خدام الدولة وخدام الانتخابات
خدام الدولة وخدام الانتخابات

إذا كانت المدرسة الوطنية الفرنسية للقناطر تشتهر بتكوين أفواج كبيرة من المهندسين على امتداد تاريخها، يساهمون في بناء وتشييد البنيات التحتية والصروح المعمارية لأوطانهم، فإن تلامذتها من المغاربة على عكس الآخرين برعوا فقط في السطو والاستحواذ على أراضي الدولة، والاغتناء غير المشروع، نتيجة استغلال نفوذ مناصبهم السامية في السلطة.

فضيحة العقار في ملكية والي الرباط الحالي عبد الوافي لفتيت ، واستفادته منه بثمن بخس لا يوازي السعر الحقيقي للسوق، وكشفه للرأي العام في هذا التوقيت بالضبط، يحمل مؤشرات الصراع الخفي الذي انتقل للعلن بين حزب العدالة والتنمية ورموز المخزن التكنوقراط  المنصبين خارج إطار الآلية الديمقراطية للانتخابات، والغريب في الأمر أن جزء منهم متواجدون كأعضاء في نفس الحكومة، مما يخلق قناعة جلية لدى المتتبعين، عن وجود تيارين متصارعين على الحكم، ازداد وضوحا مع رد وزارتي الداخلية والاقتصاد والمالية على هذه القضية، من خلال الدفاع المستميت عن والي الرباط، ببلاغ أقل ما يقال عنه، أنه يفتقد لحس المسؤولية، ويتسم بالغباء، عن حمولاته وتداعيات مضمونه الذييحتقر ذكاء المغاربة، ويساهم في تكريس تقسيم المجتمع إلى طبقات تذكي نار الفتنة والحقد الطبقي، وقتل روح المواطنة،مما يستدعي ربما معه من الوزيرين إعادة النظر في تركيبة أعضاء دواوينهما من المستشارين لافتقادهم لبعد النظر والكفاءة اللازمة في تحليل أبجديات الخطاب السياسي.

سيتبين فيما بعد أن دفاع الوزيرين عن زميلهما في الهندسة، لم يكن بريئا، بل هما بدورهما يركبان سفينة واحدة، حيث سبق أن استفادا من بقع أرضية للدولة في نفس المنطقة وبنفس الطريقة، ومعهم شلة من الشخصيات السياسية المعروفة بقربها من مصادر القرار.

يبدو أن حجم الامتيازات والعطايا التي تمنح للشخصيات التي تدور في فلك السلطة، أو ما يطلق عليهم بخدام الدولة، لا يشكل مفاجأة، لأن الجميع يعلم بأن طاعة الأوامر والتقيد بسياسة الدولة العميقة كان لها دائما كلفة ماليةجد باهظةتسلبمن ثروات البلاد والعباد ، وتدخل في سياسةالاحتواء والاغراءقديمة العهد للمخزن، التي ترفع شعار لكم المال والثروة ولي السلطة.

الشيء الذي تغير الآن هو انفلات المشهد الاعلامي من يد السلطة، بسبب تطور مواقع التواصل الاجتماعي، وافتضاح الأمور من خلال تسريب الوثائق للعموم على الشبكة العنكبوتية، مما يشكل ضغطا هائلا على صانعي القرار، وينمي الوعي السياسي للمواطنين، من خلال بداية تفريقهم بين من يخدم الوطن ومن يخدم الدولة.

من الواضح أن حزب العدالة والتنمية قبل بالدخول للعبة السياسية منذ توليه للحكومة، فتحمل الضغوطات التي كانت ستودي بسقوط حكومته أثناء انسحاب حزب الاستقلال من ائتلافه الحكومي، لكنه دبر بدهاء تلك المرحلة الصعبة، واستمر في المقاومة رافعا شعار الشرعية الشعبية، متنازلا في نفس الوقت عن مبدأ محاربة الفساد خوفا على نسف تجربته، وبالتالي بقي متسترا على هذا الفساد، حتى اشتدت عليه الضغوطات بشدة في الآونة الأخيرة، وتبين له بالملموس بأن مكانته في انتخابات 07 أكتوبر القادمة في خطر، نتيجة الحديث عن التهيؤ لاكتساح حزب الجرار  للانتخابات المقبلة لسد الطريق على الاسلاميين، فأخرج أسلحته بفضح الامتيازات التي ينعم بها خصومه قصد الضغط عليهم، وبعث رسالة بأنهم لن يكونوا لقمة سائغة، فقد تدربوا على سبر أغوار كواليس السياسة في المغرب.

حقيقة هذه الفضيحة هي بمثابة هدية من السماء لحزب العدالة والتنمية، حيث ستقوي موقعه، خصوصا وأن أسماء المتورطين في هذه القضية لم تطل أعضائه ومناضليه، بل طالت فقط مجموعة من أبرز الشخصيات السياسية والحزبية التقليدية اليسارية واليمينية، وكذا بعض رجال المال والأعمال القريبين من السلطة.

على الرغم من حدة الصراعات السياسية المشتعلة في هذه الأثناء، فإن واقع السياسة في المغرب، يخبرنا بأن هذه الجعجعة لن تكون سوى سحابة صيف عابرة لن تؤثر على المشهد الوطني، نظرا لقوة امتداد جذور الدولة العميقة، وصعوبة تدخل القضاء ليقول كلمته لأن استقلاليته مازالت حلما بعيد المدى، وسيتم الالتجاء إلى الحل السحري المغربي وهو مبدأ التوافق على رسم الخريطة السياسية المغربية على المقاس، إّ ما الذي يمنع غدا من رؤية حكومة ائتلاف بين حزب العدالة والتنمية وحزب الأصالة والمعاصرة، لكون قواعد السياسة تتحكم فيها لغة المصالح أولا وأخيرا، لأن زعماء أحزابنا مستعدون لتغيير مواقفهم وتحالفاتهم في أية لحظة، والسلوك السياسي لزعيمي حزب الاستقلال وحزب التجمع الوطني للأحرار عبد الحميد شباط وصلاح الدين مزوار خير مثال على ما نقول، ويبقى الوطن وحقوق المواطنين البسطاء هما الخاسران الأكبران.

بقلم محسن زردان

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة