هكذا نجعل الدخول الأول للمدرسة ''ناجحا''
هكذا نجعل الدخول الأول للمدرسة ''ناجحا''

يؤكد علماء النفس والاجتماع ومختصي التربية على أن مرحلة الطفولة هي من أهم مراحل حياة الإنسان.. ففي هذه المرحلة تنمو القدرات وتتفتح المواهب، وتكون قابلية الطفل مرتفعة لكل أنواع التوجيه والتشكيل.وتلعب الأسرة دوراً مهماً في هذا التوجيه والتكوين لشخصية الطفل، فللأسرة وظيفة اجتماعية هامة في صبغ سلوك الطفل صبغة اجتماعية ويكون أساس العلاقات التي تربط أفراد الأسرة قائماً على الصراحة والحب، مما يتيح الفرصة أمام كل فرد من أفرادها أن يعبّر عما يريد بحرية. والطفل في هذا الجو العائلي يتعلم كيف يعيش، وفيه ينمو، وتتكون شخصيته وعاداته واتجاهاته وميوله، والأسرة هي المسرح الأول الذي ينمّي فيه الطفل قدراته.. ثم يظهر دور المدرسة،هذه المؤسسة "البعبع" بالنسبة للطفل فكيف ينبغي التعامل مع الدخول الأول هذا الفضاء الجديدة؟ وما هي حاجيات الطفل ليكون الولوج الاول للمدرسة ناجحا؟

 نتفق في البداية على أن المدرسة ليست فقط مكاناً للدراسة وتلقين المعلومات وعرض المشكلات الخاصة بالمقرر ، بل لها وظيفة اجتماعية لا تقل في أهميتها عن وظيفة الاسرة. فالمدرسة شأنها في ذلك شأن الأسرة تساهم في بناء شخصية الفرد الاجتماعية، إذ يقضي فيها الطفل ساعات طويلة في حياته اليومية، يكتسب فيها خبرات اجتماعية تساعده على أن يتلاءم مع المجتمع الكبير، والتحاق الطفل بالمدرسة الابتدائية حدث له نتائج هامة في حياته، ولذلك كان ضرورياً الاهتمام بعمليات تكيفه وتوافقه لهذا المجتمع الجديد، والذي يختلف اختلافاً كبيراً عن مجاله الأسري، هذا الانتقال يفرض عليه نوعاً من الفطام الانفعالي ويستلزم تطبعاً اجتماعياً معيناً، وينبغي أن نُعِدّ الطفل لهما ونساعده عليهما.

فمهمة الأسرة منذ اليوم الأول تأمين حاجات هذا الطفل ومستلزماته كتلميذ مدرسي، من دفاتر وأقلام وحقيبة ولباس مدرسي وتزويده بشيء من النقود لشراء ما يحتاجه في المدرسة من حلويات محفزة له وقت الفرصة، والتهيئة النفسية له.

 وفي اليوم ينبغي  اصطحاب هذا التلميذ الجديد ومساعدته للوصول إلى المدرسة والعودة به لفترة من الزمن، ريثما يستطيع الذهاب والعودة وحده دون مساعدة الأهل.

فتلميذ القسم الأول الابتدائي يشعر عند وصوله إلى المدرسة بالحاجة إلى من يقف بجانبه، فكثيراً ما نجده يتمسك بأطراف ثياب أمه، فهو خائف لا يرغب في أن يُترك وحيداً في باحة المدرسة التي تموج بالتلاميذ، وقد نجده يتذمّر ويبكي، هذا التلميذ بحاجة في اليوم الأول والأسبوع الأول من العام الدراسي إلى المساعدة والأخذ بيده للتكيف مع المجتمع المدرسي الجديد.

وهنا لابد من دور معلم القسم أن يكون حاضراً في الساعات الأولى، وأن يظهر عطفه ومهارته في كسر حاجز الخوف عند هذا التلميذ، وأن يتحول إلى أب وصديق له، من خلال الكلمة الجميلة والابتسامة الحلوة، أو تقديم شيء من الحلوى أو لعبة مفيدة تثير اهتمامه... ولابد من البحث عن صديق لهذا التلميذ من المستوى نفسه أو من تلاميذ الاقسام الأعلى، يعيش معه في الحي نفسه، يلعب معه ويؤنسه ويصاحبه، ويعرّفه على المرافق العامة في المدرسة، من مراحيض وحديقة المدرسة وملعب المدرسة وخزانة المدرسة(ان وجدت).

وهكذا فالطفل الذي يلتحق بالمدرسة، يتعرض لبعض المواقف الاجتماعية التي تسبب له صعوبات من شأنها مضايقته، وشعوره بعدم الامان والراحة  وبالرغبة في الهروب فترة من الزمن، إلا أنه سرعان ما يتغلب على هذه الصعوبات ، فهو يشعر عند انتقاله من اسرته إلى المدرسة أنه شخص منعزل، غير معروف، وينظر الأطفال إليه نظرة تدل على الدهشة والاستفسار، وتحيطه هذه النظرات أينما تحرك، وهو لذلك يشعر بالحرج وعدم الامان والرغبة في الهروب كما ذكرنا ذلك، وقد يقوم الطفل باستجابات عدوانية ليثبت وجوده وسط الجماعة الجديدة.

أما إذا كان ضعيفاً فهو سيغلب على أمره، فإما الانطواء على نفسه أو السير في الركب، وقد تجد فئةُ من الأطفال صعوبة في الاندماج مع غيرهم،وهذه الصعوبة نابعة من الأسرة التي تحذرهم دائماً من الاختلاط والدعوة إلى المنزل أو الاشتراك معهم في ألعابهم، وهم  من فئة من الأطفال تربوا تربية خاصة، تربية تقوم على الحماية والرعاية المبالغة، فأمثال هؤلاء الأطفال يكونون في العادة ذوي نعومة ورقّة وحساسية شديدة، لا يقوون على المقاومة والتنافس في المدرسة أو رد العدوان أو حماية أنفسهم، فنجدهم ينتحلون المعاذير ويظهرون من الضجر والتأفف وعدم الرضا، وتقع على عاتق المدرسين مهام ومسؤوليات كبيرة، فهم الذين ينظمون العمل المدرسي ويقومون بالإشراف على تنفيذه، ويتوقف نجاح العملية التربوية على عوامل متعددة يجب توفيرها في المدرسة نفسها، مثل عمر المدرّس(ة) وما يصحبه من نضج عقلي، واجتماعي، وما يترتب على ذلك من توازن انفعالي، وتماسك في شخصيته واتجاهاته نحو الأطفال، وكذلك جنس المدرس من حيث أنه ذكر أو أثنى، يلعب دوراً هاماً في تكوين شخصيات التلاميذ والتلميذات.

ولكي لا يشعر التلميذ بالغربة في الوسط الجديد يجب أن يتحقق للطفل في المدرسة الكثير مما يتحقق له في المنزل، من عطف الكبار وتقديرهم، سواء كانوا معلمين أم إداريين، حتى يتحقق له الشعور بالأمن والطمأنينة والبيئة الصالحة للتعلّم والشعور بالنجاح والتقدير نتيجة هذا التعلّم.... ومن البديهيات التي ينبغي أن تعرفها الأسرة هي أن تُوجد رابطا إيجابيا بينه وبين المدرسة من مشاركته في اختيار مدرسته وحاجياته المتعلقة بالمدرسة، إضافة إلى الحديث بطريقة في غاية الإيجابية والتشجيع عن المدرسة وسحب كل لغة تهديد بالمدرسة، ولا ننسى أن نوجه نصيحة للأم بأن تتمالك أعصابها عندما يذهب -خاصة أول أبنائها- إلى المدرسة.وللحديث بقية.


حساين المامون

رئيس أكاديمية الدراسات الانسانية والمجتمع المدني

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة