فضيحة.. المغرب استورد سنة 2008 من إيطاليا 2100 طن من النفايات عبر ميناء الجرف الأصفر (تحقيق)
فضيحة.. المغرب استورد سنة 2008 من إيطاليا 2100 طن من النفايات عبر ميناء الجرف الأصفر (تحقيق)

مازالت فضيحة النفايات التي صدرتها القارة العجوز إلى المغرب، تثير زوبعة من التفاعلات وردود الأفعال التي تجمع على التنديد والاستنكار، والرفض القاطع أن يصبح  المغرب مطرحا لنفايات أوربا. فضيحة مزلزلة فجرها إعلاميا وحقوقيا، السبت 25 يونيو 2016، موقعا  "هبة بريس" و"الجديدة24"، بنشرهما حصريا مقالا صحفيا تحت عنوان: "أوربا تصدر 2500 طن من النفايات إلى المغرب عبر ميناء الجرف الأصفر"، وبعدهما جريدة "رسالة الأمة". ما اضطر الوزارة المكلفة بالبيئة للخروج عن صمتها وإصدار بلاغ رسمي، لم يكن كافيا لإقناع الرأي العام، والإجابة عن تساؤلات واستفسارات المغاربة، سيما في ظل التخوفات من التأثيرات السلبية "المحتملة" للنفايات الأوربية على الوسط الإيكولوجي والصحة العمومية

هذا، وكشف مصدر مسؤول أن المغرب استورد، شهر نونبر 2008، شحنة من النفايات  2100 طن، قدمت إلى ميناء  الجرف الأصفر، محملة على سفينة إيطالية.

وبالمناسبة، حاولت جهة معينة القفز بانتهازية على الفضيحة الإيكولوجية، النفايات الإيطالية، التي فجرتها إعلاميا وحقوقيا منابر إعلامية وازنة. وهذا ما أكدته القناة التلفزية "ميدي 1 تيفي" في برنامج أعدته في موضوع النفايات الإيطالية.

الفضيحة والإعلام السمعي-البصري:

شكلت فضيحة النفايات الأوربية مادة إعلامية دسمة، وبالخصوص في العالم الافتراضي، سيما المواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي، التي تتابع عن كثب تفاعلات وردود الأفعال في الدوائر الرسمية والنخبوية والشعبية. حيث باتت أخبار ومستجدات هذه الفضيحة تنتقل بسرعة الضوء، مخترقة الرقابة، والحواجز والحدود الجغرافية  لدول العالم، الذي جعل منه الأنترنيت قرية صغيرة.

وبثت قناة "ميدي1 تيفي"، الخميس 30 يونيو 2016، خاصا عن النفايات الإيطالية، اعتبره المتتبعون للشأن العام "متوازنا"، وأقرب إلى الموضوعية والواقع. برنامج تم تصويره في ميناء الجرف الأصفر، ونقل  شهادات مهتمين ومتدخلين في الشأن البيئي.

وبدورها بثت القناة التلفزية "دوزيم"، الاثنين 4 يوليوز 2016، في نشرة الأخبار "المسائية"، خاصا عن النفايات الإيطالية، صور طاقم القناة الثانية مقاطع منه، اليوم ذاته، في ميناء الجرف الأصفر، بعد 11 يوما عن تفجر فضيحة النفايات الإيطالية. واستمع معدو البرنامج إلى وجهات نظر متدخلين محدودين ونوعيين، ضمنهم أحمد ضريف، نائب رائد ميناء الجرف الأصفر، وعبد الله غيتومي، مراسل جريدة "الصباح" (مدير ديوان المجلس الإقليمي للجديدة)، ولحسن بوخساس، مسؤول عن وحدة الإنتاج بمصنع للإسمنت.

هذا، ولم يتطرق أساسا البرنامج (التقرير) الذي أعدته القناة الثانية إلى مضامين وحيثيات الترخيص الذي استورد المغرب بموجبه النفايات من إيطاليا (بلد المنشأ)، والتي صرح المسؤول عن الوحدة الإنتاجية بمصنع الإسمنت، أنها عبارة عن بلاستيك و"كاغيط" وكاوتشو.. "المسائل كنلقاوهم في الدار عندناا"، على حد تعبيره ووصفه. وهي مواد شبيهة بتلك التي يتم استجماعها في حملات النفايات البلاستيكية، التي  تندرج في إطار قانون منع الأكياس البلاستيكية (زيرو ميكا)، الذي دخل في حيز التنفيذ بالمغرب، الجمعة فاتح يوليوز 2016.

وحسب الجمعية المهنية لشركات الإسمنت، فإن النفايات المستوردة من إيطاليا مشبعة بوقود بديل، ومعدة للحرق في أفران مصانع الإسمنت، للاستفادة من الطاقة التي تنتجها. وهي نوعية نفايات تُعرف عالميًا بـ (RDF)، وتنتقل بشكل عادي بين الكثير من البلدان. وأوردت الجمعية المهنية أن المغرب لا يعرف حاليا إنتاج مثل هذه النفايات، التي تصلح لهذا الغرض. ولا يزال ينتظر إنشاء منصات خاصة بمثل هذه المشاريع.

تصدير من إيطاليا:

كان مدير مراقبة التقييم البيئي والشؤون القانونية بالوزارة المنتدبة لدى وزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة، المكلفة  بالبيئة، وجه إلى مكتب المخططات والبرامج لدى قسم القطاع الحكومي ب(بيسكارا)/ إيطاليا، إرسالية في ال5 فبراير 2016،  تحت عدد: 00872، في موضوع استيراد محروقات مشتقة من نفايات (résidus dérivés de fuel/RDF)، من إيطاليا" إلى المغرب،  بطلب صاغته  شركة (DECO). حيث حظي بالقبول طلب التحويل الذي تقدمت به الجهة الرسمية (المعنية) في بلد المنشأ (إيطاليا). ومن ثمة، رخص المسؤول في وزارة الحيطي لعملية استيراد  النفايات،  موضوع الطلب، طبقا للقانون رقم: 00 – 28، المتعلق بتدبير النفايات وإزالتها، والمرسوم المتعلق بتطبيقه رقم: 253 – 07 – 2، شريطة أن لا تحتوي على أية مادة خطرة.

مدى تفعيل الإجراءات القانونية؟:

إن السؤالين الذين يطرحان نفسهما بقوة، كالتالي:

* هل  النفايات التي تتوفر على شهادة المنشأ (إيطاليا)، وشهادة التحاليل المسلمة من السلطات الإيطالية، (هل) خضعت، قبل مغادرتها ميناء الجرف الأصفر، للتحاليل المختبرية اللازمة لدى مختبر معتمد في المغرب، طبقا لمقتضيات القانون رقم: 00 – 28، المتعلق بتدبير النفايات وإزالتها، والمرسوم المتعلق بتطبيقه رقم: 253 – 07 –2 ؟

* وهل المغرب احترم في عملية استيراد النفايات الإيطالية، بنود الاتفاقية  الدولية "بازل" ؟

ملحوظة: وقع المغرب، سنة 1995، على اتفاقية "بازل"، التي دخلت حيز التنفيذ في ال5 ماي 1992، بعد أن كانت انطلق التوقيع عليها من قبل دول العالم، في ال22 مارس 1989.

فضيحة النفايات الفرنسية:

تزامن تصوير القناة "دوزيم"، الاثنين 5 يوليوز 2016، للبرنامج الخاص عن النفايات الإيطالية، مع تفجر فضيحة "نوعية" أخرى للنفايات الأوربية، عبارة عن 3300 طن من العجلات المطاطية (pneus usagés déchiquetés)، استقبلها ميناء الجرف الأصفر، ليلة الجمعة فاتح يوليوز 2016، على متن سفينة فرنسية، كانت راسية عند الرصيف رقم: 13 (مرسى المغرب). وهي الفضيحة التي فجرها موقعا "هبة بريس" و"الجديدة24"، بنشرهما حصريا، الأحد 3 يوليوز 2016،  مقالا صحفيا تحت عنوان: "بعد إيطاليا.. فرنسا تصدر 3300 طن من النفايات المطاطية إلى المغرب عبر ميناء الجرف الأصفر". وبعدهما جريدة "رسالة الأمة" على أعمدة صفحتها الأولى، في عددها الصادر الاثنين 5 يوليوز 2016.. إلا أن معدي برنامج "دوزيم" وسلطات ميناء الجرف الأصفر وباقي المتدخلين، تجاهلوا، وهذا وجه الاستغراب، هذه الفضيحة "النوعية"، الثانية من نوعها في ظرف أسبوع.

تصدير من فرنسا:

كان مدير مراقبة التقييم البيئي والشؤون القانونية بالوزارة المنتدبة لدى وزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة، المكلفة  بالبيئة، وجه إلى الإدارة الجهوية للبيئة والتهيئة والسكنى/ قسم الأرض وتحت الأرض – الصحة – البيئة/ مصلحة الحماية من الأخطار- بوردو/ فرنسا، إرسالية بتاريخ: 17/09/2015، تحت عدد: 07713، في موضوع "حركة نقل النفايات عبر الحدود. ونصت المراسلة على أنه تبعا للإرسالية المرجعية للجهة الفرنسية، المؤرخة في: 3/9/2015، علاقة بطلب نقل نفايات الإطارات المطاطية، من فرنسا إلى المغرب، بطلب صاغته شركة (ALIAPUR)، فإن استيرادها مرخص به، طبقا للقانون رقم: 00 – 28، المتعلق بتدبير النفايات وإزالتها، والمرسوم المتعلق بتطبيقه رقم: 253 – 07 – 2، شريطة أن لا تحتوي على أية مادة خطرة.

وفيما يخص الشركة الفرنسية (ALIAPUR)، المختصة في جمع وتثمين الإطارات المستعملة، فقد استجمعت، خلال الفترة الممتدة من فاتح يناير 2016، وإلى غاية 9 يوليوز من السنة الجارية، 178459 طن من الإطارات المستعملة الخاصة بالسيارات، أي ما يعادل 23556588 عجلة.

نفايات سامة جدا:

 أثبتت دراسات علمية أن الغازات السامة، المنبعثة عن حرق الإطارات في العراء أو أماكن مفتوحة، أو في حال عدم معالجتها وتسربها، لعدم احترام معايير وشروط السلامة والوقاية الاحترازية،  من شأنها أن تؤثر سلبا وبشكل خطير جدا على البيئة، والصحة العمومية، والكائنات الحية والنباتات، والتربة والمياه والهواء.

وتتكون الإطارات المطاطية الخاصة بالعربات، وهي غير مصممة للحرق، من مكونات خطيرة، ومن المطاط الصناعي، المصنّع من مركبات البنزين ومشتقاته، والكربون الأسود، والكبريت، وأكسيد الزنك، والشمع، والفولاذ

التنصل من المسؤولية:

حسب مصدر مطلع، فإن الترخيصين المشار إليهما في المراجع أعلاه، اللذين خصت بهما وزارة الحيطي الجهتين المعنيتين، الإيطالية والفرنسية،  بطلبين صاغتهما شركتا (DECO) و(ALIAPUR)، على التوالي بتاريخ: 5 فبراير 2016، تحت عدد: 00872، وتاريخ: 17 شتنبر 2015، تحت عدد: 07713، تظل صلاحيتهما قائمة مدة سنة كاملة. واشترطت الوزارة المكلفة بالبيئة من الجهتين الأوربيتين المصدرتين للنفايات، المحددة طبيعتهما وفق نصي الترخيصين،  في (résidus dérivés de fuel/RDF)، وفي (pneus usagés déchiquetés)، عدم احتوائها على أية مادة خطرة.

وحثت وزارة الحيطي الشركتين المستفيدتين في المغرب (L.C.) و(C.A.)، طبقا لما جاء في الترخيصين، على اتخاذ جميع التدابير اللازمة، من أجل ضمان تثمين إيكولوجي معقلن للنفايات المستوردة. وحملتهما كامل المسؤولية عن أي ضرر أو تأثير سلبي على البيئة أو على الصحة العمومية، قد ينجم عن نقل، وتخزين، وتثمين النفايات في المغرب.

ويستشف بالواضح والملموس مما جاء في نصي الترخيصين، سيما في فقرتيه الأخيرتين، أن وزارة الحيطي لا تتحمل المسؤولية عن تثمين النفايات في المغرب، وحملت كامل المسؤولية في ذلك إلى معامل الإسمنت. ما يعني أن ثمة احتمالا جد وارد، إن لم نقل يقينا، بكون  النفايات الإيطالية تحتوي أو تنجم عنها عند تثمينها في المغرب، رغم الزعم بكونها تخضع لتحاليل مختبرية، أضرار على البيئة والصحة.

أول عملية وتجربة (!):

جاء في البرنامج الذي أعدته القناة الثانية "دوزيم"، على لسان المهندس لحسن بوخساس، المسؤول عن وحدة الإنتاج، أن حمولة النفايات المستوردة من إيطاليا، جاءت بطلب من مصنع الإسمنت.. وأن الاستيراد ليس من أجل الاستيراد، وأن هذه أول عملية من أجل التجربة، لأن معامل الإسمنت قامت باستثمارات ضخمة، وتحضر لمسايرة التقدم الذي سيطرأ على صعيد المطارح البلدية في المغرب.

هذا، وأورد موقع إلكتروني أن محند العنصر (الأمين العام لحزب الحركة الشعبية)، صرح أنه سيدافع عن حكيمة الحيطي، الوزيرة المنتدبة لدى وزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة، المكلفة بالبيئة (عن حزب الحركة الشعبية)، لكون الأزبال تأتي للمغرب منذ زمان، والكل يعلم ذلك.

وكشف بالمناسبة مصدر مسؤول أن المغرب استورد، شهر نونبر 2008، من إيطاليا، عبر ميناء الجرف الأصفر، شحنة من النفايات بوزن 2100 طن.. في عهد حكومة التناوب، التي كان وزيرها الأول الاستقلالي عباس الفاسي، والتي شغلت فيها أمينة بن خضراء (التجمع الوطني للأحرار)، منصب وزيرة الطاقة والمعادن والماء والبيئة، وشغل فيها محمد اليازغي (الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية) منصب وزير الدولة

ظرفية جد حساسة:

يأتي استيراد المغرب واستقبال ميناء الجرف الأصفر للأطنان من نفايات أوربا، تزامنا مع دخول قانون منع الأكياس البلاستيكية (زيرو ميكا)، الجمعة 1 يوليوز 2016، حيز التنفيذ؛ وكذلك، في ظرفية استثنائية، تتسم بتنظيم المغرب المؤتمر الدولي حول الماء والمناخ تحت شعار: "الأمن المائي من أجل عدالة مناخية"، بالرباط ، الاثنين والثلاثاء 11 و12 يوليوز 2016، تحت إشراف  الوزارة المنتدبة لدى وزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة، المكلفة بالماء، بتعاون مع الوزارة الفرنسية للبيئة والبحار، والمجلس العالمي للمياه، وكذلك بتحضير المغرب لاحتضان قمة المناخ والبيئة "كوب22"، في مراكش، شهر نونبر 2016. المغرب الذي انخرط في اتفاقيات بيئية دولية (اتفاقية "بازل"..)،  تلزم بالمحافظة على المحيط الإيكولوجي، الذي هو من تجليات حقوق الإنسان، كما هو متعارف عليها كونيا. هذا الحق الذي كرسته خطابات الملك محمد السادس، والتوجهات والتوجيهات السامية، ومقتضيات دستور المملكة المغربية.

ردود أفعال وانتقادات:

تسارعت التفاعلات وردود الأفعال والانتقادات، جراء فضيحة النفايات التي يستوردها المغرب من القارة العجوز.

وصرح وزير الداخلية، محمد حصاد، أن النفايات المستوردة لا تشكل أي خطر، وهي تستعمل من قبل الدول الأوروبية، بما فيها إيطاليا نفسها.

وأفاد بلاغ صحفي صادر، الثلاثاء الماضي، عن المجلس الحكومي، أن عملية الاستيراد تحترم اتفاقية "بازل" التي تخصّ التحكم في نقل النفايات الخطرة، عبر الحدود والتخلص منها. كما تخضع لعملية مراقبة في الميناء، للتأكد من جديد، فضلا عن مراقبتها من جديد في المصانع التي تستعملها.

وأبدى مصطفى الباكوري، رئيس جهة الدارالبيضاء–سطات، معارضته لاستقبال المغرب للنفايات الإيطالية. وأشار إلى أنه سيوجه استفسارا إلى حكومة عبد الإله بنكيران بخصوص هذا الموضوع الذي أثار جدلا واسعا، في أوساط المجتمع المغربي.

ووجه محمد يتيم، عضو فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب، سؤالا آنيا إلى وزير الطاقة والمعادن، للكشف عن المخاطر المحتملة لاستخدام بعض النفايات الصناعية المستوردة، لاستخدامها كطاقة بديلة في بعض المؤسسات الإنتاجية، على الصحة والبيئة.

وأثار موقف محمد يتيم، عضو فريق "البيجيدي"، استغراب المغاربة. حيث رد عليه بعضهم ب"الحكومة تسائل نفسها".

هذا، وأطلق "فيسبوكيون" ونشطاء ، حسب ما تناقله صفحات التواصل الاجتماعية، هشتاغ: #حنا_ماشي_مزبلة.

ودخل المرصد الدولي للإعلام وحقوق الإنسان على الخط، في قضية النفايات الإيطالية والفرنسية، التي تابعها عن كثب، منذ أن فجرها إعلاميا وحقوقيا منبرا "هبة بريس" و"الجديدة24"، وجريدة "رسالة الأمة". وعند استفسار المرصد الدولي مولاي المهدي الفاطمي، رئيس الجماعة القروية "مولاي عبد الله" بإقليم الجديدة (عن حزب الاتحاد الاشتراكي)،  التي يقع ميناء الجرف الأصفر في منطقة نفوذها الترابي، أفاد المسؤول الجماعي أنه سيعمد إلى رفع كتاب استفساري إلى سلطات ميناء الجرف الأصفر، لاستجلاء حقيقة وظروف وملابسات فضيحة النفايات الإيطالية والفرنسية.

هذا، ولم يخرج محمد الزاهيدي، رئيس المجلس الإقليمي للجديدة (عن حزب الأصالة والمعاصرة) عن صمته، رغم التفاعلات المتسارعة التي عرفتها فضيحة النفايات الأوربية، والتي تجاوزت أصداؤها حدود المغرب الجغرافية.

وبالمناسبة، انصبت جميع التفاعلات وردود الأفعال وانتقادات المغاربة، وتصريحات وبلاغات الجهات الحكومية،  والتقارير الرسمية، والبرامج الإخبارية، على النفايات التي استوردها المغرب من إيطاليا. فيما تم تجاهل شحنة  3300 طن من النفايات المطاطية، المحملة على متن سفينة فرنسية، استقبلها ميناء الجرف الأصفر، ليلة الجمعة فاتح يوليوز 2016.

تفاعلات الإعلام:

خلقت فضيحة النفايات الإيطالية بالخصوص، التي تجاوزت أصداؤها حدود المغرب، تفاعلات وجدلا سياسيا وإعلاميا. كما شكلت مادة دسمة لكبريات وسائل الإعلام السمعية – البصرية، والمكتوبة في العالم.

 فنقلا عن وسائل إعلامية إيطالية، فإن الدولة الإيطالية دفعت للاتحاد الأوربي، أكثر من 40 مليون أورور، كغرامة  لعدم التزامها بمعالجة القمامة والنفايات، تضرر جراءها 27 مليون إيطالي.

وأورد موقع مغربي أن خالد شوقي، النائب البرلماني الإيطالي عن الحزب الديمقراطي، وجه، الثلاثاء 5 يوليوز 2016، إلى وزير البيئة الإيطالي (جان لوكا غاليتي)، سؤالا كتابيا آنيا، وقعه بمعية رئيس لجنة البيئة بالحزب الديمقراطي، ورئيس مجموعة الصداقة الإيطالية المغربية بالبرلمان الإيطالي، حول شحنة النفايات الإيطالية التي تم تصديرها إلى المغرب، والتي تحوم حولها شكوك عن مدى خطورتها على البيئة والصحة.

وكانت عملية التخلص من النفايات المكدسة، منذ مطلع الألفية الثالثة، في مطرح (تافيرنا ديل ري) بنواحي مدينة (نابولي) الإيطالية، انطلقت في ال30 ماي 2016، حسب ما تناقلته تقارير إعلامية إيطالية، بعد أن أثارت موجة غضب واحتجاجات شعبية عارمة في إيطاليا. وباتت الأرض التي تتراكم فوقها جبال النفايات القديمة جدا، في مطرح (تافيرنا ديل ري)، "أرضا محروقة" (terre brûlée)، جراء تسرب المواد السامة إلى تربتها ومحيطها.

وكانت السلطات الرومانية رفضت استقبال شحنات من النفايات الإيطالية، لعدم توفرها على أفرنة مؤهلة لمعالجة وحرق هذا النوع من النفايات، تتوافق والقواعد والمعايير المعتمدة من قبل الاتحاد الأوربي. وقد عرفت نفايات إيطاليا طريقها، في إطار اتفاقيات وصفقات، إلى شمال إيطاليا، بلد المنشأ، وكذلك إلى إسبانيا والبرتغال وألمانيا، وإلى المغرب.

وأورد موقع إلكتروني أن محند العنصر (الأمين العام لحزب الحركة الشعبية)، صرح أنه سيدافع عن حكيمة الحيطي، الوزيرة المنتدبة لدى وزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة، المكلفة بالبيئة (عن حزب الحركة الشعبية)، لكون الأزبال تأتي للمغرب منذ زمان، والكل يعلم ذلك.

تقرير إيطالي محرج:

نقلا عن جريدة "لومند" الفرنسية، التي نشرت تقرير المعهد الصحي بإيطاليا، الذي تم رفعه إلى البرلمان الإيطالي، فإن نفايات نابولي التي استوردها المغرب، هي على درجة عالية من الخطورة. حيث إن حرق أو دفن هذه النفايات السامة في المنطقة (إيطاليا)، تسبب في رفع حالات الإصابات والوفيات، جراء الأمراض المستعصية، سيما لدى الأطفال والرضع (...).

المحكمة الإيطالية:

حذر (باولو رايتي)، أشهر خبير قضائي كلفته محكمة نابولي للبحث في ما يعرف ب"نفايات نابولي"،  من عملية إحراق ما يسمى بنفايات (RDF) الإيطالية،  في معامل الإسمنت، لكونها غير مجهزة لهذه العملية، وأن إحراقها في أوربا يتم في أفران خاصة وجد مكلفة.

وفي حوار أجراه معه موقع ال"ماننيففيستو" الإيطالي، حذر الخبير الإيطالي ا (باولو رايتي) مما أسماه "ترويج RDF  "، أو "الوقود المستخلص من المواد الصلبة" أو ما يعرف في إيطاليا ب"رزم الأزبال الإيكولوجية"، التي يتم تقديمها على كونها "طاقة بديلة" أو "وقود"، لأن عملية إحراق هذه النفايات تنجم عنه انعكاسات ونتائج خطيرة على البيئة، لكونها لا تنتج سوى غاز الدوكسين. وشدد الخبير الإيطالي على أنه لا يكفي توفر درجة حرارة مرتفعة في الفرن ( أكثر من 850 درجة)، لإتلاف هذه النفايات، الذي وضع من أجله (إتلافها) الاتحاد الأوربي قيودا صارمة، ضمنها توفر أنظمة جد خاصة، يحددها قانون خاص. وأضاف الخبير الإيطالي أنه لا يوجد معمل إسمنت يتوفر على هذه الأنظمة.

إشكالية بيئية وحقوقية:

عرت فضيحة النفايات التي استوردها المغرب من القارة العجوز، عن غياب بعض الهيئات البيئية والحقوقية، التي من المفترض والمفروض أن تدافع عن هذا الملف الحساس، سيما أنها تتقاضى بسخاء "حاتمي" دعما ماليا من الدولة المغربية، أي من "جيوب الشعب المغربي"، وحتى أن بعضها يتلقى، دون حسيب ورقيب، دعما ماليا من الخارج. وأصبحت بعضها تهيمن على المشهد البيئي والحقوقي والجمعوي في المغرب.. حيث نجد 5 أو 6 "فاعلين"،  وجوههم مستنسخة هنا وهناك، في 4 أو 5 جمعيات .. بعد أن يتقاسموا ويتبادلوا فيما بينهم، بمباركة السلطات، الأدوار والمسؤوليات. ومن "الفاعلين المناسباتيين" من ينطبق عليهم المثل الشعبي القائل: "حتى كتطيح البݣرة، عاد تيقواو الجناوي".

 لو حدث هذا في أوربا:

لنفترض أن المغرب هو من  قام بتصدير نفاياته "النوعية" إلى إيطاليا وفرنسا، فإن هذه الفضيحة ستقود حتما، بتلقائية أو تحت ضغط الشارع، والمنظمات البيئية والحقوقية الفاعلة والوازنة في الاتحاد الأوربي والعالم، إلى إسقاط رئيسي الجمهوريتين الإيطالية والفرنسية (جورجيو نابوليتانو عن الحزب الديمقراطي الإيطالي) و(فرانسوا أولاند عن الحزب الاشتراكي الفرنسي)، ولكان اعتزلا إلى الأبد السياسة، ولكان وزيرا البيئة لدى حكومتيهما (سيكولين رويال) و(جان لوكا غاليتي)، اللذان لا يعملان 22 ساعة في اليوم، ولا يتقاضيان "جوج فرانك"، قدما استقالتهما، ولكانت شعوب الاتحاد الأوربي طالبت بإحالتهما على العدالة، ولكانت الدولتان الإيطالية والفرنسية صارحتا شعبيهما وكشفتا عن الحقيقة، ولكان وزيرا العدل الإيطالي والفرنسي (أندريا أورلاندو) و(جان جاك إورفوا) فتحا تحقيقات قضائية، على غرار برلمانيهما اللذين يعبران عن إرادة شعبيهما.

من أجل الحقيقة والإقناع:

فكما أن للشعب المغربي الحق في العيش بكرامة في بيئة سليمة، فإن له الحق في المعلومة، طبقا لمقتضيات دستور المملكة، ومن ثمة، له الحق في معرفة الحقيقة، الحقيقة كاملة وتفصيليا. هذه الحقيقة التي لن تكون التقارير والبلاغات الصادرة بعضها ب"الفرنسية"، كافية لوحدها لإقناع 35 مليون مغربي، بحقيقة النفايات التي استوردها المغرب من إيطاليا وفرنسا. ما يستدعي على الأقل، بغية طمأنة المغاربة على بيئتهم، ووضع حد للمزايدات السياسية والحقوقية، تخصيص برنامج تلفزي من قبيل "مباشرة معكم" الذي تعده القناة الثانية "دوزيم"، يحضره بالضرورة خبراء مغاربة وأجانب ومسؤولون من  حكومة عبد الإله بنكيران، سيما من الوزارة المكلفة بالبيئة (الوزيرة الحيطي شخصيا)، ووزارة الداخلية، ووزارة العدل والحريات، والوكالة الوطنية للموانئ بالجديدة، وإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، وشركات الإسمنت المستفيدة من صفقات النفايات الأوربية، مع فتح خطوط هاتفية والبريد الإلكتروني، مع الجهات المعنية لدى الدولتين الإيطالية والفرنسية، التي تصدر إلى المغرب النفايات الأوربية، بموجب اتفاقيات وتراخيص خاصة. ويتعين أن يسلط هذا البرنامج الضوء بمنهج علمي–تحليلي، على نقاط الظل والغموض المرتبطة بالنفايات الأوربية، وتفاصيل الصفقة التي تمت في إطار اتفاق أو اتفاقية أوربية–مغربية.

كما يتعين أساسا إطلاع المغاربة، من أجل طمأنتهم، وقطع الشك باليقين، على التحاليل المختبرية التي من المفترض والمفروض أن تكون الوكالة الوطنية للموانئ أجرتها لدى مختبر معتمد في المغرب، وخاصة على النفايات الإيطالية، في ظل الشكوك التي تحوم حول غياب شهادة التحاليل المختبرية الخاصة بها، حتى يتم الاطلاع بالعين المجردة على مكوناتها العضوية، وتفاعلاتها الكيماوية، ومدى تأثيرها على البيئة والصحة العمومية.

 ولعل برنامج "مباشرة معكم" الذي سيعالج إشكالية النفايات من الوجهتين العلمية والقانونية..، على غرار البرامج التي تعدها القنوات الأوربية لمعالجة إشكاليات وقضايا الساعة التي تهم السياسة والبيئة وغيرهما، (لعله) سيكون بمثابة جسر للحوار والتواصل "المباشر" مع مختلف شرائح المجتمع المغربي ومكوناته وحساسياته، ومن ثمة السبيل الأفضل لإقناع المغاربة أجمعين.

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة