التراث الحضاري بالجديدة في كف عفريت.. فهل يتحرك عامل الجديدة ''الدكالي'' معاذ الجامعي
التراث الحضاري بالجديدة في كف عفريت.. فهل يتحرك عامل الجديدة ''الدكالي'' معاذ الجامعي

ثمة مركب سياحي من 3 فنادق (فندق فرنسا وفندق المغرب وفندق الميناء)، منتصبة بشموخ في قلب عاصمة دكالة، يعود تاريخ تشييدها إلى ما قبل فرض الحماية الفرنسية على المغرب، سنة 1912.

فقد حظيت هذه المعلمة الحضارية باهتمام كبار الشخصيات الذين صنعوا التاريخ، كالمارشال (ليوطي)، الذي زارها، عند حلوله، في ال19 يوليوز 1913،  بمدينة الجديدة التي قال بالمناسبة في حقها أنها (الجديدة) "يجب أن تكون (الدوفيل) المغربي". شهادة نقشت بأحرف برونزية باللغة الفرنسية، على لوحة  تذكارية صخرية، مثبتة على جدار حديقة محمد الخامس، المعلمة التاريخية (حديقة محمد الخامس)،  التي تحمل، منذ فجر الاستقلال، اسم أب الوطنية المغربية،  والتي أضحت للأسف عرضة للإهمال والفوضى والتخريب الذي لم يستثن حتى "بورتري" المغفور له الملك محمد الخامس، الذي اختفى في ظروف غامضة، بعد أن اقتلعه "الوندال الجدد" (les néovandales)، من نصب تذكاري، كان يزين تلك الحديقة التاريخية، التي تطل على وحدة فندقية مهجورة (فندق مرحبا)، تعود إلى الحقبة الكولونيالية، وكذلك على الشاطئ الرملي، الذي مازالت صخوره تحمل أثار "الكازينو" الفرنسي الذي محاه من على وجه الجغرافيا والتاريخ، أعداء الحضارة.  

هذا، وتقع الفنادق الثلاثة المنتصبة في قلب عاصمة دكالة (فندق فرنسا وفندق المغرب وفندق الميناء)، في ما يعرف بمنطقة الارتقاء والحماية الخاصة بالحي البرتغالي. ما يجعلها تندرج  في التصنيف الذي خصت به منظمة اليونسكو، سنة 2004، الحي البرتغالي، كتراث حضاري عالمي. ما يعني أنها (الفنادق الثلاثة)، مشمولة بالقوانين ذاتها التي تسري على الحي البرتغالي، الذي صنفته اليونسكو تراثا إنسانيا وحضاريا. إذ يمنع من ثمة فيها الهدم والبناء والتعمير، دون موافقة المصالح المختصة لدى وزارة الثقافة بالجديدة، وبصفة خاصة، مركز التراث المغربي–البرتغالي.

وبالمناسبة، فقد باشرت لجنة وطنية مختلطة، شهر أبريل 2015، مسطرة تقييد الفنادق الثلاثة كتراث وطني. ما يجعلها كذلك مشمولة بحماية القوانين الوطنية وقوانين اليونسكو. وهذا ما يلزم  صاحب الأشغال الحصول على رخصة من قبل المصالح المختصة، ممثلة أساسا في مندوبية وزارة الثقافة بالجديدة، ومركز التراث المغربي–البرتغالي، كشرط أساسي لاستصدار رخصة الهدم والبناء، تسلمها إياه، في حال استيفاء الشروط القانونية، المصلحة المختصة  بالجماعة الحضرية للجديدة، التي يرأسها استقلالي.

وعلمت الجريدة من مصادرها الخاصة أن المالك الجديد للمركب الفندقي، كان أدلى للسلطة المحلية بالجديدة، صاحبة  الاختصاص الترابي، ممثلة في المقاطعة الحضرية الثانية، بملف غير مكتمل، تنقصه رخصة الهدم. حيث أنذرته من ثمة السلطة المحلية بعدم مباشرة عملية الهدم.

والمثير حقا للجدل أن قرار تقييد الفنادق الثلاثة الواقعة في منطقة الارتفاق بالجديدة، كتراث وطني، والذي أصدرته بإجماع أعضائها، اللجنة الوطنية المختلطة التي اجتمعت، شهر أبريل 2015، بمقر مديرية التراث الثقافي بالرباط، برئاسة وزارة الثقافة، في عهد وزيرها محمد أمين الصبيحي، المنتهية ولايته، لا يوجد له البتة أثر في الجريدة الرسمية

وينتظر المتتبعون للشأن العام أن يعمد وزير الثقافة الجديد، في الحكومة التي سيشكلها عبد الإله بنكيران، والتي أفرزتها صناديق الاقتراع برسم الانتخابات التشريعية، الجمعة 7 أكتوبر 2016، أن (يعمد) إلى نشر قرار التقييد في الجريدة الرسمية، بعد أن لم يتمكن من نشره أو تخلف عن نشره وزير اثقافة، المنتهية صلاحيته.

وحسب مصدر مسؤول، فإن أشغال الهدم داخل الفنادق الثلاثة، التي اعتبرها تحفة معمارية ناذرة، يعود تشييدها إلى بدايات القرن العشرين، إلى ما قبل إعلان التوقيع على عقد الحماية، سنة 1912، قد تكون انطلقت، قبل متم شهر غشت 2016، مباشرة بعد إفراغ أصحاب الفندق الثلاثة، المسؤولين على تسييرها (أصحاب الرسم التجاري للمؤسسة الفندقية). فالأشغال تجري في خفاء، ويصعب ضبطها.

وحسب ما عاينته الجريدة، فإن بناية هذه الفنادق محاطة بسياج حديدي بارتفاع يزيد عن مترين، على طول واجهتيها المطلتين على شارع السويس وزنقة "ليكسول"، بجانب المعلمة التاريخية "الكوهن" (مقر أول بريد بالجديدة)، الذي بناه المعمر الفرنسي، سنة 1914، والذي يعتبر بدوره تحفة معمارية آية في الجمال، فريدة من نوعها، كان صدر في حقها قرار جماعي بالهدم. ما ينذر بطمس  صفحة مشرقة من تاريخ وحضارة المغرب.

 وبالرجوع إلى السياج الحديدي الذي يحيط بالمركب الفندقي، فهو محكم الإغلاق 24 ساعة/24 ساعة، و7 أيام/7 أيام، وبدون منافذ خارجية، باستثناء باب من القصدير، يكون دائما مصفدا بسلسلة وقفل من الخارج، أو بالسلسلة والقفل ذاتهما من الداخل. فالإغلاق من الداخل، عندما يكون عمال البناء منهمكين في أشغال الهدم، داخل المركب الفندقي، ومن الخارج، عندما ينتهون من أشغالهم، ويخلدون ليلا للنوم، أو يسافرون في الأعياد.

وعلمت الجريدة أن المالك الجديد للمركب الفندقي استصدر، سنة 2012، قرارا بلديا بالهدم، بعد أن استصدر، مطلع السنة ذاتها (2012) خبرة من مكتب متخصص في الدراسات التقنية، حذرت من كون بناية المركب الفندقي آيلة للسقوط، في ظرف الأيام الخمسة عشرة (15) الموالية.

 وتجدر الإشارة إلى أن قرار الهدم يمكن استصداره، تبعا لطبيعة البناية، موضوع الطلب، إما عن طريق الجماعة الحضرية، أو عن طريق المحكمة، أو الجهة الوصية على التراث (مندوبية وزارة الثقافة ومركز التراث المغربي–البرتغالي.

هذا، وكانت مسألة هدم المركب السياحي المكون من الفنادق الثلاثة (فندق فرنسا وفندق المغرب وفندق الميناء)، أثارت استياء فعاليات المجتمع المدني، والمهتمين بالتراث الحضاري والإنساني. حيث خاضوا نضالات مستميتة، ووقفات احتجاجية، وشكلوا حاجزا بشريا وسدا منيعا في وجه "تراكسات" الدمار، التي تطوي في رمش العين، حقبا من تاريح وحضارة البشرية.

إلى ذلك، أكد المصدر المسؤول ذاته، أن عملية الهدم جارية  داخل المركب الفندقي، المحكم الإغلاق من الخارج بسياج حديدي وباب من قصدير، مصفد على مدار ساعات اليوم، (جارية) في غياب إشهار رخصة الهدم أو البناء، على إحدى الواجهات الخارجية، المطلة على شارع السويس، وزنقة "ليكسول"، والزنقة الخلفية.

وتتم عملية الهدم في غياب الجهات الوصية والمعنية، التي من المفروض أن تسهر على مراقبة وتتبع أشغال الهدم والبناء داخل المدار الحضري للجديدة، وكذا، في ظل حياد السلطة المحلية التي من المفترض أن لا تنام أعينها وأذانها، سيما أن مقر المقاطعة الحضرية الثانية، الكائن بالجوار، لا يبعد إلا بأقل من 5 دقائق مشيا على الأقدام.

هذا، وعاينت الجريدة عن كثب أشغال الهدم داخل المركب الفندقي (الفنادق الثلاثة)، المكون من طابق سفلي وطابقين علويين، والتي همت جزءا كبيرا من الأسقف (..). وقد يكون حريا أن تتم إزالة الأسقف المبنية بعضها بأعمدة خشبية، مع الإبقاء على الجدار المشيدة بالإسمنت المقوى (قطبان الحديد المتين..). وعليه، فإن تواصل عملية الهدم  ينذر بفقدان تماسك البناية برمتها من الداخل. ما من شأنه أن يؤثر على الوجهات الخارجية، المزمع الحفاظ عليها، والتي قد تتهاوى جدرانها، إما بفعل التصدعات التي قد تطالها، جراء عملية الهدم التي تتم بالداخل، أو بما قد تحدثه الأمطار الغزيرة والرياح القوية، في فصل الشتاء (...). ما قد تنجم عنه، لا قدر الله، كارثة عير محسوبة العواقب. وهذا ما قد يفرض، في حال سقوط أو تصدع الواجهات المزمع الحفاظ عليها، الأمر الواقع، أمر هدم البناية برمتها، بما فيها الواجهات الخارجية، درءا للأخطار المحدقة، ومن ثمة، إعادة تشييدها بمواصفات ومعايير مغايرة لتلك الأصلية—الأصيلة، المتجذرة في تاريخ المغرب.

هذا، فإن مآثر تاريخية وحضارية بالجديدة (الحي البرتغالي – قصبة بولعوان..)، قد طالها الإهمال، وعاث فيها "الوندال الجدد" خرابا ودمارا. فهل تستفيق من سباتها فعاليات وحساسيات المجتمع المدني، وتتحرك السلطات، وفي طليعتها عامل إقليم الجديدة، معاذ الجامعي، الذي مافتئ يتغنى في المحافل والملتقيات، بلكنته "الفاسية"،  بكونه "دكالي"، وبكونه ينتسب إلى "دكالة"، وهو في ذلك قد يكون محقا بحكم "الأقدمية"، ما دامت ولايته على رأس إقليم الجديدة، قد عمرت طويلا (6 سنوات).. وذلك حتى لا يفهم تغنيه ب"دكاليته" على أنه مجرد "ديماغوجيا شعبوية"، للاستهلاك.. وتلميع صورة سعادته؟!

ومن جهة أخرى، حاولت الجريدة الاتصال برئيس المجلس البلدي بالجديدة (من حزب الاستقلال)، وبصاحب المركب الفندقي بالجديدة، لاستجلاء حقيقة أمر عملية الهدم الجارية في منطقة الارتفاق (الحماية).. ولإبداء رأيهما، في إطار التقيد بأخلاقيات الصحافة، وبمبدأ الرأي والرأي الآخر، تنويرا للرأي العام وللمتتبعين للشأن العام، والمهتمين بالتراث الحضاري والمآثر التاريخية.. إلا أن هاتفيهما ظلا يرنان ولا يجيبان. ولم يفعلا لاحقا، رغم توصلهما برسالتين نصيتين (SMS)، على محموليهما.

إلى ذلك، يرى المهتمون أن بالإمكان الحفاظ على التصميم المعماري الأصلي، والمعالم الداخلية والخارجية الأصيلة للفنادق الثلاثة (المركب الفندقي)،  الكائنة ترابيا ومكانيا في منطقة الارتفاق بالجديدة، غير بعيد عن الحي البرتغالي، الذي صنفته اليونسكو تراثا حضاريا وإنسانيا، وذلك من خلال تقوية بنيتها وبنايتها وأسقفها. وهذا أمر سهل المنال وممكن تصوره وتحقيقه على أرض الواقع، سيما أن هذه المعلمة الحضارية والتاريخية، ظلت قائمة على حالها، بعد 5 سنوات عن استصدار الخبرة التقنية، مطلع سنة 2012، والتي حذرت من سقوطها في الأيام الخمسة عشرة (15) الموالية. فهذا المركب الفندقي يمكن أن يصمد، على حاله وحالته الراهنين،  مئات السنين.. مقارنة مع عمارات شيدت، منذ قرون، في مناطق مختلفة على وجه البسيطة، وبمعدات وتقنيات وأساليب غير متطورة..  قاومت الطبيعة وعوامل التعرية، ومازالت قائمة وصامدة.

هذا، فأينما مر "الوندال الجدد"، إلا وعاثوا دمارا.. خراب على خراب. وهذا ما تشهد عليه مآثر تاريخية.  فالحي البرتغالي (الملاح) هبش أسواره الباحثون عن الكنوز، رغم كون منظمة اليونسكو صنفته تراثا حضاريا عالميا. فالخراب تفاقم في ظل تقاعس الجهات المعنية والقائمين على تدبير شؤون البلاد والعباد. ما اعتبره "أعداء الحضارة" ضوءا أخضر. خراب يزداد فتكه، عندما تتداخل المصالح، ويطغى نفوذ أصحاب المال والجاه، والمتحصنين في المواقع السياسية، الذين، على ما يبدو، "يعلون على القانون ولا يعلا عليهم".

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة