و لنا رأي في حملة 'زيرو كريساج'
و لنا رأي في حملة 'زيرو كريساج'

 لعل أبرز ما يروج داخل الساحة الفيسبوكية في الأيام الأخيرة , هو ما يعرف بحملة "زيرو كريساج" التي يطالب من خلالها داعمو هذه الحملة بتدخل أجهزة الدولة المسؤولة (المؤسسة الملكية-إدارة الأمن الوطني) للحد من مظاهر الجريمة و النشل و السرقة التي يتعرض لها المواطنون و المواطنات في شوارع و أزقة البلاد , هذه الحملة في طابعها و كفكرة برزت داخل العالم الافتراضي و لقيت تجاوبا كبيرا هم أيضا فنانين و مشاهير هي في الحد ذاتها بادرة ايجابية تهدف إلى تحميل الدولة المغربية مسؤوليتها في الحفاظ على أمن و سلامة المواطن , و لكن البديل المطروح للحد من مظاهر الجريمة و على رأسها السرقة هي مطالبة الدولة بتبني المقاربة الأمنية و الزجرية العقابية أي اعتقال و معاقبة كل من سولت له نفسه ممارسة السرقة و الاعتداء على العامة , صحيح أن المقاربة الأمنية هي ضرورية و أساسية في هذا الشق للمحافظة نوعا ما على السكينة , إلا أن ما يثير الانتباه هو عدم نجاعة هذه المقاربة في الحد من الظاهرة بشكل جذري و هنا تطرح أكثر من علامة استفهام , هل المسألة ترتبط بخلل في المقاربة الأمنية و القانونية الزجرية ؟ أم أن الاتكاء على هذه المقاربة دون تشخيص أسباب و مسببات بروز الظاهرة و علاجها يجعلها تدور في حلقة مفرغة دون نتائج ؟ .

إن ما يتبين على مستوى الواقع هو أن المقاربة الأمنية و القانونية لوحدها لم تعط أي نتائج لأن هناك أسبابا يجب معالجتها قبل الحديث عن الحد النهائي من الظاهرة , يجب أن نوضح أولا مسألة أساسية هي أن الدولة المغربية بسياستها التي لا تخدم مصالح الشباب و الطبقات الشعبية هي المتحمل الأول للمسؤولية و هنا تدخل عدة اعتبارات , الاعتبار الأول هو وضعية المدرسىة المغربية العمومية أو منظومة التعليم بالمغرب , فحسب الفهم و الاستيعاب المنطقي فإن أي شخص تلقى تعليما و تكوينا جيدا يجعل منه فردا مؤهلا لخدمة ذاته و الوطن أن يمارس السرقة , فعلى غرار فراغ المحتوى الفكري لبنية التعليم بالمغرب , فإن الدولة تحاول تصريف أزمة الاكتظاظ بعدم حل أزمة أخرى تتمثل في "العنف المدرسي" مما يخول لها الفرصة لتطبيق قرارات المجالس التأديبية و فصول الانظمة الداخلية للمؤسسات التي يمضيها التلميذ دون معرفة محتواها و بالتالي طرد التلاميذ في اتجاه الشارع و هذا جزء من فيلم اسمه "تراجيديا التعليم بالمغرب" , هنا تصبح المدرسة منشأ للاجرام و مشاريع المجرمين و في بعض الاحيان المتطرفين دينيا مع العلم أنها فضاء للتربية و التكوين , بعد الارتماء في احضان الشارع يسعى الشخص المطرود من المدرسة إلى اعادة صفحة جديدة في الحياة بعد فشل تجربة التمدرس فيسعى جاهدا إلى البحث عن عمل لضمان لقمة عيش كريمة فلا يجد عملا مع العلم أنه حق مشروع وفقا للدستور و المواثيق الدولية لحقوق الانسان و هنا ثاني اعتبار هو غياب الحق في التشغيل , و لكن هناك من يسعى جاهدا بمجهوده الذاتي فيمارس التجارة على الرصيف أو البيع المتجول فإذا به في يوم من الأيام يجد نفسه محاطا برجال القوات اللامساعدة بقيادة العم القايد و المقدمين منتزعين مصدر قوته اليومي بداعي احتلال الملك العمومي في غياب أي بديل و هنا ثالث اعتبار هو استبداد السلطة و تسلطها أو الحكرة بشكل عام , و هناك اعتبارات عديدة إذا حاولنا الغوص فيها فلا مجال لنا للعودة , غير أن ما أود إيصاله في هذا الصدد هو أن ثالوث الجهل-البطالة-الاستبداد لا يمكن أن ينتج لك مواطنا من طراز سكان المدينة الفاضلة كما تصورها أفلاطون , بل على النقيض من ذلك , فخلال احداث 16 ماي 2003 بالدار البيضاء أكدت الابحاث المتعلقة بالفاعلين الرئيسيين أنهم أبناء أحياء شعبية (كاريان سيدي مومن) أغلبهم يعاني الجهل و البطالة , و هنا فإنني لا أقدم مبررات تدفع الشخص إلى ارتكاب جريمة لسبب من ما ذكرت بل أشخص أبرز عوامل الظاهرة التي إذا عرفت تغييرا جذريا و الذي ليس من صالح الدولة المغربية المخزنية فلا خوف على فقدان الامن و ذلك في اطار جدلية الحق و الواجب , أما رفع المطالب بتبني المقاربة الامنية دون غيرها ما هي سوى دوران في حلقة مفرغة (سرقة-اعتقال-محاكمة-سجن-اطلاق السراح.) دون الغوص في وضعية السجين المهمش من الوظائف و الحقوق الوطنية و المدنية , لذا يجب اعادة تفكير مليا قبل اتخاذ أي بادرا بشكل دقيق و منطقي و واقعي.

 

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة