منارة سيدي بوافي بالجديدة.. ظاهرها حداثة وباطنها رمز للاستعمار
منارة سيدي بوافي بالجديدة.. ظاهرها حداثة وباطنها رمز للاستعمار

هذه الأيام يتم اتخاذ منار سيدي بوافي بعد 100 سنة على بنائه، رمزا للحداثة والتطور، والحال أن ذلك يندرج في إطار باطل يراد به حق.

لذا كنت مضطرا من موقعي أستاذا لمادة التاريخ، أن أعترض على تزييف حقائق تاريخية درءا لكل ما من شأنه، أن يربط حداثتنا بالآخر الذي هو المستعمر الفرنسي ، بدرجة تدفعني إلى طرح تساؤل عريض، أين تكمن الحداثة في بناء منتصب كقضيب إسمنتي في السماء ؟

منار سيدي بوافي يجب أن نستوقف الظرفية التي بني فيها بين 1916 و1918 ، ونسائل أسباب بنائه بسوء نية إبستمولوجية ، لنتأكد أن عملية البناء انطلقت سنة 1916 في عز الاستعمارين الرسمي والخاص من طرف سلطات الحماية الفرنسية ، بهدف استغلال ممنهج لخيرات بلادنا ، وبالتالي فإن السلطات الفرنسية التي كانت بنت ميناء الجديدة ، ومنه كانت تعمل على تصدير حبوب دكالة وبيضها وغيره من الغلال الزراعية نحو البلد الأم ، فرنسا الاستعمارية كانت تخاف على سفنها أن تتيه في بحر الظلمات ،ومن ثمة قر رأي الإقامة العامة على ضرورة بناء منار تستهدي به سفنها نحو الميناء في إطار رحلات استنزافية لخيرات دكالة .

وكانت عملية البناء منذ انطلقت سنة 1916 ، تمثل مثالا بشعا لنظام سخرة قاتل لأسرى ألمان وسكان من أولاد بوعزيز ومن كل دكالة ، أرغمتهم فرنسا على بناء شاهق ، سخر فيه المجهود العضلي في غياب آليات يومذاك ، وهو نفسه قمة انتهاك لإنسانية البشر ، لا يضاهيه سوى تسخير الفراعنة لحشود من المصريين في بناء الأهرامات ، و إذا كانت مصادر من تاريخ مصر القديمة ، تؤكد أن الأهرام بنيت على أنقاض أرواح عديدين ، جاز لنا أن نتساءل كم من ألمان ومغاربة ماتوا في ورش المنار ، وبالتالي نمتلك صلاحية القول ببطلان اعتبار المنار رمزا للحداثة ، واعتباره عكس ذلك محطة بارزة في تاريخ الاستعمار الفرنسي لدكالة ، وبالتالي فإن الحداثة لها مؤشرات موضوعية وواضحة رسخها مفكرون من تربة دكالة نظير عبدالله العروي وعبدا لكبير الخطيبي وإدريس الشرايبي وغيرهم ، في إطار ثقافة عالمية منفتحة على الآخرين.


عبد الله غيتومي


الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة