تنامي حوادث القنص في المغرب.. بين غياب التأطير وتعطيل القوانين
تنامي حوادث القنص في المغرب.. بين غياب التأطير وتعطيل القوانين


يشهد موسم القنص في المغرب، مع بداياته كل سنة، ارتفاعًا لافتًا في عدد الحوادث المرتبطة بسوء استعمال السلاح، مما يطرح تساؤلات جدية حول مدى تأطير هذه الممارسة وضبطها قانونيًا وأخلاقيًا. فالقنص، الذي كان يُنظر إليه تاريخيًا كرياضة تراثية ومجال يحترم فيه الإنسان التوازن البيئي، أصبح في الكثير من الأحيان مصدر تهديد للأرواح وللتنوع البيولوجي، نتيجة غياب التكوين، وانعدام الوعي بالقوانين المنظمة، وضعف الرقابة على من يمارسونه.
المرجع القانوني الأساسي الذي يُفترض أن يُنظم عملية القنص بالمغرب هو الظهير الشريف الصادر بتاريخ 15 يوليوز 1923، والذي ينص بوضوح في أحد مواده على ضرورة اجتياز القناص امتحانًا قبل منحه رخصة القنص، وذلك ضمانًا لتوفره على معارف قانونية وتقنية وأخلاقية تخول له حمل السلاح واستعماله بطريقة مسؤولة. لكن في الواقع، فإن هذا النص، رغم أهميته التاريخية والتشريعية، لا يتم تفعيله بالشكل المطلوب، حيث تمنح الرخص غالبًا بمجرد أداء الرسوم السنوية والانخراط في جمعية قنص، دون أي شرط معرفي أو اختبار تقني. هذا التهاون في التطبيق ساهم بشكل مباشر في ارتفاع عدد القناصة الذين يجهلون القوانين، ولا يمتلكون أي تكوين حول وسائل السلامة أو طبيعة الطرائد، ما جعل عددًا منهم يتحول إلى مصدر خطر فعلي داخل المجال الغابوي أو القروي.
الجمعيات المحلية للقنص، والتي يفترض أن تلعب دورًا محوريًا في تأطير أعضائها وتوعيتهم، أصبحت في أغلب الحالات مؤسسات شكلية تكتفي بجمع انخراطات سنوية دون تقديم أي برنامج تكويني أو عقد جموع عامة شفافة، بل إن بعضها لا يحترم حتى الحد الأدنى من الشفافية القانونية، وهو ما يزيد من ضعف الثقة بين القناصة والإطار الجمعوي. وتغيب عن هذه الجمعيات أي مبادرة للتوعية أو التحسيس، بل تُسجل عليها حالات تقاعس واضح عن إبلاغ أعضائها بالقوانين الجديدة أو المستجدات التنظيمية التي تصدرها الجهات الوصية، مما يخلق فراغًا في التواصل والإرشاد.
أما الجامعة الملكية المغربية للقنص، وهي المؤسسة الوطنية المكلفة بالسهر على تنظيم وتطوير هذا القطاع، فهي الأخرى لا تقوم بدورها كما ينبغي. فعدد الدورات التكوينية التي تنظمها يبقى محدودًا جدًا، كما أن حضورها في مراقبة أداء الجمعيات أو الدفاع عن مصالح القناصة ضعيف إلى منعدم. لا تسهر الجامعة على تفعيل الجانب التكويني المنصوص عليه في الظهير الشريف، ولا تسعى إلى فرض شروط تأهيل حقيقية على من يطلبون رخصة القنص لأول مرة. كما أن دورها في الدفاع عن القناصة، خصوصًا في ملف ارتفاع أسعار الخرطوش أو توفير التأمينات المناسبة، يكاد يكون غائبًا. هذا الضعف في التمثيلية يترك القناص وحيدًا أمام ارتفاع التكاليف، دون دعم مادي أو قانوني، مما يخلق شعورًا عامًا بالتخلي والإهمال.
كل هذه الاختلالات مجتمعة ساهمت في خلق واقع غير منضبط لممارسة القنص، واقع تحكمه الفوضى في بعض المناطق، وتتكرر فيه الحوادث، وتُسجَّل فيه اعتداءات على الطرائد المحمية، واستعمال وسائل قنص ممنوعة، وانتهاكات واضحة لحرمة البيئة والسكان. ومما يزيد الوضع سوءًا أن أغلب القناصة الجدد لا يخضعون لأي تأطير، ويمارسون القنص كأنهم في فضاء بلا قانون أو توجيه. وهذا ما يحوّل القنص من نشاط ترفيهي راقٍ إلى تهديد محتمل للأمن البيئي والاجتماعي.
إصلاح هذا القطاع يبدأ بتفعيل نصوص قانونية موجودة منذ أكثر من قرن، وعلى رأسها شرط اجتياز الامتحان قبل الحصول على الرخصة، وفق ما ينص عليه ظهير 1923. وهذا الامتحان لا يجب أن يكون شكليًا أو إداريًا، بل ينبغي أن يكون متكاملًا، يجمع بين تكوين نظري في القوانين البيئية وسلوكيات القنص المسؤول، وتكوين عملي في استعمال السلاح والتعامل مع المواقف الخطرة. كما أن الجمعيات مطالبة بتحمل مسؤوليتها في تأطير أعضائها، تحت مراقبة فعلية من طرف الجامعة ومصالح المياه والغابات. ومن الضروري أيضًا أن تُعيد الجامعة هيكلة أدوارها، وتتحول من جهاز إداري إلى مؤسسة مرافعة وتكوين ومواكبة حقيقية. ولا يمكن الحديث عن تنظيم قطاع القنص دون التفكير في الجانب الاجتماعي والاقتصادي للقناص، حيث يجب دراسة إمكانية دعم أسعار الخرطوش، وتوفير التأمين، وتحسين ظروف ممارسة هذه الهواية بما يعيد لها قيمتها الثقافية والبيئية.
إن القنص ليس مجرد هواية أو وسيلة للترفيه، بل هو مسؤولية كبيرة على عاتق كل من يمارسه، تجاه نفسه، وتجاه المجتمع، وتجاه الطبيعة. وتفعيل القوانين القائمة، وعلى رأسها مقتضيات ظهير 1923، ليس مجرد إجراء قانوني، بل خطوة أساسية نحو تنظيم ممارسة القنص، وضمان سلامة الجميع، وحماية رصيدنا البيئي، وإعادة الاعتبار لمفهوم القنص المسؤول.

الجديدة بتاريخ 03 غشت 2025.

بقلم : أيوب محفوظ

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة