الجديدة تستغيث.. فعن أيّ 'حداثة' تتحدّثون!؟
الجديدة تستغيث.. فعن أيّ 'حداثة' تتحدّثون!؟

 جميل أن نتحدث اليوم مرور عقد من الزمن عن "حداثة" مدينة تحمل اسما يحيل على الحداثة (الجديدة). والأجمل أن نستحضر أيضا زخما تاريخيا يُحسب للمدينة عبر المحطات التاريخية التي قطعتها إلى اليوم. والأكثر جمالا ويجعل من حق أهل دكالة أن يفخروا بتميز حاضرتهم بمعالم تاريخية سجلت في تاريخ المغرب الحديث وأعطت المدينة حضورا مهمّا في كتب التأريخ؛ إذ يكفي أن نتحدث عن منارة سيدي بوافي وميناء الجديدة كمعلمتين تعنيان الكثير لكل جديدي دكالي.

من هذا المنطلق أخذت الجهة المنظمة لمهرجان "جوهرة الحياة" الدولي، الذي يطفئ شمعته السادسة هذه السنة شعار "في رحاب 100 سنة من الحداثة" بمدينة الجديدة، إذ يحتفى المهرجان بمكتسبات هامة أعطت المدينة رمزيتها وتاريخيتها.

هذا الأمر لمسناه من خلال الملصقات والإعلانات التي أريد من خلالها تسويق اسم المدينة عبر بوابة المهرجان وإعطاء الجديدة سمعة حداثية لدى الزوار والضيوف المتوافدين على المدينة كل سنة؛ وهم في تزايد ملحوظ..

فلنعرّف الحداثة أولا.. لغةً، هي مصدر حدَثَ يحدُثُ، ووصف لما هو حديث، ويمكن أن تَرِد في سياق يفيد ما استُحدثَ، أو ما جدَّ من تطور. كما تفيد العصرنة والانسجام مع مستجدات العصر الحديث.

وتطلق كلمة "حديث" على ما هو جديد وما لم يكن موجودا من قبل، أو ما صار بعد أن لم يكن؛ واصطلاحا تحمل دلالة فلسفية إيديولوجية، ترتكز على أحداث و وقائع تميزت بها حقبة تاريخية معينة، في مجال وحيز جغرافي محددَين، ويتعلق الأمر بالتحولات السياسية والفكرية والعلمية والاقتصادية والحضارية.

لكنْ دعونا، في المقابل، نتأمل الحداثة التي يتحدثون عنها والحداثة التي سطر عليها السيد عامل إقليم الجديدة في معرض حديثه خلال الندوة الصحافية للمهرجان في منتجع مزغان، ضواحي أزمور، بحضور نساء ورجال الإعلام المحلي والوطني.

السيد معاذ الجامعي قال بالحرف إن دكالة أرض خصبة وإن أهل دكالة أهمّ رأسمال تزخر به المدينة.. لا نختلف معك في ذلك، الجديدة مدينة كانت ولا تزال أرض الخيرات وملتقى الحضارات ومنبع الرجال ومذهب الفكر والعلم؛ لكن في المقابل سيدي عامل جلالة الملك ومعك منتخبو ومسؤولو المدينة والإقليم والجهة.. ألم يحن الوقت كي يتم التفكير جديا في بلورة مخطط تنموي شامل ينهض بالمدينة اقتصاديا اجتماعيا ثقافيا بيئيا؟! من مدينة عمرانية بامتياز إلى مدينة ممزوجة بالحداثة والثقافة والفن؛ من مدينة فقدت هويتها بفعل فاعل إلى مدينة رائدة تنمويا؛ من مدينة أضحت اليوم أشبه إلى حد ما بقرية ممدنة (حمير وبغال وقطعان ترعى وسط الطرقات).. شواطئ فقدت جماليتها وتحولت إلى أسواق.. وعربات متناثرة هنا وهناك.. تجد فيها احتلالا للملك العمومي بلغ أشده وأخذ في التوسع في جميع ممرات المدينة وأحيائها.. طرقات مهترئة، حفر بالجملة، مشاريع تهيئة لم يكتب لها أن تنتهي.. والنتيجة أننا عدنا إلى زمن كانت فيه "الجديدة" تسمى "المهدومة"! فالجديدة جديرة حقا اليوم بأن تحمل هذا الاسم، مدينة تهدّمت معالمها وتكسرت أحلام شبابها ورؤية مثقفيها؛ مدينة اختلط فيها الحابل بالنابل.

سؤال وجيه نتوجه به لمن أنيطت لهم مهمّة تسيير وتدبير شأن المدينة، من سلطات وصية ومنتخبين على رأس جماعة الجديدة، أهذه هي الحداثة التي تتغنون بها في كل خرجة؟ الحداثة هي رؤية الحاضر بأعين المستقبل وعدم الرضا بالموجود، بمعنى أن نحسب الخطوات ونستثمر المكتسبات وغنى موروث المدينة.

لذا، حريّ بنا أن نبين في هذا المقام أهم مكتسبات تحسب لمسؤولينا: تشويه جمالية حديقة محمد الخامس، المتنفس الوحيد للجديدين، إلى أكوام من رمال الشاطئ لتحويلها إلى ملعب كرة القدم الشاطئية؛ وهذا ما حرّك أقلاما وجمعيات تندد بهذه الخطوة غير محسوبة العواقب؛ زد على هذا الخطوة الأخرى التي أقدمت عليها سلطات المدينة من خلال مشروع إنشاء سوق نموذجي في محيط الحي البرتغالي، المصنف تراثا علميا لدى منظمة اليونيسكو؛ أهكذا يتم الاحتفاء بالحداثة!؟

خلاصة القول إنه إذا أردنا التفكير بشكل أفضل وجدي لا بد أن نضع رؤية مستقبلية تغيّر من ملامح هذه المدينة، الغنية ثقافيا واقتصاديا وتاريخيا واجتماعيا، ببسط مشاريع اجتماعية تساير انشغالات سكانها وشبابها للرقي بها إلى ما هو مأمول، واستثمار مكتسبات أغنت حاضر دكالة والاستفادة منها تنمويا.

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة