لاستدرار وطلب الغيث.. عودة أسطورة ''تغنجة'' و 'الصدقة'' كتقليدين احتفاليين قديمين ببعض مناطق دكالة
لاستدرار وطلب الغيث.. عودة أسطورة ''تغنجة'' و 'الصدقة'' كتقليدين احتفاليين قديمين ببعض مناطق دكالة


على بعد حوالي عشرة أيام فقط ، ستنتهي ،بتاريخ 2 فبراير المقبل، فترة أو منزلة " الليالي " ، بدأت مكامن الخوف ولواعج الحزن تتسرب إلى نفوس أولئك الذين ترنو عيونهم ،في كل دقيقة،  وتشرئب أعناقهم  باستمرار إلى السماء، أملا في قطرة غيث تسق العباد و البلاد، إنهم أبناء العالم القروي و على رأسهم الفلاحون، باعتبارهم الفئة  الأكثر تضررا  من تأخر و انحباس المطر، لا سيما وأن الموسم الفلاحي ، بحسب خبرتهم وتجربة أجدادهم، مرتبط بنزول المطر في هذه الفترة أو المنزلة( الليالي )،التي تعتبر حاسمة في مصير الموسم الفلاحي . 
ولعل هذه الظروف الصعبة، جعلت الناس: من أطفال، شباب، شيوخ، رجال ونساء، يرفعون أيديهم في كل حين، إلى السماء، طلبا للغيث و هم يرددون أدعية ، منها: "  اللهم اسق عبادك وبهائمك وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت، اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مريئاً مريعاً خصيباً نافعاً غير ضار عاجلاً غير آجل " وأصبحت الصلوات الخمس اليومية، تختتم بهذا الدعاء.
 غير أن سكان بعض المناطق بالعالم القروي ، و أمام تأخر المطر، يضطرون للرجوع إلى طقوس و عادات ثم تقاليد  أجدادهم ، المرتبطة بطلب الغيث، و ضمنها خرفات وحكايات وأهازيج شعبية موروثة أيضا عن الأجداد، كتراث ثقافي شعبي، تحتفظ به جل البلدان العربية، و منها المغرب، وخاصة بالمناطق القروية. 
ومن هذه الخرفات و الأساطير نذكر على سبيل المثال لا الحصر، أسطورة " تغنجة "وهي  اسم لشخصية أسطورية ، على شكل عروس خرافية ، لازالت تعيش وتعشش في المعتقد الشعبي المغربي،
وأصلها كلمة أمازيغية، معناها معلقة مصنوعة من الخشب، كانت تلف بقطع من الثوب ،حتى تصبح على شكل مجسم عروس، وتربط بقصبة لتكون طويلة، وتحمل من طرف طفلة صغيرة، غالبا ما تكون يتيمة، يتجمهر حولها الفتيات و الأطفال الصغار الأبرياء من كل الذنوب و المعاصي ، ليجوبوا بها ، جوانب الدوار بالبوادي، وأزقة الأحياء الشعبية بالمدن، مبتهجين بهذه المناسبة التي توارثتها الأجيال ، أبا عن جد، منشدين مجموعة من الأهازيج شعبية منها "  تغنجة... تغنجة.. يا ربي تصب الشتاّ ".
وبمناسبة تأخر المطر، خلال هذا الموسم الفلاحي، عاد سكان بعض المناطق بالعالم القروي، إلى الاحتفال بأسطورة " تغنجة" عساها أن تشفي غليلهم، وهم  واعون كل الوعي، بأنها  ليست شركا بالله سبحانه و تعالى، وإنما هي تقليد وعرف و عادة، سار على نهجها أجدادهم ، منذ قدم الزمن الجميل.
  و في هذا السياق، وحسب مصادر موثوقة، أن سكان أحد دواوير قبيلة أولاد حمدان التابعة لإقليم الجديدة، خلدوا ، نهاية الأسبوع الماضي، الاحتفال ب " الصدقة " و أيضا بأسطورة " تغنجة " .
 و روت نفس المصادر من عين المكان، أن هذا الاحتفال اقترحه شباب  و نسوة الدوار، تيمنا بتقاليد أجدادهم وآبائهم، حيث اجتمعوا، مباشرة بعد صلاة الظهر، وقرروا جمع ما يسمونه في ثقافتهم الشعبية ب " الصدقة "  وهي جمع مساهمات و تبرعات ، نقدية أو عينية، لتحضير وجبة عشاء بالكسكس ، يحضرها جميع سكان الدوار، من أجل طلب المطر. و تنفيذا لهذا القرار،  خروج الشباب و نسوة الدوار مصحوبين ببعض الرجال والأطفال و الفتيات ، تتقدمهن فتاة صغيرة و هي تمسك بيديها قصبة طويلة تحمل عروسة " تغنجة "  التي صنعتها  إحدى  نسوة الدوار، وسار الجميع يجوب أرجاء الدوار مشيا على الأقدام، إلا رجلا واحدا  كان يمتطي دابة و قد وضع على ظهرها الخرج أو ما يسمى ب ( الشوار)، لكي يجمع فيه تبرعات المساهمين من الحبوب، شعيرا أو قمحا... وخلال تلك الجولة ،كان الجميع يضربون موعدا بينهم ، على أساس الاجتماع، مباشرة بعد صلاة المغرب بمسجد الدوار، لتناول وجبة العشاء أو وجبة " الصدقة " .
 ولما انهوا الجولة بجميع أرجاء الدوار، تكلف الرجال بشراء المواد الغذائية، من خضر، لحم، كسكس،  سكر وشاي...و غير ذلك، في حين  توجهت النسوة صوب مسجد الدوار، وبمساعدة شبابه، نصبن خيمة شعبية أمام المسجد، و شرعن يحضرن وجبة العشاء،  بينما الصبية  استمروا يرددون الأرجوزة الشهيرة
التي حفظنها عن آبنائهم و أجدادهم  "  تغنجة... تغنجة.. يا ربي تصب الشتاّ " و  " السبولة عطشانة غيتها يا مولانا.. " . 
 و مباشرة بعد صلاة المغرب ، حضر جميع سكان الدوار في  جو روحاني  ديني ،  تخللته قراءة بعض آيات الذكر الحكيم ، و التي كان المجتمعون  يختمونها بالدعاء إلى الله عزو جل، بأن يسقي عباده وبهيمته وينشر رحمته و يحي بلده الميت.  وبجانب ذلك كان الأطفال و الفتيات أيضا منشغلين بطلب المطر وهم يطوفون بالقرب من المسجد و يحملون عروسة " تغنجة "  .
وبعد تناول  وجبة العشاء ختم  المجتمعون من سكان الدوار هذا الاحتفال التقليدي، بدعاء جماعي إلى الله عز وجل ، طالبين المطر و هم يرددون "  اللهم اسق عبادك وبهائمك وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت، اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مريئاً مريعاً خصيباً نافعاً غير ضار عاجلاً غير آجل  " .
  و تجدر الإشارة إلى أن   الدين الإسلامي، يعتبر هذه الأساطير، مجرد خرافات ،حكايات و أهازيج شعبية  قديمة قدم البشرية، و قد أبطلها وجعل الدعاء والتضرع إلى الله الوسيلة الوحيدة لاستنزال المطر. 
أما كيفية الاستسقاء فنجدها في السنة النبوية الشريفة ، حيث ثبت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم،  انه استسقى في عدة مقامات ، منها ذات مرة على المنبر في أثناء خطبته وقال(ص) : " اللهم اغثنا، اللهم اغثنا، اللهم اسقنا " . 
                                                                                                 
 

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة