جامعة شعيب الدّكالي وأزمة التواصل الجماهري
جامعة شعيب الدّكالي وأزمة التواصل الجماهري

ليسمح لنا إخوتنا في جامعة شعيب الدكالي أن نخط بعض الأسطر حول  هذا الكم الهائل من المقالات التي كتبت عن جامعة شعيب الدكالي  والكليات التابعة لها خلال السنوات الأخيرة، ولماذا لم يصدر عن هذه المؤسسات الجامعية أي رد أو بلاغ من المسؤولين أمام دهشة واستغراب الرأي العام، وحتى كتابة هذه السطور، لازالت جامعة شعيب الدكالي صامتة هامدة لا تنطق و لا بكلمة واحدة، سواء لكي ترد على خصومها، أو تدافع عن مشاريعها. وهنا تتبادر مجموعة من الأسئلة إلى الأذهان، لماذا تلتزم هذه المؤسسة الجامعية الصمت؟ هل هذا يعني أن كل ما كتب عنها يعتبر  صحيحا، وبالتالي فهي مطالبة بتصحيح الأوضاع التي تمت مناقشتها، كما أن هذا يعني أن المؤسسة لا تتوفر على الجرأة الكافية للخروج عن صمتها، والاعتراف بأخطائها في التسيير؟ ربما قد يشاع أن المسؤولين في هذه المؤسسات يعتبرون أنفسهم فوق الجميع، ويشغلون مناصب عليا لا تسمح لهم بالخوض في نقاش عمومي في صحافة شعبوية لا ترقى لمستوى النخبة؟

و يظل اللغز الذي يحير الأذهان هو لماذا حتى كتابة هذه السطور لم تخلق هذه المؤسسات التابعة لجامعة شعيب الدكالي أقسام أو مصالح مكلفة بالعلاقات العامة، تناط بها مهمة التواصل مع الرأي العام و باقي المؤسسات الإعلامية، لتزويدها بالأخبار، ونقل صورة عن الأنشطة والبرامج والخدمات التي تقدمها، و توطيد علاقاتها بالجمهور الداخلي والخارجي،  وإنشاء طريق اتصال مزدوج الاتجاه مع الجماهير الطلابية لكي تضمن أن يكون كلا منهم راضيا عن السياسة والإجراءات المتبعة. وهكذا، ستتمكن المؤسسات من أن تضع الرأي العام في الإقليم في الصورة بكل مسؤولية ، وتقرّبه من المعلومة، وتقطع دابر الشائعات.

إذا أخذنا الدول المتقدمة كمثال، سنلاحظ  وجود مؤسسات جامعية تتوفر على أقسام علاقات عامة، تتابع عن كتب ما ينشر في الصحافة، و ما يدونه الطلبة على صفحاتهم، ولا تدع شاذة و لا فاذة إلا و أخضعتها للمساءلة والتمحيص، ناهيك عن متابعة ما يكتب وينشر حول المؤسسة في المواقع الاجتماعية والتفاعل معه ( و ليس بالحكم عليه بالمشين و محاكمته في مجالس المؤسسة). و تعمل هذه المصالح على التسويق الاحترافي لصورة المؤسسة، و استقطاب طلبة جدد، و تزويد الرأي العام بالمعلومة في جميع المجالات، بما في ذلك التقرير السنوي عن الميزانية و كيفية صرفها بكل تفاصليها المملة. و في هذه الدول، تجد الجامعة نفسها ملزمة في حال نشر أخبار حولها، إما بالاعتراف، والاعتذار، والتصحيح، أو النفي والتكذيب، وطلب توخي الدقة في  الحصول على المعلومة.

لكن في المغرب، و مع كل الأسف، نصادف يوميا مؤسسات صماء بكماء، لا تكترث  بما يكتب حولها، بل تخشى من الجواب حتى لا تتصاعد أصوات الحناجر المنددة بالأوضاع المتفاقمة داخل هذه المؤسسات. و تفاديا لتأجيج الرأي العام، يعمل بعض المسؤولين في الخفاء إما عن طريق المهادنة أو التضييق بإسكات كل من يتساءل، أو يكتب، أو ينتقد عمل المؤسسة.

و السؤال الذي نطرحه على مثقف الجبن هذا هو: كيف يقبل على نفسه أن يستمر في مهادنة مؤسسة ترفض أن تحاوره أمام جمهورها الداخلي والخارجي؟ فبدلا من أن تجيب على المقالات والتغريدات ، و لما لا تصححها إن كانت خاطئة، تعمل على إسكات الأصوات المغرّدة، و تخويفها و تهديدها إما بطريقة معلنة أو غير معلنة. و هنا تكمن المفارقة: إذا أصبحت الجامعة عاجزة عن تحقيق شروط الديمقراطية داخل مكوناتها، كيف ينتظر منها أن تساهم في نشر الديمقراطية بين ثنايا المجتمع؟

في حقيقة الأمر، و بصراحة مدوية، لقد أدبرت جامعة شعيب الدكالي وأمست حبيسة زمن كليلة و دمنة، إذ ما معناه أن يخفي الأساتذة والموظفون الذين ينتقدون عمل المؤسسة هواياتهم الحقيقية، ويكتبون بأسماء مستعارة، خوفا من الانتقام من  قبل المسؤولين الذين لا يشاطرونهم الرأي نفسه. و أضف إلى هؤلاء مجموعة أخرى أخفت هويتها في المواقع الاجتماعية بإنشاء حسابات مجهولة الهوية حتى تستطيع التعبير بحرية عن أرائها، ناهيك عن أساتذة جبناء  يتهربون من مغامرات غير محمودة العواقب، فيحتمون بجدران المقاهي والحانات، ويتهامسون حول تراجع الحريات، وتفشي الفساد في جامعة شعيب الدكالي، ثم يغادرون إلى منازلهم، تاركين فروة فرفر ملقاة في الشارع، وهو الذي ابتلعه القط وهو يحاول أن يخلص مدينة الفئران من بطشه، حين حاول بشجاعة منقطعة النظير تعليق الجرس في عنق القط. و من يدري، فربما، يبحثون عن موادعة القط لعله يشفق عليهم، فيقولون بصوت مرتفع: "إن فرفرا هذا كان مغرورا"

هذا يذكرنا بسنوات الظلام والقمع والاختفاء القسري، لما لجأ الكتاب إلى إستراتجية إخفاء هويتهم الحقيقية خوفا من السجن، والقتل والتنكيل. كيف و نحن نعيش الآن في زمن العولمة، والحق في المعلومة، والتدافع الديمقراطي والاختلاف، والنقد ونقد النقد، وإصدار البيانات والبلاغات، والبلاغات المضادة، نضطر باعتبارنا أبناء المؤسسة إلى الاحتماء بأسماء مستعارة خوفا من المتابعة القضائية، وما تليها من مشاكل؟

إذا تصفحت، عزيزي القارئ، المقالات التي كتبت حتى الآن حول جامعة شعيب الدكالي، ونشرت في الصحافة الالكترونية، تصدمك كثرة الأسماء المزيفة التي توقع المقالات إلى درجة أن بعض المواقع الصحفية هي الأخرى امتنعت عن نشرها، أو تمنت أن تنشرها في مواقع مزيفة. وكثرت الأسماء: جامعيون، موظفون، فعاليات، مواطن، و اللائحة طويلة. ويظل الهدف واحد:  إبلاغ الرسالة دون الاصطدام "بلوبيات الفساد" و شخصنة الصراع داخل المؤسسة

لذا نرجو من السيد رئيس جامعة شعيب الدكالي، و السادة عمداء الكليات أن يكونوا في مستوى النقد الذي يصلهم من مختلف المنابر الإعلامية، و حبذا لو يخرجوا عن صمتهم، وبذلك يؤسسون لحوار جاد مع الجمهور الداخلي والخارجي لجامعة شعيب الدكالي، إذ من المستحيل أن تستمر هذه المؤسسات في عصر ثورة الانترنيت والتواصل الرقمي بدون أقسام للعلاقات العامة تهتم بنشر الخبر، والإجابة عن التساؤلات والانتقادات، والتواصل مع الطلبة والأساتذة والعموم في المواقع الاجتماعية، والالتزام بالعمل الديمقراطي، دون اللجوء إلى أساليب التعتيم و التخويف، والتهديد بالمتابعة القضائية لإسكات الأصوات الناقدة.

و نجدد أسفنا من هذه المنابر الإعلامية التي ستنشر المقال لهذه القطيعة المؤسساتية التي أحدثتها جامعة شعيب الدكالي مع الحوار والنقاش البناء، حيث فضل بعض المسؤولين في  بعض المؤسسات الجامعية تخويف بعض المواقع الصحفية، و ثنيها عن نشر المقالات التي يصدرها جامعيون، أو موظفون، أو تلك التي لا تحمل أسماء أصحابها، و ذلك بنية نصب الفخاخ لأصحاب هذه المقالات إن وردت بأسمائهم الحقيقية، و صيد الفرافير الشجاعة التي رسمت قدرها بترك فروتها على قارعة الطريق في سبيل محاربة لوبيات الفساد في الجامعة المغربية.

 

ذ. محمد معروف، أستاذ بجامعة شعيب الدكالي

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة