د. محمد بنطلحة الدكالي : إننا في حاجة ماسة إلى جهاز لتنسيق السياسات والبرامج القطاعية في مجال البحث العلمي
د. محمد بنطلحة الدكالي : إننا في حاجة ماسة إلى جهاز لتنسيق السياسات والبرامج القطاعية في مجال البحث العلمي


هناك ما يستفز النظر في انشغال العلوم السياسية بجائحة فيروس كورونا المستجد. فقد أضحى السؤال الفيزيقي نوعا من التسامي الروحي عن فهم المناطق الخفية في مآلية القيم وفواعلها داخل منظومة الأخلاق البشرية، وحدها العلوم السياسية القمينة باستحضار مناطات الوجود الاستثنائي داخل توابع الشكيات وصراعات التفكير  المتعددة واللانهائية. إنها العلوم السابحة في قوة التدافع والتمنطق بأدوات التحليل الخطابي الواقعي، حيث ممكنات الفكر السياسي تساهم في التخفيف من آثار الأزمات وتوجيه بوصلات التجويد والاستنتاج من منطلقات آليات التدبير والقراءة البراغماتية للواقع والمستقبل .
توجه الجريدة أسئلة الراهن ونظرياته الثاوية، ومحفزاته التحليلية، لأخصائيي العلوم السياسية والعلاقات الدولية عامة، في مجالات الاقتصاد، والتاريخ، والعلوم السياسيّة.
وسيكون أول ضيف في جملة اللقاءات المبرمجة، الدكتور محمد بنطلحة الدكالي، أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق مراكش جامعة القاضي عياض :
* ثمة حديث الآن عن أسئلة سياسية في زمن كورونا، تنفذ في عمق التدابير العامة التي اننتهجتها الحكومة؟ وما تستشعره من هزات في مستويات أداء ما هو مطلوب منها؟
كيف تفسر الأمر؟
* جواب :  إن وباء كورونا قد شكل صدمة اجتماعية واقتصادية وسياسية عنيفة، كانت لها العديد من التداعيات على مستوى جل بلدان العالم،ربما ستتحول الى نقطة تغير مهمة بالنسبة الى مستقبل البشرية باسره،ومن ايجابيات هذه الصدمة، أنها ستشكل فرصة ملائمة لادخال اصلاحات بنيوية طويلة الأمد ،مما يجعلنانطرح أسئلة كبرى حول أنفسنا وعلاقاتنا الاجتماعية والسياسية..والحياة بوجه عام.ان هذا يدعونا الى الاعداد لمرحلة مابعدالوباء،بحيث يجب على صانعي السياسات العامة تحويل هذه المأساة الى ميزة،بحيث يجب علينا أن نقرر في أي اتجاه سنذهب، وماهو نمط حياتنا لمابعد كورونا؟ لقد أصبح القرار السياسي للسلطات الحاكمة مبنيا على نتائج دراسات وبحوث معمقة،كما أن قراءة المستقبل والتنبؤ بأزماته ومتغيراته والاستعداد له، لايتم الا من خلال الدراسات الاستشرافية، بالاعتماد على أساليب علم المستقبل، ومنهجيات البحث العلمي، ويجب استحضار البعد الاجتماعي والأخلاقي في اطار المشترك الذي يجمع بيننا. ان المجتمعات والثقافات التي تملك الدولة القوية والعلم أي سلطة المعرفة والقوة الاقتصادية وتضع التعليم والامن الصحي ضمن أكبر أولوياتها والقدرة على تدبير الحلول، هي المجتمعات التي ستصمد وتتاح لها فرص التحدي واثبات الذات...
* 2- كيف تقرؤون استفادة الحكومة المغربية من الانفتاح المعرفي والمعلوماتي الرقمي، في ظل الاستثناءات المفروضة؟ وما خلفياتها السوسيوسياسية والاقتصادية والثقافية على المستويين القريب والمتوسط؟
* جواب 2 : اننا نعيش حسب رأي المفكر العربي حامد عمار، في زمن لاتتحدد مقومات البقاء فيه بالاقتصار على قوة السلاح أو امتلاك الثروة، وانما تتحدد بامتلاك مفاتيح المعرفة والقدرة على انتاجها وعلى خلق الثروة، لقد غذت المعرفة قوة والقوة معرفة،ولم يعد معيار التقدم الحقيقي في تواصله واستدامته مكتفيا بما هو متبع اقتصاديا من مقياس نمو الناتج المحلي الاجمالي(GDP) وانما يفضله ويتميز عنه الرصد أو المخزون القومي المعرفي ونموه (NIR) . ان أهم أدوات التقدم مرهونة بالتقدم في مجال البحث العلمي والانفتاح المعرفي والمعلوماتي الرقمي لذا يجب الانفتاح على هذا الفضاء،لكن وحتى لانبقى في مجال الأمنيات ، يجب توفير مجموعة من الشروط الموضوعية،وتجهيز البنية الاستقبالية التي مازالت تعرف هشاشة ونقصا. اننا في حاجة ماسة الى جهاز لتنسيف السياسات والبرامج القطاعية في مجال البحث العلمي والابتكار وتنمية التكنولوجيا الرقمية، وان تكون لنا رؤية واضحة واستشرافية على المديين المتوسط والبعيد الى جانب التقييم المستمر.لقد أدرك الباحثون والمختصون، أن الانفتاح عل الفضاء الرقمي لايمكن ان يكون بمنأى عن التغييرات المتلاحقة التي تحرك المجتمعات،مما يغرض علينا ضرورة تحليل المحيط العام والبنى الاستقبالية،لانهما يشكلان زاويتي نظر علميتين تساعداننا على فضاء معرفي رقمي منتج،حيث انه كلما كان هناك وعي بالمفترضات التي ننطلق منها لتناول ظاهرة ما، كلما توفرت امكانيات التحكم فيما يمكن أن تنطوي عليه من منزلقات نظرية...
* 3 -  هل تمة ما يشكل فارقة في تقييم مستويات تعاطي الأحزاب السياسية والمؤسسات المنتخبة مع الجائحة، وبرامج التواصل السياسي والفكري مع المجتمع، ووسائل التأطير المباشرة وغيرها، مما يعضد التوجهات العامة لروح الدستور المغربي ومطالب التجسير له، وفهم إوالياته ؟
*جواب 3 : يشكل الحزب السياسي اداة ضرورية للمشاركة السياسية ،بالاضافة الى أنه يعتبر منتجا للنخب ، وهو مايؤهله ليشكل أداة للتأطير والتنشئة والتربية على قيم المواطنة،كماأنه يساهم في تحديد الاختيارات الكبرى للدولة . وتعرف وظيفة الحزب في العمل ببلادنا ،طبقا لأحكام الفصل السابع من دستور 2011 ،على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية وفي تدبير الشأن العام،كما يساهم في التعبير عن ارادة الناخبين ويشارك في ممارسة السلطة على أساس التعددية والتناوب بالوسائل الديمقراطية وفي نطاق المؤسسات الدستورية وعلى رأسها نجد السلطة التشريعية والتنفيذية بشكل يقودنا للحديث عن دور الأحزاب السياسية ومسؤوليتها في رسم وتخطيط وتنفيذ  وتقييم السياسات العامة. ان رسم السياسات العامة وتحديث الأولويات في الكثير من التجارب المقارنة،يتأثر بتصورات الاحزاب وايديولوجيتها،دون اغفال أن هناك عدة عوامل أخرى في التأثير على أولويات السياسات العمومية كطبيعة النظام السياسي والعلاقة بين السلط والفاعلين السياسيين والاجتماعيين ودرجة التوافق بينهم، علاوة على الامكانات والتحديات المحلية والماغيرات الاقليمية والعالمية التي تواجهها الدول ، يضاف الى ذلك ان الحزب السياسي له دور مهم في تنفيذ السياسات العامة اذا كان يتواجد في الحكومة، وهنا يجب أن تظهر قوة الحزب ومدى قدرته على التفاعل مع الانتظارات..خصوصا ان وصوله الى السلطة التنفيذية من المفروض أن يرتبط ببرنامج سياسي قابل للتنفيذ، ولايقف دور الحزب السياسي عند التخطيط والتنفيذ، بل كذلك المراقبة وتقييم السياسات العامة سواء من داخل البرلمان أو خارجه، مع العلم أن هذا التقييم يكون من خلال انجاز أبحاث وتحاليل، يرمي منها الى التعرف على نتائج السياسات والبرامج العمومية، وقياس تأثيرها على المجتمع ومدى تحقيقها للأهداف المتوقعة وتحديد العوامل التي أدت الى بلوغ هذه النتائج، واذا كانت ممارسة عملية التقييم للسياسات العامةتتم في مختلف البلدان على أسس مفاهيمية مختلفة، فانها في المقابل تلتقي وتتقاطع على مستوى"معرفة السياسة واثارها" كما انها توضح بأن الغاية المتوخاة من ممارسة التقييم تتمثل قبل كل شئ في اقتراح اجراءات من شأنها تطوير وتحسين السياسات التي قامت بها الحكومات أو بدأت في القيام بها، ويفترض ان تكون هذه الرقابة السياسية أو هذا التقييم السياسي موضوعيا للرفع من جودة السياسات العامة، بعيدا عن الحسابات الانتخابية او الصراعات السياسوية التي لا تضعف اثار هذه السياسة فحسب، بل تشكك في مقدرة السياسة والعمل السياسي على الاستجابة للطلب الاجتماعي المتنامي أو جعل الصالح العام فوق كل اعتبار.. 

عن جريدة كش بريس

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة