تحقيق : ''باراج البوليس'' بالجديدة تحت المجهر
تحقيق : ''باراج البوليس'' بالجديدة تحت المجهر

عند مدخلي عاصمة دكالة من جهتي الشمال والجنوب، قدوما من الدارالبيضاء ومراكش، عبر الطريق الوطنية رقم 1، ينتصب سدان قضائيان يعمل فيهما بنظام التناوب 4X8 أمنيون مكلفون بالمراقبة، ينتسبون إلى فرق وأقسام المصلحة الإقليمية للشرطة القضائية والدوائر الأمنية الخمسة ومصلحة حوادث السير بالاضافة الى الهيئة الحضرية.


تعطيل القرارات المديرية:

على غرار السدود القضائية التي تم تفعيلها منذ حوالي 4 سنوات بموجب قرار مديري في المصالح الأمنية اللاممركزة، أبان السدان القضائيان بالجديدة عن نجاعة في  إيقاف العديد من المبحوث عنهم في قضايا جنائية وجنحية، من قبل المصالح الشرطية والدركية في المغرب. نجاعة تعود أساسا إلى اليقظة والحيطة التي يتحلى بها  ضباط الشرطة وحراس الأمن، الساهرون على  المراقبة، والذين يؤدون واجبهم المهني بتفان ونكران الذات. وهذا ما يجر إلى استحضار "ثقافة الواجب والحق"، اللذين هما وجهان  لعملة واحدة ينصهران في شخص الموظف الشرطي.. أو بعبارة أدق، هذا ما يجر إلى وضع ظروف عمل المكلفين بالمراقبة عند سدي الجديدة،  "تحت المجهر"، من خلال مقاربة ومقارنة المهام الجسيمة المنوطة بهم والتي يسدونها في إطار الواجب المهني (مقارنتها) بالحق أو الحقوق التي يجب أن يحظوا بها، سيما أن منهم من تقدم بهم السن أو لهم ظروف اجتماعية وأسرية استثنائية أو يعانون من أمراض مزمنة تلزم إحالتهم على مراكز عمل "غير متحركة" (sédentaires)، خاصة أن منهم  من أدلوا للمديرية العامة للأمن الوطني بملفات صحية، تم إخضاعهم على إثرها للجنة صحية بالرابط، أصدرت توصياتها بإعفائهم من مناصب عمل قد تنعكس سلبا على وضعهم الصحي المتأزم أصلا، كما الشأن بالنسبة لضابط الشرطة الحسين صبار.. إلا أن المسؤول الأمني الأول بالجديدة "عزيز بومهدي" ضرب عرض الحائط بالقرارات المديرية التي استندت إلى تقارير لجنة صحية. فبالنسبة لهذا الضابط الذي أوردت الجريدة حالته،  على سبيل المثال، فقد كان خضع منذ حوالي 4 سنوات لخبرة طبية لدى لجنة صحية بالرابط. حيث جرى تبعا لذلك نقله، في عهد رئيس الأمن الإقليمي السابق، والي الأمن "نور الدين السنوني"، من مركز عمله الأصلي بالدائرة الثانية للعمل في مركز "ثابت" بالمصلحة الإدارية الإقليمية بأمن الجديدة. لكن الوضع سرعان ما تغير في عهد المسؤول الأمني الحالي والذي أخرج ضابط الشرطة "الحسين صبار" للعمل في "الباراج" دون مراعاة لحالته الصحية بسبب معاناته من مرض مزمن، ودون اعتبار حتى للقرار المديري الذي استند إلى تقرير اللجنة الطبية المختصة.


تباين في استراتيجيات العمل:

قبل الخوض في مسألة "الواجب والحق" أو "الواجبات والحقوق"، التي يتعين أن يحظى بها القائمون على المراقبة في "الباراج" بالجديدة، تستحضر الجريدة حالة السدود القضائية بمدينة الرباط وكذا ظروف العمل فيها. سدود ذات مواصفات قانونية تراعي ظروف العمل فيها مقارنة مع سدي الجديدة، (تستحضر) إنسانية رجال الأمن وتحفظ كرامتهم وتصون اعتبارهم.

إن واقع الحال وحال الواقع تجعلان المتتبعين للشأن الأمني يقفون وقفة تأمل وانبهار أمام  استراتيجيات عمل بعض المسؤولين اللاممركزين، وسيما في ما يتعلق بظروف عمل المرؤوسين من نساء ورجال الأمن الوطني، وكذا الجانب المتعلق بالخدمات الاجتماعية (...). ما يجعل بعض المسؤولين يشكلون الاستثناء، بتعارضهم  والاستراتيجية المديرية الجديدة.


خدمات دون المستوى:

إن الخدمات الاجتماعية بأمن الجديدة لا ترقى إلى المستوى الملطلوب وإلى انتظارات وتطلعات موظفي المديرية العامة للأمن الوطني. وهنا تستحضر الجريدة، على سبيل المثال، المقاصف (les foyers)، المغيبة، على خلاف المصالح الأمنية اللاممركزة في المغرب، (المغيبة) في مفوضيتي الشرطة بأزمور والبئر الجديد وفي المفوضية الخاصة بميناء الجرف الأصفر (شرطة الحدود) وفي ثكنة مجموعة التدخل السريع،وفي المنطقة الأمنية الإقليمية لسيدي بنور وأيضا في مفوضية الزمامرة، باستثناء مقر أمن الجديدة، الذي تبقى  فيه "رديئة جدا" جودة الخدمات التي يقدمها "المقصف" أو "ما يشبه ذلك"، والذي يفتح أبوابه حوالي الساعة التاسعة صباحا وإلى غاية الرابعة عصرا. 

وهذا الموضوع، موضوع المقاصف بالأمن الإقليمي للجديدة، جدير بتحقيق خاص، بالنظر إلى الاعتمادات المالية المهمة التي تخصصها للمقاصف، المديرية العامة للأمن الوطني (مديرية التجهيز والميزانية/DEB)، وكذا بالنظر إلى الأهمية القصوى التي تحظى بها (المقاصف) في الاستراتيجية المديرية التي اعتمدها عبد اللطيف الحموشي، والتي تروم تحسين جودة ظروف عمل نساء ورجال الأمن الوطني، والتي من نتائجها الفورية الرقي بمردودياتهم وبالخدمات الأمنية والإدارية التي يسدونها.


"الباراج".. قسوة:

بعد أن كانت الجريدة عرضت على أعمدة موقعها الإلكتروني، على امتداد أكثر من سنة، جملة من التحقيقات والمقالات الصحفية الموثقة والموثوقة،  عدت فيها "بالجملة" وبالواضح والملموس وبالحجج والأدلة المادية الدامغة (مستندات – مساطر  قضائية مرجعية – إحصائيات – نازلات ...)، ما عرفته المصالح الأمنية بالجديدة في عهد رئيس الأمن الإقليمي "عزيز بومهدي"، من خروقات مهنية جسيمة، ومن زيارات لجن التفتيش المركزية ومن عقوبات تأديبية، جعلتها تحطم الرقم القياسي في المغرب، مقارنة مع المصالح الأمنية اللاممركزة... فإن تركيز الجريدة سيكون على السدين القضائيين بالجديدة، اللذين توصف ظروف الاشتغال فيهما ب"المزرية" و"القاسية"، والتي تنال من إنسانية وكرامة واعتبار الموظفين الأمنيين المكلفين بالمراقبة.. وخاصة في انعدام أبسط مقومات وشروط العمل (مخادع – قفازات – ملابس واقية – معاطف بلاستيكية..)، وتعرضهم  صيف–شتاء، لقسوة الظروف المناخية، سيما  فصل التساقطات (الشتاء – الضباب الكثيف – الرياح القوية..)، وبالخصوص ليلا،  لقرب السد القضائي، السد المنتصب عند المدخل الشمالي، من البحر، الذي لا يبعد عنه إلا ببضعة أمتار. حيث تتبلل ملابس الأمنيين، الذين يحظر عليهم الجلوس على الكرسي الوحيد، أو الاختباء خلف الشجيرات بالجوار، أو حتى مغادرة رقعة عملهم، ولو  لأسباب اضطرارية وطارئة، وحتى لقضاء حاجاتهم الطبيعية التي لا تستحمل الانتظار، تحت طائلة المساءلة الصارمة، وإحالتهم على المصلحة الإدارية الإقليمية، لإنزال  عقوبات مديرية عليهم، على غرار العقوبة التأديبية التي تلقاها  الموظف الأمني محمد مرموش، ضابط الشرطة بالدائرة الثالثة.


تجاهل قسوة ظروف العمل:

إن ظروف العمل المزرية والقاسية في "الباراج"، يعرفها حق المعرفة المسؤول الأمني الإقليمي عزيز بومهدي، بحكم تردده بشكل يومي، ذهابا وإيابا، مرورا عبر السد القضائي، عند المدخل الجنوبي لعاصمة دكالة، على ضيعته (ranch) ، التي قام، بمجرد تعيينه في ال26 أبريل 2014، على رأس الأمن الإقليمي للجديدة، بتشييدها بتراب جماعة الحوزية، بإقليم الجديدة، وتحديدا في دوار "الدحامنة"،  والتي تكلف بالمناسبة بأشغال بنائها رئيس جماعة قروية، يعمل ابنه (ز. ص.) موظفا أمنيا بالجديدة.. وكذا، بحكم تردده، الصيف الماضي (شهر غشت)، رغم كونه لم يكن وقتها في عطلته السنوية أو في إجازة استثنائية، (تردده) يوميا، في حدود ما بعد الساعة الرابعة عصرا، على إقامة سياحية فاخرة في منتجع الحوزية (13 كيلومترا شمال مدينة الجديدة)، منحها إياه شخص معنوي (إدارة مؤسسة)، على غرار الإقامة الفاخرة الكائنة في شارع ابن تومرت، والتي  استفاد منها، خارج الضوابط المهنية والإدارية، ويشغلها سكنا رئيسيا. وهذه الإقامة الفاخرة التي أثارت جدلا واسعا، هي  بدورها في ملكية الوكالة المستقلة الجماعية لتوزيع الماء والكهرباء بالجديدة.. علما أن المديرة العامة للأمن الوطني تخصص لرئيس الأمن الإقليمي للجديدة، تعويضات باهضة عن السكن والمسؤولية، تناهز 12000 درهم.

كما أن الظروف المزرية والقاسية في "الباراج"، كان رئيس الأمن الإقليمي عاينها عن كثب، عندما حل، في حدود ما بعد منتصف ليلة باردة وكثيفة الضباب من سنة 2015، بالسد القضائي عند المدخل الجنوبي للجديدة. وكان مرتديا معطفه (طغوا كار)، داخل سيارته المكيفة. حيث وجد الأمنيين المكلفين بالمراقبة (ضابط الشرطة إدريس أكرد ومساعديه)، يسخنون على نار من حطب (feu de bivouac)، أيديهم التي كاد الدم يتجمد في عروقها. إذ أحالهم على المصلحة الإدارية الإقليمية، للاستماع إليهم، بغاية إنزال عقوبات تأديبية  في حقهم. لكن المسؤولين المركزيين فهموا وتفهموا لحسن الحظ الوضع.


الاحتذاء بوالي أمن الرباط:

إن ظروف العمل "المزرية " و"القاسية" في السدين القضائيين بالجديدة، تجر إلى التساؤل عما يمنع  رئيس الأمن الإقليمي للجديدة، عزيز بومهدي، من الاحتذاء بتجربة والي أمن الرباط، مصطفى مفيد (ابن منطقة دكالة)، والذي له على المسؤول الأمني بالجديدة،  فضل كثير وكبير (...). هذا المسؤول الأمني  (الوالي مفيد) الذي حركه وتحرك في قلبه الإحساس الصادق ب"الإنسنية"، باعتباره  بشرا من لحم ودم وأحاسيس ومشاعر، وعمد إلى "أنسنة" ظروف عمل الموظفين الأمنيين بالسدود القضائية الأربعة، التابعة لنفوذه الترابي والأمني، من خلال تمكينهم من مخادع (box/abris)، تقيهم صيف–شتاء، قسوة عوامل التعرية والطقس، وتراعي إنسانيتهم، وتحافظ على كرامتهم، وتصون اعتبارهم، الذي هو من اعتبار جهاز الأمن الوطني. هذا المرفق الذي اعتمد في عهد مديره العام عبد اللطيف الحموشي، ابن الشعب"، المتشبع بالقيم الأخلاقية وبحقوق الإنسان، والذي حظي باعتراف وتقدير رؤساء وزعماء بلدان العالم المتحضر، وباحترام المغاربة أجمعين، (اعتمد) استراتيجيته مديرية جديدة، تروم تخليق المرفق الشرطي، وترشيد النفقات، والرقي بجودة خدماته، والارتقاء بالظروف الاجتماعية للموظفين الأمنيين. استراتيجية  يمر تحقيقها، أولا وقبل كل شيء، عبر "أنسنة" ظروف عمل نساء ورجال الأمن الوطني.

 


الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة