عاملات النظافة بالأمن الإقليمي للجديدة تتوقف أجورهن رغم أدائهن الشغل!
عاملات النظافة بالأمن الإقليمي للجديدة تتوقف أجورهن رغم أدائهن الشغل!

علمت الجريدة من مصادرها الخاصة أن عاملات النظافة بالأمن الإقليمي للجديدة، لم يتقاضين إلى حدود الأسبوع الفارط، أجورهن المستحقة للمرة الثانية على التوالي عن شهري فبراير ومارس الماضيين.

هذا، وتشتغل 8 عاملات نظافة، إلى جانب بستاني (جاردينيي)، بمقر أمن الجديدة؛ فيما تتوزع  6 عاملات أخريات على  الدوائر الأمنية الستة بالجديدة، ومصلحة حوادث السير، وخلية التحسيس بالوسط المدرسي. وهن يبدأن عملهن على الساعة السابعة والنصف صباحا، وإلى حدود الساعة الواحدة ظهرا (5 ساعات و30 دقيقة).  

وقبل أن تتوقف أجورهن لأزيد من شهرين، كانت كل عاملة نظافة بمقر أمن الجديدة،  تتقاضى 1000 درهم، أي بمعدل 33 درهم في اليوم؛ أما زميلاتهن بالدوائر الأمنية، فكانت كل واحدة تتقاضى 800 درهم، أي بمعدل 26 درهم في اليوم.

وأضافت المصادر أن بعض الموظفين الأمنيين من مختلف الهيئات والرتب، ممن في قلوبهم ذرة رحمة، يعمدون إلى جمع التبرعات، عبارة عن دريهمات معدودة، لفائدة عاملات النظافة، هؤلاء النساء الفاضلات، اللواتي يعشن ظروفا اجتماعية واقتصادية مزرية، واللواتي يعلن بشرف وكرامة ومن عرق جبينهن، أسرهن، وحتى أن إحداهن تتحمل مصاريف تطبيب قريب لها، يعاني من مرض عضال.

وتتوزع العاملات على مصالح الأمن الإقليمي للجديدة، الذي يشمل نفوذه الترابي أمن الجديدة، المفوضية الخاصة للجرف الأصفر (مفوضية شرطة الحدود)، مفوضية البئر الجديد، مفوضية أزمور، المنطقة الأمنية الإقليمية لسيدي بنور، ومفوضية  الزمامرة.

وعليه، فما الذي يفسر توقف أجور هؤلاء العاملات لمدة تزيد عن شهرين، بعد أن دأبت  الشركة المشغلة،  على صرف مستحقاتهم المالية في موعدها المحدد، الذي كان يصادف نهاية كل شهر؟!

 وتتحدث المصادر عن كون العقد المبرم بين المصلحة الإدارية الإقليمية بأمن الجديدة، والشركة المشغلة، والذي استمر 3 سنوات، قد انتهى نهاية شهر يناير 2019، وأن عاملات  النظافة المتشبثات بمصدر رزقهن وعيشهن، يأملن في إلحاقهن للعمل مع الشركة التي لم يتم بعد التعاقد معها.

ففي حال انتهاء العقد المبرم، هل  يحق لهؤلاء العاملات أن يتقاضين أجورهن المستحقة عن شهري فبراير ومارس الماضيين، من الشركة المشغلة لهن سابقا، والتي انتهت صلاحيتها، ولم يعدن من  ثمة  محسوبات عليها؟!

وهل ستعمد الشركة التي لم يتم بعد التعاقد معها، إلى صرف مستحقات هؤلاء العاملات، عن الأشهر التي لم يكن فيها محسوبات عليها، أو يسدين الخدمة لفائدتها؟!

وما هي الصفة والغطاء القانونيين اللذين يمكن للأمن الإقليمي للجديدة أن يحتفظ بهن كعاملات نظافة داخل المرفق الأمني؟!

وتبعا لذلك، فأية حماية قانونية تحظى بها هؤلاء العاملات، لو  يتعرضن  لحادث سقوط عرضي أو إصابة بعاهة جسمانية.. أثناء الخدمة التي يؤدينها داخل مصالح الأمن الإقليمي؟!

وكيف يمكن أن يحصل هذا داخل المرفق الشرطي، الذي يمثل القانون وموكول إليه تفعيل القانون..؟!

الجواب عن هذه التساؤلات الملحة لن يكون إلا بالرجوع والاطلاع على دفتر التحملات، ببنوده وشروطه المحددة، والذي من المفترض والمفروض أن يكون تم بموجبه إنجاز صفقة النظافة، وفق مقتضيات وأحكام مدونة الصفقات العمومية، والتي أوكلتها مديرية التجهيز والميزانية بالمديرية العامة للأمن الوطني (DEB/DGSN)، إلى المصلحة الإدارية الإقليمية بأمن الجديدة (SAP)، على غرار باقي المصالح الأمنية اللاممركزة.

وبالمناسبة، يتعين أن يكون الرجوع والاطلاع "أساسا وبالتحديد" مباشرة بالمديرية العامة للأمن الوطني، على دفتر التحملات والمسطرة الإدارية المضمنة فيها إجراءات صفقة النظافة العمومية المبرمة، والمودعة بمصالح مديرية التجهيز والميزانية، والمتضمنة لمراجع إرسالها ووصولها، من إدراجها في سجلات الواردات بمكتب الضبط المركزي، وانتهاء بالمديرية المحددة، المرسل إليها.

ودائما في حال انتهاء العقد، فهل عمد رئيس الأمن الإقليمي للجديدة، عزيز بومهدي، بصفته الآمر بالصرف بالنيابة عن المدير العام للأمن الوطني، إلى إصدار مقرر مكتوب، يتم بموجبه تشكيل لجنة على رأسها رئيس المصلحة الإدارية الإقليمية بأمن الجديدة، من أجل سلك الإجراءات القانونية والمسطرية، المنصوص عليها بمقتضى مدونة الصفقات العمومية، وذلك قبل نهاية صلاحية العقد السابق.. حتى لا يكون ثمة فراغ يؤثر سلبا على تأمين استمرارية خدمة النظافة داخل المصالح التابعة للأمن الإقليمي للجديدة؟!

وهل استحضر رئيس الأمن الإقليمي، عزيز بومهدي، العائد لتوه من إجازته (15 يوما)، جميع هذه الاعتبارات، عندما كان يتوسط عاملات النظافة للظهور أمام عدسات الكاميرات، خلال الاحتفاء الذي أقامه أمن الجديدة، الجمعة 08 مارس 2019، بتعليمات مديرية، على شرف نساء الأمن الوطني المحتفى بهن بمناسبة اليوم العالمي للمرأة (الصورة رفقته)؟!

وعليه، فإن كان الأمر كذلك، فستكون هذه السابقة من نوعها، وفي غاية الحساسية والخطورة. ما من شأنه أن يتناقض مع مقتضيات وأحكام مدونة الشغل، ومع قانون الالتزامات والعقود، ومع حقوق الإنسان، ومع المبادئ والقيم الأخلاقية، ومع ما يصبو إليه وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، الذي يدبر  ملف الحوار الاجتماعي، والذي يلح على التطبيق القانوني والسليم لمدونة الشغل.. بإشراك ولاة الجهات وعمال الأقاليم.

إلى ذلك، وحسب المصادر، فإن عاملات النظافة بدأن، الاثنين 15 أبريل 2019 (منتصف الشهر)،  بالتوصل بمستحقاتهن عن شهري فبراير ومارس الماضيين.. بعد أن تناهى إلى علم "من يهمه الأمر" أن الجريدة بصدد إنجاز تحقيق استقصائي في الموضوع.

وهذا ما يجر إلى طرح التساؤلات التالية:

ما الذي يفسر توقف أجور عاملات النظافة لأزيد من شهرين، ثم توصلهن "استثناءا" بها بشكل طارئ ومفاجئ، على خلاف ما دأبت عليه الشركة المشغلة لهن سابقا، والتي كانت تصرف لهن طيلة الأشهر التي خلت، مستحقاتهم المالية في موعدها المحدد، الذي يصادف نهاية كل شهر؟!

 وما هي إذن الجهة المخول لها قانونا، التي قامت، ابتداء من أول أمس الاثنين، بصرف أجور العاملات، سيما أن المصادر تتحدث عن كون العقد المبرم بين رب العمل (المصلحة الإدارية الإقليمية)، والشركة المشغلة، قد انتهى شهر يناير 2019؟!

وبالمناسبة، هل هؤلاء العاملات مصرح بهن لدى صندوق الضمان الاجتماعي، خلال الفترة ما بعد شهر يناير 2019، وإلى غاية الساعة؟!

ومن جهة أخرى، فإن "الأجر مقابل العمل".. تعتبر قاعدة اعتمدها عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة السابق، المنبثقة في نسختها الأولى عن "حزب العدالة والتنمية"، لكي يفرض بشكل غير مسبوق في تاريخ المغرب، اقتطاعات  من أجور الموظفين المضربين. اقتطاعات، رغم عدم دستوريتها  وقانونيتها، فإن  حكومة سعد الدين العثماني، المنبثقة في نسختها الثانية عن حزب "المصباح"، مازالت تباشرها في حق الموظفين الذين يمارسون حقهم المشروع في الإضراب، كوسيلة للدفاع عن مطالبهم العادلة. 

والجدير بالذكر أن الاقتطاعات التي تقوم بها الإدارة من الأجور، في حال ممارسة حق الإضراب، كما الشأن بالنسبة لنساء ورجال التربية الوطنية، تعتبر منافية للقانون. وهذا ما أقرته المحكمة الإدارية في وقائعها وتعليلاتها للأحكام التي أصدرتها باسم صاحب الجلالة، أعلى سلطة في البلاد، رغم أن تلك الأحكام بقيت مجرد حبر على ورق، إذ لم تعرف طريقها إلى التنفيذ، وإلى تفعيلها على أرض الواقع، بإلغاء القرارات الإدارية، موضوع دعاوى الطعن. 

هذا، وتستند قاعدة "الأجر مقابل العمل"، بغض النظر عن الإضراب الذي نص عليه الدستور، هذا  الحق المؤدى عنه في حال ممارسته من قبل الأجيرين المنتسبين إلى القطاعات العامة والخاصة، (تستند) إلى كون "أداء العمل يسبق أداء الأجر". وهذا ما وردت بشأنه عدة نصوص بهذا المعنى، في القرآن وفي الحديث النبوي الشريف. ففي سورة القصص من الذكر الحكيم، جاء في معرض قصة موسى وبنات شعيب عليهما السلام، عند قوله تعالى: إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا"؛ وقوله تعالى في سورة البقرة: "فإن أضرغن لكم فآتوهن أجورهن"؛ وقول الرسول في الحديث الشريف: "أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه".

ومن جهة أخرى، فإن العمل والأجر يعتبران ركنين من أركان عقد الإجارة، والتي هي بالمناسبة نوعان: إجارة الأشياء، ووهي الكراء؛ وإجارة الأشخاص أو العمل، وفق ما نصت عليه مقتضيات الفصل 626 من قانون الالتزامات والعقود.

فإجارة الخدمة أو العمل، حسب ما عرفها الفصل 723 من هذا القانون، هي عقد يلتزم أحد طرفيه بأن يقدم خدماته الشخصية للطرف الآخر، نظير أجر يلتزم هذا الأخير بدفعه له. وقد نص الفصل 734 على أن رب العمل أو المخدوم يجب عليه أن يدفع الأجر وفق الكيفية المحددة في العقد، أو وفق ما يقضي به العرف.

هذا، فإن المبدأ العام هو أن "الأجير لا يستحق الأجر إلا عن  العمل المنجز فعلا، وعن الخدمة المؤداة فعلا". ويجب أن يكون الاقتطاع من الأجر مبررا من الوجهتين الواقعية والقانونية.. وإلا لاعتبر ذلك الاقتطاع مشوبا بعدم التعليل، وبالشطط في استعمال القانون.

وقد استعرض الأستاذ أبو بكر أبو القاسم الهادي، المحامي بهيئة الدارالبيضاء، في مداخلة قدمها في ندوة بمراكش، جملة من الأفكار في موضوع "السند القانوني لمبدأ ألأجر مقابل العمل"، استحضرت الجريدة بعضا منها أعلاه.

إلى ذلك، فإن قاعدة "الأجر مقابل العمل" التي تستند إلى كون "أداء العمل يسبق أداء الأجر"؛ وتبعا  للمبدأ العام الذي يكمن في كون "الأجير لا يستحق الأجر إلا عن  العمل المنجز فعلا، وعن الخدمة المؤداة فعلا"؛ وطبقا وتطبيقا لمقتضيات قانون الالتزامات والعقود، ومدونة الشغل، فإن رب العمل أو المخدوم، أكان شخصا ذاتيا أو معنويا، يتعين عليه  أن يدفع للأجير، في حال عدم وجود مانع أو سبب قاهر، الأجر وفق الكيفية المحددة في العقد المبرم، أو وفق ما يقضي به العرف.

 

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة