-
التطور العمراني بمدينة الجديدة يسير نحو الفوضى
عرفت الجديدة توسعا عمرانيا كبيرا منذ سبعينات القرن الماضي وارتفعت وتيرته في السنين الاخيرة نتيجة عدة عوامل ساهمت في زيادة عدد السكان في النصف الأخير من القرن 20 ، حيث انتقل عدد السكان حسب الاحصاءات الرسمية من 55501 نسمة سنة 1971 الى 194934 سنة 2014 وهي الفترة التي عرفت فيها الجديدة ومحيطها تغييرات اقتصادية واجتماعية جوهرية اذ تم توطين عدة مشاريع اقتصادية وصناعية وتعليمية وخدماتية وسياحية بالمدينة ومحيطها ابتدأت بميناء الجرف الاصفر والمركب الصناعي للمكتب الشريف للفوسفاط وفتح جامعة شعيب الدكالي وبناء مؤسسات ومدارس عليا ملحقة بها ،كان لها الاثر الكبير في التحاق عدد كبير من الطلبة من اقاليم اخرى والاهم من ذلك التوسع المضطرد للأحياء الصناعية سواء بالجرف الاصفر و المدينة والنواحي كل هذه العناصر وغيرها من مختلف اوجه الدينامية التي عرفتها المنطقة كان سببا في توافد عدد كبير من المواطنين والمواطنات للاستقرار بها قادمين اليها من القرى والمراكز والمدن المجاورة ومن مختلف مناطق المغرب ، هذا التوافد المكثف اضافة الى التزايد السكاني الطبيعي لأهل المنطقة صاحبه تمدد متسارع للمدينة وتوسع في العمران، واقبال كبير على شراء الاراضي مما ادى الى ارتفاع مضطرد لأثمنة العقارات نتيجة الضغط المتزايد للطلب من أجل تغطية حاجيات السكن وبناء المرافق والتجهيزات الضرورية . أصبح معها المسؤول العمومي مرغما على إيجاد أوعية عقارية لإنجاز مشاريع متنوعة: سكنية؛ تجهيزات؛ مرافق عمومية؛ تهيئات حضرية و غيرها من أجل سد الخصاص وتلبية للطلب المتزايد على العقار الحضري. وغالبا ما كان تتم تلبية الاحتياجات باستحداث تصاميم تهيئة ومخططات جديدة تهدف بالأساس إلى اقتطاع مساحات مهمة من الأراضي الفلاحية و إلحاقها بالمدار الحضري بابخس الاثمان ليعاد تجهيزها وتسويقها بأثمنة خيالية من طرف النخبة التي تمتلك المعلومة وتتحكم في المسار العمراني للمدينة . لقد ترتب عن هذا النمو المفاجئ والمتسارع عدة مشاكل منها ما هو مرتبط بتدبير هذا التوسع الذي تحكمت فيه جهات محدودة تنتمي للقطاع الخاص والقطاع العمومي ، استحوذت على مساحات كبيرة من الوعاء العقاري بالجديدة بأثمنة هزيلة وجعلت عشرات الالاف من الاسر تختار امام الارتفاع الصاروخي للأثمان الالتجاء للسكن العشوائي بجوار المدينة الذي تطور بشكل فاضح قائم على شبهة الفساد والرشوة على شكل تجمعات سكانية غير منظمة ودواوير عشوائية تحيط بالجديدة شمالا وجنوبا وشرقا ، هذه التجمعات اصبحت احدى التحديات الكبيرة لأنها من جهة غير مستفيدة من الخدمات الاساسية من تعليم ومرافق صحية وربط بشبكة التطهير والماء والكهرباء وهو ما تطلب مجهودات جبارة لمحاولة اعادة هيكلتها وادماجها في النسيج الحضري وهي العملية التي لا زالت مطروحة لحد الان ويبدو وجود اكراهات وعراقيل تحول دون ايجاد حل لها على المدى القريب . ومن جهة اخرى ستحاصر هذه الدواوير اي توسع مندمج ومنسجم للمدينة في المستقبل . ان تفاقم ظاهرة السكن العشوائي بجماعتي مولاي عبدالله والحوزية ما زال مستمرا لحد الان ويزحف بسرعة في اتجاه مدينة الجديدة ويحاصرها من مختلف الضواحي المحيطة بها الأمر الذي سيثقل كاهلها مستقبلا وذلك بمجرد توسيع المدار الحضري حيث ان تأهيل وادماج هذه الاحياء العشوائية في النسيج العمراني الحضري للمدينة سيتطلب توفير موارد مالية هائلة تتجاوز الامكانيات الذاتية للمدينة ،ولعل المشاكل والتباطؤ في تأهيل واعادة اسكان الدواوير الخمسة عشر 15 (الغربة المسيرة،لشهب....الخ) هو خير مثال على حجم المصاعب التي يشكلها انتشار السكن العشوائي في جنبات المدينة بكل من الحوزية ومولاي عبدالله ،وذلك بسبب شبهة التغاضي وتهاون السلطات المحلية والمجالس المنتخبة في محاربة هذه الظاهرةومن المشاكل العويصة الاخرى التي ترتبت عن التمدد المتسارع لمدينة الجديدة غياب النظرة الشمولية عند المسؤولين فقد اطلقوا العنان للخواص وبعض مؤسسات الدولة الذين تحكموا في توسع عمراني مضمونه تجهيز احياء ومساحات لإسكان اكبر عدد ممكن من الناس دون التفكير في المرافق الاساسية من مؤسسات ادارية وتعليمية وصحية وفضاءات خضراء واسواق وملاعب رياضية ودور الشباب ومواقف للسيارات وغيرها من الخدمات التي يحتاجها المواطن في حياته اليومية وهو ما سينتج عنه عدة ظواهر سلبية ومشاكل عويصة تقتضي مجهودا كبيرا للتقليل من انعكاساتها على جودة الحياة بالمدينة. وحتى ذاك الحد الادنى من المساحات الذي برمج لهذا الغرض بقي حبرا على ورق مما سمح لملاك الارض الاصليين باسترجاع بعضها بعد مرور 10 سنوات القانونية كما ساهمت بعض القرارات الاستثنائية الملتبسة في ما يتم الحديث عنه ويقتضي التحقيق فيه شبهة تفويت بعض المساحات ومشاريع حدائق صغيرة بالأحياء الى الخواص ناهيك عن غياب تصور عام يراعي الجوانب الاجتماعية والثقافية والحضارية لمجتمعنا فقد فصلت الجديدة بطريقة غير منسجمة تزرع التفرقة بين المواطنين وتضعف اي تفاعل اجتماعي وانساني بين الاحياء فالساكن بحي المطار يجد نفسه غريبا اجتماعيا عند دخوله حي كدية بندريس او البلاتو مثلا كما اصبحنا نلاحظ أن العمارات تنمو بكثافة سكانية عالية ستشكل لا شك بؤرا لكل الظواهر السلبية والأمراض الاجتماعية بسبب جشع المنعشين العقاريين الذين يستفيدون من التواطئات التي تأول القانون بما يخدم هؤلاء المنعشين الذين لا يهمهم ما سيقع في المستقبل الامر الذي سيزيد الامر تعقيدا وسيضاعف من مشاكل قاطني هاته العمارات وستزداد معها مسؤولية القائمين على الشأن المحلي بالمدينة .وزاد من تشويه التطور العمراني بالمدينة عدم الالتزام بتنفيذ تفاصيل المشاريع المسطرة والمتفق عليها وذلك بالقيام بتغييرات في البناء الاصلي وتغيير لأهداف استغلاله بدون ترخيص بسبب غياب اليات التتبع والتقييم والمراقبة وزجر المخالفات كنتيجة لتعدد الأنظمة القانونية، وتعقد مقتضياتها، وتعدد المتدخلين فيها، وتداخل الاختصاصات أحيانا الشيء الذي نجم عنه صعوبة في التنسيق وضعف في التشاور وتهاون في المراقبة و تطبيق القانون. وابرز مثال على ذلك بالنسبة للمشاريع الكبرى هو تهيئة حي المطار بالجديدة من طرف الشركة العامة العقارية فالمتتبع لإنجاز المشروع يلاحظ ان الأهداف المتوخاة منه لم تنجز بالكامل فقد بني المشروع على التزامات لم تنفذ كإحداث نواة حضرية مندمجة في المحيط مع برنامج متنوع (سكن- ادارات-تجهيزات عمومية...) واحداث القطب الاداري لمدينة الجديدة الذي كان من المفترض ان ينجز بجوار الساحة الكبيرة لحي المطار من اجل تحرير كورنيش مدينة الجديدة من الادارات العمومية لتخصيص تلك الفضاءات للمشاريع السياحية مع احداث روابط قوية بين مختلف الاحياء وتهيئ احزمة خضراء وتهيئة مطرح النفايات القديم وتحويله لمنطقة للترفيه كل ذلك تم اهماله وتم الاكتفاء بإنجاز عدد من المجموعات السكنية على شكل عمارات ذات كثافة سكانية عالية لا تتماشى وما عرفه المغاربة منذ القدم في ثقافة البناء والعمران ولا تنسجم مع موروثهم التراثي و الحضاري حيث غابت عن المشروع صور الجمال و الإبداع الفني و الرقي على مستوى تنظيم الوظائف والمهام بهذا الحي الذي اصبح غابة اسمنتية فاقدة لأية هوية ومستنبتا لكل الظواهر السلبية التي تنمو بسرعة وستشكل تحديا كبيرا في المستقبل على المستوى الامني بالخصوص وجودة الحياة بشكل عام. وبأحياء اخرى تم الترخيص بتهيئة تجزئات سكنية بخلفية واحدة هي تكديس المزيد من الشقق والمحلات التجارية باقل تكلفة ممكنة على مستوى التجهيزات الاساسية من انارة وفضاءات خضراء ومواقف للسيارات ....الخ فلا لون يعلو فوق لون الاسمنت و لون صباغة الاسوار اذا نادرا ما يصادف المرء بعض الشجيرات المتفرقة وبعض المساحات الصغيرة مخصصة في الاصل كفضاء اخضر تتكدس بجنباتها النفايات وتنمو بها بعض الشجيرات والاعشاب بشكل عشوائي . من المشاكل الملاحظة ايضا عدم احترام الوثائق التي على اساسها تم الترخيص لأحداث بعض التجزئات السكنية ، و بعض تراخيص البناء حيث يحدث المنعشون العقاريون والخواص تغييرات غير موجودة في التصاميم وتتغافل عنها لجن المراقبة ورخصة السكن وشهادات المطابقة التي تغمض هذه اللجن عيونها عن ذلك.كما ان المسؤولين عن التعمير والمجالس البلدية المتعاقبة على تسيير المدينة كثيرا ما تجاهلوا او تحايلوا على قوانين التعمير خصوصا القانون رقم 25-90المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات .حيث تنص المادة 18 منه على انه لا يجوز الاذن في احداث تجزئات عقارية الا اذا كانت مشاريعها تنص على عدة شروط من بينها تهيئة المساحات غير المبنية كالساحات والمناطق الخضراء والملاعب ، وهو قليلا ما يتم فواقع الحال يثبت العكس ، حيث وصل الامر الى الاستحواذ على المساحات التي خصصت في البداية كمساحات خضراء و المساحات التي تدخل ضمن الاسقاطات العمومية والتي غالبا ما تكون مساحات مجددة ومعلومة بتصميم المسوحات الطبوغرافية الأصلية للمدينة ، فيتم التحايل عليها لتتحول إلى ملكيات في اسم أشخاص بقدرة قادر .ومن ابرز الاختلالات كذلك عدم احترام مخططات التهيئة وعدم تنفيذ المشاريع المقررة فعلى مستوى المساحات الخضراء مثلا كان من المفروض ان تتوفر الجديدة على ما يناهز 500 هكتار من الحدائق العمومية والمساحات الخضراء وهو مجموع ما برمج منذ الاستقلال الى الان (بما فيها الشريط الاخضر لوقاية المدينة من اثار التلوث وتحويل المطرح القديم لمنتزه..) اذ ان حصيلة ما انجز هو ما يقارب 25 هكتارا جله ورث عن الاستعمار (حديقة محمد الخامس – الحسن الثاني – سيدي الضاوي ....الخ) وفي نفس السياق تم تسجيل عدة مخالفات كبيرة كالترخيص بإنجاز بنايات على مساحات مخصصة لإنجاز شارع مبرمج بمخطط تهيئة المدينة (حي السلام ). وفي ضل الفوضى والعشوائية التي طبعت تسيير الشان العام منذ ثمانينات القرن الماضي الى الان تم الترخيص بانجاز تجزئات سكنية لم تراع الضوابط القانونية مما جعلها تعيش مشاكل عويصة يصعب حلها .هذا المنتوج الاسمنتي يزداد به الوضع سوءا ويمكن ان نذكر في هذا الصدد على سبيل المثال لا احصر فتح ابواب بأسوار الشقق السفلية لبعض العمارات وتحويل اجزاء منها لمحلات تجارية لبيع الحرشة والمسمن وترييش الدجاج وغيرها من الحرف بدون اي ترخيص واضافة بنايات باسطح المنازل يقع كل ذلك امام اعين المسؤولين وبتواطئ تام مع بعضهم من منعدمي الضمير مقابل اتاوات ورشاوي ، بل ان بعض المنتخبين ببلدية الجديدة خصوصا في المراحل السابقة تاجروا بعدة ترخيصات هنا وهناك فتحولت مناضر بعض الزقاق والاحياء الى مشهد بشع وفضاء يتعالى منه الضجيج والضوضاء مما يضر براحة السكان وهدوء المكان.كما لا يجب ان ننس الاشارة الى استنزاف الوعاء العقاري اما بتفويته لإنجاز مشاريع تجارية وخدماتية خاصة بدون دراسة المردودية المستدامة والحقيقية لفائدة المدينة وعموم ساكنتها . و غياب اي ابداع لاستغلال امثل للساحات والفضاءات العمومية فساحة البريجة وكورنيش الجديدة مثلا كان من الممكن انشاء طابق تحت ارضي بهما لركن السيارات (مثال ما انجز في طنجة) علما ان ركن السيارات خصوصا في فصل الصيف اصبح مشكلا يؤرق زوار المدينة وساكنتها ... الم يحن الوقت بعد لايقاف النزييف اصلاح ما يمكن إصلاحه ؟محمد فتحي
-
لوحة الجمال والعار
توجهت أمس لزنقة المرابطين بحي الصفاء لزيارة أحد أصدقاء الطفولة العسري عبدالإلاه، صديق وأخ يشتغل بمدينة "دارمشتات" بألمانيا حضر لتوه قصد صلة الرحم كعادته مع أهل البلدة والأقرباء والأحبة ، قرب المنزل شدت نظري لوحة فنية في غاية الجمال رسمت على جدار "دار Politier " الطبيب الفرنسي الذي غادر البيت والعيادة منذ زمن بعيد إلى دار البقاء ، دار تبعد عن المندوبية الإقليمية لوزارة الثقافة ببضعة أمتار ، سألت " إبراهيم" عن المبدع صاحب اللوحة باعتبار دكانه يرقد مقابل باب بيت الدكتور الذي لم يعد تسكنه سوى أشجار باسقة وأسراب طيور شادية ، فأكد لي أن الأمر متعلق بشاب يافع قضى زهاء نصف يوم كامل لإنجاز هذه التحفة الفنية ، كان منهمكا في العمل ولا يكلم أحدا، من حين لآخر يعانق قنينة ماء ثم يعود للفرشاة والصباغة.عجيب أمر هذا الشاب، لماذا اختار هذا الفضاء المهجور؟، لماذا الجدار المحادي لهذه البوابة المقفلة منذ سنين؟ لماذا اختار اللعب بالألوان وسط هذا الركام من الأزبال؟ هل هي فلسفة جديدة في علم الجمال؟ ما أعرفه هو فلسفة "الفن للفن أو الفن للحياة" ، هل هو تمرد من فيض الإبداع على ما آلت إليه المدينة العامرة المهجورة؟ هل أراد هذا الشاب أن يقول لأهل الحل والعقد : صحيح حيثما وليت وجهي فتمة أزبال لكنكم لن تفسدوا ذوقي، ولن تكبحوا جماح مخيلتي، أنا هنا صامد بريشتي وألواني وحبي لجدران وتربة وذاكرة مدينتي، لن تطمسوا رونقها، ولن تحطموا كبريائها، ولن تقتلوا عنفوانها . تمعنوا اللوحة كاملة باستحضار محيطها ، تأملوها جيدا ، تأملوها ثانية وثالثة، ألا تشعرون بانتصار الجمال على الأزبال؟ انتصار تقاسيم وجه هذه الأميرة الجميلة رغم حزنها الدفين؟ أكيد دفين إلى حين، تقاسيم وجه رغم الهم والكدر والألم فهي تحمل في كبرياء مساحيق وردية فواحة وتسريحة شعر أخاذة لتقول : سأنتصر، وسأظل بهية فاتنة ساحرة عطرة، وسيذهب من "زبل" المدينة لمزبلة التاريخ ، فعوراتهم مكشوفة .درسك بليغ أيها الشاب المبدع الجميل(A B) صاحب لوحة "الجمال والعار"، دامت لك البلاغة .
-
مداخل إصلاح مدونة الأسرة بين القانون والتعليم والاقتصاد
غالبا ما يتم التركيز على الجانب القانوني في إصلاح الأسرة، وينظر إلى الاختلالات الاجتماعية التي واكبت مدونة 2004 أنها مشاكل تشريعية محضة، فيتم اغفال دور الاقتصاد والتعليم والسياسة. كما أن النظام السياسي يعزل النقاش العمومي حول المدونة عن حالة التنمية ومستوى التعلم وحجم وفعالية مؤسسات التضامن والرعاية ومنسوب الديمقراطية، كما يعزل مدونة الأسرة عن باقي المدونات التشريعية الأخرى. لهذا الذين يودون التقدم بالمجتمع إلى الأمام يرون أن القانون والتعليم والاقتصاد كلها مداخل يمكن أن تساهم في تنمية المجتمع، بينما الذين يودون الحفاظ على الشكل الحالي للمجتمع أو الرجوع به إلى الوراء يعزلون الإصلاح القانوني عن التعليم والاقتصاد، أو هم بطريقة غير واعية يرون أن التنمية أمراً مختلفاً عما نظرت له العلوم الاجتماعية، يعزلون الاحتكام لقوانين الدين عن الاقتصاد وتقدم المجتمع، وأن التشريعات الإسلامية هي من يمكن أن تساهم في تقدم المجتمع وأن شروط النهضة العربية مرتبطة بسؤال "لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم". في حين أن القانون والتعليم والاقتصاد كلها مداخل متكاملة لتطور المجتمعات، وأن تقدم المجتمعات يكون في تحقيق مزيد من الحريات العامة والشخصية، وأن التنمية بتعبير أمارتيا سين حرية. يتم تفسير كثرة حالات الطلاق التي وقعت بعد مدونة 2004 في الزيادة التي عرفتها حرية المرأة، ولحل مشكلة الطلاق يجب الحجر على المرأة من جديد ومنعها من حقها في طلب الطلاق والولاية. لكن إذا ما رجعنا إلى الحالة الأولى ومنعنا المرأة من الحق في الطلاق فإنه بذلك لم نتمكن من معالجة وضعية المرأة، بل نكون قد كرسنا مزيداً من الخضوع ومارسنا مزيداً من القمع على المرأة، وقمنا بالتستر على حالات العنف الزوجي والظلم الذي يمارسه المجتمع. من خلال نظرة المجتمعات الحديثة فإن الطلاق هو حرية للمرأة، وهو خروج من استبداد الزوج ومن ذكورية المجتمع، به نساهم في تحرير المرأة وخلق حالة التنمية والاستقلال وعدم التبعية، وأنهم كلما كثرة نسب الطلاق إلا وكان المجتمع أكثر تحرراً. إلا أن ارتفاع حالات الطلاق يضعنا في نقاش جديد يتعلق بظهور أنماط جديدة من الأسر لم تكن موجودة، وهي أسر بأم وأبناء دون وجود الأب. لكن هذا النمط الجديد من الأسر يتم اتهامه من طرف المحافظين أنه لا يضمن استقرار الأسرة ولا يوفر الجانب العاطفي والتوازن النفسي للأبناء. إذن التفكير في الطلاق بأنه مشكلة وليس حرية سيرجعنا إلى وضعية المرأة التقليدية ويحفظ لنا نمط الأسرة الأبوية ويمنعنا في التفكير في مداخل أخرى لإصلاح المشاكل المترتبة على الطلاق، فنختزل كل النقاش في مقولة " كم حاجة قضيناها بتركها". لا تستطيع الأم التي لا تعمل توفير القوت اليومي للأطفال، كما لا يستطيع الأب العاطل عن العمل توفير مصاريف النفقة بعد الطلاق لهذا يفضل السجن. إن انخفاض المستوى المعيشي للأسرة المغربية عموماً، وانخفاض مستوى الدخل الفردي وغياب فرص الشغل وضعف التنمية، أو أن فرص الشغل المتوفرة للمرأة فرص هشة، حيث تعمل المرأة في الغالب في قطاع الزراعة لكن دون عقد أو ضمان اجتماعي، كل هذا ساهم في هشاشة الأسرة المغربية وأفقدها تماسكها. أيضاً يتم اختصار حل زواج القاصرات في البعد القانوني لوحده في اغفال للبعد الاقتصادي والتعليمي. إذا كان الزواج المبكر يحرم الفتاة من فرصة التعلم وتحقيق الذات وخلق التنمية. فإن زواج القاصرات في المغرب حسب رئاسة النيابة العامة؛ 86 في المئة منه يتم بعد الانقطاع عن الدراسة، وأغلب الفتيات انقطعن في مرحلة الابتدائي، وأكثر من 13 في المئة منهن لم يلتحقن بالمدرسة. فالذي يسمح بانتشار زواج القاصرات هو فشل المدرسة في ادماج الإناث وفي محاربة الهدر المدرسي، وأن فشل التعليم هو ما يجعل الفتاة تبحث عن بديل إما الزواج المبكر أو العمل في المنازل والحقول. بالإضافة لضعف المستوى المعيشي لدى أسر البوادي مما يجعلهم يبحثون عن موارد أخرى فيقومون بتشغيل أبنائهم في سن مبكرة. لا يتم دائماً حل مشاكل المجتمع بالتشريعات القانونية، وإن كان المطلوب تجديد القوانين من أجل الدفع في اتجاه مزيد من الحرية، فإن الاقتصاد والتعليم والسياسية يجب أن تواكب تقدم تلك القوانين وإلا كانت مجرد حبراً على ورق. لقد اتخذ النقاش العمومي حول إصلاح مدونة الأسرة نقاشاً نصوصياً بين مرجعتين، مرجعية حداثية تنهل من نصوص القوانين والمواثيق الدولية، ومرجية محافظة تنهل من النصوص الدينية، في حين تم إغفال المؤشرات الاجتماعية ودور الاقتصاد وتأثير التحديث والقيم الكونية على القيم المحلية وحجم التغير الاجتماعي. لهذا ينطلق البحث السوسيولوجي من الواقع المتمثل في المؤشرات والمتغيرات السياقية ليقدم قراءة موضوعية في إمكانية تحقيق مزيد من الحريات الشخصية وإمكانية تجاوز الروابط التقليدية لصالح روابط حديثة، وذلك في البحث إلى حجم التغير الذي فرضه التحديث الاقتصادي والتنمية، وما يمكن أن يسمح به من مساواة وفردانية، فيتم تكييف القوانين مع المتغيرات الجديدة الاقتصادية والاجتماعية دون احداث أي اختلالات جانبية، ثم مراعاة الشكل النسقي لتداخل المجالات وتأثيرها على بعضها البعض، كما يسمح البحث السوسيولوجي بفهم الظواهر الاجتماعية والباثولوجيا من أجل معالجتها معالجة صحيحة. في موضوع الإرث مثلاً فإنه يجب البحث في حجم استقلالية الأسرة النووية عن الأسرة الممتدة، وهل لازالت قيم التضامن والتكافل موجودة، أم أن الجد والأعمام يحضرون فقط عند تقسيم الإرث. ثم البحث في شكل الزواج هل يقوم على الحب والعقلانية والمصلحة الفردية أم يقوم على مصلحة الأسرة الممتدة والاعتبارات التقليدية من الشرف والمكانة، فشكل الزواج يحدد شكل الأسرة النووية وإن كانت الأسرة الممتدة لها استراتيجيات مختلفة، حيث قد تسمح بالزواج العصري أحياناً لكنها لا تتسامح في فقدان بعض من رأسمالها الرمزي.كما يسمح البحث في استقلالية المرأة اقتصادياً وحجم التعليم ووجودها في المراكز العليا بفهم حقوقها القانونية وفهم تداعيات الطلاق، وإمكانيات تدبير المشاكل والاستقلال بالأطفال وبناء أسرة جديدة وحجم المسؤولية المنوطة بها. يلاحظ مثلاً أنه العقد الأخير أصبحت الطالبات يتفوقن على الطلبة في التعليم، وازدياد حجم الإناث داخل الفصول على حساب الذكور، وخرجت المرأة للعمل وساهمت في الإنفاق على أسرتها، كما ساهم نسبياً الانتقال من الأسرة الممتدة إلى الأسرة النووية في تحقيق مزيد من الفردانية بالبحث والاستقلال الذاتي والبحث عن الحميمية وتأكيد الحياة الخاصة للأفراد. الذي لا يعني القطيعة النهائية، بل في الغالب تستمر العلاقة مع الأسرة الممتدة من خلال التواصل في الأفراح والأحزان وتبادل التهاني وطلب المشاورة في الأمور الصعبة، لكن دون وجود علاقات مادية. كل هذا يؤدي إلى استنتاج أن دور المرأة قد تغير وهو في تغير مستمر، ويوضح تقلص المجتمع الذكوري لمجتمع الإنصاف والمساواة، لهذا يجب تكييف القوانين لمسايرة التغيرات الاجتماعية.
-
عقوبة المجاهرة بالإفطار في رمضان بين الفقه الإسلامي وتشريعات الدول الإسلامية
قد يصاب البعض بالذهول حين يعرفون أن نصوص القرآن والحديث، ليست بهما أية إشارة إلى عقاب المجاهر بالإفطار في رمضان، وهذا جعل الفقهاء يختلفون من حيث الآثار في من يُفطر بسبب عذر شرعي كالسفر أو المرض ومن يفطر عمدا، فمنهم من قال بضرورة أن يؤدي الفدية متى أفطر بعذر شرعي، ومن قال بواجب الكفارة لمن أفطر عمدا متعمدا، وتتمثل في إطعام 60 مسكيناً بوجبتين تكون بمثل ما يأكله المُكفر. ولكن اتفق الكثير من العلماء بما أن الصيام هو الركن الخامس من أركان الإسلام، على اعتبار صيام رمضان يعتبر فريضة، على المسلم أن يلتزم بها، مع استثناء المرضى ومن هم على سفر والمرأة الحامل، وبعض الحلات المحددة من الصيام، ولذلك فالإفطار في رمضان لم يرد عن الخلف أن اقترافه قد يجعل من اقترفه يواجه بعقوبة الحد، ولكن كان بإمكان الحاكم تحديد عقوبات تعزيرية على المفطرين المجاهرين. ولكن قد نجد بعض الفقهاء الحاليين ممن يعتمدون على الفقه المقاصدي، ( ومنهم الدكتور أحمد الرسوني الذي دعى في ندوة نظمها “مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق” بقطر، إلى إلغاء الفصل 222 من القانون الجنائي الذي يعاقب المفطرين علنا في رمضان) مدعما مع فقهاء آخرين مطالب بعض النشطاء المغاربة الداعين لإلغاء الفصل 222 من القانون الجنائي المغربي. مدعما طرحه بالقول: (لماذا أتدخل فيه (المفطر) وآخذه إلى مخفر الشرطة وأحقق معه وأرسله إلى النيابة العامة؟) .مؤكدا أن الفصل 222 من القانون الجنائي المغربي الذي يعاقب المجاهر المفطر لا محل له من الإعراب ولا في الفقه الإسلامي ولا في نصوص الشرع، داعيا إلى ترك المواطنين والمجتمع لتفاعلاتهم المدنية التلقائية ولدينهم.وذهولنا سيكبر أكبر حين نعلم أن أغلب التشريعات الإسلامية لا تعاقب على فعل المجاهرة بالإفطار في رمضان، وأن حتى بعض الدول التي تعاقب على هذا الفعل، ليست لديها نصوص صريحة في معاقبة هذا الفعل، ولكنها تعتمد نصوص عامة لعقاب هذا الفعل، ونستثني فقط تشريعات المغرب والإمارات والكويت التي تنص بشكل واضح وصريح على معاقبة فعل المجاهرة في رمضان في تشريعاتها الجنائية، ولكن الدول الإسلامية التي تعاقب على الفعل سواء كان مجرما بشكل صريح أو باعتماد القياس على فعل آخر مجرم للخروج من شرنقة عدم تجريم الفعل في نصوصها التشريعية التي لا تعاقب على فعل الإفطار متى تم بعيدا عن العين أو في المنزل ولم يُثر باقي الصائمين، ولكن تتدخل هذه التشريعات لعقاب من يُجاهر بالإفطار في رمضان بدون عذر شرعي، كالإفطار في الأماكن العمومية بدون وجود عذر شرعي.والآن ننتقل للقيام بإطلالة سريعة على بعض الدول الإسلامية التي تعاقب على المجاهرة بالإفطار في رمضان والعقوبات التي تحددها لهذه الجريمةأولا : الدول التي تعاقب بعقوبات قاسية على الإفطار في رمضان في جزر القمر والصومال، وفي بعض المحاكم الإسلامية بها، حين سيطرت بعض الجماعات الإسلامية على السلطة فيها، كانت تعاقب على الإفطار في رمضان بعقوبات قد تصل إلى الإعدام، مع العلم أن باقي المناطق في هذه الدول، لا توجد بها نصوص قانونية تعاقب على هذه الجريمة، أما في السعودية فهذه العقوبة يحددها القاضي حسب ظروف كل حالة، وفق ضوابط وقوانين تكون مستنبطة من أحكام الشرع، تتراوح هذه العقوبة بين الجلد، التي يحددها القاضي أو عقوبة السجن ويحددها كذلك القاضي بتنسيق مع وزارة الداخلية واللجنة القضائية أو تنتهي بالإبعاد خارج المملكة العربية السعودية وتكون هذه العقوبة خاصة بغير السعوديين. ثانيا : الدول التي تعاقب بعقوبات سجنية بشهر أو أكثر على الإفطار في رمضانالمشرع المغربي عاقب على المجاهرة بالإفطار في رمضان في الفصل 222 من القانون الجنائي بقوله (كل من عُرف باعتناقه الدين الإسلامي، وتجاهر بالإفطار في نهار رمضان، في مكان عمومي، دون عذر شرعي، يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة مائتي درهم).وهذا الفصل، يشترط أن يكون المفطر معروف باعتناقه للدين الإسلامي كشرط وعنصر من عناصر الجريمة، لكي يُطبق عليه هذا الفصل ويتابع ويُحاكم أمام المحاكم المغربية بهذه الجريمة، لذلك فنجد أن بعض المفطرين المجاهرين بالإفطار في رمضان، ممن تمت متابعتهم بهذه التهمة، قد دفعوا خلال محاكمتهم بأنهم غير مسلمين أو أنهم مرضى أو كانوا في سفر من مدينة تبعد عن المدينة التي ضُبطوا مفطرين بها، وأن هذا النص يطبق على المسلمين فقط، كذلك يطلب هذا الفصل توافر عنصر مهم لكي تتم متابعة المفطر في رمضان، وهو عنصر الجهر بالإفطار، أي أن عملية الإفطار لا تتم في مكان مستور بل في فضاء مكشوف، وأن هذا يشكل استفزازا كبيرا لباقي الصائمين، فحق الإفطار بشكل سري كفعل، غير معاقب عليه في القانون الجنائي، ولكن متى تم فعل الإفطار بشكل علني، هنا تتدخل الضابطة القضائية لتجري الأبحاث تحت إشراف النيابة العامة التي يمكنها أن تتابع أو تحفظ الملف بناء على معطيات البحث التمهيدي. والقانون الجنائي يُجرم فعل المجاهرة في رمضان، لأن القانون الجنائي يجرم كل فعل يمكن أن يحدث اضطرابا اجتماعيا، وبما أن صيام شهر رمضان في المغرب وفي الكثير من الدول الإسلامية له قدسية كبيرة، ويحترم شعائره الصغير قبل الكبير، وحتى من لهم عذر شرعي يفطرون في سرية تامة وبمعزل عن الصائمين، فإن من يخالف هذا السلوك الديني في رمضان ويقوم بالإفطار علنا قد يتسبب في اضطراب اجتماعي متمثل في استفزاز الصائمين، وقد يؤدي التوتر والنقاشات والتنابز الذي قد يقع بين الصائمين والمفطر في رمضان إلى وقوع جرائم نحن في غنى عنها، لذلك كان تدخل المشرع المغربي وباقي التشريعات لكي تجعل هذا الفعل معاقب ويشكل جريمة فيه حكمة كبيرة لحفظ النظام العام.أما في البحرين فرغم أنه ليس هناك نص صريح يعاقب على فعل الإفطار في رمضان لكن هذا الفعل يتم اعتباره تعرضا للآداب العامة، ويعتبر بذلك القانون البحريني هو أقسى القوانين التي تعاقب المجاهرين بالإفطار في رمضان حيث تنص المادة 208 في فقرتها الأولى بما يلي: ( يُعاقب على التعرض للآداب العامة بإحدى الوسائل المذكورة في الفقرة الأولى من المادة 208 بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات)أما في قطر فالمادة 267 من القانون القطري رقم 11 لسنة 2004 تُجرم الأكل في نهار رمضان وتعاقب المخالف بالحبس لمدة لا تتجاوز 3 أشهر وبغرامة لا تزيد عن " آلاف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين، ولكن المثير هو أن القانون القطري لم يخص هذه العقوبة بالمسلمين فقط مما يعني أن كل مفطر علنا في رمضان كيفما كانت ديانته، يمكن أن يقع تحت طائلة هذا الفصل. أما في الأردن حسب الفصل 274 من قانون العقوبات الأردني رقم 16/1960 فيعاقب المفطر المسلم علنا بالحبس لمدة شهر وغرامة مالية بقيمة 25 دينار، كذلك نجد أن القانون العراقي في المادة 240 من قانون العقوبات يعاقب المجاهر بالإفطار خلال شهر رمضان بعقوبة السجن أو دفع غرامة مالية، كما أن عقوبة السجن قد تصل لمدة 6 أشهر كحد أقصى في حين تتراوح الغرامة المالية بين 250 ألف دينار إلى مليونين". أما في باكستان ففي تعديلات للقانون الجنائي التي كانت سنة 2017، أصبحت عقوبة من يجاهر بتناول الطعام أو التدخين في رمضان تتراوح بين السجن لمدة تصل إلى 3 أشهر بالإضافة إلى غرامة مالية تصل قيمتها ـ500 روبية. ثالثا : الدول التي تعاقب بعقوبات سجنية تقل عن شهر عن الإفطار في رمضان نبدأ بالإمارات العربية المتحدة فحسب الفصل 313 من قانون العقوبات يعاقب على الإفطار في رمضان بالحبس مدة لا تزيد عن شهر أو بغرامة لا تتجاوز 2000 درهم لكل من جاهر في مكان عام بتناول الأطعمة أو المشروبات أو غير ذلك من المواد المفطرة، وكل من أجبر أو حرض أو ساعد على تلك المجاهرة ويجوز إغلاق المحل العام الذي يستخدم لهذا الغرض مدة لا تجاوز شهر، وهي بذلك تاكون من بين الدول القليلة التي لا تعاقب فقط المفطر، بل تعاقب كذلك من حرضه أو ساعده أو أجبره على الإفطار، ولا تفرق في العقاب بين المسلم وغير المسلم ويمكن أن تقوم بإغلاق المحلات التي قدمت أكلا للمفطر في رمضان، ولكن قريبا ستعمل الإمارات على معاقبة المفطرين في رمضان بعقوبة العمل لمدة 240 ساعة في خدمة المجتمع. اما في الكويت فحسب المادة 273 من القانون رقم 44 لسنة 1968 فإن المجاهرة بالإفطار أو الإجبار أو التحريض أو المساعدة على تلك المجاهرة في مكان عام تعتبر جريمة يعاقب عليها القانون بغرامة لا تتجاوز مائة دينار وبالحبس مدة لا تتجاوز شهرا، مع جواز إضافة عقوبة غلق المحل الذي يستخدم لهذا الغرض مدة لا تتجاوز الشهرين، والدولة الثانية التي تعاقب بالإضافة الى الإفطار، تعاقب من ساعد المفطر أو أجبر أو ساعده، وتتفق في فعل التجريم والعقاب لامع دولة الإمارات، قبل أن تعمل علة تعديل عقوبة هذه الجريمة. أما في مصر ورغم عدم وجود نص صريح يعاقب على فعل الإفطار العلني في رمضانفإن بعد ضبط المفطرين يتم إلقاء القبض عليهم من قبل الشرطة ويتم تقديمهم أمام النيابة العامة، وتقوم الأخيرة بإطلاق سراحهم، بعد متابعتهم بعقوبة الفعل الفاضح في الطريق العام وتناول المشروبات الكحولية في غير الأماكن المخصصة لذلك، والتي قد تصل عقوبتها الى الحبس مدة لا تقل عن 3 أيام، وغرامة لا تقل عن 100 جنيه، ولكن في مصر بيمكن أن يُحكم بالحبس لمدة قد تصل لشهر لمن يفتح مطعما، أو يسهل تناول الطعام جهارا في نهار رمضان. ثالثا : الدول التي تعاقب بعقوبات أخرى عن الإفطار في رمضان نجد مثلا أن القانون العماني ينص في المادة 321/10 للقانون الجزائي رقم 7/1974 يعاقب بما سماه العقوبة التكديرية أو الغرامة من ريال إلى خمسة ريالات أو بإحدى هاتين العقوبتين، والعقوبة تمس كل مسلم أقدم على الإفطار علنا في رمضان دون عذر شرعي، والعقوبة التكديرية تعني حسب القانون العماني السجن من أربعة وعشرين ساعة إلى عشرة أيام والغرامة من ريال إلى عشر ريالات، وهذه العقوبات يمكن للقاضي أن يجعلها موقوفة التنفيذ.ثالثا : الدول الإسلامية التي لا تعاقب على الإفطار في رمضانفي اليمن لا يوجد قانون يعاقب على الإفطار العلني في رمضان، لكن يمكن للشرطة أن تعتقل أي شخص يفطر في رمضان وتتم متابعته بالقيام بفعل فاضح في الطريق العام أو بتهمة ازدراء الأديان.وفي لبنان كذلك لا يوجد نص قانوني يجرّم الإفطار العلني في رمضان، ولكن غالبية الطوائف المسلمة تغلق المطاعم، ويتم النظر الى المفطرين علنا في رمضان أمام الصائمين نظرة ازدراء، ويعتبر فعلهم غير مقبول اجتماعيا.كذلك في فلسطين ليس هناك أي نص قانوني يجرم الإفطار العلني في شهر رمضان. لكن في كل رمضان. في الضفة الغربية التابعة لحركة فتح تصدر السلطات لوائح تمنع فيها الإفطار العلني في رمضان وتقوم بتغريم المفطر علناً أو تعمل على توقيفه لفترة قصيرة، وكذلك الأمر بالنسبة لقطاع غزة.أما في سوريا فليس هناك أي نص قانوني يعاقب على فعل الإفطار العلني في رمضان، وكان القضاة يطلقون من يعتقلون بهذه التهمة بدعوى عدم وجود نص قانوني يعاقب على هذا الفعل، قبل أن يتدخل لوزير العدل السابق السيد مصطفى الزرقا في حديث له مؤكدا ( علمنا أن بعض قضاة الصلح يتهاونون في الدعاوى التي تقام على المفطرين في شهر رمضان وأن البعض الآخر يطلقون سراح المقبوض عليهم بالجرم المشهود بحجة أن لا عقوبة على الإفطار علناً رغم أن القضاء تدخل باجتهادات تعاقب المفطرين في رمضان ) وبعدها بدأت المحاكم السورية في غياب نص قانوني تعاقب على هذا الفعل اعتمادا على المادة 517 من قانون العقوبات التي تنص على ما يلي : ( يُعاقب على التعرض للآداب العامة بإحدى الوسائل المذكورة في الفقرة الأولى من المادة 208 بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات ) .في تونس أيضا لا يوجد أي نص قانوني يعاقب على فعل الإفطار العلني في رمضان.كذلك ففي ليبيا وفي جيبوتي ليس هناك أي نص قانوني يجرم الإفطار العلني في رمضان، ولكن هذا الفعل مستهجن عند الليبيين.أما في السودان فقد كان الإفطار العلني مجرما. ولكن بعد توقيع اتفاقية السلام بين السودان والجنوب سنة 2006، وبعد تغيير القوانين أصبح هذا الفعل غير مجرم.ونفس الأمر بالنسبة للجزائر فليس هناك أي نص قانوني ينص على تجريم فعل الإفطار في رمضان.في موريطانيا كذلك ليس هناك أي نص قانوني يعاقب على فعل الإفطار العلني في رمضان.في تركيا أيضا يعتبر فعل الإفطار غير معاقب عليه في تشريعاتها الجنائية، وتكون كل محلات الأكلات مفتوحة خلال شهر رمضان، ويتم تناول الطعام في واضحة نهار شهر رمضان بدون مشاكل أو قيود. في أفغانستان حسب علمنا ليس هناك نص قانوني يجرم هذا الفعل، ولكن المفطر في رمضان يتعرض للضرب المبرح.إذن ما يمكن أن نخلص إليه من خلال مقالنا السريع هذا، هو أن لا القرآن ولا السنة النبوية الشريفة حوت نصوصا صريحة تعاقب المفطرين في رمضان، كما أن أغلب التشريعات الإسلامية لا تعاقب على فعل الإفطار العلني في رمضان، وسلطاتها تغض الطرف عن من يأتون هذا الفعل، لكن هناك بعض الدول التي رغم أن نصوصها الجزائية لا تنص بشكل صريح على تجريم فعل الإطار في شهر رمضان فإنها تستند على تجريم هذا الفعل على نصوص أخرى، وتحدد عقوبات خفيفة على هذا الفعل، ومسلكها في تجريم الفعل رغم عدم وجد نص صريح يعاقب على الفعل في تشريعاتها راجع لاستهجان الفعل من طرف الصائمين ومسه بشعائرهم وشعورهم، واتقاء أن ينجم عن ذلك اضراب اجتماعي يمكن أن تصل حدته إلى وقوع جرائم كرد فعل من قبل بعض الصائمين اتجاه المفطرين. وتبقى الدول الإسلامية التي تنص تشريعاتها الجنائية بشكل صريح وواضح على تجريم فعل المجاهرة بالإفطار في رمضان هي سبعة دول عربية فقط من أصل خمسة وعشرين دولة، وهذه الدول هي المملكة المغربية والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن وقطر والكويت وعمان، تضاف إليهم دولة باكستان الإسلامية.
-
التنسيقية بديل عن العمل النقابي
نجحت التنسيقيات مؤخراً في قطاع التعليم فيما أخفقت فيه النقابات، لقد استطاعت تأطير نساء ورجال التعليم في محطات نضالية كبرى آخرها المسيرة الاحتجاجية التي ضمت أكثر من 30 ألف مشارك بالعاصمة الرباط، رافعة بذلك شعار "اسقاط النظام الأساسي وتحقيق العدالة الاجتماعية". لم تنجح فقط في قطاع التعليم بل في قطاعات أخرى عديدة واستطاعت تحقيق أهداف مهمة، مما يضعها كبديل عن العمل النقابي. كل هذا يطرح أسئلة كثيرة متعلقة بطبيعة التأطير النقابي للعمال والموظفين والاستقطابات البديلة ومن يمثل المطالب الحقيقية. في حراك الريف بالمغرب سقطت كل الوسائط بين المتظاهرين والنظام المغربي "المخزن"، جسد هذا السقوط تعبير المواطن الريفي البسيط في جملة "ما عندي بو الوقت"، وذلك عندما أراد المسؤول المغربي احتواءه. يعني كلامه نهاية زمن التنظيمات التقليدية ونهاية عصر الزعامات، لذلك خاطب ناصر الزفافي ممثل حراك الريف أعلى سلطة في البلد دون وسائط مطالباً إياها بالتدخل السريع لحل مشاكل المنطقة. لقد فشلت في هذه اللحظة كل الأحزاب السياسية في تأطير الجماهير ابتداء بفشلها في القيام بالتنمية، وفشلها مرة ثانية في محاولات احتواء الحراك. في هذه الفترة ظهر خبراء كثر يدقون ناقوس الخطر وينذرون النظام السياسي بخطورة غياب الوساطة بين الجماهير والدولة. في العمل النقابي أيضا ظهرت تنسيقيات كثيرة ابتداء من سنة 2016 في المغرب، في قطاع الطب والتعليم بالخصوص، وهي تنسيقيات تنشط وتؤطر الجماهير عبر مواقع التواصل الاجتماعي قبل النزول إلى الميدان. لهذا ظهور التنسيقيات عموماً هو دلالة على وجود تحول كبير مس الجسم النقابي الذي كان يعتبر المعني الأول من تبني حقوق الشغيلة والدفاع عنها، وهو عجز التنظيمات الكلاسيكية أحزاب ونقابات عن تحقيق مطالب ملموسة للشغيلة. حيث تعني كلمة التنسيقية القيام بمبادرات وتظاهرات من أجل توجيه مجموعة أعضاء لديهم نفس المطالب نحو تحقيق أهداف محددة بدقة، حيث تسعى إلى تأطيرهم كفاعلين لهم نفس الاهتمامات ويشغلهم المصير المشترك. إن الذي أدى إلى ظهور التنسيقيات هي مواقع التواصل الاجتماعي بالخصوص التي تتيح التواصل الأفقي الديمقراطي بدل التقيد بالهيكل التنظيمي الموجود داخل النقابات، فغياب الديمقراطية الداخلية لدى النقابات وغياب التواصل الفعال يكبح التجاوب مع الأحداث السريعة ويمنع الطاقات الجديدة من الوصول لمراتب المسؤولية، لهذا تأتي التنسيقية كانفراج عن هذا الكبح والمنع للديمقراطية. لا يعني ذلك ضمن نظريات السياسة الليبرالية أن التنسيقيات بديل عن التنظيمات الكلاسيكية أو تعويضاً عنها، بل هي تنظيم جديد ما بعد حداثي له بنيته وطريقته في النضال مختلفة عن السابق، تتبنى في الغالب ملفات خاصة تدافع عنها بطرق مشروعة، تكون هي السبيل الوحيد للحصول على المطالب وتحقيق الذات العاملة عبر عمل جماعي قوامه الحوار والتفاوض، وليس الانحياز لخيارات تفرضها الحكومة أو الباطرونا. تتخذ التنسيقيات القرارات من خلال مواقع التواصل الاجتماعي خصوصاً الواتساب لأنه الأكثر حصانة، وذلك بتعبير أفقي وشكل توافقي يفرضه النقاش وما يؤول إليه التواصل الافتراضي. إن الذي جعل التنسيقيات تنجح على حساب النقابات هي ما تفرضه من دينامية نضالية يفرضها الواقع المتجدد على حساب الولاء المطلق للزعيم، ثم بحث الموظفين عن إطار يحقق مطالبهم أكثر من بحثهم عن قناعات سياسية وأيديولوجيات بائدة. كما أن الطريقة البيروقراطية والانفراد بالقرارات وعدم الانفتاح على القواعد جعل دور النقابة يتراجع بكثرة، ثم غياب التأطير والتكوين دخل مقرات النقابة وخوف الزعامات على مكانتها من صعود الكفاءات الجديدة أدى لظهور مزيد من التنسيقيات المنفتحة على الأفكار والمواهب الجديدة.
-
النظام الأساسي أو نظام المآسي ؟
بعد الإعلان عن النظام الأساسي و إصداره في الجريدة الرسمية بعد سلسلة حوارات دامت لشهور عدة بين النقابات الأكثر تمثيلية و الوزارة الوصية ، لم يكن متوقعا أن يجعل هذا النظام الذي توعدت به الوزارة ليكون نظاما تحفيزيا لجميع العاملين بهذا القطاع، أن يصبر مصدرا لاحتقان الشغيلة والشارع أيضا . فبعد الاطلاع عليه والتفحص في حيثياته، استشاط الأساتذة غضبا بعدما علموا أن هذا النظام جاء للنيل من مكتسباتهم ،بل نص بنودا لا يمكن نعثها إلا بالجائرة .لم يستصغ الأساتذة الظلم والحيف الذي لحق بهم مما جعلهم يقررون الخوض في إضرابات متتالية دفاعا عن حقوقهم المشروعة . وبالحديث عن جور هذا النظام الذي اعتبره الأساتذة نظاما مأساويا بما تحمله الكلمة من معنى، والذي يقتضي : _اقصاؤهم من لائحة المستفيدين من الزيادات في الأجرة والتي وعدت بها الحكومة خلال مرحلة الانتخابات ،بل تم تهميشهم وإقصاؤهم بشكل مقصود ،في حين تم الرفع من أجور بعض الفئات ،الشيء الذي جعلهم يشعرون بالإقصاء رغم مشاق مهامهم و صعوبة عملهم . _تهميش ملف أطر الأكاديميات والذين لم يتم إدراجهم بصفة نهائية وواضحة ضمن الوظيفة العمومية._إدراج مهام جديدة خارج المهام المعتادة ، والغريب في الأمر أنه غير مؤدا عنها. _ الإجهاز عن حقهم في العطل وذلك بدافع التكوين والذي يكون مسطرا له داخل اوقات العمل بالنسبة لباقي القطاعات التي تمتاز بيوم السبت كيوم عطلة ._ تسطير جملة من العقوبات التأديبية التي لا يمكن ان نفسرها إلا بتعريض أطر التدريس والدعم لسلسلة من الإهانات والتهديدات .كما يندد الأساتذة بسوء تسيير الوزير مؤكدين أنه مسؤول غير ملم بما يجري في القطاع ، فبعد تصريحاته الغريبة في الآونة الاخيرة، اتضح أن الوزير المحترم بعيد كل البعد عن الواقع .ويؤكد الأساتذة العاملون بالقطاع العام أنهم وبعد نجاح الإضراب خلال الأسبوعين الفارطين ، لن يتراجعوا عن الدفاع عن حقوقهم التي أصبحت ترتبط بكرامتهم بشكل مباشر، رغم الإقتطاع من أجورهم الهزيلة ، وأنهم ماضون قدما في مواجهة كل تهديدات الوزارة إلى حين تحقيق كل مطالبهم المشروعة . و في ظل الضبابية التي تنهجها الوزارة الوصية في التعاطي مع هذا الملف ، يحمل الأساتذة المسؤولية الكاملة للوزارة والتي أصبحت تنهج سياسة التهميش لقطاع التعليم العمومي بدعوة انه يرهق كاهل الدولة و تتعامل معه على أنه قطاع يثقل الميزانية ،الشيء الذي يجعلنا ندرك أن خوصصة التعليم تلوح في الأفق والتي لا تخدم الفئات الهشة التي تعاني أساسا من غلاء المعيشة و ارتفاع الأسعار ... بقلم مفتوح جهاد
-
نحتاج مدونة جديدة وهؤلاء القضاة والدعاة
قبل أن أتكلم عن موضوع الرسالة الملكية السامية الموجهة لرئيس الحكومة، والتي يدعوه من خلالها الى فتح ورش إصلاح مدونة الأسرة، لا يمكنني أن أمر على حوار دار بيني وبين موكلة، تعمل في مهنة حرة محترمة بمكتبي، فقد حضرت الى مكتبي لكي تستشير معي، بعد تعرضها لوعكة صحية خطيرة كادت أن تودي بحياتها، وبما أنها مطلقة ولديها فقط بنات من زيجتها، وكانت ستجري عملية جراحية خطيرة، أخبرتني أنها سلمت الوثائق المهمة والقن السري لبطائقها البنكية لبناتها، مؤمنة بأنها يمكن أن تفارقهم أثناء إجراء العملية أو بعدها بسبب مضاعفات العملية الغير المنتظرة ، لكن مرت أمورها بشكل جيد، ولكن خوفها من الموت ومن مستقبل بناتها بعد وفاتها، جعلها تفكر بشكل آخر واستباقي، فهي تريد معرفة كيف يمكنها أن تنقل أملاكها إلى بناتها، مخافة أن تودع الحياة فجأة، وتصبح بناتها في مواجهة عفاريت من الذكور سيخرجهم قمقم التعصيب ويصبحون ورثة شرهون الى جانبها بقوة نصوص المدونة، مشيرة الى أن هناك من أشار إليها بكتابة عقد هبة لهم وهناك من طلب منها كتابة عقد صدقة، وآخرون ممن يحترسون، ويخافون مما ستبديه الأيام طلبوا منها كتابة عقود بيع بينها وبين بناتها، لتهريب التركة المفترضة من كف من سيضع أصبعه فيها بالتعصيب، وهي تائهة ولا تعرف ماذا ستفعل، طبطبت عليها بكلمات نزلت عليها بردا وسلاما، حين قلت لها هوني عليك، ألم تسمعي بأمر الرسالة الملكية الموجهة لرئيس الحكومة والتي يدعوه فيها إلى إصلاح قانون مدونة الأسرة فتعجبت وقالت سمعت شيئا في وسائل الإعلام، لكنني لم أفهم مغزاه وأبعاده، قلت لها، كوني متفائلة لأن موضوع التعصيب الذي يؤرق بال كل أسرة مغربية لديها بنات فقط ، سيتم حله باجتهاد الفقهاء والعلماء ورجال القانون، وزدتها من البيت شعرا، حين قلت لها بأن صبحك قريب جدا، لأن ملك البلاد حدد للجنة المكلفة ستة أشهر فقط لوضع التعديلات، ففرحت كثيرا، موجهة الكلام لي: إذن علي أن لا أتسرع وأنتظر، قائلة أطلب من الله أن يطيل في عمري حتى يتم حل هذا المشكل في مدونة الأسرة القادمة، فطمأنتها وقلت لها اصبري قليلا، وإن شاء الله بشائر الإصلاح لا بدا لها أن تبشرنا بتعطيل مسألة التعصيب في بالنسخة المقبلة، من مدونة الأسرة، فمازحتها بالقول أنني سأكتب في الموضوع وقد أتطرق الى الحديث الذي دار بيننا، فطلبت مني بإلحاح أن أنشره بكل تفاصيله، لكي يعلم كل المغاربة ما تعانيه بعض الأسر التي لم يرزقها الله بذكر مع مسألة التعصيب.وأعود الآن الى الحديث عن رسالة الملك محمد السادس حفظه الله، التي وجهها لرئيس الحكومة، بعد مرور 19 سنة على تطبيق مدونة الأسرة، الداعية لضرورة إصلاح مدونة الأسرة، التي مثلت قفزة كبيرة في القوانين المتعلقة بالأسرة في المغرب، وتميزت بها كذلك عن كل الدول العربية والإسلامية، فلا شك أن هذه الفترة كانت كافية لظهور مشاكل في تطبيق مدونة الأسرة، وارتفاع أصوات مختلفة داعية لضرورة انفتاح نصوص المدونة بشكل أكثر لإنصاف كل أفراد الأسرة وفي مقدمتهم المرأة والأبناء والآباء كذلك ، فاستجاب الملك لنبض النساء والرجال والبنات والأبناء المكونين لنواة الأسرة المغربية، فلم يكتفي بالدعوة لفتح ورش الإصلاح بل حدد للجنة المكلفة، ستة أشهر لوضع المقترحات، وهو ما يعني أن الإرادة الملكية متجهة لخروج القانون الجديد لمدونة الأسرة بعد مرور عشرين سنة من تطبيق مدونة الأسرة وبدأ العمل بنصوصها، وقد تطرقنا في مقالات متعددة لمشاكل في تطبيق مدونة الأسرة وطلبنا من خلال تلك المقالات أن يتدخل المشرع، لكي يجري تعديلات مستعجلة لرفع الظلم عن أحد أفراد الأسرة في حالات كثيرة، تبقى نصوص المدونة الحالية غير كافية لحلها، وتحقيق العدل بلين خصومها، وسنعود بإذن الله للتطرق لبعض المشاكل التي عرفها تطبيق مدونة الأسرة ، لكي نساهم كباحثين وممارسين، في تقديم رؤيتنا ومفاتيحنا البحثية والاقتراحية لمجموعة من الإشكاليات التي يجب أن يقف على أبوابها المكلفون بتعديل وإصلاح مدونة الأسرة.ولكن يجب أن لا ننسى شيئا مهما ومفصليا في كل إصلاح ستعرفه مدونة الأسرة، فمدونة الأسرة المتطورة والمعدلة غير كافية لوحدها، لرفع التحدي في تجويد قوانين الأسرة الذي أصبح يرفعه ملك البلاد كل عقدين، بل يجب أن نستثمر في قضاة شباب، لهم رؤيا جديدة ومجتهدة في تحليل النوازل ووضع الحل الذي يتماشى مع القانون ومع مستجدات المجتمع وتطوراته الحالية، فالقاضي المحافظ الذي يجرنا إلى اجتهادات قرون مضت، ويمر على جسد النص القانوني الحاضر الموجود ويتركه جثة هامدة لا حياة قانونية لها، ولا يطبقه ويفضل عليه رأي أو اجتهاد قضائي أو فقهي كان له وقته وناسه، مع ما لذلك من تأثير على التوجه القضائي في محاكم المملكة كلها خصوصا خصوصا ذا كان القرار صادرا عن محكمة النقض، لن يصبح مع هكذا واقع لأي نص قانوني جديد أي معنى، لأن حنين القضاة المحافظون للماضي واجتهاد السلف، سيجعلهم يبحثون ويجتهدون بالرجوع لأقوال السلف دائما لكي يفرملوا نص القانون الجديد الذي ينبعث ويُخلق من واقع جديد، ويفرغوه من محتواه، مستخدين مفتاح الفصل 400 من مدونة الأسرة ، لذلك أنا لا أدعوا فقط الى تغيير نصوص مدونة الأسرة، بل إلى الاستثمار في قضاة شباب يؤمنون بروح العصر التي لا تخالف بشكل فج روح الأصالة والنصوص القرآنية الصريحة الدلالة ولكنهم يجتهدون، ويبحثون في استنباط روح النص الذي تم تعديله، ويجتهدون لتطويره وتجويده وفق قوانين مدونة الأسرة المعدلة والقوانين الدولية المقارنة والاتفاقيات الدولية، قضاة شباب يجب أن لا نتركهم فقط في المحاكم الابتدائية، بل نزرع بذرتهم في محاكم الاستئناف والغرفة الشرعية بمحكمة النقض، ونشكر القضاة المحافظون على عملهم وتفانيهم، ونكرمهم بتقاعد وتكريم وشكر جزيل، ونخبرهم بأن التوجهات الجديدة في الاجتهاد في أمور الأسرة قد لا تعجبهم ولا يستريحون لها، وقد يثقل عليهم السير على ديدنها، لذلك فهم مخيرون بين ركوب قطار التجديد أو الاجتهاد أو الوقوف في أول محطة لمغادرة القطار الذي يسير بفكر وتصور جديد ووجهة ثاقبة الى الأمام، تضمن حقوق الجميع رجال ونساء وأبناء بشكل عادل ومتوازن.ونعود الآن إلى توجيه هذه السهام النقدية إلى من يمكن أن تعلوا أصواتهم مخالفين ومعارضين لتعديل قوانين الأسرة، ومطلقي صفارات الإنذار بأن هذه التعديلات ستهدم الأسرة المغربية وتمس الدين والشريعة، وقس عليها من الترهات التي لا تقدم من حل ولا من رأي، ولا تتقن سوى فن الفرملة والتخويف والتكفير وجر المجتمع وأفراده لآراء مضت عليها قرون لأشخاص غير مقدسين اجتهدوا في وقت من الأوقات، أناس كانوا يعيشون حياة تختلف عن حياتنا وعيشتنا، فأقول لهؤلاء، إن إبراهيم النظام المعتزلي يقول بأن حجية الاجماع ليست في كثرة المجتهدين بل في منطقية ومعقولية الرأي والاجتهاد، فرأي مرصوص ومقدم بشكل منطقي ومتزن في ٍرأينا، حتى لو كان متبنيه أحدا، فهو الرأي الذي يمكن أن نقول عنه اجتهاد، وهذا ليس رأيي فقط ، فالمتلقي للرأي في القرون الماضية الذي كان يتلقف الرأي والاجتهاد ويبتلعه دون تمحيص وتفكير من الخطيب أو الفقيه أو العالم، معتبرا إياه منتهى القول وصفوته، ليس هو متلقي القرن الواحد العشرين الذي أصبح يسافر في كل دقيقة وثانية بين آراء المنتقدين، منتقدين كانوا في الماضي، إذا انتقدوا شيئا في الدين أو خالفوا الجمهور في رأي متفق عليه، حتى ولو كان انتقادهم واختلافهم مع الجمهور بالدليل والحجة الشرعية، كانوا في الماضي يُقتلون ويُكفرون أو يتم نفيهم، فمتلقي يومنا، حتى من أطفالنا، أصبح يمحص ويغربل ، ولا يمكن أن يتقبل أي رأي أو اجتهاد أ, قول، إلا إذا اقتنع به وأقنعته بصحة مبناه ومرماه ، وقد يقول لك، عن رأي لا يتماشى مع فكره وتربيته وعصره، هذا غير معقول وغير مفهوم ولا يمكن أن نقبله في عصرنا الحالي، حتى ولو تبناه أعلم المجتهدين والفقهاء، فمتلقي الرأي والاجتهاد والحل في عصرنا هذا ذكي وواعي ومفرق كبير بين ما هو معقول ومقبول وما هو غير مقبول وغير معقول، حتى ولو تم تغليفه بغلاف الدين. فجعل الاجتهاد محصورا في كلام السلف وقولهم، مزايدين على المجتهدين الجدد بمخالفة الدين والشريعة، حتى يصل جهل بعضهم الى حد التكفير، متمسكين بتلابيب الآراء التراثية ومحاربين كل من أراد التجديد متمسكين ببعض المقولات كتلك التي تقول، الأصيل في التليد، وأن البدع في الجديد، فلماذا لا يبحث علمائنا الجُدد من هؤلاء المتيممين بفقه السلف واجتهادهم ولا يردون أن ينفكوا عنه، لماذا لا يبحثون عن ثواب الاجتهاد، ويكتفون بسرد ما اجتهد فيه السلف ونالوا عنه الثواب، فعصرنا حسب بعضهم عصر كثرت فيه الذنوب وساد فيه الحرام حتى كاد يقضي على الحلال ويُظلم نوره، فنحن حسبهم مذنبون أكثر من السلف فلماذا لا يجتهدون لكي يُثقلوا ميزان حسناتهم بالاجتهاد، أم أن تفكيرهم مشلول وغير قادر على الابداع والاجتهاد، فليرجعوا إلى اجتهادات السلف التي تعج بها كتب التراث، والتي ذكرت مثلا أن عمر ابن الخطاب وهو خليفة للمسلمين، عطل تطبيق نص قرآني صريح الدلالة وهو قطع يد السارق، ومن الشواهد المماثلة في ثراتنا، هناك الكثير مما لا يتسع المقال لسردها، في تراثنا كانت فيها إشارات واضحة تدعوا الخلف للاجتهاد، لكن مع الأسف، كان لدينا خلف في معظمه مشدود الى آراء السلف، لا يريد أن يبذل مجهودا للإبداع والاجتهاد وتحمل المسؤولية في الاجتهاد، فالعالم والفقيه الحالي يجب أن يكون مجددا ومرغبا حتى لا ننفر مسلم القرن العشرين من شريعتنا الغراء خصوصا بعد أن أصبح بعض الملحدين يسددون سهاما سامة وقاتلة، تظهر للمشاهد كأنها منطقية ومعقولة، ومن هنا تبدأ ثورة الشك والتساؤل والتي انتهت بالكثير من أبناء المسلمين في بئر الالحاد. نحتاج الى ثورة اجتهادية كبيرة في موروثنا الديني، نحاول من خلالها تطهيرها من كل ما يمكن أن يحرج أو يظهر أنه غير مقبول، ولتكن لفقهائنا الشجاعة لكي يقولوا عن بعض الأحاديث أو أقوال السلف أنها أصبحت غير مواتية لعصرنا وللمسلم فيه، ولإنسان القرن الواحد والعشرون الذي سندعوه لدخول الإسلام، فقد حان وقت تعلية فقه الأولويات الذي يمتح من ضروريات الواقع، وفي مدونة الأسرة حان وقت الاعتماد في تقديم الحلول لمشاكلها، على رجال القانون الممارسين الذين يواجهون تعرجاتها وتمظهراتها في دروب المحاكم وبين ثنايا الملفات، فهم أقرب لعرض الإشكاليات واقتراح الحلول بحكم واقع ما يجري أمامهم، وهذا طبعا دون أن نغفل مشاركة رجال الفقه المجتهدين المجددين الذي لا يجترعون فقط من آراء السلف ثم يجترونه دون اجتهاد وإبداع، دون أن ننسى مقترحات رجال الفقه من جامعيين يهتمون بقوانين الأسرة، وآراء الجمعيات المدنية بكل تلاوينها، لنأخذ بمن ظهر أن رأيه ومقترحه موافق لواقع الحال ومنصف ولا يميز فئة على فئة، بل سيرفع الظلم عن فرد من أفراد الأسرة.فشعارنا في كل التعديلات القانونية المقبلة، الذي يجب أن نرفعه، هو: رفع أعيننا الى الأفق والتقدم بخطى ثابته، واثقة، منسجمة الى المنصة التي تقف فوقها الأمم المتقدمة كما فعلنا في كأس العالم الماضي مع شباب واعد ومجدد ومؤمن..
-
التكافل الاجتماعي في ظل إمارة المؤمنين
لقد أنعم الله تعالى على بلادنا بالتلاحم الدائم والتجاوب التلقائي بين العرش والشعب وهو ما مكن المغرب من إقامة أمة تضرب بجدورها أعماق التاريخ، حيث ظهرت منذ اللحظات الأولى لوقوع الزلزال المدمر الذي ضرب إقليم الحوز والأقاليم المجاورة نزول أمير المؤمنين بكل ثقله الرمزي وشرعيته التاريخية والدينية والدستورية ليجسد قيم التكافل والتآزر والتضامن بشكل عملي، حيث أصدر جلالته بتعليماته السامية إحداث لجنة مكلفة بوضع برنامج استعجالي لإعادة تأهيل وتقديم الدعم لإعادة بناء المنازل المدمرة على مستوى المناطق المتضررة في أقرب الآجال والتكفل بالأشخاص في وضعية صعبة خصوصا اليتامى والأشخاص في وضعية هشة والتكفل الفوري بكافة الأشخاص بدون مأوى جراء الزلزال لاسيما في ما يرتبط بالإيواء والتغذية وكافة الاحتياجات الأساسية الى جانب تشجيع الفاعلين الاقتصاديين بهدف الاستئناف الفوري للأنشطة على مستوى المناطق المعنية.واعتبارا لهذا المقصد التكافلي في ظل إمارة المؤمنين فإلى أي حد تفاعلت الجهات المعنية مع هذه الرؤية الملكية؟ وكيف انخرط فيها الشعب المغربي بصفة عامة مع جلالته؟عملا بأحكام الشريعة الإسلامية الغراء التي تحث في مصدرها الأساسيين القران والسنة النبوية العطرة على التعاون والتواد والتعاطف والتكافل الاجتماعي باعتبارها مطلبا شرعيا وحاجة إنسانية تعتبر تلبيتها واجبا، حيث قال الحق سبحانه وتعالى في محكم تنزيله '' وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان'' وقوله صلى الله عليه وسلم '' مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى '' رواه مسلم.فالتكافل الاجتماعي بمفهومه الإسلامي أن يكون أفراد المجتمع مشاركين متضامنين مع بعضهم البعض محافظين على مصالحهم العامة والخاصة يدفعون عن بعضهم البعض المفاسد والأضرار ليس فقط في النواحي المادية بل المعنوية أيضا.ومن أهم مظاهر التكافل الاجتماعي في الإسلام كفاية المحتاجين من غذاء، أو كسوة، أو إيواء، فقد جعل الله تبارك وتعالى كفايتهم فرض كفاية على الاغنياء، حيث قال الحق سبحانه وتعالى '' خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم''.وتأكيدا لهذا المبدأ فقد جاء في الخطاب الملكي الذي ألقاه مولانا أمير المؤمنين بمناسبة عيد العرش المجيد لسنة 2023 ما يلي '' فقد قدم أبناؤنا بشهادة الجميع وطنيا ودوليا أجمل صور حب الوطن والوحدة والتلاحم العائلي والشعبي وأثاروا مشاعر الفخر والاعتزاز لدينا ولدى كل مكونات الشعب المغربي''، كما تقرر أيضا بتعليمات ملكية سامية الإعلان عن حداد وطني لمدة ثلاثة أيام مع تنكيس الأعلام الوطنية فوق جميع المباني العمومية وفتح حساب خاص لدى الخزينة وبنك المغرب بهدف تلقي المساهمات التطوعية التضامنية للمواطنين والهيئات الخاصة والعمومية داعيا كذلك الى التعبئة الشاملة لمؤسسة محمد السادس للتضامن، بجميع مكوناتها من أجل تقديم الدعم ومواكبة المواطنين في المناطق المتضررة وكذا تشكيل احتياطات ومخزون للحاجيات الأولية '' أدوية ، خيام، أسرة، مواد غذائية '' على مستوى كل جهة من المملكة من أجل مواجهة كل أشكال الكوارث.واستمرارا للعناية التي ما فتئ أمير المؤمنين يوليها للطفولة أعطى جلالته تعليماته السامية أيضا بالتكفل الفوري بالأطفال اليتامى الذين فقدوا أسرهم وأضحوا بدون موارد ومنحهم صفة مكفولي الأمة، كما أعطى أوامره للحكومة من أجل اعتماد مسطرة المصادقة على مشروع القانون اللازم لهذا الغرض وذلك في أقرب الآجال، والهدف من ذلك هو انتشال هؤلاء الأطفال من هذه المحنة وحمايتهم من جميع المخاطر وجميع أشكال الهشاشة التي قد يتعرض لها للأسف بعد هذه الكارثة.إن عبقرية المؤسسة المولوية تجلت لنا بوضوح في كيفية تدبيرها لأزمة الزلزال، حيث لم تلجأ الى استعمال الآلية الدستورية المتمثلة في الفصل 40 من الدستور المغربي'' الضريبة التضامنية'' كما أنها لم تلجأ إلى إعلان حالة الطوارئ، أو حالة الاستثناء من خلال الفصل 59 من الدستور المغربي، كما أنها لم تلجأ أيضا لاستخدام الآلية الدستورية '' توجيه خطاب للأمن والبرلمان من خلال الفصل 52 من نفس القانون المشار إليه أعلاه، من هنا تظهر لنا حكمة مولانا أمير المؤمنين والتي تتجلى في القيادة الحكيمة والرشيدة والتي تتميز بطبيعة الحال بالهدوء في مواجهة الأزمات، حيث تم اللجوء إلى عقد جلسة عمل مع كبار شخصيات البلد ومن بين خلاصات هذه الجلسة مايلي : تسريع عملية الإنقاذ وإجلاء الجرحى. تزويد المناطق بالماء الصالح للشرب.توزيع حصص غذائية وخيام وأغطية على المنكوبين.وقد استجاب الشعب المغربي بصفة تلقائية لهذا الأمر، حيث عبر بشكل جلي عن تضامنه وتآزره مع المتضررين والمنكوبين ماديا ومعنويا فقد ساهمت كل فئاته بكل ما لديها من إمكانيات ،فمنهم من ساهم بنفسه عن طريق تقديم يد المساعدة بالمشاركة الفعلية في عملية الإنقاذ ومنهم من ساهم بماله ومنهم من ساهم بقلبه وحبه وتعاطفه مع المنكوبين والمتضررين وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مدى اهتمام الشعب المغربي بأهمية التضامن والتكافل داخل الأمة المغربية تحت إمارة المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده فهو أمير المؤمنين حامي حمى الملة والدين ورمز وحدة الأمة وضامن دوام الدولة واستمرارها. وعلى هذا الأساس فان إمارة المؤمنين لها دور كبير في ترسيخ قيم التكافل والتآزر والتضامن داخل المجتمع المغربي الذي تفاعل معها بشكل إيجابي وملموس على أرض الواقع .* بوشعيب جوال : حاصل على شهادة الدكتوراه في الشريعة والقانون.
-
بُعبُع الغرامة في مشروع المسطرة المدنية
في ذروة العطلة الصيفية، وبالضبط في 24 غشت 2023، وهو الوقت الذي يكون فيه كل الناس يستريحون من تعب سنة من العمل، ونسبة كبيرة منهم ينسون فيه متابعة كل الأخبار والجرائد الورقية والإلكترونية، صدر بيان عن اجتماع مجلس الحكومة، تم الإعلان فيه عن مصادقة الحكومة على مشروع قانون المسطرة المدنية الذي تقدمت به وزارة العدل، وهو مشروع قانون مهم وخطير ومفصلي، مهتم بتنظيم المساطر المتبعة في أغلب القضايا المدنية التي تنظر فيها المحاكم المغربية، وفي الوقت الذي مازلت أبحث فيه عن النسخة التي صادقت عليها الحكومة المغربية من هذا المشروع ، بهدف الكتابة في بعض المقتضيات التي قد يظهر لنا أنها تحتاج وقفة تأمل متأنية من قبل المشرعين من أجل تعديل النسخة المصادق عليها من طرف الحكومة، قبل أن يصوت عليها المجلسين التشريعيين، ويصبح قانونا معتمدا بعد مروره بالمراحل اللاحقة، وبما أنني لا أتوفر سوى على صيغة 16/01/2022 من قانون المسطرة المدنية، سأحاول الرجوع إليها، لمحاولة مناقشة بعض المقتضيات الجديدة التي ذكرتها بعض المواقع الالكترونية، موردة في متابعتها لهذا المستجد، أنها تتعلق بأهم التغييرات التي جاء بها القانون الذي صادقت عليه الحكومة المغربية، ومن هذه المقتضيات الجديدة، نجد ما ذكرته جريدة هسبرس في الخبر الذي نشرته يوم 27/08/2023، تحت عنوان( مشروع القانون المتعلق بالمسطرة المدنية يغفل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية )، جاء فيه أن النسخة التي صادقت عليها الحكومة، فرضت غرامة على من يثبت تقاضيه بسوء نية، وإن كان مبدأ فرض الغرامة على المتقاضي بسوء نية، من المبادئ التي لا يمكن إلا الدفاع عنها، ولكن في حدود مبالغ منطقية ومعقولة، لأن الذي يجب أن يعوض أكثر في مساطر التقاضي بسوء نية، هو المتقاضي الذي تم جره الى المحكمة، واضطر إلى تنصيب محامي أو الدفاع عن نفسه أمام المحاكم لعدة جلسات، وقد كان توجهنا أوضح وأعمق في طرح محاربة التقاضي بسوء نية، في مقال سابق نشرناه دعونا فيه المشرع المغربي الى خلق الحق في طلب الحكم على خاسر الدعوى بأداء جزء من أتعاب محامي خصمه حسن النية الذي تم جرجرته أمام المحاكم بسوء نية، واضطر الى تنصب محامي للدفاع عن نفسه في دعوى كيدية وتعسفية وربح الدعوى المقدمة ضده بعد عناء وحرب قانونية تسببت له في خسارة مادية و تعب معنوي، وهذا المقتضى تعمل به أغلب الدول العربية والغربية، فحتى دولة فلسطين العزيزة تعمل به، ولكن مع الأسف ما زال لم يتم إنصاف المتقاضي الذي قدمت ضده دعوى بسوء نية في تشريعاتنا، وقد يرى البعض أن هذا التعديل فيه إنصاف للمتقاضي الذي وُجهت ضده دعوى بسوء نية، ولكن في نظري وبدون لغة خشب، هو مقتضى ليس الهدف منه إنصاف هذا المتقاضي الذي قدمت ضده دعوى بسوء نية، لأن الأمر لو كان كذلك، لكان المشرع حدد في نفس النص على الأقل، أقل تعويض يمكن أن تحكم به المحكمة على من قدمت ضده دعوى بسوء نية، ويكون مثلا ( يحكم القاضي على من قدمت دعوى ضده بسوء نية، بتعويض لا يقل عن خمسة آلاف درهم ، بطلب منه .... ) ويترك تحديد التعويض الأعلى للمحكمة بناء على قيمة الدعوى، أما أن يتم تحديد الغرامة وجعل أقل مبلغها محدد في عشرة ألف درهم وأعلاه في عشرين ألف درهم، لعمري هو مقتضى ستكون له سلبيات خطيرة على مستقبل التقاضي المغربي، وخصوصا القضايا التي تهم الطبقة الفقيرة والهشة والمتوسطة، ورغم أننا مازلنا في عطلة، لكن هول الأمر وخطورة ما تمت المصادقة عليه، وتبنيه من طرف حكومة بلدنا، جعلنا نفتح جهاز الكمبيوتر لنقدم ونسلط الضوء على خطورة ما يجري في القوانين المتعلقة بالتقاضي في المملكة المغربية ونجمل هذه الاخطار فيما يلي: 1- في اعتقادي وبحسب ما أرى أن أكثر من تسعين في المائة من القضايا التي تعرض، على المحاكم المغربية، تقل قيمتها عن عشرة آلاف درهم، وبهذا المستجد ستجعل الحكومة المغربية غرامة التقاضي بسوء نية، أكبر من قيمة الدعوى كلها أو أقل منها.2- أغلب المترددين على المحاكم المغربية هم من الطبقة الفقيرة وتتبعهم الطبقة المتوسطة، أما قضايا الطبقة الغنية والثرية، غالبا تنظر فيها المحاكم التجارية، وتقل قضاياهم بشكل كبير أمام المحكم العادية، والمتقاضون البسطاء يجدون متنفس فيما يعتقدون أنه ظلم وقع عليهم، برفع مظلمتهم الى المحكمة، لكن بعدما سيسمعون بأمر هذه الغرامة، سيستنكفون عن التوجه للمحكمة مخافة الحكم عليهم بغرامة لا تقل عن عشرة آلاف درهم، وقد تجرهم لأداء مبلغ عشرين ألف درهم، في حالة اعتبار المحكمة أنهم يتقاضون بسوء نية.3- استنكاف المتقاضين الفقراء عن التوجه الى المحكمة لعرض مظلمتهم بسبب الخوف من الحكم عليهم بالغرامة الغير منطقية، سيجعل غريزة الإنتقام تكبر في دواخلهم، وقد تؤدي بهم الى ارتكاب جرائم اعتداء بدنية أو قتل، بعد أن وجدوا أن باب التقاضي تم صده في وجوههم، بسب هذه الغرامة الكبيرة التي يمكن أن يحكم بها عليهم. 4- تعارض هذه الغرامة الكبيرة الجديدة، مع نصوص دستورية مبدأيه، تضمن حق التقاضي، ولا تجعل له قيود يمكن أن تحد منه، ومنها الفصل 118 من دستور 2011.5- كذلك لا يجب أن ننسى أنه بعد أن كان حق التقاضي مجانيا في بعض القضايا المنصوص عليها قانونا، كما أشار الى ذلك الفصل 121 من دستور 2011، ستصبح القضايا التي تهم بعض الطبقات الهشة في المجتمع من نساء وأمهات وعمال ومتقاضين في قضايا بسيطة تنظر أما المحاكم العادية أو أمام قضاء القرب، والتي كانت مشمول بالمجانية، عرضة لعدم التفعيل، والتهرب من تقديمها للمحاكم، خوفا من أن تصبح القضية التي تقدموا بها مجانا بدعم وسند من القانون، جريرة تجر عليهم غرامة مالية لا تقل عن عشرة آلاف درهم، إذا اعتبرت المحكمة أن هؤلاء المتقاضين البؤساء، تقاضوا بسوء نية.6- قانون المسطرة المدنية في الفصل 5 يتكلم عن ضرورة التقاضي بحسن النية، دون أن يقرن ثبوت التقاضي بسوء نية في حق أي طرف بأية غرامة يمكن أن يحكم بها عليه، وجاءت مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية بتاريخ 16/01/2022، المقدمة من وزارة العدل، ونصت في مادتها العاشرة، على الحكم على من يثبت عليه التقاضي بسوء نية بغرامة من خمسة آلاف درهم إلى عشرة آلاف درهم، وهي كذلك غرامة كبيرة، ستخوف المتقاضين البسطاء من التوجه للمحاكم لعرض قضاياهم أو رفع مظلمتهم، حين نص فيها على ما سمي بالغرامة عن التقاضي بسوء النية التي يمكن أن يحكم بها على من ثبتت ضده سوء النية ، لنفاجئ بالمسودة التي صادقت عليها الحكومة في 24/08/2023، ترفع بشكل غريب وغير مبرر هذه الغرامة من عشرة آلف درهم الى عشرين ألف درهم، فهل يمكن أن نسمي هذا تدرجا محمودا في فرض الغرامة التي يُستحب أن يسير على نهجها كل نص جديد، أم قفزة كبيرة تجاوزت كل السلاليم المحددة للغرامة في قانون المسطرة المدنية لتجعلها في أعلى سلمها بين عشية وضحاها، وفي غفلة من الجميع.7- غرامة التقاضي، الذي يمكن أن يعتبره القاضي تقاضي بسوء نية، لم يحدد له المشرع المقومات أو الحدود التي يمكن التفريق فيها بين سوء النية وحسنها، فقاضي يمكن أن يعتبر دعوى معينة قدمت بحسن نية، ويعفي مقدمها من الغرامة، في حين أن نفس الدعوى قد يعتبرها آخر قدمت بسوء نية، ويحكم على مقدمها بغرامة عشرة آلاف درهم، هذا إذا ما متعه هذا القاضي بظروف التخفيف، والتوصيف هو فقط مجازي، في فرض هذه الغرامة ، لأن المحكمة مقيدة بأقل مبلغ يمكن أن تحكم به وهو عشرة آلاف درهم ، ولكن إذا لم يمتعه بها، فيمكن أن يحكم عليه بغرامة تصل إلى عشرين ألف درهم.8- من المضحكات المبكيات أن غرامة التقاضي بسوء نية في مشروع قانون المسطرة المدنية، التي صادقت الحكومة على مسودته، والمتراوحة بين عشرة آلاف درهم وعشرين ألف درهم، لم تتصدر فقط بين عشية وضحاها وتقفز من عدم التحديد الى أعلى سلم الغرامات المحددة في قانون المسطرة المدنية، بل هي تفوقت بشكل كبير وواضح حتى على أغلب الغرامات المحدد في المخالفات والجنح والجنايات المعاقب عليها في القانون الجنائي، وهي غرامات يحكم فيها في دعاوى الحق العام التي تكون فيها النيابة العامة ممثلة للحق العام ، ويحكم فيها على المتهمين أوا أفعال مجرمة ومنهى عن إتيانها، ممن عبثوا بأمن الدولة وسلامة مواطنيها، وقد يحكم في القانون الجنائي الذي يسمى قانون الأشرار، بغرامات في جنايات ( وهي جرائم خطيرة ) بغرامة لا تتجاوز مائتي درهم ، في وقت نجد أن المادة 10 من مشروع قانون المسطرة المدنية، يمكن أن تحكم على من قدم دعوى للمحكمة وقصد بابها ورفع ما اعتبره مظلمة حين تعتبره تقاضى بسوء نية بغرامة تتراوح بين عشرة آلاف درهم وعشرين ألف درهم. 9- غرامة التقاضي بسوء نية ، المحددة في المادة 10 من قانون المسطرة المدنية ، يمكن للقاضي الجنائي الذي قد يعتبر أن شكاية قدمت بسوء نية، وبناء على طلب ضحية سوء النية أن يحكم على المتقاضي سيئ النية بغرامة المادة 10 من قانون المسطرة المدنية، ويطلب له الحكم بتعويض عن التقاضي بسوء نية، وان كان مقتضى طلب التعويض بشكل مقارب موجود في قانون المسطرة الجنائية بعد الحكم ببراءة المتهم، لأن قانون المسطرة المدنية حسب ما تعلمنا هو القانون الأم لقانون المسطرة الجنائية الذي يمكن أن يرجع له القاضي إذا غاب التنصيص على حالة معينة تنظرها المحكمة الزجرية غير منظمة في قانون المسطرة الجنائية، وتم النص عليها في قانون المسطرة المدنية، فالأصل أن القاضي الجنائي لا يحكم بالغرامة التي يمكن أن تكون عقوبة أصلية إلا على المتهم المتابع ، فكيف سنسمح بهذا النص بالحكم بغرامة على شخص لم يكن متهما وكان مشتكي؟ ألا يمكن بهذا النص أن نمس بأسس المحاكمة الجنائية وكيف ستحكم المحكمة بعقوبة أصلية على شخص لم يوجه إليه أي اتهام، ولم يدافع عن نفسه أمام المحكمة التي ستحكم عليه بغرامة ثقيلة، ألا يمكن أن نعترف ونقول بأن نص المادة 10 من مسودة قانون المسطرة المدنية الذي صادقت عليه الحكومة يمكن أن يخلق لنا وضعا شاذا سيمس بأسس المحاكمات الجنائية. 10- حتى في فرنسا الدولة الرائدة في صناعة القوانين، والتي نأخذ منها ما نأخذ من قوانين ومبادئ، لم تسقط السقطة التي سقط فيها مشروع قانون المسطرة المدنية المصادق عليه، فهي لم تحدد الحد الأدنى للغرامة، بل حددت فقط أقصى الغرامة التي يمكن أن يؤديها من ثبت في حقه ثبوت التقاضي بسوء نية، حين نصت في المادة 628 من قانون المسطرة المدنية الفرنسية، على أن أقصى غرامة يمكن أن يحكم بها في حالة ثبوت تقاضي المدعي بسوء نية هي 10000 يورو أي أكثر من عشرة ملايين مغربية بقليل، وهو ما يعني أن قضية تنظر أمام المحكمة بملايير الدراهم، حتى ولو ثبت سوء نية المدعي في سلوكها، أقصى ما يمكن أن يحكم به كغرامة على مقدمها هو 10000 يورو، و هذا النص لم يحدد الحد الأقل للغرامة كما فعل النص المغربي في مشروع قانون المسطرة المدنية، وهذا يعني أن القاضي إذا كان ينظر في دعوى قيمتها المالية مثلا ألف يورو، يمكن أن يحكم بغرامة في حالة ثبوت سوء نية المدعي 50 يورو أو 100 يورو، عكس القاضي أو المحكمة المغربية التي حتى ولو كانت تنظر في قضية قيمتها المالية 5000 درهم، وثبت لها أن المدعي يتقاضى بسوء نية ، فيجب على المحكمة أن لا تقل الغرامة التي ستحكم بها عليه عن عشرة آلاف درهم، وهي ضعف القيمة المالية للدعوى كلها، ومن غرائب المقارنات، أن ثبوت التقاضي بسوء نية دائما حسب النص المقترح في مشروع قانون المسطرة المدنية، في حق المدعي في نزاع تجاري مثلا قيمته المالية عشرة مليار سنتيم أو حتى درهم، لن يقدر القاضي أو المحكمة أن تحكم على من ثبتت في حقه سوء النية سوى بعشرين ألف درهم، ألا تشعرون معي أن هناك لا عدالة وظلم قانوني كبير حتى في توزيع الغرامات الجديدة الناتجة عن التقاضي بسوء نية، حتى بين الأغنياء والفقراء من المتقاضين المغاربة. 11- ما يجري حسب ما وقفنا عليه فقط بخصوص غرامة التقاضي بسوء نية، مؤشر خطير ولا يبشر بالخير، على غياب رؤيا استشرافية مستقبلية لما يتم اقتراحه، ولما يمكن أن يتسبب فيه أي مقتضى قانوني جديد يتم تعديله من تأثير كبير غير محمود العواقب على الساحة القضائية والمسطرية مستقبلا، مع اعتماده بدون دراسة شاملة من جميع الجوانب وفي غياب طرح كل الاحتمالات والتصورات المستقبلية لإيجابيات وسلبيات النص الذين يسعون لتعديله.11 –السؤال الذي يمكن أن نطرحه هو ما الهدف التي تسعى معه الحكومة للنص على تغريم التقاضي بسوء نية، والحكم بهذه الغرامة الكبيرة على من ثبت في حقه التقاضي بسوء نية، هل هو فعلا محاربة من يتقاضون بسوء نية؟ أم الهدف من ورائه هو سد الباب على المتقاضين المغاربة البؤساء، والطبقة المتوسطة، وتخويفهم من فتح ملفاتهم أمام القضاء بعد أن يسمعوا بأمر الغرامة التي يمكن أن يحكم بها عليهم، إذا ما توجهوا للمحكمة، مع الإشارة إلى أن مثل هذه الغرامات لن تخيف المتقاضين الأغنياء من التوجه للمحاكم لأن لديهم الأموال لتأديتها حتى ولو تقاضوا بسوء نية.12 – التعديلات التي جاءت في مشروع قانون المسطرة المدنية التي صادقت عليه الحكومة، يُغلب الاحتمال المتعلق بأن الأمر يتعلق بنية مبيته لسد الباب أمام الملفات البسيطة والعادية والمتوسطة التي يرفعها المغاربة من الطبقة الفقيرة والمتوسطة، ومحاولة الحد منها عبر هذا التدخل والتعديل التشريعي، الذي يحد من طرق الطعن، بشأن بعض الملفات ذات القيمة المالية المنخفضة، وفتح كل أبواب الطعن في الملفات التي تكون قيمتها المالية سمينة، وفرض غرامات مالية للتقاضي بسوء نية. 13 - معالجة ظاهرة كثرة الملفات التي تُعرض في كل جلسة، والتي أصبحت تؤرق بال السادة القضاة والمسؤولين القضائيين، وبسببها أصبح السادة القضاة في كل أسبوع مطلوب منهم أن يحكموا في عشرات الملفات ويحرروا أحكامها، عوض أن يحكموا في ثلاثة ملفات أو أربعة، لا يجب أن تكون على حساب حق الولج للعدالة من طرف الجميع فقراء وأغنياء.14- لا توصدوا أبواب التقاضي في حق المتقاضين البسطاء والمتوسطين، عبر فرض غرامات عن التقاضي بهذا الشكل الذي لا يصدقه حكيم، لكي تخففوا عبئ تحرير الملفات والنظر فيها على السادة القضاة، وسد أبواب الطعن في ملفاتهم ذات القيمة المالية التي تعتبرونها بسيطة، في نظركم، ولا تحتاج الى أن ينظر فيها قضاة محكمة أعلى، بل افتحوا أبواب تشغيل العاطلين المتفوقين من خرجي كليات القانون الخاص لكي يلتحقوا بالقضاء، وينظروا في ملفات المغاربة البسطاء والمتوسطون، أما الملفات ذات القيمة المالية السمينة ، فأصحابها لا خوف عليهم ولن يحزنوا، فطرق الطعن ما زال مشروع قانون المسطرة المدنية المصادق عليه يسمح لهم بسلوكها، والطعن بالاستئناف أو النقض، ولن يخيفهم أمر الغرامة ويمنعهم من أن يتقاضوا بحسن نية أو سوء نية. 15 – افتحوا أبواب التوظيف في القضاء، لكي تسمحوا لخرجي كليات الحقوق النجباء الناجحين بولوج القضاء، ولا تصدوا أبواب التقاضي بخلق سيف الغرامة لتخويفهم، ومنع أصحاب الملفات ذات القيمة المالية البسيطة عبر حرمانهم من سلوك طرق الطعن. 16 – في الوقت الذي فتحت وزارة العدل أبواب المحاماة، لمجموعة من المرشحين الناجحين في امتحان الأهلية خلال السنين الأخيرة، وهو أمر سيقوي جسم مهنة المحاماة بشباب جُدد بدماء جديدة ستغني المهنة وتقويها، يجب أن تفتحوا الأبواب لعمل هؤلاء الملتحقين الجُدد بالمهنة، وتزيدوا في احتكار بعض الميادين التي مازال يتنافس فيها الكثيرون مع السادة المحامين، لا أن توصدوا أبواب الطعن بالاستئناف والنقض وفرض غرامات عن التقاضي بسوء نية حسب ما وضعتم وتصورتم في المادة 10، تقلل من ولوج بعض المتقاضين للمحاكم سيرتب عنا بشكل طبيعي ، انحصار في ملفات كان يطعن فيها في الاستئناف أو النقض، وتُقدم هذا الطعون من طرف محامين شباب، فمع تعديلاتهم بشأن حصر طرق الطعن في ملفات ذات قيمة مالية كبيرة ، سيقل معها عمل المحامين الشباب، ويحرمون من سلوك طرق الطعن في ملفات بعينها كان يسمح فيها الطعن من قبل، وبخلق بُعبُع الغرامة الكبيرة عن التقاضي بسوء نية، سيستنكف الكثير من المتقاضين عن رفع قضاياهم أمام المحاكم مخافة الحكم عليهم، وهذا بطبيعة الحال سيأثر على عمل الكثير من المحامين الشباب الجدد الملتحقين بمهنة المحاماة ، فعوض أن تواكب الحكومة، فتح اباب أما الكثير من الملتحقين بمهنة المحاماة بفتح أبواب جديدة لهم للعمل، بدل سدها بتقييد حق التقاضي الذي سيتضرر معه المحامي والمتقاضي، والذي لن يعني سوى شيء واحد وهو سد أبواب العمل في حق هؤلاء الشباب عوض فتحه وخلق نصوص جديدة تمكنهم من العمل واحتكار قطاعات أخرى من طرف المحامين الجدد الملتحقين، والذين سيفتحون مكاتب ويكون لهم مساعدين من كتاب وكاتبات ، سيتكفلون بأداء أجرهم، ويعفون الدولة من تشغليهم، ويساهمون في مالية الدولة بالضرائب التي يؤدونها للدولة عن نشاطهم المهني، فدزر المحامي في المجتمع دور محوري يجب تعزيزه وفتح كل الأبواب أمامه ، لأنهم يساهمون بنيابتهم أو مؤزرتهم للمغاربة أمام المحاكم في حفظ حقوقهم وحسن تطبيق القانون عليهم, وتبعد عنها هاجس الشطط والتسلط التي يمكن أن تصيبهم سهامه إذا ما كانوا عُزلا بدون محامي.17 – كتبنا هذا المقال قبل أن تقع الفأس في رأس المتقاضي المغربي البسيط والمتوسط، بعد أن رفعت الحكومة الفأس لتنزل عليه، عسى أن يتدخل نبهاء مجلس النواب والمستشارين، ويُخففوا على الأقل من تطرف المادة العاشرة وجبروتها في الغرامة التي ستفرض على من ستعتبره المحكمة سيء النية، وذلك بجعلها كمثيلاتها من الغرامات المحددة في قانون المسطرة المدنية وأن تكون غرامة التقاضي بسوء نية تتراوح بين خمس مائة درهم وألف درهم.18 – إن المادة 10 من المشروع الذي صادقت عليه الحكومة، يجب أن يتم تعزيزها كذلك إن كنا فعلا نسعى لمحاربة التقاضي الكيدي وبسوء نية، بتحديد التعويض الذي سيطلبه ويمكن أن تحكم به المحكمة، لمن اعتبر نفسه ضحية تقاضي بسوء نية، بتحديد سقفه الأدنى الذي يجب أن لا يقل عن ثلاثة آلاف درهم دون تحديد الحد الأقصى الذي يمكن أن تحكم به المحكمة حسب قيمة الملف المالية وزمن الملف القضائي والمجهودات التي بذلت فيه، كما أدعوا من خلال مقالي هذا كما دعوت في مقال مفصل سابق لي، بالتنصيص على حق خاسر الدعوى في أن يطلب من المحكمة الحكم على خصمه الذي خسر الدعوى بجزء من الأتعاب التي تكبدها بسبب جره للمحكمة وتنصيبه لمحامي للدفاع عنه في القضية التي ربحها، كما هو معمول به في أغلب الدول العربية والغربية. الأستاذ وهابي رشيد المحامي بهيئة الجديدة
-
الدخول المدرسي ووظيفة المعلم
ارتبطت وظيفة المعلم في الحضارات القديمة بمهمة مقدسة، حيث يتم اختيار أحسن المعلمين للأسر المالكَة؛ أصحاب القيم النبيلة والخلق الحميد التي على منوالها يأتي الحكام. كما يتم اختيار مدربي الرماية وفنون الحرب ومعلمي الاستراتيجيات بعناية فائقة. يتم مراقبة المعلم أشد المراقبة من أجل عدم التلاعب بمشاعر الأمراء أو استغلالهم من أجل ضمان حضوة أو منزلة في ظل الحكم الجديد. يحكي حسن أوريد في رواية سِينترا أن السلطان محمد الخامس كان يحضر بعض دروس المدرسة المولوية ليتفقد مستوى ابنه، مرة كان الأستاذ يشرح بيتاً لأبي تمام: قد يُنعم اللهُ بالبلوى إن عظُمت ... وقد يبتلي اللهُ بعض القوم بالنعمفاستزاد السلطان الشرح، فأردف وجلاً: كل نقمة في طيها نعمة، وكل نعمة في طيها نقمة، تدخل الأمير واستشهد بالآية: وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم. انقشعت أسارير السلطان وعقب بالقول، "الله يرضي عليك ألفقيه". كما يحكي أوريد أن الحسن الثاني بدوره فرض على مدير المدرسة المولوية أن يهتم فقط بالتعليم، وأن وظيفة التربية هي من اختصاص الملك، لهذا كان يحضر الفصل وبعض الأنشطة باستمرار.كذلك ارتبط دور المعلم في الإسلام بدور الرسول؛ وظيفته القيام بالإصلاح مثل الرسول بالتأسيس لدعوة ومشروع مجتمعي جديد خلافاً للمشاريع البائدة. فكان دور الفقيه هو تقديم الدروس في المساجد وتعليم اللغة للأجيال وتوريث علوم الأنبياء للمتعلمين. وأكثر من ذلك أنه كان يقوم بالتربية والتنشئة الاجتماعية ويقدم الفتاوى والنصائح ويراقب الحكام، لقد كان رمز السلطة المجتمعية الموازية لسلطة الحاكم. إلا أنه مع الدولة الحديثة تحول الفقيه إلى موظف لدى الدولة يقبض مقابل عمله راتباً رسمياً، فارتبطت مهمة الرسول الجديد بأهداف الدولة وسياساتها، ووضعت الدولة الشمولية استراتيجيات ومؤسسات من أجل إعادة إنتاج نفس النظام. في التمثلات الشعبية وفي ظل الحداثة لازال الأستاذ يحظى بشخصية الفقيه، وينظر إليه أنه الفقيه المجتهد صاحب الفتوى والمدرك للواقع الاجتماعي الجديد والقديم. هذا في البوادي، لكن في المدن أصبح الأستاذ جزءاً من منظومة التعليم، يجاري التلاميذ في تصرفاتهم ويجاري أيضاً الدولة في استراتيجياتها، يؤدي وظيفة الحراسة ويلعب دور الشرطي بدل وظيفة المصلح. يقوم بمحاباة التلاميذ من أجل ضمان سلامته، كما يقوم بمحاباة الوزارة من أجل الحصول على الراتب الشهري، ليس لديه مشروعاً إصلاحياً ولا يريد أن يلعب دور المناضل. تمكنت مواقع التواصل الاجتماعي من السيطرة على الأجيال الصاعدة وعوضت المدرسة في التنشئة، وتشارك الأستاذ والتلميذ نفس الهواجس وشملتهم نفس القيم، لا يوجد أيديولوجيات يمكن لها أن تُحدث الفوارق، ولا يوجد اعتبارات جديدة، فقط مسايرة عامة لنظام التفاهة. حيث التفاهة كنظام اجتماعي لا يتعلق بتدني مستوى الذوق العام وقلة الوعي وعدم الجدية، بل التفاهة مستويات ودرجات، أدناها اتباع رواد مواقع التواصل الاجتماعي واعلاها اتباع المتعلم دون المثقف. لم يعد الأستاذ برجل الطبقة المتوسطة الذي يلعب دور المثقف صاحب المبادئ، المنخرط في الأحزاب والجمعيات المدنية، يقوم بتكوين الأجيال في المقرات ثم أيضاً داخل نوادي المؤسسة، الأستاذ الذي كان يكتب الشعر والزجل وينظم القصائد التي تؤطر الجماهير. لم يعد الأستاذ يقرؤ أو يكتب كما كان في السابق، لهذا لم يعد يمتلك أدوات التحليل الرصينة للظواهر الاجتماعية والسياسية ولم يعد في استطاعته الجمع بين الجماهير في مشاريع مجتمعية إصلاحية. بهذه الطريقة تم اختزال مسار الأستاذ من الأستاذ الرسول المصلح إلى الفقيه الداعية إلى الموظف الذي يقوم مقام الشرطة والاصلاحيات في حراسة التلاميذ داخل الفصل.