فًنـدق الباشـا.. أقدم أماكن استقبال المشردين والمتسولين بالجديدة يكتري فيه الزبناء 'الدص' بـ10 دراهم
فًنـدق الباشـا.. أقدم أماكن استقبال المشردين والمتسولين بالجديدة يكتري فيه الزبناء 'الدص' بـ10 دراهم

من بين ما تعرف به الجديدة "فَندق الباشا" الذي يزيد عمره عن 60 سنة، وهو عبارة عن مؤسسة إيواء تحيلنا على المغرب العميق بكل نقائصه. لا مكان للكرامة هنا. مواطنون يعيشون على هامش المجتمع في ظروف قاسية، يكترون “الدص” بـ10 دراهم لليلة. كل شيء بهذا "الفَندق" (بفتح الفاء) نختزله في مأوى مصنف تحت الصفر لمواطنين حتما غير مصنفين.

ينسب فَندق الباشا، المتواجد قرب "كرمة بوشريط"، إلى مشيده الأول الباشا حمو الهادي، أحد الباشوات الذين سارت بذكرهم الركبان بين 1940 إلى مابعد 1956. قرر الباشا تشييد مسجد بشارع بوشريط في 1370 هجرية التي وافقت 1949 ميلادية، وحول أرضا خلاء بجانبه إلى فندق، يبيت فيه كل من لا بيت له في الجديدة من الناس الذين يقدمون إليها من أجل بيع البيض والدجاج أو لقضاء أغراض بمحكمة السدد آنذاك أو الذين يحجون إلى “سبيطار” بوشريط لأجل فحص على الأمراض الصدرية. زمن الباشا كان المبيت مجانا بينما كانت الدواب تبيت بفندق حميدو المجاور.

 

غرف ضد الكرامة

يتكون فندق الباشا من 36 غرفة فردية وغرفتين للمبيت الجماعي، توحي للناظر إلى هذه البنية الإيوائية، أنه لربما أخطأ الطريق إلى سجن من سجون سنوات الرصاص وأن الجديدة حتما لم تتصالح مع ماضيها.

مواطنون يكترون “الدص” ب10 دراهم لليلة، لأن الغرف لا تتوفر على أفرشة. الكارطون وحده يعوضها. وكل ملامحهم عنوان لوضع بئيس إنهم على هامش المجتمع ، لكل واحد منهم قصة بؤس بأسباب مختلفة.

قال أحدهم بعد أن تنفس الصعداء “عائلتي أكلت إرثي ورمتني إلى الشارع، أنا مقيم هنا منذ أزيد من 15 سنة وهناك امرأة مقيمة منذ 40 سنة”، يضيف “راحنا معدين حتى نقبارو”.

في مكان ما من الفندق شخص يمسك بعضا من الشيبة استعدادا لتهييئ إبريق من الشاي أساسا هو والخبز الوجبة الرئيسية والدائمة لجل النزلاء، قال “جئت للتسول بمناسبة العواشر كان ذلك قبل 10 سنوات لكنني أصبحت مقيما دائما. أشهر “الطلابة” تخرجوا من هذا الفندق”، ويستطرد حتى الدغوغي أشهر مقتلع للأسنان باللقاط كان نزيلا هنا، بل العديد من الحلايقية والمتسولين.

 

الدولة تراقب الفندق

منذ زمن طويل كانت الدولة تعرف أن فندق الباشا مؤسسة خارج التصنيف، وتصفه بأنه مصنع لأشهر المتسولين، بل إنه توأم فنادق مصرية ذكرها نجيب محفوظ في روايته زقاق المدق التي صدرت في 1947، وتحدث فيها عن شخصية زيطا صانع العاهات لاستدرار عطف المتصدقين الذي له أشباه بفندق الباشا.

كانت الأمور هكذا في فندق لم تكن تتذكره السلطة والأحزاب السياسية إلا كلما حان موعد الانتخابات لاستغلاله قاعدة ولاءات انتخابية لفائدة مترشحين دون غيرهم ، لكن يحكي لنا المسؤول عن الفندق أنه لم يعد خارج المراقبة ، فقد أمدته السلطات الأمنية بسجل لضبط أسماء وهويات النزلاء والإخبار عنهم وعن تحركاتهم، يضيف خاصة بعد أن فككوا خلية داعشية بمنزل بحي الرافعي الذي يقع خلف الفندق، لم نطلب لاكارتناسيونال ولكن اليوم أضحت ضرورية”، حسب قوله.

 

رياح المبادرة

فندق الباشا هو شبيه بدار للعجزة معظم نزلائه ممن تقدم بهم السن بشكل كبير، وفي أوضاع صحية سيئة، ومن الذين لفظهم المجتمع في ظروف مختلفة. هو في جوه العام يصم مدينة الجديدة بالعار، ويسائل حتما المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وكل المبادرات المدنية التي لم تفكر في تدخل مجد لترميم هذه الغرف من منطلق أن الفندق برغم علاته أضحى من تراث المدينة ، الأمر الذي يفرض رصد اعتماد مالي لأنسنته و تحسين ظروف إيواء القاطنين به، في إطار مبادرة شبيهة بمحموعة من المبادرات البشرية التي تمت في السابق بمؤسسات لم تكن أبدا تكتسي صبغة أولويات.

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة