سيدي بنور : ورش الإصلاح بين التدبير و سوء التسيير‎
سيدي بنور : ورش الإصلاح بين التدبير و سوء التسيير‎

يبدو أن فوضى غريبة قد عبثت بأوراق ملف ورش إعادة تأهيل المدينة . فتبعثرت مكوناته في أرجائها أرصفة لم يكتب لها الثبات في أماكنها بالمرة لتغدو حافات الطرق كبقايا الأسنان في فم عاث فيه السوس تهديما و تنكيلا.

 

و تناثرت الحفر بيننا فجأة كسيل سح من عل، في إبدال تاريخي سيسجله علم الاصطلاح المعاصر لمفهوم الإصلاح الذي ظل بالإجماع يعني الانتقال نحو الأحسن ، ليتحول بقدرة نظرة بنورية متفردة وبممارسة ميدانيةتؤسس لنظريات جديدة  تفيد أنه صار يعني التقهقر إلى ما قبل الأصل .

 

حال المُنكبين على ورش الإصلاح في هذا الإقليم هو تقريبا حال الهبيلة في الموروث الشعبي عندما طلب منها الغناء ، فلا هي أطربت و لا هي صمتت و لا هي عرفت كيف تحافظ على الصورة التي كونها عنها الجميع عندما كانت فمها مزموما .

 

غبار، عبث، عشوائيات ، عربات مجرورة تقدر بالعشرات، آليات من مختلف الأصناف و الأشكال، أزبال ، روائح كريهة تستقبلك إن كنت قادما من مراكش من مطرح النفايات المهيب و تودعك في طريقك نحو الجديدة بمعتق أريج مخلفات الشمندر العجيب، في كل مكان باتت الفوضى و العبث أشياء مألوفة  تساهم في رفع مستوى الضغط الدموي و تزيد من نسب المنتحرين و نسب المصابين بالسكري و 'داء الغباري' نسبة إلى وباء الغبرة الذي يجتاح المنطقة مما يزيد من تنقيص أعمار الأمة(البنورية) إلى الستين . سُحب من الكآبة تتسلل رغم انف الجميع إلى أعماق التفاصيل و تملأ الأزقة ثم تقاتل بشراسة لتتسللمع أشعة الشمس و نسمة الهواء إلى عمق البيوت ورغم المحاولات المستحتة لنفضها تعود من جديد كذباب مسعور لتستقر على كل شيء قابل للاستقرار، في حرب تجد نفسك كمواطن مغلوب على أمره مجبر على الانخراط فيها بما تملك من العتاد و رباط الخيل  منذ أن تضبط زمنك على موجة يوم آخر و تفتح نافذتك لتتنسم تباشير الصباح.

 

في عرف المنكتين صار بعض المغتربين عندما يسأل من زار المدينة عن حالها يرد بسخرية مكلومة : قبل القصف أم بعده ؟ و لم يبق بعد ظهور الخلل الكبير إلا اللعب على جماليات شكلية من قبيل أعشاب جفت خضرتها احتجاجا–على ما يبدو- على الزج بها في اللعبة مرغمة ثم أعمدة إنارة لازالت تستمتع بأرديتها في انتظار مفتوح على ساعة الصفر للتعري حالها حال الجميع و لم يبق إلا نداء يعلق على اللافتات الشاغرة لتكتمل المهزلة، نداء نقترح في منطوقه :"أيها المواطنون و انتم تمشون في مناكب هذه المدينة حاولوا ألا تتجهموا حتى لا تزيدوا من بشاعتها يكفيها ما هي فيه من الأسى و الفوضى، حاولوا ايضا ألا ترفعوا أصواتكم حتى لا تزيدوا من نسب الضجيج المسجل في اختناقات المرور ببعض النقط التي حولتها بعض ملتقيات الطرق الغير مدروسة إلى نقط سوداء ، و حاولوا و هذا هو الأهم ألا تلتقطوا معها سيلفيات للذكرى امنحونا المزيد من الوقت  لنرمم ملامحها و نلبسها حلة أخرى" .

 

يتحجج البعض عندما تتاح لك فرصة استسفارهم في أروقة بعض المصالح أو في بعض المقاهيبالميزانية كالعادة و يستعيرون لسان الجرائد الصفراء و بعض الأقلام البنورية الإلكترونية الشريكة و الصديقة -في الكارثة طبعا-ليقدموا مبررات لها علاقة بضخامة  المشروع و شساعة الفكرةو الطموح و النظرة البعيدة المدى لإعادة التأهيل و ينسون أن كثرة الغبار و الحفر تؤدي إلى قصر النظر و العمرو ينسون و لاشك في هذا أن من قلبه على الدوار'يدبر' إنفاق السنتيم تدبيرا محكما و يحرص على إنفاقه في مكانه الصحيح قبل أن 'يبدر' المليون في غير محله.

 

ليس عيبا أن يحلم بعض المسؤولين بمظهر اجمل للمدينة ،ليس عيبا بالمرة أن يبالغوا في رؤيتهم حتى في تنفيد خطة الإصلاح  ، ليس عيبا أن يكون لنا أيضا ورد ينبث على جنبات الشوارعحتى و إن ترك للدواب ترعى فيه انى تشاء و نافورات و نصب تذكارية و أخشاب على شكل هياكل لازال الجميع يتساءل عن المغزى من تنصيبها اللهم إلا إن كان من باب نشر غسيل البعض و داكشي ..  ، العيب كل العيب أن تجروا معكمالمدينة على مسار الحلم جماعيا في برنامج لا يقبل التطبيق بالقدر الذي يقبل التمديد سنة ورا سنة ورا سنة ورا سنة ...ثم تتركون الجميع  في منتصف الحلم و تستقلون سيارات المصلحة و تغادرون ، تاركين  الجميع يخبطون 'الكعبية' باحثين عن سبيل العودة ..و لا سبيل، و في الانتظار صباحنا و امسياتنا..... حفر و عربات مجرورة  .

 

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة