أعمدة الرأي
  • ...
    التكافل الاجتماعي في ظل إمارة المؤمنين

    لقد أنعم الله تعالى على بلادنا بالتلاحم الدائم والتجاوب التلقائي بين العرش والشعب وهو ما مكن المغرب من إقامة أمة تضرب بجدورها أعماق التاريخ، حيث ظهرت منذ اللحظات الأولى لوقوع الزلزال المدمر الذي ضرب إقليم الحوز والأقاليم المجاورة نزول أمير المؤمنين بكل ثقله الرمزي وشرعيته التاريخية والدينية والدستورية ليجسد قيم التكافل والتآزر والتضامن بشكل عملي، حيث أصدر جلالته بتعليماته السامية إحداث لجنة مكلفة بوضع برنامج استعجالي لإعادة تأهيل وتقديم الدعم لإعادة بناء المنازل المدمرة على مستوى المناطق المتضررة في أقرب الآجال  والتكفل بالأشخاص في وضعية صعبة خصوصا اليتامى والأشخاص في وضعية هشة والتكفل الفوري بكافة الأشخاص بدون مأوى جراء الزلزال لاسيما في ما يرتبط بالإيواء والتغذية وكافة الاحتياجات الأساسية الى جانب تشجيع الفاعلين الاقتصاديين بهدف الاستئناف الفوري للأنشطة على مستوى المناطق المعنية.واعتبارا لهذا المقصد التكافلي في ظل إمارة المؤمنين فإلى أي حد تفاعلت الجهات المعنية مع هذه الرؤية الملكية؟ وكيف انخرط فيها الشعب المغربي بصفة عامة مع جلالته؟عملا بأحكام الشريعة الإسلامية الغراء التي تحث في مصدرها الأساسيين القران والسنة النبوية العطرة على التعاون والتواد والتعاطف والتكافل الاجتماعي باعتبارها مطلبا شرعيا وحاجة إنسانية تعتبر تلبيتها واجبا، حيث قال الحق سبحانه وتعالى في محكم تنزيله '' وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان'' وقوله صلى الله عليه وسلم '' مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى '' رواه مسلم.فالتكافل الاجتماعي بمفهومه الإسلامي أن يكون أفراد المجتمع مشاركين متضامنين مع بعضهم البعض محافظين على مصالحهم العامة والخاصة يدفعون عن بعضهم البعض المفاسد والأضرار ليس فقط في النواحي المادية بل المعنوية أيضا.ومن أهم مظاهر التكافل الاجتماعي في الإسلام كفاية المحتاجين من غذاء، أو كسوة، أو إيواء، فقد جعل الله تبارك وتعالى كفايتهم فرض كفاية على الاغنياء، حيث قال الحق سبحانه وتعالى '' خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم''.وتأكيدا لهذا المبدأ فقد جاء في الخطاب الملكي الذي ألقاه مولانا أمير المؤمنين بمناسبة عيد العرش المجيد لسنة 2023 ما يلي '' فقد قدم أبناؤنا بشهادة الجميع وطنيا ودوليا أجمل صور حب الوطن والوحدة والتلاحم العائلي والشعبي وأثاروا مشاعر الفخر والاعتزاز لدينا ولدى كل مكونات الشعب المغربي''، كما تقرر أيضا بتعليمات ملكية سامية الإعلان عن حداد وطني لمدة ثلاثة أيام مع تنكيس الأعلام الوطنية فوق جميع المباني العمومية وفتح حساب خاص لدى الخزينة وبنك المغرب  بهدف تلقي المساهمات التطوعية التضامنية للمواطنين والهيئات الخاصة والعمومية داعيا كذلك الى التعبئة الشاملة لمؤسسة محمد السادس للتضامن، بجميع مكوناتها من أجل تقديم الدعم ومواكبة المواطنين في المناطق المتضررة وكذا تشكيل احتياطات ومخزون للحاجيات الأولية '' أدوية ، خيام، أسرة، مواد غذائية '' على مستوى كل جهة من المملكة من أجل مواجهة كل أشكال الكوارث.واستمرارا للعناية التي ما فتئ أمير المؤمنين يوليها للطفولة أعطى جلالته تعليماته السامية أيضا بالتكفل الفوري بالأطفال اليتامى الذين فقدوا أسرهم وأضحوا بدون موارد ومنحهم صفة مكفولي الأمة، كما أعطى أوامره للحكومة من أجل اعتماد مسطرة المصادقة على مشروع القانون اللازم لهذا الغرض وذلك في أقرب الآجال، والهدف من ذلك هو انتشال هؤلاء الأطفال من هذه المحنة وحمايتهم من جميع المخاطر وجميع أشكال الهشاشة التي قد يتعرض لها للأسف بعد هذه الكارثة.إن عبقرية المؤسسة المولوية تجلت لنا بوضوح في كيفية تدبيرها لأزمة الزلزال، حيث لم تلجأ الى استعمال الآلية الدستورية المتمثلة في الفصل 40 من الدستور المغربي'' الضريبة التضامنية'' كما أنها لم تلجأ إلى إعلان حالة الطوارئ، أو حالة الاستثناء من خلال الفصل 59 من الدستور المغربي،  كما أنها لم تلجأ أيضا لاستخدام الآلية الدستورية '' توجيه خطاب للأمن والبرلمان  من خلال الفصل 52 من نفس القانون المشار إليه أعلاه، من هنا تظهر لنا حكمة مولانا أمير المؤمنين والتي تتجلى في القيادة الحكيمة والرشيدة والتي تتميز بطبيعة الحال بالهدوء في مواجهة الأزمات، حيث تم اللجوء إلى عقد جلسة عمل مع كبار شخصيات البلد ومن بين خلاصات هذه الجلسة مايلي : تسريع عملية الإنقاذ وإجلاء الجرحى. تزويد المناطق بالماء الصالح للشرب.توزيع حصص غذائية وخيام وأغطية على المنكوبين.وقد استجاب الشعب المغربي بصفة تلقائية لهذا الأمر، حيث عبر بشكل جلي عن تضامنه وتآزره مع المتضررين والمنكوبين ماديا ومعنويا فقد ساهمت كل فئاته بكل ما لديها من إمكانيات ،فمنهم من ساهم بنفسه عن طريق تقديم يد المساعدة بالمشاركة الفعلية في عملية الإنقاذ ومنهم من ساهم بماله ومنهم من ساهم بقلبه وحبه وتعاطفه مع المنكوبين والمتضررين وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مدى اهتمام الشعب المغربي بأهمية التضامن والتكافل داخل الأمة المغربية تحت إمارة المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده فهو أمير المؤمنين حامي حمى الملة والدين ورمز وحدة الأمة وضامن دوام الدولة واستمرارها. وعلى هذا الأساس فان إمارة المؤمنين لها دور كبير في ترسيخ قيم التكافل والتآزر والتضامن داخل المجتمع المغربي الذي تفاعل معها بشكل إيجابي وملموس على أرض الواقع .* بوشعيب جوال : حاصل على شهادة الدكتوراه في الشريعة والقانون.

  • ...
    بُعبُع الغرامة في مشروع المسطرة المدنية

    في ذروة العطلة الصيفية، وبالضبط في 24 غشت 2023، وهو الوقت الذي يكون فيه كل الناس يستريحون من تعب سنة من العمل، ونسبة كبيرة منهم ينسون فيه متابعة كل الأخبار والجرائد الورقية والإلكترونية، صدر بيان عن اجتماع مجلس الحكومة، تم الإعلان فيه عن مصادقة الحكومة على  مشروع قانون المسطرة المدنية الذي تقدمت به وزارة العدل، وهو مشروع قانون مهم وخطير ومفصلي، مهتم بتنظيم المساطر المتبعة في أغلب القضايا المدنية التي تنظر فيها المحاكم المغربية، وفي الوقت الذي  مازلت أبحث  فيه عن النسخة التي صادقت عليها الحكومة المغربية من هذا المشروع ، بهدف الكتابة في بعض المقتضيات التي قد يظهر لنا أنها تحتاج وقفة تأمل متأنية من قبل المشرعين من أجل تعديل النسخة المصادق عليها من طرف الحكومة، قبل أن يصوت عليها المجلسين التشريعيين، ويصبح قانونا معتمدا بعد مروره بالمراحل اللاحقة، وبما أنني لا أتوفر سوى على صيغة 16/01/2022 من قانون المسطرة المدنية، سأحاول الرجوع إليها، لمحاولة مناقشة بعض المقتضيات الجديدة التي ذكرتها بعض المواقع الالكترونية، موردة  في متابعتها لهذا المستجد، أنها تتعلق بأهم التغييرات التي جاء بها القانون الذي صادقت عليه الحكومة المغربية، ومن هذه المقتضيات الجديدة، نجد ما ذكرته جريدة هسبرس في الخبر الذي نشرته يوم 27/08/2023، تحت عنوان( مشروع القانون المتعلق بالمسطرة المدنية يغفل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية )، جاء فيه أن النسخة التي صادقت عليها الحكومة، فرضت غرامة على من يثبت تقاضيه بسوء نية، وإن كان مبدأ فرض الغرامة على المتقاضي بسوء نية، من المبادئ التي لا يمكن إلا الدفاع عنها،  ولكن في حدود مبالغ منطقية ومعقولة، لأن الذي يجب أن يعوض أكثر في مساطر التقاضي بسوء نية، هو المتقاضي الذي تم جره الى المحكمة، واضطر إلى تنصيب محامي أو الدفاع عن نفسه أمام المحاكم لعدة جلسات، وقد كان توجهنا أوضح وأعمق في طرح محاربة التقاضي بسوء نية، في مقال سابق نشرناه دعونا فيه المشرع المغربي الى خلق الحق في طلب الحكم على خاسر الدعوى  بأداء جزء من أتعاب محامي خصمه حسن النية الذي تم جرجرته أمام المحاكم بسوء نية، واضطر الى تنصب محامي للدفاع عن نفسه في دعوى كيدية وتعسفية وربح الدعوى المقدمة ضده بعد عناء وحرب قانونية تسببت له في خسارة مادية و تعب معنوي، وهذا المقتضى تعمل به أغلب الدول العربية والغربية، فحتى دولة فلسطين العزيزة تعمل به، ولكن مع الأسف ما زال لم يتم إنصاف المتقاضي الذي قدمت ضده دعوى بسوء نية في تشريعاتنا، وقد يرى البعض أن هذا التعديل فيه إنصاف للمتقاضي الذي وُجهت ضده دعوى بسوء نية، ولكن في نظري وبدون لغة خشب، هو مقتضى ليس الهدف منه إنصاف هذا المتقاضي الذي قدمت ضده دعوى بسوء نية، لأن الأمر لو كان كذلك، لكان المشرع حدد في نفس النص على الأقل، أقل تعويض يمكن أن تحكم به المحكمة على من قدمت  ضده دعوى بسوء نية، ويكون مثلا ( يحكم القاضي على من قدمت دعوى ضده بسوء نية، بتعويض لا يقل عن خمسة آلاف درهم ، بطلب منه .... ) ويترك تحديد التعويض الأعلى للمحكمة بناء على قيمة الدعوى، أما أن يتم تحديد الغرامة وجعل أقل مبلغها محدد في عشرة ألف درهم وأعلاه في عشرين ألف درهم، لعمري هو مقتضى ستكون له سلبيات خطيرة على مستقبل التقاضي المغربي، وخصوصا القضايا التي تهم الطبقة الفقيرة والهشة والمتوسطة، ورغم أننا مازلنا في عطلة، لكن هول الأمر وخطورة ما تمت المصادقة عليه، وتبنيه من طرف حكومة بلدنا، جعلنا نفتح جهاز الكمبيوتر لنقدم ونسلط الضوء على خطورة ما يجري في القوانين المتعلقة بالتقاضي في المملكة المغربية ونجمل هذه الاخطار فيما يلي: 1- في اعتقادي وبحسب ما أرى أن أكثر من تسعين في المائة من القضايا التي تعرض، على المحاكم المغربية، تقل قيمتها عن عشرة آلاف درهم، وبهذا المستجد ستجعل الحكومة المغربية غرامة التقاضي بسوء نية، أكبر من قيمة الدعوى كلها أو أقل منها.2- أغلب المترددين على المحاكم المغربية هم من الطبقة الفقيرة وتتبعهم الطبقة المتوسطة، أما قضايا الطبقة الغنية والثرية، غالبا تنظر فيها المحاكم التجارية، وتقل قضاياهم بشكل كبير أمام المحكم العادية، والمتقاضون البسطاء يجدون متنفس فيما يعتقدون أنه ظلم وقع عليهم، برفع مظلمتهم الى المحكمة، لكن بعدما سيسمعون بأمر هذه الغرامة، سيستنكفون عن التوجه للمحكمة مخافة الحكم عليهم بغرامة لا تقل عن عشرة آلاف درهم، وقد تجرهم لأداء مبلغ عشرين ألف درهم، في حالة اعتبار المحكمة أنهم يتقاضون بسوء نية.3- استنكاف المتقاضين الفقراء عن التوجه الى المحكمة لعرض مظلمتهم بسبب الخوف من الحكم عليهم بالغرامة الغير منطقية، سيجعل غريزة الإنتقام تكبر في دواخلهم، وقد تؤدي بهم الى ارتكاب جرائم اعتداء بدنية أو قتل، بعد أن وجدوا أن باب التقاضي تم صده في وجوههم، بسب هذه الغرامة الكبيرة التي يمكن أن يحكم بها عليهم.  4- تعارض هذه الغرامة الكبيرة الجديدة، مع نصوص دستورية مبدأيه، تضمن حق التقاضي، ولا تجعل له قيود يمكن أن تحد منه، ومنها الفصل 118 من دستور 2011.5- كذلك لا يجب أن ننسى أنه بعد أن كان حق التقاضي مجانيا في بعض القضايا المنصوص عليها قانونا، كما أشار الى ذلك الفصل  121 من دستور 2011، ستصبح القضايا التي تهم بعض الطبقات الهشة في المجتمع من نساء وأمهات وعمال ومتقاضين في قضايا بسيطة تنظر أما المحاكم العادية أو أمام قضاء القرب، والتي كانت مشمول بالمجانية، عرضة لعدم التفعيل، والتهرب من تقديمها  للمحاكم، خوفا من أن تصبح القضية التي تقدموا بها مجانا بدعم وسند من القانون، جريرة  تجر عليهم غرامة مالية لا تقل عن عشرة آلاف درهم، إذا اعتبرت المحكمة أن هؤلاء المتقاضين البؤساء، تقاضوا بسوء نية.6- قانون المسطرة المدنية في الفصل 5 يتكلم عن ضرورة التقاضي بحسن النية، دون أن يقرن ثبوت التقاضي بسوء نية في حق أي طرف  بأية غرامة يمكن أن يحكم بها عليه، وجاءت مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية بتاريخ 16/01/2022، المقدمة من وزارة العدل، ونصت في مادتها العاشرة، على  الحكم على من يثبت عليه التقاضي بسوء نية بغرامة من خمسة آلاف درهم إلى عشرة آلاف درهم، وهي كذلك غرامة كبيرة، ستخوف المتقاضين البسطاء من التوجه للمحاكم لعرض قضاياهم أو رفع مظلمتهم، حين نص فيها  على ما سمي بالغرامة عن التقاضي بسوء النية التي يمكن أن يحكم بها على من ثبتت ضده سوء النية ، لنفاجئ بالمسودة التي صادقت عليها الحكومة في 24/08/2023، ترفع بشكل غريب وغير مبرر هذه الغرامة من عشرة آلف درهم الى عشرين ألف درهم، فهل يمكن أن نسمي هذا تدرجا  محمودا في فرض الغرامة التي يُستحب أن يسير على نهجها  كل نص جديد، أم قفزة كبيرة تجاوزت كل السلاليم المحددة للغرامة في قانون المسطرة المدنية لتجعلها في أعلى سلمها بين عشية وضحاها، وفي غفلة من الجميع.7- غرامة التقاضي، الذي يمكن أن يعتبره القاضي تقاضي بسوء نية، لم يحدد له المشرع  المقومات أو الحدود التي يمكن التفريق فيها بين سوء النية وحسنها، فقاضي يمكن أن يعتبر دعوى معينة قدمت بحسن نية، ويعفي مقدمها من الغرامة، في حين أن نفس الدعوى قد يعتبرها آخر قدمت بسوء نية، ويحكم على مقدمها بغرامة عشرة آلاف درهم، هذا إذا ما متعه هذا القاضي بظروف التخفيف، والتوصيف هو فقط مجازي،  في فرض هذه الغرامة ، لأن المحكمة مقيدة بأقل مبلغ يمكن أن تحكم به وهو عشرة آلاف درهم ، ولكن إذا لم يمتعه بها، فيمكن أن يحكم عليه بغرامة تصل إلى عشرين ألف درهم.8- من المضحكات المبكيات أن غرامة التقاضي بسوء نية في مشروع قانون المسطرة المدنية، التي صادقت الحكومة على مسودته، والمتراوحة بين عشرة آلاف درهم وعشرين ألف درهم، لم تتصدر فقط بين عشية وضحاها وتقفز من عدم التحديد الى أعلى سلم الغرامات المحددة في قانون المسطرة المدنية، بل هي تفوقت بشكل كبير وواضح  حتى على  أغلب الغرامات المحدد في المخالفات والجنح والجنايات المعاقب عليها  في القانون الجنائي، وهي غرامات يحكم فيها في دعاوى الحق العام التي تكون فيها النيابة العامة ممثلة للحق العام ، ويحكم فيها على المتهمين أوا أفعال مجرمة ومنهى عن إتيانها، ممن عبثوا بأمن الدولة وسلامة مواطنيها، وقد يحكم في القانون الجنائي الذي يسمى قانون الأشرار، بغرامات في  جنايات ( وهي جرائم خطيرة ) بغرامة لا تتجاوز مائتي درهم ، في وقت نجد أن المادة 10 من مشروع قانون المسطرة المدنية، يمكن أن تحكم على من قدم دعوى للمحكمة وقصد بابها ورفع ما اعتبره مظلمة حين تعتبره تقاضى بسوء نية بغرامة تتراوح بين عشرة آلاف درهم وعشرين ألف درهم. 9- غرامة التقاضي بسوء نية ، المحددة في المادة 10 من قانون المسطرة المدنية ، يمكن للقاضي الجنائي الذي قد يعتبر أن شكاية قدمت بسوء نية، وبناء على طلب ضحية سوء النية أن يحكم على المتقاضي سيئ النية بغرامة المادة 10 من قانون المسطرة المدنية، ويطلب له الحكم بتعويض عن التقاضي بسوء نية، وان كان مقتضى طلب التعويض بشكل مقارب موجود في قانون المسطرة الجنائية بعد الحكم ببراءة المتهم، لأن قانون المسطرة المدنية حسب ما تعلمنا هو القانون الأم لقانون المسطرة الجنائية الذي يمكن أن يرجع له القاضي إذا غاب التنصيص على حالة معينة تنظرها المحكمة الزجرية غير منظمة في قانون المسطرة الجنائية، وتم النص عليها في قانون المسطرة المدنية، فالأصل أن القاضي الجنائي لا يحكم بالغرامة التي يمكن أن تكون عقوبة أصلية إلا على المتهم المتابع ، فكيف سنسمح بهذا النص بالحكم بغرامة على شخص لم يكن متهما وكان مشتكي؟ ألا يمكن بهذا النص أن نمس بأسس المحاكمة الجنائية وكيف ستحكم المحكمة بعقوبة أصلية على شخص لم يوجه إليه أي اتهام، ولم يدافع عن نفسه أمام المحكمة التي ستحكم عليه بغرامة ثقيلة، ألا يمكن أن نعترف ونقول بأن نص المادة 10 من مسودة قانون المسطرة المدنية الذي صادقت عليه الحكومة يمكن أن يخلق لنا وضعا شاذا سيمس بأسس المحاكمات الجنائية. 10- حتى في فرنسا الدولة الرائدة في صناعة القوانين، والتي نأخذ منها ما نأخذ من قوانين ومبادئ، لم تسقط السقطة التي سقط فيها مشروع قانون المسطرة المدنية المصادق عليه، فهي لم تحدد الحد الأدنى للغرامة، بل حددت فقط أقصى الغرامة التي يمكن أن يؤديها من ثبت في حقه ثبوت التقاضي بسوء نية، حين نصت في المادة 628 من قانون المسطرة المدنية الفرنسية، على أن أقصى غرامة يمكن أن يحكم بها في حالة ثبوت تقاضي المدعي بسوء نية هي 10000 يورو أي أكثر من عشرة ملايين مغربية بقليل، وهو ما يعني أن قضية تنظر أمام المحكمة بملايير الدراهم، حتى ولو ثبت سوء نية المدعي في سلوكها، أقصى ما يمكن أن يحكم به كغرامة على مقدمها هو 10000 يورو، و هذا النص لم يحدد الحد الأقل للغرامة كما فعل النص المغربي في مشروع قانون المسطرة المدنية، وهذا يعني أن القاضي إذا كان ينظر في دعوى قيمتها المالية مثلا ألف يورو، يمكن أن يحكم بغرامة في حالة ثبوت سوء نية المدعي 50 يورو أو 100 يورو، عكس القاضي أو المحكمة المغربية التي حتى ولو كانت تنظر في قضية قيمتها المالية 5000 درهم، وثبت لها أن المدعي يتقاضى بسوء نية ، فيجب على المحكمة أن لا تقل الغرامة التي ستحكم بها عليه عن عشرة آلاف درهم، وهي ضعف القيمة المالية للدعوى كلها، ومن غرائب المقارنات، أن ثبوت التقاضي بسوء نية دائما حسب النص المقترح في مشروع قانون المسطرة المدنية، في حق المدعي في نزاع تجاري مثلا قيمته المالية عشرة مليار سنتيم أو حتى درهم، لن يقدر القاضي أو المحكمة  أن تحكم على من ثبتت في حقه سوء النية سوى بعشرين ألف درهم، ألا تشعرون معي أن هناك لا عدالة وظلم قانوني كبير حتى في توزيع الغرامات الجديدة الناتجة عن التقاضي بسوء نية، حتى بين الأغنياء والفقراء من المتقاضين المغاربة. 11- ما يجري حسب ما وقفنا عليه فقط بخصوص غرامة التقاضي بسوء نية، مؤشر خطير ولا يبشر بالخير، على غياب رؤيا استشرافية مستقبلية لما يتم اقتراحه، ولما يمكن أن يتسبب فيه أي مقتضى قانوني جديد يتم تعديله من تأثير كبير غير محمود العواقب على الساحة القضائية والمسطرية مستقبلا، مع اعتماده بدون دراسة شاملة من جميع الجوانب وفي غياب طرح كل الاحتمالات والتصورات المستقبلية لإيجابيات وسلبيات النص الذين يسعون لتعديله.11 –السؤال الذي يمكن أن نطرحه هو ما الهدف التي تسعى معه الحكومة للنص على تغريم التقاضي بسوء نية، والحكم بهذه الغرامة الكبيرة على من ثبت في حقه التقاضي بسوء نية، هل هو فعلا محاربة من يتقاضون بسوء نية؟ أم الهدف من ورائه هو سد الباب على المتقاضين المغاربة البؤساء، والطبقة المتوسطة، وتخويفهم من فتح ملفاتهم أمام القضاء بعد أن يسمعوا بأمر الغرامة التي يمكن أن يحكم بها عليهم، إذا ما توجهوا للمحكمة، مع الإشارة إلى أن مثل هذه الغرامات لن تخيف المتقاضين الأغنياء من التوجه للمحاكم لأن لديهم الأموال لتأديتها حتى ولو تقاضوا بسوء نية.12 – التعديلات التي جاءت في مشروع قانون المسطرة المدنية التي صادقت عليه الحكومة، يُغلب الاحتمال المتعلق بأن الأمر يتعلق بنية مبيته لسد الباب أمام الملفات البسيطة والعادية والمتوسطة التي يرفعها المغاربة من الطبقة الفقيرة والمتوسطة، ومحاولة الحد منها عبر هذا التدخل والتعديل التشريعي، الذي يحد من طرق الطعن، بشأن بعض الملفات ذات القيمة المالية المنخفضة، وفتح كل أبواب الطعن في الملفات التي تكون قيمتها المالية سمينة، وفرض غرامات مالية للتقاضي بسوء نية. 13 - معالجة ظاهرة كثرة الملفات التي تُعرض في كل جلسة، والتي أصبحت تؤرق بال السادة القضاة والمسؤولين القضائيين، وبسببها أصبح السادة القضاة في كل أسبوع مطلوب منهم أن يحكموا في عشرات الملفات ويحرروا أحكامها، عوض أن يحكموا في ثلاثة ملفات أو أربعة، لا يجب أن تكون على حساب حق الولج للعدالة من طرف الجميع فقراء وأغنياء.14- لا توصدوا أبواب التقاضي في حق المتقاضين البسطاء والمتوسطين، عبر فرض غرامات عن التقاضي بهذا الشكل الذي لا يصدقه حكيم،  لكي تخففوا عبئ  تحرير الملفات والنظر فيها على السادة القضاة، وسد أبواب الطعن في ملفاتهم ذات القيمة المالية التي تعتبرونها بسيطة، في نظركم، ولا تحتاج الى أن ينظر فيها قضاة محكمة أعلى، بل افتحوا أبواب تشغيل العاطلين المتفوقين من خرجي كليات القانون الخاص لكي يلتحقوا بالقضاء، وينظروا في ملفات المغاربة البسطاء والمتوسطون، أما الملفات ذات القيمة المالية السمينة ، فأصحابها لا خوف عليهم ولن يحزنوا، فطرق الطعن ما زال مشروع قانون المسطرة المدنية المصادق عليه يسمح لهم  بسلوكها، والطعن بالاستئناف أو النقض، ولن يخيفهم أمر الغرامة ويمنعهم من أن يتقاضوا بحسن نية أو سوء نية. 15 – افتحوا أبواب التوظيف في القضاء، لكي تسمحوا لخرجي كليات الحقوق النجباء الناجحين بولوج القضاء، ولا تصدوا أبواب التقاضي بخلق سيف الغرامة لتخويفهم، ومنع أصحاب الملفات ذات القيمة المالية البسيطة عبر حرمانهم من سلوك طرق الطعن. 16 – في الوقت الذي فتحت وزارة العدل أبواب المحاماة، لمجموعة من المرشحين الناجحين في امتحان الأهلية خلال السنين الأخيرة،  وهو أمر سيقوي جسم مهنة المحاماة بشباب جُدد بدماء جديدة ستغني المهنة وتقويها، يجب أن تفتحوا الأبواب لعمل هؤلاء الملتحقين الجُدد بالمهنة، وتزيدوا في احتكار بعض الميادين التي مازال يتنافس فيها الكثيرون مع السادة المحامين، لا أن توصدوا أبواب الطعن بالاستئناف والنقض وفرض غرامات عن التقاضي بسوء نية حسب ما وضعتم وتصورتم في المادة 10،  تقلل من ولوج بعض المتقاضين للمحاكم سيرتب عنا بشكل طبيعي ، انحصار في ملفات كان يطعن فيها في الاستئناف أو النقض، وتُقدم هذا الطعون من طرف محامين شباب، فمع تعديلاتهم بشأن حصر طرق الطعن في ملفات ذات قيمة مالية كبيرة ، سيقل  معها عمل المحامين الشباب، ويحرمون من سلوك طرق الطعن في ملفات بعينها كان يسمح فيها الطعن من قبل، وبخلق بُعبُع الغرامة الكبيرة  عن التقاضي بسوء نية، سيستنكف الكثير من المتقاضين عن رفع قضاياهم أمام المحاكم مخافة الحكم عليهم، وهذا بطبيعة الحال سيأثر على عمل الكثير من المحامين الشباب الجدد الملتحقين بمهنة المحاماة ،  فعوض أن تواكب الحكومة، فتح اباب أما الكثير من الملتحقين بمهنة المحاماة  بفتح أبواب جديدة لهم للعمل، بدل سدها  بتقييد حق التقاضي الذي سيتضرر معه المحامي والمتقاضي، والذي لن يعني سوى شيء واحد وهو سد أبواب العمل في حق هؤلاء الشباب عوض فتحه وخلق نصوص جديدة تمكنهم من العمل واحتكار قطاعات أخرى من طرف المحامين الجدد الملتحقين، والذين سيفتحون مكاتب ويكون لهم مساعدين من كتاب وكاتبات ، سيتكفلون بأداء أجرهم، ويعفون الدولة من تشغليهم، ويساهمون في مالية الدولة بالضرائب التي يؤدونها للدولة عن نشاطهم المهني،  فدزر المحامي في المجتمع دور محوري يجب تعزيزه وفتح كل الأبواب أمامه ، لأنهم يساهمون بنيابتهم أو مؤزرتهم للمغاربة أمام المحاكم في حفظ حقوقهم وحسن تطبيق القانون عليهم, وتبعد عنها هاجس الشطط والتسلط التي يمكن أن تصيبهم سهامه إذا ما كانوا عُزلا بدون محامي.17 – كتبنا هذا المقال قبل أن تقع الفأس في رأس المتقاضي المغربي البسيط والمتوسط، بعد أن رفعت الحكومة الفأس لتنزل عليه، عسى أن يتدخل نبهاء مجلس النواب والمستشارين، ويُخففوا على الأقل من تطرف المادة العاشرة وجبروتها في الغرامة التي ستفرض على من ستعتبره المحكمة سيء النية، وذلك بجعلها كمثيلاتها من الغرامات المحددة في قانون المسطرة المدنية وأن تكون غرامة التقاضي بسوء نية تتراوح بين خمس مائة درهم وألف درهم.18 – إن المادة 10 من المشروع الذي صادقت عليه الحكومة، يجب أن يتم تعزيزها كذلك إن كنا فعلا نسعى لمحاربة التقاضي الكيدي وبسوء نية، بتحديد التعويض الذي سيطلبه ويمكن أن تحكم به المحكمة، لمن اعتبر نفسه ضحية تقاضي بسوء نية، بتحديد سقفه الأدنى الذي يجب أن لا يقل عن ثلاثة آلاف درهم دون تحديد الحد الأقصى الذي يمكن أن تحكم به المحكمة  حسب قيمة الملف المالية وزمن الملف القضائي والمجهودات التي بذلت فيه، كما أدعوا من خلال مقالي هذا كما دعوت في مقال مفصل سابق لي، بالتنصيص على حق خاسر الدعوى في أن يطلب من المحكمة الحكم على خصمه الذي خسر الدعوى بجزء من الأتعاب التي تكبدها بسبب جره للمحكمة وتنصيبه لمحامي للدفاع عنه في القضية التي ربحها، كما هو معمول به في أغلب الدول العربية والغربية.  الأستاذ وهابي رشيد المحامي بهيئة الجديدة 

  • ...
    الدخول المدرسي ووظيفة المعلم

    ارتبطت وظيفة المعلم في الحضارات القديمة بمهمة مقدسة، حيث يتم اختيار أحسن المعلمين للأسر المالكَة؛ أصحاب القيم النبيلة والخلق الحميد التي على منوالها يأتي الحكام. كما يتم اختيار مدربي الرماية وفنون الحرب ومعلمي الاستراتيجيات بعناية فائقة. يتم مراقبة المعلم أشد المراقبة من أجل عدم التلاعب بمشاعر الأمراء أو استغلالهم من أجل ضمان حضوة أو منزلة في ظل الحكم الجديد.  يحكي حسن أوريد في رواية سِينترا أن السلطان محمد الخامس كان يحضر بعض دروس المدرسة المولوية ليتفقد مستوى ابنه، مرة كان الأستاذ يشرح بيتاً لأبي تمام: قد يُنعم اللهُ بالبلوى إن عظُمت ...  وقد يبتلي اللهُ بعض القوم بالنعمفاستزاد السلطان الشرح، فأردف وجلاً: كل نقمة في طيها نعمة، وكل نعمة في طيها نقمة، تدخل الأمير واستشهد بالآية: وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم. انقشعت أسارير السلطان وعقب بالقول، "الله يرضي عليك ألفقيه". كما يحكي أوريد أن الحسن الثاني بدوره فرض على مدير المدرسة المولوية أن يهتم فقط بالتعليم، وأن وظيفة التربية هي من اختصاص الملك، لهذا كان يحضر الفصل وبعض الأنشطة باستمرار.كذلك ارتبط دور المعلم في الإسلام بدور الرسول؛ وظيفته القيام بالإصلاح مثل الرسول بالتأسيس لدعوة ومشروع مجتمعي جديد خلافاً للمشاريع البائدة. فكان دور الفقيه هو تقديم الدروس في المساجد وتعليم اللغة للأجيال وتوريث علوم الأنبياء للمتعلمين. وأكثر من ذلك أنه كان يقوم بالتربية والتنشئة الاجتماعية ويقدم الفتاوى والنصائح ويراقب الحكام، لقد كان رمز السلطة المجتمعية الموازية لسلطة الحاكم. إلا أنه مع الدولة الحديثة تحول الفقيه إلى موظف لدى الدولة يقبض مقابل عمله راتباً رسمياً، فارتبطت مهمة الرسول الجديد بأهداف الدولة وسياساتها، ووضعت الدولة الشمولية استراتيجيات ومؤسسات من أجل إعادة إنتاج نفس النظام. في التمثلات الشعبية وفي ظل الحداثة لازال الأستاذ يحظى بشخصية الفقيه، وينظر إليه أنه الفقيه المجتهد صاحب الفتوى والمدرك للواقع الاجتماعي الجديد والقديم. هذا في البوادي، لكن في المدن أصبح الأستاذ جزءاً من منظومة التعليم، يجاري التلاميذ في تصرفاتهم ويجاري أيضاً الدولة في استراتيجياتها، يؤدي وظيفة الحراسة ويلعب دور الشرطي بدل وظيفة المصلح. يقوم بمحاباة التلاميذ من أجل ضمان سلامته، كما يقوم بمحاباة الوزارة من أجل الحصول على الراتب الشهري، ليس لديه مشروعاً إصلاحياً ولا يريد أن يلعب دور المناضل. تمكنت مواقع التواصل الاجتماعي من السيطرة على الأجيال الصاعدة وعوضت المدرسة في التنشئة، وتشارك الأستاذ والتلميذ نفس الهواجس وشملتهم نفس القيم، لا يوجد أيديولوجيات يمكن لها أن تُحدث الفوارق، ولا يوجد اعتبارات جديدة، فقط مسايرة عامة لنظام التفاهة. حيث التفاهة كنظام اجتماعي لا يتعلق بتدني مستوى الذوق العام وقلة الوعي وعدم الجدية، بل التفاهة مستويات ودرجات، أدناها اتباع رواد مواقع التواصل الاجتماعي واعلاها اتباع المتعلم دون المثقف. لم يعد الأستاذ برجل الطبقة المتوسطة الذي يلعب دور المثقف صاحب المبادئ، المنخرط في الأحزاب والجمعيات المدنية، يقوم بتكوين الأجيال في المقرات ثم أيضاً داخل نوادي المؤسسة، الأستاذ الذي كان يكتب الشعر والزجل وينظم القصائد التي تؤطر الجماهير. لم يعد الأستاذ يقرؤ أو يكتب كما كان في السابق، لهذا لم يعد يمتلك أدوات التحليل الرصينة للظواهر الاجتماعية والسياسية ولم يعد في استطاعته الجمع بين الجماهير في مشاريع مجتمعية إصلاحية. بهذه الطريقة تم اختزال مسار الأستاذ من الأستاذ الرسول المصلح إلى الفقيه الداعية إلى الموظف الذي يقوم مقام الشرطة والاصلاحيات في حراسة التلاميذ داخل الفصل.

  • ...
    المستشار خليل برزوق يطالب عامل الجديدة بتفعيل مسطرة العزل في حق المستشارين بسبب تضارب المصالح

    ناشد  المستشار الجماعي خليل برزوق عن فريق المعارضة بالمجلس الجماعي للجديدة،  خلال مناقشة النقطة الثانية المبرمجة ضمن جدول أعمال الدورة الاستثنائية المنعقدة أمس الخميس ،  والمتعلقة بدعم ومنح الجمعيات برسم السنة المالية 2023، (ناشد) عامل إقليم الجديدة ، بإتخاذ الإجراءات والتدابير التي يراها مناسبة في موضوع تضارب المصالح بالجماعة حماية للمرفق العام، وتطبيقا لقواعد الحكامة، وتكريسا لمبادئ وقيم الديمقراطية والشفافية وربطا للمسؤولية بالمحاسبة.وشدد المستشار الجماعي خليل برزوق  ،على أن  تضارب المصالح الجماعة، يضر بأخلاقيات المرفق العمومي ويضرب مبدأ تكافؤ المصالح، وهو ماتسري عليه بشكل واضح أحكام الفصل 36 من الدستور، ومقضيات المادة64  القانون التنظيمي113.14 ، والإجراءات المحددة في الدورية D1750عدد بتاريخ14  يناير 2022 ...وذكرت مصادر للجديدة 24 أن عمالة الجديدة،  سبق وأن حصرت لائحة  مستشارين بمجلس جماعة الجديدة يقعون في وضعية تضارب المصالح بسبب ربط مصالح مع جماعة الجديدة  ..وكانت وزارة الداخلية قد توعدت المنتخبين الذين ثبت في حقهم، بكيفية صريحة وواضحة، أنه ربطوا مصالحهم الخاصة مع جماعتهم الترابية أو هيئاتها أو مارسوا أي نشاط كيفما كان ينتج عنه بصفة عامة تنازع المصالح، بالعزل.وأفادت دورية لوزير الداخلية موجهة للولاة والعمال، أنه “لوحظ من خلال الاستشارات القانونية التي تتوصل بها مصالح هذه الوزارة، أن بعض المنتخبين بمجالس الجماعات الترابية يستمرون في علاقتهم التعاقدية أو ممارسة النشاط الذي كان يربطهم بجماعتهم الترابية قبل انتخابهم لعضوية مجلسها سواء من خلال كراء المحلات التجارية أو تسيير أو استغلال مرافق تجارية في ملكية الجماعة الترابية، كأشخاص ذاتيين أو كأعضاء في هيئات التسيير لأشخاص معنويين (شركات أو جمعيات)”.ونبهت الوزارة ضمن الدورية ، إلى أن المادة 68 من القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات، والمادة 66 من القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم والمادة 65 من القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات، نصت على أنه يمنع على كل عضو من أعضاء مجلس الجماعة الترابية أن يربط مصالح خاصة مع الجماعة الترابية التي هو عضو فيها أو مع هيئاتها مؤسسات التعاون بين الجماعات”.ونصت المادة ذاتها، بحسب الدورية، على أنه يمنع على كل عضو أن يربط مصالحه الخاصة، مع “مجموعات الجماعات الترابية التي تكون الجماعة الترابية عضوا فيها أو شركات التنمية التابعة لها…)، أو أن يبرم معها عقودا للشراكات وتمويل مشاريع الجمعيات التي هو عضو فيها، وبصفة عامة أن يمارس كل نشاط قد يؤدي إلى تنازع المصالح، سواء بصفة شخصية أو بصفته مساهما أو وكيلا عن غيره أو لفائدة زوجه أو أصوله أو فروعه”.في السياق ذاته، أوضحت وزارة الداخلية، أن “المقتضيات السالفة الذكر جاءت بصيغة العموم والإطلاق دون تحديد من حيث النطاق الزمني، مما يكون معه المنع قائما بالنسبة لأية علاقة مستمرة خلال الولاية الانتدابية الحالية ولو ابتدأت قبل هاته الولاية، لأن الغاية والنتيجة واحدة سواء ربطت المصالح قبل هاته الولاية الانتدابية أو خلالها”.وشددت على أن “وضعية تنازع المصالح تبقى قائمة باستمرار العضو بمجلس الجماعة الترابية في علاقة المصلحة الخاصة أو ممارسة أي نشاط كيفما كان له علاقة بمرافق الجماعة الترابية أو مع هيئاتها (مؤسسات التعاون بين الجماعات أو مجموعات الجماعات الترابية التي تكون الجماعة الترابية عضوا فيها أو شركات التنمية التابعة لها أو شركات التدبير المفوض…)”.تبعا لذلك، أكدت دورية وزير الداخلية، أن “كل منتخب ثبت في حقه إخلال بالمقتضيات المنصوص عليها سابقا بكيفية صريحة وواضحة، من خلال ربطه مصالح خاصة مع جماعته الترابية أو هيئاتها أو يمارس أي نشاط كيفما كان ينتج عنه بصفة عامة تنازع المصالح، بصفته شخصا ذاتيا أو كعضو في الهيئات التسييرية لأشخاص معنويين (شركات أو جمعيات)، فإنه يتعين الحرص على ترتيب الآثار القانونية التي تقتضيها هذه الوضعية، وذلك من خلال مباشرة الإجراءات القانونية المتعلقة بعزل المنتخبين، والتي تم توضيحها بشكل دقيق بدوريتي عدد D1750 بتاريخ 14 يناير 2022”.ودعا وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، ولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم وعمالات المقاطعات إلى تعميم مضامين هذه الدورية على كافة رؤساء مجالس الجماعات الترابية والمقاطعات التابعة لدائرة نفوذهم الترابي والسهر على تطبيق ما جاء فيها، تطبيقا لقواعد الحكامة وتكريسا لمبادئ وقيم الديمقراطية والشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة.

  • ...
    واقعة اغتصاب أطفال بالجديدة : هل عاد زمن قوم لوط؟

    لم يمر على نشرنا مقالا حول آفة اغتصاب الأطفال بالمغرب، تحت عنوان : "ماذا يجري في قطاع العدل والقضاء بالمغرب؟" سوى حوالي 72 ساعة فقط، حتى انفجرت فضيحة اغتصاب أخرى فريدة ومتفرّدة في بشاعتها، لا تشبه جرائم الاغتصاب التي تقع بالمغرب ونسمع عنها، وهي جريمة تستلزم منا جميعا وقفة تأمل لمحاولة فهم وتفسير ما وقع بالجديدة، ولماذا تنامت ظاهرة اغتصاب الأطفال بالمغرب بهذا الشكل التصاعدي والخطير في السنوات الأخيرة، وما العمل ؟ومما جاء في مقالنا المشار إليه أعلاه :"ويأتي سؤال ماذا يجري في قطاع العدل والقضاء في سياق المنحى التصاعدي الذي باتت تعرفه آفة اغتصاب الأطفال، حيث لا يكاد يجف حبر جريمة اغتصاب بشعة، حتى تنفجر فضيحة اغتصاب جديدة أكثر بشاعة..."للأسف الشديد، ها هو حبر جريمة اغتصاب ثلاثة قاصرات ببني ملال نتج عنه افتضاض لم يجف بعد حتى اهتز الرأي العام المحلي بمدينة الجديدة ومعه الرأي العام الوطني على وقع جريمة اغتصاب أطفال أخرى، هي الأولى من حيث بشاعتها والجهر بها.لقد سال مداد كثير حول ظاهرة الاغتصاب بالمغرب ولا داعي لتكرار ما قيل في شأنها.. بيد أن الجديد والخطير في واقعة اغتصاب أطفال بمدينة الجديدة،  هو هتك عرض أطفال في مجال عمومي وعلى مرأى ومسمع الناس، وكأننا نعيش في القرن 19 قبل الميلاد بمدينة سدوم، أيام زمن قوم لوط، حيث كان الرجال يرتكبون الفواحش ويجاهرون بها ويعتبرونها أمرا طبيعيا. هذا دون الحديث عن كم عدد القاصرين الذين يمكن ان يكون قد اغتصبهم هذا الوحش الآدمي بالجديدة أو في أي مدينة أخرى، وعن الطريقة التي استطاع بواسطتها أن يُقنع آباء وأمهات 24 طفلا من أجل السماح له بالسفر بهم إلى "مخيم صيفي".من يصدق أن رجلا عمره 57 سنة يقال أنه يسير جمعية رياضية خاصة، يقوم بهتك عرض أكثر من طفل في شاطئ عمومي مليء بالناس (في عز العطلة الصيفية) وعلى مرأى ومسمع المصطافين، كما لو أننا نعيش إبّان القرن 19 قبل الميلاد في زمن قوم لوط؟هذا السؤال يحيلنا إلى سؤال آخر : ترى ماذا يفعل هذا الوحش البشري بأطفال أبرياء عندما يختلي بهم في شقة ما، وهو الذي لم يستطع أن يكبح جماح غريزته الحيوانية في مكان عمومي وأمام الملأ ؟إن ظاهرة اغتصاب الأطفال بالمغرب أضحت تتفاقم في اوساط المجتمع يوما بعد يوم وبشكل خطير. وما يزيد من استفحالها، بالإضافة إلى تزايد الأحكام الليّنة في حق المتهمين،  هو كونها ظاهرة صامتة، نظرا للأعراف والتقاليد المتجدرة  داخل الأسر المغربية، خاصة ما يتعلق بالجانب الجنسي، حيث يعتبر هذا الأخير من المحرمات التي تدفع بأغلب الضحايا وأسرهم لأن يختاروا الصمت والتستر عوض فضح هذه الجريمة خوفا من التشهير والعار.جدير بالذكر أن حق الطفل في صيانة عرضه يعتبر من بين أسمى الحقوق التي اهتمت بها التشريعات والمواثيق الدولية، وأن جرائم الاغتصاب وهتك العرض تعتبر من أخطر الجرائم مساسا بحرمة جسد الطفل وأخلاقه، فهي تهدر أدميته وتخدش شرفه، فتجعله منبوذا في المجتمع.جدير بالذكر كذلك أن مفوّضة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشيليت، دعت الحكومات في جميع أنحاء العالم، في أكتوبر 2020، إلى مضاعفة جهودها لمنع الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي، وإلى تحسين وصول الضحايا إلى العدالة، وإجراء تحقيقات جنائية فورية وملاحقة الجناة. كما حثّت الدول على اعتماد نهج يركّز على الضحية لمكافحة آفة الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي. وأن تشارك النساء بفعاليّة في تصميم التدابير اللازمة لمنع هذه الجرائم ومعالجتها، وأن يتلقى المسؤولون عن إنفاذ القانون والقضاء التدريب المطلوب للتعامل مع مثل هذه القضايا.بناء على كل ما سبق، وأمام تتنامى ظاهرة اغتصاب الأطفال بشكل ملفت وخطير، نقترح هذه الاقتراحات للنقاش :1- تعديل الفصل 484 من القانون الجنائي من أجل تشديد العقوبات في حق المجرمين، على ألا تقل العقوبة عن 20 سنة نافذة؛2- خلق خط هاتفي أو أي وسيلة للتبليغ من قبل المواطنين عن حالات الاغتصاب أو أي علاقة مشبوهة بين راشد وقاصر، على غرار ما قامت به تلك الشابة التي فجرت جريمة اغتصاب أطفال بالجديدة، بعد أن وثقت بهاتفها النقال هتك عرض قاصر في الشاطئ جهارا نهارا، وتم نشره على أوسع نطاق عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛3- خلق هيآت أو أي آلية يكون من مهامها القيام بجولات دورية ودائمة في المؤسسات التعليمية والأندية الرياضية وغيرهما للمراقبة ورصد حالات الاغتصاب، ما دام أغلب الضحايا وأسرهم يختارون الصمت والتستر عوض فضح هذه الجريمة خوفا من التشهير والعار؛4- خلق بنيات الاستقبال خاصة بالأطفال المعتدى عليهم جنسيا من شأنها مواكبتهم وتقديم خدمات الرعاية النفسية لهذه الفئة.وأختم بسؤال بسيط :إلى أي حدّ تساهم الجامعة بالمغرب، في إطار إنفتاحها على المحيط السوسيو اقتصادي ودورها في خدمة المجتمع، في تفسير وتحليل ظاهرة اغتصاب الأطفال وطرح حلول علمية وعملية للحد من انتشارها، خاصة وأن المغرب يتوفر على 12 جامعة عمومية وجامعات أخرى، وبكل جامعة توجد على الأقل شعبة علم الاجتماع، وبكل شعبة يوجد عدد من الأساتذة الباحثين ذوي الاختصاص وطلبة سلك الماستر وسلم الدكتوراه ؟

  • ...
    الاعتقال بين النيابة العامة ومديرية السجون

    في سابقة غير مألوفة وغير منتظرة، أصدرت المندوبية العامة للسجون بالمغرب بلاغا صحفيا مكتوب بمداد الألم والحسرة المتولد عن الاكتظاظ الذي تعرفه المؤسسات السجنية، ولوصف الكارثة قدمت أرقاما مخيفة، وجهت فيها نداء للمؤسسات القضائية والإدارية لتكثيف الجهود لحل هذه المشكلة التي أصبحت تستفحل يوم بعد آخر، وتؤثر بشكل متواصل على عمل المؤسسات السجنية وعلى السجناء من حيث التطبيب والإيواء وإعادة الادماج. وأعتقد أن المديرية العامة للسجون، ستكون قد راسلت كل الجهات المختصة لعرض ما تعانيه من اكتظاظ للسجون، وأمام عدم التجاوب أو الانشغال بأمور أخرى، قررت المندوبية العامة للسجون أن تصدر هذا البلاغ كصك براءة مما تعانيه السجون التي توجد تحت وصايتها وفي نفس الوقت صك تحميل المسؤولية لجهات أخرى وتنصل منها أمام المجتمع والقوى الحية بالبلد.ولكن بعد ساعات قليلة من صدور بلاغ المندوبية، وفي رد غير متوقع، أصدرت رابطة قضاة المغرب وهي جمعية قضائية مهنية، بلاغا قويا يرد على بلاغ المندوبية، اعتبرت أن بلاغ المندوبية هو تدخل في السلطة القضائية وفي حق النيابة العامة في المتابعة في حالة سراح أو اعتقال. وبعدها تولت التصريحات وكان من أهمها تصريح السيد رئيس النيابة العامة. لن أدخل في المفاضلة بين هل يحق للمندوبية في إصدار ذلك البلاغ أم لا، وهل يحق لجمعية مهنية قضائية أن تجيب ببلاغ آخر، تعتبر فيه صدور بلاغ المندوبية تدخلا في السلطة القضائية وتعديا على اختصاصاتها، لأن هذا ليس موضوع مقالنا ومربط فرسه.لكن ما أعرفه، من خلال ما أسمعه من بعض الزملاء والمناضلين أن المندوب السامي للسجون  السيد محمد صالح التامك رجل يعمل بجد وكد لكي تكون سجون المملكة في أحسن الأحوال وتكون ساكنتها في أحسن حال، ويتحقق الهدف من السجن الذي هو التهذيب وإعادة الادماج، كما أنني عرفت الأستاذ عبد العلي المصباحي  الرجل الفاضل الذي كان يعمل كنائب للوكيل العام بالجديدة، وكان مثال للمسؤول المجتهد المحترم، ونفس الأمر بالنسبة للسيد رئيس النيابة العامة الأستاذ حسن الداكي المسؤول الحكيم الهادئ في مواقفه، والتي انعكست شخصيته في البيان الذي تم اصدراه من طرف النيابة العامة، وهو يطرح تصوره لا يجب أن ننسى تصريحات النيابة العامة منذ عهد سلفه الأستاذ محمد عبد النباوي، حيث كان لا يمر لقاء أو مناسبة دون أن يبعثوا بإشارات قوية لرؤساء النيابات العامة لترشيد الاعتقال الاحتياطي والحد منه، ولا يكتفون بالتصريح فقط بل لهم كتابات موجهة في هذا الباب، وفي رده الدبلوماسي على مندوبية السجون دافع رئيس النيابة العامة  عن وجهة نظر النيابة العامة في مشكلة الاعتقال الاحتياطي دون أن يقطع حبل الود والاحترام وينقص من صحة ومعقولية وجهة نظر مندوبية السجون، الممثلة في الهم والغم  الذي أسكتها لدهر، وأنطقها بعد أن فاق تحملها الأكتاف، بل إن رئاسة النيابة العامة، وفي التفاتة سريعة واستجابة آنية، تروم معالجة المشكل من أساسه، حاضرا بتعليمات أو مستقبلا بتعديلات قانونية يتم اقتراحها،  أكدت أنها بعد العطلة الصيفية وفي شهر شتنبر ستدعو للقاء يجمع المؤسسات والجهات المعنية بالاعتقال الاحتياطي لمناقشة مشكل الاكتظاظ بالسجون، لتلقي الاقتراحات لحصر هذا المشكل، وقبل بلاغ النيابة العامة كانت هناك  وجهات نظر لبعض السادة المحامين منهم الأستاذ محمد لغلوسي مناضل المال العام، والأستاذ السهلي الجامع بين مهنة الدفاع ومهنة الصحافة بشكل غير مباش، ووجهتي نظريهما يكاد يكون توجهها واحد، من حيث تحميل جزء من مسؤولية الاعتقال الاحتياطي الذي يساهم بشكل بارز في اكتظاظ السجون وملأها  لضعف رؤساء النيابات العامة  في تبني مقاربة فاعلة في تشريد الاعتقال الاحتياطي من قبل النيابات العامة التقليل منه واعتماد بدائل لأخرى، يمكن لهذه النيابات العامة أن تُعملها عوض الانحياز دائما للاعتقال الاحتياطي.ولكن مهما كانت التوجهات مختلفة أو متفقة، فلا يجب أن نتوقف على بلاغات وكلمات وتصريحات فقط، لنعتبر أن هناك صدام بين مؤسسة وطنية ومؤسسة قضائية أو جمعية قضائية أو مهتمين بالشأن القضائي والسجني، لأن نية محرري البلاغات، ومطلقي التصريحات، نيتهم صادقة وغيورة وعميقة، فكل واحد منهم يدافع عن بناء مهنته وساكنيه وانتظاراته من منظوره الخاص. ولكن ألا يمكن أن نجمع البلاغات والتصريحات، ونُخرج منهما ما يمكن أن يكون مقترحات تكون سبيلا لكي نستجيب لصرخة مندوبية السجون العالية، وفي نفس الوقت نفتح النافذة التي فتحها بلاغ رابطة القضاة وبلاغ رئاسة النيابة العامة، حين تكلموا عن وسائل بديلة لمشكلة الاعتقال الاحتياطي، وهو مقترح يجب الإسراع في إخراجه للوجود، دون أن ننتظر مزيدا من الوقت حتى يخرج مع تعديلات كثيرة تحتاج لوقت ومناقشات كثيرة لتمحيصيها واختيار الصالح منها بعد طرح الطالح منها.ولا يجب أن  ننسى أن محاولة المشرع للتقليل من مشكل الاعتقال الاحتياطي بالمغرب، قد بدأ منذ سنوات عديدة حين تم التنصيص على مسطرة الصلح في المادة 41 من قانون المسطرة الجنائية، ولكن مع الأسف الشديد هذا المقتضى قد هجرته أغلب النيابات العامة بالمغرب بعد أن كانت تطبقه ببخل شديد في البداية، فأصبح السادة النواب لا يعرضون الصلح على الأطراف ولا يقترحونه إلا في القليل من الأحيان، وبعد أن يكون باتفاق بين الطرفين قبل ساعة التقديم أو أثنائها، ولكن ربما قصور مسطرة الصلح في حفظ حقوق الضحايا كانت من بين الأسباب التي جعلت مسطرة الصلح تتعثر في طريق تطبيقها، لذلك أقترح أن يتدخل المشرع بعملية تشريعية مستعجلة لتعزيز مناعة المادة 41 من ق م ج بالتنصيص على أن تدخل النيابة العامة في مسطرة الصلح يجب أن يكون أكثر إيجابية تحاول فيها أن تحفظ حقوق ضحايا الجريمة وحق المتهم بعد تعويض الضحية بمبلغ مالي يتم الاتفاق عليه بحضور النيابة العامة، حتى تكون النيابة العامة شاهدة على حفظ حقوق الجميع، مع جعل أقل تعويض يتم التصالح بشأنهن والذي يدفع  للضحية كيفما كانت الجريمة هو 5000 درهم مثلا، ويتم وضع تعويض الضحية بصندوق المحكمة مقابل وصل يقدم للنيابة العامة، وتؤدى عنه رسوم الدولة، حتى يعاقب كل متهم عقابا ماليا ولا يعود لارتكاب الفعل، وحتى نمنع تعاطف الضحية مع المتهم في الإقرار بتسلم المبلغ المالي منه مقابل تنازله في حين يكون الواقع هو خلاف ذلك، وبعد تأكد وكيل الملك  من وضع المتهم  للمبلغ المالي بصندوق المحكمة ، يمكن للنيابة العامة أن تحفظ الملف، لكن  بعد أداء المتهم للغرامة التي يمكن أن يحكم عليه القضاء بها في الحين، كل هذا فقط يهم  الجرائم المحددة التي تقل عقوبتها عن سنتين، ويجب أن يلزم القانون النيابة العامة  بالمتابعة في حالة سراح في الجرائم التي تكون فيها العقوبة أكثر من سنتين في حالة وجود تنازل، وثبوت تعويض للضحية بشكل آني، مع أداء مسبق للغرامة التي يمكن أن يحكم بها على المتهم،  مع حفظ حق المتهم المبرأ في استرجاع الغرامة بعد صيرورة حكم البراءة نهائيا في حقه، ولكن يبقى حق النيابة العامة في بعض الجرائم الخطيرة التي تهدد أمن الناس وترعبهم تام في متابعة أصحابها  في حالة اعتقال، مع اشتراط أن يكون الاعتقال  فقط في حالة اعتراف المتهم أو وجود صور أو فيديوهات تؤكد ارتكاب الفعل رغم انكار المتهم، حتى مع تنازل الضحية وتعويضها. إلا في حالات خاصة جدا، تتعلق بالاعتداء الخطير الذي يسبب جروحا أو كسور ثابتة بشواهد طبية، حين ينكر المتهم ولا تتوفر صور، حيث يحفظ حق النيابة العامة في متابعة المشتبه فيه في حالة اعتقال.مثل هذه الحلول يمكنها أن تقلل من الاعتقال الاحتياطي، الذي يؤدي لاكتظاظ السجون، وستؤدي إلى إنصاف ضحايا الجريمة الذين سيحصلون على تعويضاتهم مسبقا ولا ينتظرون التنفيذ أو تطبيق الإكراه البدني ضد المعتدين عليهم، في حالة امتناع المُدان عن أداء مبالغ التعويض بعد التنفيذ عليه، أو ضياع حق الضحية في الحصول على التعويض بعد امتناع المدان الذي يتجاوز سنه ستين سنة عن الأداء بعد التنفيذ وتعذر تطبيق مسطرة الإكراه البدني في حقه. وكذلك سنُسهل عملية حصول الدولة على مبالغ مهمة نظير الغرامات التي تؤدى مسبقا، والتي يتعسر تنفيذها أو تتقادم بعد صدور الحكم على المدان بها، بسبب عدم تنفيذها في الوقت اللازم لذلك. هذه عينة من الحلول القانونية التي يمكن أن تحل مشكلة اكتظاظ السجون وكثرة الاعتقال الاحتياطي ببلادنا، وتجنبنا اصطدام المؤسسات فيما بينها، يكفي أن نفكر في الحلول مع ممارسين في الميدان، ولكن ذلك لا يكفي لأن الآلة التشريعية يجب أن تزيد من سرعتها وتتدخل لتعديل القانون أو تعزيزه لحل كل إشكال أو مشكل يمكن أن يواجه أي كان، فالسرعة في طرح التشريع ومعالجة المشكل هو القطار السريع الذي تركبه التشريعات في الغرب لمعالجة أي كمشكل طارئ والوصول إلى الهدف في أسرع وقت، بينما في دولنا تسير وتيرة تعديل التشريع على الأقدام  في خطوات بطيئة تصل الى  الهدف بعد أن يُصبح متجاوزا، بحكم الواقع المتغير بسرعة فائقة ، ويترك لنا ضحايا كُثر يكونون  في نظري من ضحايا بطئ التشريع   وسرعة تعديله ، تشريع  نرى كيف يتغير في دول  أخرى برؤى واستراتيجيات قانونية جديدة تتبنى سرعة معتبرة ومحترمة.الأستاذ وهابي رشيد   المحامي بالجديدة 

  • ...
    التزوير الإصطناعي المُتقن.. آفة اليوم والمستقبل

    بدأ  الزمن الذي كان بإمكان خبراء الخطوط والعملات، بالمقارنة المادية بين الخط الأصلي والتوقيع، وذلك المدعى في ثناياه بالتزوير، والخروج بنتيجة شبه مؤكدة تفيد بوجود التزوير في الخط أو التوقيع المدعى الزور فيه أو تفنده،  زمن بدأ يولي رويدا رويدا، ونفس الأمر نعيشه بالنسبة للنقود التي يتم التشيك في زوريتها، حين كان يتم  فحص معدنها أو ورقها، بالوسائل التي كانت متاحة وتسهل بشكل يسير الوقوف على زورية النقود من عدمها ، فالتزوير الذي كان قديما يستعمل وسائل بسيطة جدا لاقترافه،  اصبح في العقود الأخيرة يستعمل وسائل تقنية وطابعات متطورة ، لتزوير المحررات كيفما كان نوعها، وتزوير وتزييف  النقود التي وصلت في تقنية تزويرها، حدا يصعب على الشخص العادي بالوسائل التي كان يُعمل بها سابقا  معرفة الوثيقة المزورة من الحقيقية، لذلك انتشرت في الأسواق الكبرى والأبناك والمحلات التجارية، آلات فحص النقود التي يتم إدخال الورقة النقدية فيها،  لمعرفة صحتها من فسادها ، فإن كانت صحيحة تمر بدون ضجيج أو إنذار، وإن كانت مزورة تصدر الآلة صوتا منذرا بأن الورقة مزورة.لكن التقنية والسباق السريع جدا الذي تسير به الدول الكبرى في طريق سكة التقنية والذكاء الاصطناعي وعلوم الكمبيوتر، أصبح يهدد الحقيقة في كل شيء، وأصبح التعريف الكلاسيكي لجرائم التزوير بكونه تغيير الحقيقة، غير كافي في نظري ، ولن يُمكن بسهولة مستقبلا من التفريق بين الحقيقة الفعلية في المحرر أو العملة أو الصوت أو الصورة أو الفيديو وتلك التي يمكن أن تكون غير حقيقية، ولكنها مُتقنة بعمق ودقة لا تترك مجالا وفراغا للتفريق بين الصحيح والكاذب منهما، ولا يُقسم بزوريتها وتزييفها سوى من زيف أو زور أو كان ضحية له هذا النوع من التزييف والتزوير الجديد. أما غيرهم فسيقسمون بصحة تلك الحقيقة الكاذبة ولكنها دقيقة، نتيجة التزوير والتززيف التوأمي، الذي يُصبح الحقيقي فيه والمزيف والمزور فيه كأنهما فعلين  وُلدا من بويضة واحدة . وهذا الإتقان الشبه كمالي في اقتراف التزييف والتزوير الحالي خصوصا ممن يستعمل الذكاء الاصطناعي  جعل المختصين يطلقون عليه، التزييف العميق، لكن خطره جعل آثاره ونتائجه أكبر لا يمكن حصر سلبياتها  بعد أن أصبح مريدوه ومن يحيكون زرابيه يستعينون في سبيل اتقانه، وإبعاد كل شبهة أو شك قد يتسرب لمن يستهلكه، بأسلحة شتى من أسلحة الذكاء الاصطناعي التي بدأت تنتقل من درج إلى آخر في سلم الاتقان في التزييف والتزوير، وهذا السلاح  التقني الفتاك والخطير، جعل التزييف والتزوير والتقليد في كل شيء من الخط الى الصورة أو الصوت أو حتى الابداع الفني والأدبي والعلمي في كل المجالات أسهل وأكثر دقة لا يحتاج على شخص  أو مختص أو باحث أو فنان ليفكر ويبدع ،  بل تحتاج فقط منصة تعتمد الذكاء الصناعي، لتجعل كل شيء بضغطة أُصبع وسؤال أو طلب مكتوب أو حتى أمر شفوي أن يخرج المارد الالكتروني الذكي من شاشة الهاتف أو الكمبيوتر، ليحضر لك كل ما تريد أو يُحَضِر لك كل الوجبات التي يمكن أن تبدأ من المطبخ وتنتهي في المختبر العلمي أو المعلقة الشعرية أو الأدبية، ولكن السؤال الذي يمكن أن نطرحه ونُسطر عليه بالخط والبند العريض، من أين يستقي الذكاء الاصطناعي كل معلوماته وكيف يعمل، وألا يشكل عمله سطوا وتزويرا وتزييفا لمجهودات الآخرين، وتغييرا لحقيقتها،  معلومات تتوفر عليها قاعدة بيانته يقديمها في شكل حقيقة جديدة ، كل ما احتاجته هو عجنها بمستحضرات تقنية تعتمد برامج حديثة، ، ليقدمها وكأنها ثمار خالصة من انتاجه أو ابداعه، وإن كانت في الحقيقة هي سطو يعتمد وسائل التقنية والتجميع الكمي الهائل للمعلومات وتصفيتها وتقديمها للطالب الراغب في شكل جديد لا ينسب فيه الفضل لأصحابه الحقيقيين بل ينسب الفضل فيه للذكاء الصناعي الذي أتقن فقط التفصيل والتقديم دون أن يحترم الأمانة العلمية وينسب الفضل لأصحابه كما كان يفعل كل باحث أمين هذا من جهة .ومن جهة أخرى ألا يمكن أن نقول أن الذكاء الاصطناعي هو شرعنة كبرى للتزوير والتزييف والتطبيع معه، لأن كل معلوماته هي من إنتاج شخص أو أشخاص، ولكنه حين يقدم معلوماته وأجوبته، يقدمها باسم المنصة التي تُقدمها ويتغاضى عن ذكر كل معلومة عن منبع معلوماته، و من زاوية أخطر، ألا يمكن أن نعتبر أن الذكاء الاصطناعي يشكل تهديدا خطيرا للحقيقة في كل شيء ويجعل الجميع يعتقد أن الخطاب أو الكلمة أو الكتاب الخطي التي زيفها بعمق وزورها صادرة عن شخص أو مسؤول  أو مفكر وهي ليست كذلك، بل حقيقة مزيفة مغلفة بشكل متقن لا يمكن أن نقف على زيفها إلا بعد خروج من نسبت إليه ليفندها ويُبصم بكذبها. ومن ضلع أعوج آخر تكمن خطورة الذكاء الاصطناعي وما يستتبعها في أنها ستُمكن بسهولة كل من يريد أن يتنصل من تصريح أو كلمة خطها على الفضاء الأزرق،  وينكر حقيقتها، بالدفع فقط  بكون ما نُسب إليه مزور وغير حقيقي،  ويُلقي باللائمة على شيطان الذكاء الاصطناعي ودقته في التزييف والتزوير ليثير الشك عن حقيقة ما خطه أو صرح به أو صوره ، ، رغم أنها حقيقة صادرة عنه، وبطبيعة الحال نظرا لما عرفناه وسنعرفه عن تزييف وتزوير عميق نجحت وستنجح بشكل لا يمكن تصوره أدوات الذكاء الاصطناعي في تقديمه مستقبلا، سنصدق من أراد أن يقبر حقيقة ما قام به ويراجعه ويتراجع عنه، ويمحيه ويمتص مائه النتن بمنشفة الذكاء الصناعي بعد إلقاء اللوم عليها، وهذا سيجعل الذكاء الاصطناعي آنيا ومستقبلا، سلاح فتاك ذو حدين إن لم نقل ذو حدود لا يمكن التنبأ بها حاليا، قد يتم استعمال أحد طرفيه  آنيا لصنع حقيقة مزيفة ومزورة متقنة لدرجة تُقارب الكمال أو يتم استعمال حده الآخر لقتل جسم الحقيقة وخنقها بعد أن نقدمها على أنها حقيقة مزيفة ساهم الذكاء الصناعي في صنعها.لذلك فالتعامل مع الذكاء الاصطناعي وما يشكله من تهديد للحقيقة بمفهوميها السلبي والإيجابي، يجعلنا نطالب الدولة المغربية وكل دول العالم بضرورة التحرك بشكل مستعجل لضبط كل البرامج التي تستعمل الذكاء الصناعي، بتنظيم قانوني مُحكم يستشرف ما يمكن أن يطرحه علينا مستقبل العبث بالحقيقة بواسطة آليات الذكاء الاصطناعي من مشاكل معقدة وعميقة، ومحاولة وضع نظام قانوني دقيق لمعالجة مشاكله وما سيطرحه من نزاعات مستقبلية.وللإشارة فإن الخوف وعدم الأمان الذي استشعرته دول الاتحاد الأوروبي مما سيطرحه الذكاء الاصطناعي مستقبلا من مشاكل تهدد الحقيقة، ستجعل التفرقة بين ما هو حقيقي وما هو مزور ومزيف، جعلها تتقدم بمسودة قواعد تُلزم المنصات والأنظمة التي تستعمل الذكاء الإصطناعي، بالإفصاح عن ما تقدمه من محتوى، ووضع آليات تجعل المستهلك والجميع يُفرق بين الصور والأصوات والكتابات الحقيقية، وتلك التي تستعمل برامج التزييف والتزوير العميق، والتي تقدم ما هو غير حقيقي، وتصوره وتُقدمه كأنه جسم الحقيقة، وهذه الانتفاضة التي أعلنتها دول الاتحاد الأوروبي، هي في الحقيقة ناتجة عن دراسات حذرت من خطورة عدم تنظيم قطاع الذكاء الاصطناعي بترك  ما أصبح يصطلح عليه  بالتزييف العميق دون تشريع وتنظيم. لذلك علينا جميعا أشخاص ودول ومؤسسات أن نقف بسرعة وبدون انتظار، لنبدأ في مشاهدة واستقراء شاشة المخاطر التي يشكلها الذكاء الاصطناعي حاليا وسيشكلها مستقبلا، ووضع قيود قانونية وأخلاقية تجنبنا الوقع في مطبات وحفر هذا التسونامي الرقمي الذكي الذي لا حدود له ولا أخلاق تجعل أسلاكه الخفية ستحمر من خجل ما سيأتيه وسيقترفه.الأستاذ وهابي رشيد  المحامي بهيئة الجديدة

  • ...
    إزالة التحسس (Desensitization) للعنف والدم في الثقافة المغربية: مسرحة طقوس عيد الأضحى وتأثيرها في قيم التسامح.

    هل من المقبول اجتماعيًا الخوض في ممارسات تقليدية خلال طقس عيد الأضحى، حيث تتحوّل منازلنا إلى مسالخ، و يتقمص المغاربة دور الجزارين، وحتى الأطفال الصغار يتدججون بالسكاكين في الأحياء الشعبية، وبالتالي يتم ُنحر الأضاحي، بإراقة الدم فعليا، لا مشاهدة فقط؟يحمل عيد الأضحى معاني دينية عميقة في الإسلام، حيث يعتبر تذكيرًا باستعداد النبي إبراهيم للتضحية بابنه تلبية لنداء رباني وطاعة لله. واتخذ هذا الطقس طابعا احتفاليا بالمجتمعات الاسلامية، إذ يعبر عن المرور إلى مرحلة الرجولة، عندما يقوم الشاب المسلم بعملية ذبح الأضحية، ذلك أنه في سياق تمكين الشباب المسلم من التغلب على خوفهم من الدم، أصبحت طقوس الذبح مرتبطة بمفاهيم ثقافية للرجولة. وحتى في الثقافة الشعبية لبعض المجتمعات، ارتبط شكل الأضحية وحجمها بمدى رجولة من اشتراها، وتناسلت الأمثال الشعبية حول مفهوم الرجولة في ثقافتنا على سبيل المثال، وباتت تحدد بذبح الشاة وترقيع الكسوة و"تسويط/ ضرب" النساء. في الماضي القريب، وقبل ظهور مسالخ الدواجن التجارية، كان يتم تدريب الشباب المغاربة بشكل متكرر على ذبح الدجاج كطقس تهيئة لمرحلة الرجولة قبل التحول إلى الحيوانات الأكبر مثل الأغنام. كان الهدف من هذا التدريب الثقافي هو غرس قيم الشجاعة والصمود في الممارس. وإذا تتبعنا هذه الممارسة الثقافية في بدايات عصر الإسلام، عندما كانت المجتمعات تتسم بالجهاد زمن النبي محمد (ص)، الذي قاد المعارك ضد الكفار باعتباره مجاهدا في سبيل الله، " منصورا بالرعب لمسافة شهر"، نجد أن إزالة حساسية الجنود للدماء وفعل قطع الأعضاء بالسيف سمات أساسية للرجولة، بالنسبة لأولئك المجاهدين المشاركين في الحروب الإسلامية المقدسة. وفي تلك الحقبة، كانت هذه التكتيكات تشكل نموذجا معياريا للقتال.لكن في السياق المعاصر، نطرح تساؤلات ما إذا كانت ثقافتنا لا تزال في حاجة إلى رؤية الدم المقدس ومسرحة الذبح في المنازل للحفاظ على شرعنة الطقس. فمع تقدم المجتمعات وتطورها، قد لا يتوافق العنف المقدس وإزالة التحسس للدم مع القيم المعاصرة. إن الإسلام يشتمل على مجموعة من المبادئ والتعاليم، بما في ذلك الرحمة والتسامح. فمن الضروري إعادة تفسير وتكييف الممارسات الدينية وفقًا للتغيرات التي طرأت على المجتمع الإسلامي تاريخيا، مع الحفاظ على المقومات الأساسية لتلك الطقوس.وفي إطار القيم الاجتماعية والتفسيرات الشخصية، تكمن القدرة على تشكيل طقوس الذبح. فيمكننا أن نستشرف المستقبل عن طريق ضمان توافق بين الممارسات الدينية والمبادئ الأساسية للإسلام من حيث التعاطف والتسامح وعدم العنف، وذلك من خلال المناقشات النقدية والتأملات. ففي رحلتنا التحولية نحو الإسلام المُعولم-- رمز التسامح الثقافي--، يجب علينا أن نتساءل عما إذا كان التعرض المتكرر للدم خلال عملية الذبح يخدم هدف التعايش السلمي، أم يزيل تحسس الأعضاء الاجتماعيين للعنف والدم، وبالتالي يترتب عن هذه الإزالة نتائج متعددة، كتأثيره على قيم التسامح، ودعمه للتطبيع مع العنف، وتعزيزه للتباعد العاطفي.اضمحلال التعاطف: يمكن أن يقلل التعرض المستمر للمشاهد العنيفة أو المروعة، بل ممارستها الفعلية، مثل تلك التي تحدث خلال طقوس الذبح، من حساسية الشخص للعنف، وتعاطفه مع معاناة الآخرين. ويمكن أن يعوق تقليل الحساسية هذا نمو نزعة الرحمة والتسامح.التطبيع مع العنف: عندما يصبح العنف جزءًا لا يتجزأ من الممارسات الثقافية، فإن هناك خطرًا يتمثل في أن يصبح جزءًا من المعتاد. يمكن أن يخلق هذا التطبيع تصورًا يعتبر فيه العنف مقبولًا أو حتى متوقعًا، مما قد يكون له آثار تتجاوز الطقس نفسه. فمثلا، تستخدم الاستعارات المرتبطة بعيد الأضحى في الشتائم التي تسبق استخدام العنف الجسدي بالمغرب. "نذبح مك/ نحرك/نسلخ مك / نجبد لمك فادك / نفصلك / نحيد لمك الراس/نطيح بطانة، وما إلى ذلك من التعابير. إن قاموس عيد الأضحى يغذي ثقافة العنف. فمن المهم أن نعترف بالتأثير السلبي لمثل هذه اللغة والعمل نحو إعادة صياغة قواميسنا الشعبية بطرق أكثر تسامحا وتعاطفًا، وذلك من خلال الابتعاد عن هذه الاستعارات العنيفة والممارسات الثقافية المرتبطة بها، إذ يمكننا تعزيز ثقافة التفاهم والتعاطف والتواصل السلمي.التباعد العاطفي: قد يؤدي التعرض المتكرر لطقوس الدم العنيفة أو المشاركة فيها إلى التباعد العاطفي، حيث يصبح الأفراد مبتعدين أو متناسين لمشاعرهم الخاصة أو مشاعر الآخرين، إذ يمكن أن يعيق هذا التباعد العاطفي العلاقات العاطفية الحميمية وقيم التعاطف.قد تختلف درجة إزالة الحساسية للعنف وتأثيراتها من شخص إلى آخر. ويتأثر رد الأفراد على مثل هذه الطقوس بعوامل اجتماعية متعددة وقيم تنشئة ثقافية. لكن يظل السؤال مطروحا حول ما إذا كانت هذه الممارسات العنيفة ضرورية للحفاظ على الثقافة والتقاليد، أم إن هناك حاجة ماسة إلى تطوير طرق بديلة للتعبير عن الدين والقيم الثقافية بطرق تشجع على التعايش السلمي والتعاطف.يبدو حاليا أن أفضل بديل لذبح الحيوانات بالمنازل هو المنع الكلي لذلك، واستبدال الذبح فيها بتشييد مسالخ عصرية، تحترف عملية الذبح. وهذا اعتراف بالتخصص والاحترافية المطلوبة في عملية الذبح، بدلاً من تحويل جميع المواطنين إلى ذباحين وجزارين هواة بناءً على مفاهيم الذكورة المتقادمة. وهذا البديل قد يضمن معايير أعلى للنظافة والتعامل مع الحيوانات بخبرة وحرفية، مما يخلق توازنًا بين الحفاظ على البيئة والتقاليد الدينية ودعم السلوك المسؤول في المجتمع.ذ، محمد معروف، جامعة شعيب الدكالي

  • ...
    جريمة اختلاس أموال عمومية من خلال بعض قرارات محكمة النقض

     جريمة اختلاس الأموال العامة أو الخاصة من طرف الموظف، كجريمة معاقب علبها في القانون الجنائي المغربي، موجودة ومنصوص عليها منذ خروج هذا القانون الى الوجود العملي ، ولكن الجديد  هو أنه بدأ يبرز الكلام عنها وعن بعض مرتكبيها، خلال السنوات الأخيرة، بعد فتح التحقيق مع مجموعة من رؤساء الجماعات بالمغرب، وبعد أن كانت جرائم الاختلاس فيما قبل تنظر فيها محكمة العدل الخاصة، وكانت أغلب ملفاته لا تواكبها في غالب الأحيان مواكبة صحفية وإعلامية للمتابعين أمامها، لأن المحكمة التي كانت تنظر هذه الملفات كانت واحدة وتوجد بمدينة القنيطرة، لكن بعد إلغاء هذه المحكمة، وتوزع ملفات الاختلاس التي يرتكبها الموظفون، بين المحاكم المغربية، مع جعل الملفات التي يكون فيها الاختلاس مائة ألف درهم أو أقل ، يتم النظر فيها من طرف غرف الجنح  العادية بكل المحاكم الابتدائية،  لأن العقوبة تكون فيها بين سنتين وخمس سنوات، في حين إذا كان المبلغ المالي المختلس يفوق مائة ألف درهم،  تنظر في هذه الجرائم،  الأقسام  المالية لبعض المحاكم التي توجد بها هذه الغرف،  فاختلاس موظف بالجديدة  لمبلغ تسعين ألف درهم مثلا، ستنظر فيه الغرف الجنحية بالمحكمة الابتدائية بالجديدة ، ولكن إذا كان المبلغ المختلس مائة ألف درهم             أو أكثر، فالاختصاص سيعود للأقسام المالية بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، وهي أربعة أقسام بعد أن كانت خمسة غرف، التي حلت محل محكمة العدل الخاصة بعد إلغائها، وتوجد منها أربعة  أقسام ، واحدة بمحاكمة الاستئناف بالدار البيضاء وبالرباط وفاس ومراكش، وهذه الأقسام تنظر في كل الجرائم المالية التي يرتكبها الموظف ومنها جرائم الإختلاس والتبديد والرشوة واستغلال النفود ،والغدر، متى توفرت فيها شروط إحالتها على هذه الأقسام. فالمتابعات التي أصبحت تُسطر ضد رؤساء الجماعات بالمغرب والإحالات من طرف قضاة التحقيق التي يُحال بمقتضاها هؤلاء ، بتهم اختلاس الأموال العامة هي التي دفعت بهذه الجرائم إلى الصفحات الأولى للجرائد الورقية والالكترونية، ووسائل الإعلام السمعية والمرئية ، فرغم أن المتابعات في جرائم الإختلاس ، كان يتابع فيها موظفون من مختلف القطاعات، فقد كانت ملفاتها تمر بكل هدوء ودون متابعة صحفية،  وتصدر فيها الأحكام دون أن يعلم بها أحد، إلا أن الأمر يختلف بالنسبة لرؤساء الجماعات، لأن الأضواء مسلطة عليهم، وعيون الأعداء من منافسيهم السياسيين دائما متتبعة ومنتظرة  ومتربصة، لكل خطأ أو هفوة قد تُرتكب من طرفهم ، ليبدؤوا في شن حملات تشويه إعلامي وتسليطها على أفعالهم التي قد تكون ذات طابع جنائي وأحيانا مرتكبة  بسوء نية، إما بسبب إهمال أو تهور، ولكن قلب المتربص لا يرحم رؤساء الجماعات، متى وقعوا في فعل معين، وخصوصا إذا كان ذا حمولة جنائية، لأن كل رحمة من طرف خصومهم السياسيين قد تُعتبر، تمديد في عمر منافسيهم على الكرسي الذي كانوا يُمنون النفس بالجلوس عليه، فجلس عليه منافسوهم الذين هم في فوهة مدفعه ، وسنحت له فرصة لكي يستعملوا القانون والقضاء لإزاحتهم منه، وإخلاء مكانه لكي يجلسوا عليه، أو يجلسوا عليه من هم من مريديهم.  للإحاطة بموضوع هذا المقال، والوقوف عن قرب على بعض القرارات الصادرة عن محكمة النقض المغربية، بشأن جريمة اختلاس الأموال العامة أو الخاصة من طرف الموظفين وبعض رؤساء الجماعات بالمغرب، سنجدها تطلب وتوجب توفر النية الجرمية لأن هذه الجريمة هي من الجرائم العمدية، مع الإشارة إلى عدم وجود  قانون أو حق يسمح للموظف أو رئيس الجماعة بالقيام بما قام به، لأن وجودهما سيجعل الفعل الذي قام به مشروعا، وقد اعتبرت قرارات محكمة النقض كذلك، أن سوء النية يجب أن تثبت في الفعل الذي يقوم به الموظف لكي نكون أمام جريمة اختلاس قائمة كما أرادتها وقررتها الفصول 241 و242 من القانون الجنائي، واعتبرت محكمة النقض، أن عنصر العلم يجب أن يكون قائما لكي يتم متابعة أي متهم بالمشاركة في جريمة اختلاس أموال عمومية، ما عدا الفصل 242 مكرر من القانون الجنائي ، لا يطلب سوء النية أو النية الجرمي، فيكفي أن يثبت في حقه الإهمال الخطير،  لكي يُعاقب عليه، شرط أن يتسبب هذا الإهمال الخطير للموظف، في اختلاس أو تبديد أو اتلاف لأموال عامة أو خاصة بشرط أن لا يكون له علم بما قام به الغير نتيجة إهماله، ومن حسن حظ الموظف أن الإهمال سواء كانت الضرر المترتب عنه يساوي  مائة ألف درهم أو أقل، أو أكثر من مائة ألف درهم، تكون العقوبة خفيفة وليست كتلك المحددة في جريمة الاختلاس المحددة في الفصلين 241 و242. ولكي نقف بشكل مستفيض على العناصر التي تطلبها محكمة النقض، لكي نكون أنمام جريمة اختلاس أموال من طرف الموظف أو من في حكمه، نجد في قرار لمحكمة النقض تطرقت لعنصر مهم يجب أن يكون حاضرا ومثبتا لكي نكون أمام جريمة المشاركة في اختلاس أموال عمومية، حين أكدت في قرارها عدد 2018/1/6/10252 الصادر بتاريخ 09/01/2019، قرار رقم 77/2019 ما يلي:  ( من المقرر أن عنصر العلم في جريمة المشاركة في اختلاس أموال عمومية هو عنصر معنوي تستخلصه المحكمة إيجابا أو سلبا من استقراء جميع الوقائع المادية المعروضة عليها. والمحكمة لما ركزت في تعليلها على إنكار المطلوبات علمهن بكون مصدر التحويلات البنكية الخارجية التي تسلمنها لفائدة الغير غير مشروع، وعلى خلو الملف من أي وسيلة لإثبات ذلك، إلا أنها لم تناقش فيه كل الوقائع المادية في القضية المرتبطة بدور المساعدة والإعانة الذي قد يكن أتينه لتسهيل ارتكاب جريمة اختلاس أموال عمومية من طرف الغير عن طريق تقنية الوضع تحت التصرف، وعن دافعهن إلى التصرف بالشكل المذكور مع الفاعلين الأصليين للعملية، يكون قرارها ناقص التعليل بخصوص العنصر المعنوي في الجريمة المنصوص عليه في البند رقم 3 من الفصل 129 من مجموعة القانون الجنائي نقصانا يوازي انعدامه). وفي قرار أخر صادر عن محكمة النقض في ملف عدد 2015/1/6/2618 الصادر بتاريخ 06/01/2016، قرار رقم 9/2016، وقفت محكمة النقض على عنصر يجب أن تتأكد منه المحكمة ومن توفره في جريمة اختلاس أموال من طرف الموظف، وهو عنصر ضرورة توفر النية الجرمية للمتهم باعتبار أن هذه الجريمة من الجرائم العمدية.  حين أكدت في قرارها هذا ما يلي:( إن مناط مساءلة المتهم جنائيا وفق ما نصت عليه أحكام ومقتضيات الفصل 241 من القانون الجنائي الذي تناول بالتجريم والعقاب جريمة اختلاس أموال عمومية هو اختلاس الجاني لمال مرصود لمصلحة عامة أو خاصة باعتباره موظفا عموميا مع انصراف نيته الجرمية إلى ذلك على اعتبار أن الجريمة موضوع المتابعة من الجرائم العمدية التي لا يمكن تصور قيامها إلا بحصول الركن المعنوي المذكور، ولما كان ذلك وكان البين من تصريحات المتهم والمسمى(ع.ب) قيام هذا الأخير باختلاس المبالغ المالية واختصاصه بها لنفسه دون المتهم وعدم حصول علم هذا الأخير بذلك، فإن الجريمة بركنيها موضوع المتابعة تبقى غير قائمة في نازلة الحال وهو ما انتهت معه المحكمة في قناعتها إلى عدم ثبوت جريمة اختلاس أموال عمومية في حق المتهم لانعدام قيام عناصرها الواقعية والقانونية. تقصير المتهم وإهماله في مراقبة الأموال الصادرة والواردة عن الوكالة التي يشرف على تسييرها بالشكل الذي تقتضيه القوانين واللوائح الإدارية المعمول بها لا يمكن أن يكون أساسا للقول بقيام مسؤوليته الجنائية، بل يمكن مناقشة ذلك في إطار مسؤوليته المهنية وما يستتبع ذلك من مساءلته تأديبيا من طرف الإدارة التي يتبع لها وإيقاع الجزاءات الإدارية المتناسبة والخطأ المهني الذي ارتكبه وما يمكن أن يترتب عن ذلك من نتائج. رفض الطلب). وقد سار قرار آخر لمحكمة النقض في نفس هذا التوجه حين تكلم عن ضرورة توفر سوء النية حين تكلم عن ضرورة توفرها في جرائم تبديد أموال عامة أو اختلاسها، وهو القرار الجنائي عدد 2013/1/6/411 الصادر بتاريخ 13/02/2013، قرار رقم 119/2013، حين أكد على ما يلي:  ( جنحة تبديد أموال عامة تدخل في نطاق الجرائم العمدية، الشيء الذي يقتضي توفر عنصر التبديد (الإتلاف) أو الاختلاس وأن يكون ذلك مقرونا بسوء النية لدى الجاني، أي ضرورة تحقق القصد الجنائي الذي يقوم بتوافر عنصري العلم والإرادة. ومادام أن الأصل في الإنسان حسن النية، إلى أن يثبت العكس وان الأصل هو البراءة، وأن الشك يفسر لفائدة المتهم فان العناصر التكوينية لجنحة تبديد أموال عامة غير ثابتة، كما انه لم يثبت بأي وسيلة من وسائل الإثبات المعتبرة قانونا ما يفيد قيام الظنينين بتبديد أموال الجماعة القروية. رفض الطلب).الأستاذ وهابي رشيد    المحامي بهيئة الجديدة.

  • ...
    الإساءة إلى المؤسسة القضائية .. لفائدة من يا ترى؟

    بات لافتا في الآونة الأخيرة أنه في الوقت الذي ارتقى فيه دستور المملكة بالقضاء إلى سلطة مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية ومنع كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء تضرر جهات عديدة أضحت تختبأ وراء صفحات مجهولة لشيطنة هذه المؤسسة، التي تكتسي أهمية خاصة، باعتبارها أهم ضمانة لاحترام حقوق الانسان وحماية مصالح الأفراد والجماعات، وباعتبارها الآلية المعهود إليها ضمان سيادة القانون، ومساواة الجميع أمام مقتضياته؛ ضاربة عرض الحائط مجهودات جبارة تبذل على مستوى المجلس الأعلى للسلطة القضائية بخصوص تخليق هذا المرفق، ودون الالتفات إلى أن المجلس المذكور يبقى من أكثر المؤسسات صرامة في التعامل مع الحالات الشاذة للفساد داخله وفق الضمانات القانونية؛ بل إنه يعد من بين المؤسسات القليلة التي تضع رهن إشارة عموم المواطنين رقم أخضر للتبليغ عن الرشوة، وهو معطى مهم لتعزيز النزاهة داخل المؤسسة القضائية، هذا دون الحديث عن أرقام حالات الطرد من الوظيفة والملاحقة الجنائية لكل من ثبت في حقه ما يستدعي السجن؛ والتي يشير إليها في بلاغاته الصادرة عنه دون أدنى عقدة أو مركب نقص. ومادام الشيء بالشيء يذكر ونحن نتحدث عن النزاهة فإن أقل شيء مطلوب فيمن ينادي بالإصلاح من خلف الصفحات المجهولة ألا يختبأ خلف أسماء مستعارة، لأن الإصلاح يتطلب جرأة في القول والفعل، وطرح الأفكار والمقاربات الكفيلة بإثراء النقاش حول ما نريده من مؤسسات وطننا بالنظر إلى أن القضاء يعتبر شأنا مجتمعيا يخص كل المغاربة.غير أن ما نراه اليوم هو بخلاف كل المطالبات الجادة والهادفة مطلقا؛ وإنما يتعلق الأمر بمحاولة الرعاع توجيه القضاء بعواطفهم الرعناء وتهورهم المدمر وتوجيهه تبعا لرغباتهم الحمقاء. وفي هذا الإطار تم تجنيد "مطرودي المدارس" و "ضحايا الهدر المدرسي" و "أصحاب العاهات النفسية" في محاولة يائسة لجر القضاة والمؤسسة القضائية إلى اللهو العام الذي استأسد وساد في زمن التفاهة الذي أضحينا نعيش أيامه الرديئة بتفاصيل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المروي عن أبي هريرة حين قال: "سيأتي على الناس سنوات خداعات؛ يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة.. قيل وما الرويبضة؟ ..قال الرجل التافه يتكلم في أمر العامة". ونحن نستحضر قول رسول الله عليه أزكى الصلاة والسلام.. دعونا نتساءل بكل نزاهة وجرأة؛ من يتصدر اليوم المشهد العام ويحلل ويناقش ويفتي دون معايير علمية أو أسانيد رأي معتبرة لدى أهل العلم؟ وهذا الأمر يحيلنا على كتاب "نظام التفاهة" للأستاذ "آلان دونو" (جامعي – دكتور في الفلسفة من جامعة باريس وأستاذ محاضر في علم الاجتماع بجامعة كيبك الكندية) الذي حاول من خلاله وصف واقع تسيد فيه التافهين والجاهلين وذوي البساطة الفكرية للمشهد العام، ويشرح الأستاذ "دونو" أن تحصيل التافهين للمواقع لأي سبب من الأسباب يجعلهم يبحثون عن أشخاص تافهين مثلهم لتحصين موقعهم، وعلى أساس هذا التخوف على الموقع تبنى بالتدريج شبكة من التافهين تحصن فيها كل نقطة بقية النقاط في الخريطة الاجتماعية، ومن تم إسباغ التفاهة على كل شيء. لهذا لا تستغرب وأنت تتصفح هاتفك فيغمرك "سيل جارف" من المحللين والمفكرين والخبراء وغيرهم من الرويبضاء التافهين، مصداقا لقول الشاعر:       خنافس الأرض تجري في أعنتها +++ وسابح الخيل مربوط إلى الوتد. وفي النهاية لابد من الإشادة برزانة وحكمة الجمعيات المهنية للقضاة وفي طليعتهم الودادية الحسنية للقضاة ونادي قضاة المغرب التي انتبهت إلى "المنحدر" الذي يحاول الحاقدون جرهم إليه؛ وتفرغوا للبت في قضايا المواطنين بما يرضي الله ويتوج الوطن ويفرح الملك، وتلك هي غاية الغايات؛ مستلهمين صبرهم على الأذى من قوله تعالى "وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين"..