المحكمة الكلمة لدفاع باقي الأطراف، مع التنسيق فيما بينهم بتناول المرافعة، بحسب الأقدمية والأعراف والتقاليد المهنية وتم ذلك كما يلي

01/ "دفاع العربة" ذات محرك أو السيارة حسب اسم الشهرة، أكد أن العربة في حد ذاتها مجرد آلة حديدية، ولا أهلية ولا مسؤولية لها في ارتكاب الحوادث، وليس صحيحا أنها الفاعل الأساسي في حوادث السير، مادامت خاضعة بالمطلق لإرادة سائقها. وهي من جهة أخرى، مجهزة بما يكفي من آليات وتجهيزات لضمان السلامة الطرقية، من بينها حزام الأمان وكذلك ضابط السرعة .. لكن "الإنسان الذي يقودها" لا يصر على عدم استعمال الآليات المذكورة، فيتسبب في الحوادث.. والتمس الحكم بعدم مؤاخذة "السيارة"، واعتبار الإنسان المسؤول الوحيد في آفة حوادث السير

02/ "دفاع مدونة السير" على الطرق، حسب القانون رقم: 52.05 بأخر تعديلاته.. أفاد أن المدونة شكلت فعلا قفزة نوعية وثورة في قطاع النقل الطرقي، وأنها نتاج لعمل تشريعي صادر عن "الإنسان".. وأن ما ورد بها نتيجة توصيات ونقاشات مقدمة من طرف "الإنسان"، وأنها في جميع الحالات خاضعة لإرادة "الإنسان"، ولا ترى مانعا في تعديلها، وجعلها أكثر صلابة متضمنة عقوبات ردعية وعقوبات بديلة، كافية لتكون سببا وأداة لمحاربة أفة حوادث السير. والتمس الحكم بعدم مؤاخذة "مدونة السير"، واعتبار "الإنسان" المسؤول الوحيد في آفة  حوادث السير

03/ " دفاع الطرق العمومية" اعتبر أن الشبكة الطرقية كافية ومناسبة لتنظيم السير، لو التزم "الإنسان" بقوانين السير التي تنص على وجوب مراعاة ظرفي الزمان والمكان، عند قيادة السيارة، وأن حالات الطرق المتهالكة تبقى قليلة، ويتعين على السائق مراعاتها، وليس الإلقاء بالمسؤولية على الطريق. وفيما يخص عدم التوفر على علامات التشوير الكافية، فإنها لا ترى مانعا في تجهيزها بالعدد الأقصى المناسب، وهي متحملة لذلك بدون تحفظ.. والتمس الحكم بعدم مؤاخذة "الطرق العمومية "، واعتبار "الإنسان" هو المسؤول الوحيد في آفة حوادث السير.

04/ "دفاع التشوير " ذكر أنه أداة بين يدي "الانسان"، وهو خاضع للتوزيع الذي يقرره الإنسان، المسؤول على "التشوير"، وأكد بدوره أنه رهن إشارة الإنسان في كل توزيع وإضافة، مؤكدا أنه غير مسؤول عن أفة حوادث السير، باعتباره أداة وليس فاعلا.. والتمس الحكم بعدم مؤاخذة التشوير"، واعتبار "الإنسان" المسؤول الوحيد في آفة حوادث السير

05/ "دفاع الجماعات الترابية" المنظمة بالقانون رقم: 113.14.. ذكر أن الجماعات الترابية تنفذ سياساتها ومقرراتها بخصوص إحداث وتدبير المرافق والتجهيزات العمومية، لتقديم خدمات القرب فيما يخص النقل العمومي الحضري، والإنارة العمومية، وتنظيف الطرقات، والسير والجولان، وتشوير الطرق العمومية،  ووقوف العربات، وتنظيم المحطات الطرقية، بحسب إمكانياتها المالية، وأنها مسؤولة فقط عن الطرق الجماعية والداخلية، وغير مسؤولة عن الطرق العمومية.. والتمس الحكم بعدم مؤاخذة "الجماعات الترابية"، واعتبار"الإنسان" المسؤول الوحيد في آفة حوادث السير

06/ "دفاع إدارات مراقبة العربات وجميع الادارات والأعوان المكلفين بمراقبة السير والجولان ومعاينة المخالفات" اعتبر أن الإدارات المذكورة تبقى خاضعة في عملها للنصوص التشريعية المنظمة لها، وفي حدود إمكانياتها المنصوص عليها، والتي وضعها "الإنسان"، وأنها بدورها لا ترى مانعا من تعديل النصوص المنظمة لعملها، لتكون أكثر نجاعة تضمن القيام بأعمال المراقبة. وأما معاينة بعض العربات المهترئة بالطرق، فهو أمر استثنائي وقليل جدا، وأحيانا للضرورة الاجتماعية عند سكان البوادي في النقل الريفي، وبالتالي ليس سببا رئيسيا حاسما في حوادث السير، التي جلها بالمدار الحضري.. والتمس الحكم بعدم مؤاخذة "إدارات المراقبة"،  واعتبار "الانسان " المسؤول الوحيد في آفة حوادث السير

07/ "دفاع مؤسسات تعليم السياقة" ذكر أن موكلته تحاول وتسعى إلى تلقين المرشح لامتحان السياقة  قواعد "التربية على السلامة  الطرقية"، لكنه يغفل ذلك ويهتم فقط بما يمكنه من اجتياز الامتحان لنيل الرخصة، وهو سلوك يبقى مسؤولا عنه "الانسان"، وليس "مؤسسات تعليم السياقة".. والتمس الحكم بعدم مؤاخذة "مؤسسات تعليم السياقة"،  واعتبار "الانسان" المسؤول الوحيد في آفة حوادث السير

08/ "دفاع جنح ومخالفات السير" مجموعة بدراجاتها الثلاث، ومعها العقوبات والتدابير الإدارية.. أكد أن هذه الجنح والمخالفات الموصوفة ب"الخجولة" وغير الكافية، من وضع الإنسان، وهي جرائم ومخالفات مفترضة، وحبر على ورق، لا تكون أمرا واقعا إلا بعد تدخل "الانسان"، فتتحول إلى جريمة أو مخالفة قائمة الذات، لكن يبقى المسؤول عنها "الانسان" وحده.. مضيفا أن الجنح ومخالفات السير لا ترى مانعا في تعديلها، بإضافة ما يمكن من صور لجنح ومخالفات أخرى، تكون أفعالا معاقبا عليها بالتسبب في حوادث، بطريقة غير مباشرة، مع وضع العقوبات الزجرية المناسبة لها. والتمس الحكم بعدم مؤاخذة "الجنح والمخالفات المذكورة"،  واعتبار "الانسان" المسؤول الوحيد في آفة حوادث السير.

09/ "دفاع الكحول وبصفة عامة المخدرات" أكد أن الكحول والمخدرات تعترف بأنها مواد ممنوعة، ولكن العيب ليس فيها وإنما في "الانسان" الذي يستعملها أو يتناولها، ثم بسبب تناولها يتسبب في الحوادث. والتمس الحكم بعدم مؤاخذة "الكحول وبصفة عامة المخدرات"،  واعتبار "الانسان" المسؤول الوحيد في آفة حوادث السير

10/ "دفاع الهواتف المحمولة" أكد أن الهاتف المحمول في حد ذاته يبقى سلبيا جامدا ما لم تتناوله يد "الانسان" أثناء السياقة، ثم أنه مجهزا بما يكفي من تجهيزات وتطبيقات تمنع استعماله أثناء السياقة إلى حين، مع تسجيل الماكلمات والرسائل الواردة للاطلاع عليها بعد الانتهاء من السياقة، وأن "الانسان" هو الذي يسيء استعمالها أثناء السياقة. والتمس الحكم بعدم مؤاخذة "الهواتف المحمولة"،  واعتبار "الانسان" المسؤول الوحيد في آفة حوادث السير

11/ "دفاع العمل القضائي في مادة حوادث السير"  أكد  أن العمل القضائي محصور وملزم بتطبيق النصوص القانونية المعمول بها، ولا يمكنه تجريم أفعال غير مجرمة، ولا يمكنه محاكمة أطراف غير منصوص على مسؤوليتها بقوة القانون.. وفيما يخص العقوبات سواء المالية أو الحبسية، فهي دائما بقاعدة من إلى، من إعمال السلطة التقديرية بخصوص كل ملابسات قضية، ومراعاة ظروف الأطراف، حتى لا تكون العقوبة المقضي بها سببا في مشاكل اجتماعية وعائلية، قد تؤدي إلى الطرد من العمل أو الرفض من المشاركة في مباريات التوظيف.. وفي جميع الحالات، فإن العمل القضائي في مادة حوادث السير مستعد لتطبيق أية تعديلات مناسبة تكون حلا للتخلص من أفة حوادث السير.. والتمس الحكم بعدم مؤاخذة "العمل القضائي "، واعتبار "الانسان" المسؤول الوحيد في آفة حوادث السير

12/ "دفاع عصابات حوادث السير الوهمية" أقر بتجريم حوادث السير الوهمية، مؤكدا بالتوازي أن هذه الحوادث الوهمية تبقى نسبتها قليلة جدا في نسبة حوادث السير، وبالتالي ليست السبب الرئيسي للآفة.. وفي جميع الحالات، فإن حوادث السير الوهمية من فبركة "الانسان"، وهي مستعدة للمحاكمة بشأن ذلك، لكنها بريئة من اعتبارها السبب الرئيسي لآفة حوادث السير.. والتمس الحكم بعدم مؤاخذة "حوادث السير الوهمية "، واعتبار "الانسان" المسؤول الوحيد في آفة حوادث السير

20313/ "دفاع سيارات الأجرة الصغيرة والكبيرة" أكد ان سيارات الأجرة تبقى في جميع الحالات وأصلا وأساسا عربة مثلها مثل سائر العربات وهي كذلك مجهزة بوسائل تقنية لضبط السرعة لكن مستعملها "الانسان" يمتنع عن ذلك، وهو نفسه "الإنسان" الذي يحركها بطريقة عشوائية، وبتوقفات متكررة بدون احتياطات.. والتمس الحكم بعدم مؤاخذة "سيارات الأجرة الصغيرة والكبيرة"، واعتبار "الإنسان" المسؤول الوحيد في آفة حوادث السير

14/ "دفاع الراجل مستعمل الطريق"  ذكر قاعدة "مكره أخاك لا بطل"، وأنه لما يمشي في الطريق تاركا الرصيف، فهو يضطر لذلك بحكم حالة الاحتلال والاغتصاب التي تعرفها الأرصفة، في سكوت غريب للإنسان، المسؤول عن تحرير الأرصفة.. والتمس الحكم بعدم مؤاخذة "الراجل مستعمل الطريق"، واعتبار "الإنسان" المسؤول الوحيد في آفة حوادث السير

15/ "دفاع اليوم الوطني للسلامة الطرقية" أكد أنه بتاريخ ميلاده، أخبروه أنه سيكون بابا لولوج باقي أيام السنة، بنفس الحماس في البحث عن السلامة الطرقية، وأن "الإنسان" هو الذي قصر في "صلة الرحم به"ن حتى نساه طيلة باقي أيام السنة. وفي جميع الحالات، فإنه لا يرى مانعا في الاستمرار في الاحتفال به بنفس الحماس طيلة أيام السنة.. والتمس الحكم بعدم مؤاخذة "اليوم الوطني للسلامة الطرقية"، واعتبار "الإنسان" المسؤول الوحيد في آفة حوادث السير

16/ "دفاع الساعة الإضافية" المقررة بمقتضى المرسوم رقم: 2.18.855.. اعتبر  أن الساعة الإضافية مجرد واحد من أربعة وعشرين 24 ساعة، وأن الحوادث لا تقع فقط خلال الساعة الإضافية حتى تكون متهمة في ملف آفة الحوادث. وفي جميع الحالات، فإن "الإنسان" هو الذي أنزل مرسوم الساعة الإضافية، وهو الذي يمكنه التراجع عن ذلك، وهي لا ترى مانعا وتشهد عليها بهذا الإقرار.. والتمس الحكم بعدم مؤاخذة "الساعة الإضافية"،  واعتبار "الإنسان" المسؤول الوحيد في آفة حوادث السير

 17/ "دفاع الإنسان".. تخلف عن الحضور بسبب التعرض لحادثة سير.  

وبعد إعطاء الكلمة الأخيرة لكل واحد من الحاضرين، أصدرت المحكمة الحكم بعد التأمل على المقعد، بعدم مؤاخذة جميع المتهمين باستثناء "لإنسان"، واعتباره "الفاعل الرئيسي" لآفة حوادث السير من كافة الزوايا ومعاقبته بـ.. طبقا للقانون.

وجاء في تعليل الحكم: "..حيث نفت الأطراف الحاضرة الاتهامات الموجهة إليها بخصوص مسؤوليتها عن آفة حوادث السير، مع تأكيد وإجماع كافة الأطراف بالإلقاء بالمسؤولية على "الإنسان" باعتباره المتحكم فيها وفي وضعيتها وحالتها.. وحيث ربط الشهود المستمع إليهم بين التورط في حوادث سير، وبين سلوكات لا إنسانية مرضية يعاني منها "الإنسان" أثناء السياقة، من قبل الأنانية والنرفزة والغرور والكبرياء.. وحيث أن جميع باقي المتهمين في ملف ، خاضعون إلى "الإنسان"، وبالتالي، أمكن استعمالهم وفق إرادة ورغبة "الإنسان".. وحيث تأكد للمحكمة من خلال التحقيق في القضية، أن "الإنسان" يعاني من أمراض نفسية وأخلاقية، تجعله متسببا في حوادث سير عديدة، كان يمكن تفاديها بتصرفات هادئة وحضارية، وأن سبب الأزمة والآفة أخلاقي سلوكي، قبل أن يكون قانونيا أو قضائيا أو بتجهيزات وبنية تحتية.. وحيث يبقى "الإنسان" مدعوا إلى مراجعة النفس ومراجعة الذات، لتسخير الطرق والسيارة ووسائل النقل مجموعة، تسخيرا إيجابيا، بعيدا عن الأنانية والبلطجة الطرقية.. وحيث إن مسؤوليات السلامة الطرقية متداخلة، تجمع أطراف وظروف مختلفة، لكنها جميعها تبقى خاضعة لإرادة "الإنسان" وأخلاقه وشخصيته.. وحيث تخلف "الإنسان" ولم يقدر حتى على مواجهة المحاكمة لنفي المنسوب إليه، فهو بذلك في حالة إقرار قضائي صريح، تستدعي الحكم بإدانته ومعاقبته.

لهذه الأسباب مجتمعة، حكمت المحكمة ابتدائيا حضوريا في حق كافة الأطراف، وبمثابة حضوري في حق "الإنسان" بعدم مؤاخذة جميع المتهمين، والحكم ببراءتهم باستثناء المتهم "الإنسان" بإحالة ملف قضيته على "غرفة الأخلاق الحميدة" لمحاكمته بشأن ذلك طبقا للقانون.. مع النفاذ المعجل، قبل الاحتفال باليوم الوطني للسلامة الطرقية عام 2020.

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة