تحقيق : الخطر القادم من ميناء الجرف الأصفر.. القنبلة الموقوتة !
تحقيق : الخطر القادم من ميناء الجرف الأصفر.. القنبلة الموقوتة !

بات ميناء الجرف الأصفر، مستباحا من قبل الدخلاء والغرباء، ومعبرا آمنا للحالمين بالهجرة  إلى "إلدورادو" القارة العجوز،  إلى الضفة الشمالية من البحر الأبيض المتوسط، في غياب الإجراءات الأمنية والاحترازية اللازمة، التي من المفترض والمفروض أن تتخذها سلطات الميناء في هذا الموقع الاستراتيجي الحساس.

واقع استباحة ميناء الجرف:

إن واقع استباحة ميناء الجرف الأصفر، مافتئت تكشف عنه  حالات تسلل المرشحين للهجرة غير القانونية، إلى سفن أجنبية، تكون على وشك مغادرة أرصفة الميناء، بعد تفريغ حمولاتها أو شحنها بالمواد الكيماوية والصناعية، بعضها يبخر شمالا، عبر عرض سواحل المحيط الأطلسي، في اتجاه أوربا. محاولات تم إحباط بعضها، في آخر لحظة، من قبل قادة وأطقم تلك البواخر، وليس من قبل سلطات الميناء، بما في ذلك بالخصوص  شرطة الحدود، والقبطانية التابعة للوكالة الجهوية للموانئ.. فيما محاولات أخرى تكون تكللت بالنجاح، وبقيت سرا لا يعلمه إلا من حملتهم سفن الهجرة على أظهرها إلى "إلدورادو" ما وراء البحار، أو من سهلوا لهم بشكل من الأشكال، مغامرات  العذاب والذل، في الهجرة غير الشرعية.

عمليات تسلل بالسيناريوات ذاتها:

تتوالى نازلات استباحة ميناء الجرف الأصفر، واقتحام السفن الراسية على أرصفته، من قبل الدخلاء والغرباء.. باعتماد سيناريوات تتشابه، رغم اختلاف في الأوقات فقط، وكأن التاريخ يعيد إنتاج نفسه، باستنساخ تجارب الماضي البعيد والقريب، والتي يبدو أن المسؤولين لم يستفيدوا ويأخذوا منها  العبر.

 وفي ما يلي حالات صارخة عن عمليات تسلل واقتحام سفن أجنبية، جرت في ظل سلبية سلطات ميناء الجرف الأصفر:

1 – التسلل إلى سفينة (Antigua):

في ال28 من يوليوز 2017، ضبط طاقم سفينة (M/V GULF)، من  (Antigua)،  إحدى جزر (Caraïbes)، مغربيين تسللا إلى ظهرها، من أجل الهجرة غير الشرعية. حيث قام بتسليمها إلى المفوضية الخاصة بالجرف الأصفر، التي تؤمن مهام شرطة الحدود.

هذا، وكانت السفينة رست في ال26  يوليوز 2017، على الرصيف رقم: 10، حيث أفرغت، في إطار عملية الاستيراد، حمولتها، 4067 طن من  (sulfate d’ammonium).

 وفي ال27 من يوليوز 2017، غادرت السفينة ميناء الجرف الأصفر، إلى منطقة (LA RADE) الممتدة على مسافة 12 مايل بحري،  حيث توقفت، في انتظار موعد عودتها، بتاريخ: 28 يوليوز 2017، إلى ميناء الجرف الأصفر، لكي ترسو على الرصيف رقم: 2، التابع للمركب الكيماوي للمكتب الشريف للفوسفاط، لشحن 3300 طن من (DAP/V)، قصد تصديرها إلى إسبانيا.

وبالرجوع   إلى الميناء، سلم طاقم السفينة (M/V GULF) المغربيين اللذين يظهران في الصورة رفقته، إلى مفوضية الجرف الأصفر، لإجراء بحث قضائي حول ظروف وملابسات تسللهما إلى السفينة.

والمثير  أن ثمة تضاربا في الوقائع والمعطيات التي تضمنها تقرير القبطانية، التابعة للوكالة الجهوية للموانئ بالجرف الأصفر، وتلك التي تضمنتها المسطرة المرجعية التي أنجزتها المفوضية الخاصة بالجرف الأصفر، استنادا إلى بحث قضائي.

فحسب تقرير القبطانية، فإن المغربيين الحالمين بالهجرة إلى القارة العجوز،  قد تسللا إلى ظهر السفينة التي تحمل علم  (Antigua)، من منطقة  (LA RADE)، حيث كانت تنتظر موعد عودتها إلى ميناء الجرف الأصفر، لشحنها ب 3300 طنا من (DAP/V). ما يعني أن المتسللين يكونان قطعا، حسب منطق رواية القبطانية، مسافة حوالي 3 أميال بحرية، إما سباحة أو على ظهر قارب لصيد الأسماك، يكون سهل لهما مهمة التسلل إلى السفينة.

وبالمناسبة، فلو أن عملية التسلل إلى السفينة، كانت تمت  من (LA RADE)، لكان قبطان الباخرة سلم المغربيين المتسللين، إلى الدرك البحري بالجرف الأصفر، وليس إلى مفوضية شرطة الحدود، باعتبار أن تلك المنطقة (LA RADE)، تدخل في  المجال البحري، الذي هو  قانونا من اختصاصات وصلاحيات الدرك البحري.

وحتى من الوجهة الواقعية، فإنه يستحيل أن يتسلل   المغربيان إلى السفينة، بالتسلق إليها عبر جنباتها المائلة، والمرتفعة عن سطح البحر.. ناهيك عن هيجان الأمواج التي تتقاذفها  في عرض الساحل.

أما حسب المسطرة القضائية التي أنجزتها مفوضية الجرف الأصفر، والتي استندت إلى بحث قضائي، استمعت بموجبه إلى المغربيين اللذين تم ضبطهما في حالة التلبس،  فإن عملية تسللهما إلى السفينة، كانت من  الرصيف رقم: 10، بميناء الجرف الأصفر،  وذلك قبل أن تغادر الميناء، في اتجاه منطقة (LA RADE).


2 – التسلل إلى سفينة ليبيرية:

 على الساعة السادسة من صباح الخميس 19 يناير 2017، ضبط، طاقم السفينة (CAMBRIDGE)، التي ترفع علم دولة ليبيريا، مرشحا للهجرة السرية، تسلل إلى داخلها، وركن إلى القرب من المدفئة (لاشودييغ)، حيث اتخذ لنفسه مخبأ. وقد قام قائد الباخرة بتسليمه إلى 3 حراس من شركة للأمن الخاص بميناء الجرف الأصفر.

هذا، وكانت السفينة الليبيرية رست في ال17 يناير 2017، في ميناء الجرف الأصفر، على الرصيف رقم: 6، حيث أفرغت حمولتها، 10000 طن من "الأمونياك"،  والذي جرى نقله عبر أنابيب خاصة، إلى المركب الكيماوي، التابع للمكتب الشريف للفوسفاط، الكائن في المنطقة الصناعية "الجرف الأصفر"، على بعد أقل من كيلومترين من الميناء.

وقد أرسل قائد الباخرة الليبيرية  (كمبريدج)، الخميس 19 يناير 2017، عبر البريد الإلكتروني، إلى الوكيل البحري، الكائن مقر عمله في شارع محمد الخامس بالجديدة، رسالة أخبره فيها بنازلة ضبط مرشح للهجرة غير الشرعية، على متن سفينته، وبتسليمه إلى حراس شركة الأمن الخاص، لمباشرة الإجراءات التي يقتضيها القانون.

 وبدوره، قام الوكيل البحري، في اليوم ذاته، بتوجيه رسالة في الموضوع، عبر البريد الإلكتروني، إلى إدارة المكتب الشريف للفوسفاط،  والتي أشعرت قائد قبطانية ميناء الجرف الأصفر، التابعة للوكالة الوطنية للموانئ (ANP)، القبطان عبد الرءوف فكيهاني، الذي يكون قضى 10 سنوات مسؤولا بالقبطانية، (أشعرته) في رسالة إلكترونية، توصل بها على بريده الإلكتروني، بعد مضي مرور 9 ساعات و16 دقيقة عن ضبط المرشح للهجرة السرية، على متن السفينة الليبيرية (كمبريدج).

وقد جرى  الإفراج بشكل مثير للغرابة والاستغراب وللجدل، عن "الحراك"، وعدم تسليمه إلى المفوضية الخاصة بالجرف الأصفر (شرطة الحدود)، والذي  كان البحث القضائي الذي كان من المفترض والمفروض أن يخضع له تحت إشراف النيابة العامة المختصة، (كان) سيكشف حتما عن ظروف  وملابسات عملية تسلله "الناجحة" إلى السفينة الليبيرية، ومحاولة الهجرة السرية على متنها، وعن شبكة متورطين محتملين فيها، قد يكونون من درجات ومستويات مختلفة، وربما من العيار الثقيل، وكذا، عن عمليات مماثلة، قد تكون سهلت لبعض المحظوظين من الحالمين بالهجرة، العبور إلى  "إلدورادو" ما وراء البحار.

إلى ذلك، فإن النازلة المزلزلة قد فاحت رائحتها التي تزكم الأنوف، وأخذت علما بها، عبر قنوات غير رسمية،  السلطات الترابية، ممثلة في المصالح المختصة بعمالة الجديدة. ما جعلها تباشر  الإجراءات اللازمة. وهذا ما أبان بالواضح والملموس عن غياب التنسيق المتعمد، أفقيا وعموديا، في ما يخص المعلومات والإجراءات الإدارية والأمنية والقانونية والمسطرية،  بين المتدخلين في ميناء الجرف الأصفر، والسلطات الترابية والإقليمية. غياب يكون  بدافع السعي الحثيث لاحتواء "الفضيحة" والتستر عنها. وهذا ما حال، من جهة أخرى وفي السياق ذاته،  دون تدخل المصالح الأمنية في حينه، لفتح بحث قضائي في النازلة، بمقتضى حالة التلبس.

وأفادت مصادر جيدة الاطلاع، أن المفوضية الخاصة بميناء الجرف الأصفر لم تتوصل بشكاية في الموضوع، إلا يوم الاثنين 23  يناير 2017، حيث أحالتها، لتعميق البحث، على المصلحة الإقليمية للشرطة القضائية بأمن الجديدة. وقد استمعت الضابطة القضائية، تحت إشراف النيابة العامة المختصة، في محاضر قانونية، إلى الوكيل البحري، ممثل قائد السفينة الليبيرية (كمبريدج)، والكائن مقر إدارته في شارع محمد الخامس بالجديدة، وإلى حارسين من ضمن الحراس الثلاثة، العاملين لدى شركة الأمن الخاص، المتعاقد معها من قبل الوكالة الوطنية للموانئ، والذين كان قائد الباخرة الليبيرية (كامبريدج)، سلمهم، الخميس 19 يناير 2017، المرشح للهجرة السرية، والذي  تركوه يغادر بشكل متعمد ومقصود، الميناء، دون أن يعمدوا إلى تسليمه إلى المصالح الأمنية (المفوضية الخاصة بالميناء/شرطة الحدود)، ودون حتى معرفة هويته، بالاطلاع على أوراقه الثبوتية.


 3- التسلل إلى سفينة نرويجية:

ضبط قائد سفينة نرويجية تحمل اسم  (WISBY ARGAN)، رست، الخميس 22 شتنبر 2016، في ميناء الجرف الأصفر، على الرصيف رقم: 8، لتفريغ حمولتها من الوقود (4700 طن)، (ضبط) في ساعة مبكرة من صبيحة اليوم الموالي (الجمعة 23 شتنبر 2016)، شابين تسللا إلى الباخرة. إذ طلب القائد من حارسي الأمن الخاص إيقافهما.. لكنهما  لم يفعلا، وتركا لهما المجال لمغادرة الباخرة، وتجاوزهما، ليتبخرا بعدها في الميناء.. ثم في الطبيعة.

وجراء عملية التسلل "الناجحة" والمثيرة للجدل،  إلى السفينة النرويجية، رفع قائدها تقريرا (شكاية) في الموضوع، إلى سلطات الميناء، عرض فيه تفصيليا وقائع وحيثيات النازلة. لكن تجهل طبيعة الإجراءات التي من المفترض والمفروض أن يكون اتخذها المسؤولون، في حال اتخاذها،  من قبيل إشعار الوكالة الوطنية للموانئ بالدارالبيضاء، وفتح بحث قضائي، وإشعار المصالح الأمنية الإقليمية والمركزية، والأجهزة الموازية، ممثلة على التوالي في المصلحة الإقليمية للاستعلامات العامة بأمن الجديدة، ومديرية الاستعلامات العامة بالمديرية العامة للأمن الوطني، وفي مديرية مراقبة التراب الوطني (..).


تسلل وشبهات:

إن نازلة اقتحام ميناء الجرف الأصفر من قبل الدخيلين، وتسللهما إلى السفينة النرويجية، يفتح الباب على مصراعيه على جميع الاحتمالات، وعلى استنتاج أمور، هي منطقيا أقرب إلى الحقيقة والواقع، وإلى كل ما يمكن أن  يتصوره عقل عاقل. وهذا ما يمكن أن يستشف من خلال طرح تساؤلات من قبيل: الطريقة التي تسلل بها الغريبان إلى ميناء الجرف الأصفر، المحصن بسياج حديدي وبالكاميرات؛ والكيفية التي اخترقا بها الحراسة الأمنية (دوريات الشرطة، وحراس الأمن الخاص...)؛ ولماذا وكيف أن شرطة الميناء وحراس الأمن الخاص، الذين من المفترض والمفروض أن يقوموا بدوريات مكثفة، راجلة وراكبة،  وحراسة مشددة داخل الميناء، لم يرصدوا الدخيلين المتسللين؛ وكيف استطاعا أن يقطعا مسافة طويلة مشيا على الأقدام، إلى أن وصلا إلى هدفهما، السفينة النرويجية، والولوج إليها عبر سلمها المتحرك، دون أن ترصدهما عدسات الكاميرات الموجهة إلى الباخرة الراسية، وأعين المكلفين بالحراسة من شرطة وحرس خاص، في نقطة الحراسة الثابتة على الرصيف رقم: 8؛ وكيف تأتى لهما  مغادرة الباخرة، دون أن يعمل حارسا الأمن الخاص على إيقافهما (..)؛ وكيف يكونان تبخرا لتوهما في الميناء، دون العثور على أي أثر لهما، من قبل دوريات الشرطة وحراس الأمن الخاص.. في حال إن قاموا فعلا بتعقبهما؛  والخطير هو كيف أمكنهما الخروج آمنين، من ميناء الجرف الأصفر، بالطريقة التي يكونان تسللا بها، عند اقتحامه   (..).

4 - التسلل إلى سفينة بانامية:

تسلل  شاب (27 سنة)، يتحدر من جماعة أولاد احسين، بإقليم الجديدة،  في الساعات الأولى من صبيحة السبت 22 مارس 2016، إلى ميناء الجرف الأصفر، عبر الحزام المزدوج المغطى، الذي ينطلق في الاتجاهين، من المركب الفسفوري إلى الميناء، ومن الميناء إلى المركب الفسفوري، والذي (الحزام) يستعمل في نقل مواد مصنعة وكيماوية. وداخل فضاء الميناء المحصن بسياج حديدي، نزل من"السمطة"، عبر عمود حديدي منتصب في مسار الحزام. إذ سار  الدخيل المتسلل مشيا على قدميه، إلى أن وصل إلى الرصيف رقم: 3 مكرر، دون أن يصادف في طريقه، أو بالأحرى دون أن تصادفه أية دورية  تابعة للشرطة أو الأمن الخاص، أو تلتقطه عدسات الكاميرات.

وعند الرصيف رقم: 3 مكرر، كانت ترسو سفينة  بانامية، ولج إليها بسهولة عبر سلمها المتحرك، في غياب أية حراسة أمنية، سواء عند مدخلها، ودون أن تلتقطه حتى عدستا الكاميرتين الموجهتان صوب الباخرة البانامية. وبعد ذلك، جال طولا وعرضا على ظهر السفينة، بحثا عن مخبأ، بغاية الهجرة السرية. لكنه فطن، على ما يبدو، إلى أن الباخرة التي كان يعتزم "الحريڴ" على متنها، قد تتأخر بضعة أيام، في مغادرة ميناء الجرف الأصفر. وعندها ارتأى الصعود، في جولة استكشافية، إلى  أعلى السفينة المحملة بزورقي إنقاذ، مزودين بشهب اصطناعية، يستعملها طاقم السفينة، في حال وقوع عطب أو وشك الغرق، لإطلاق نداء الاستغاثة. حيث استولى على 10 منها، ومصباح (بيل)، وعلبة "فيميجين"، وضعها في كيس بلاستيكي، ثم غادر الباخرة، بعد أن قضى فوقها زهاء 4 ساعات، عبر سلمها المتحرك، دون أن تصادفه، أو بالأحرى دون أن يصادف مرة أخرى أية حراسة أو دورية أمنية، راجلة كانت أو راكبة، أو تلتقطه عدسات الكاميرات. وبعد أن قطع سالما–غانما  مسافة حوالي 200 متر، صعد من عمود حديدي إلى "السمطة". وبداخلها مشى راجلا على طول حوالي 300 متر. لكن الصوت الذي كان يحدثه حذاؤه، أثار انتباه حراس الأمن الخاص، تابعين لإحدى شركات ال"ڴاردييناج"، المتعاقد معها. فتدخلوا وأوقفوه، بعد أن لم يكن يفرقه عن نقطة الوصول،  سوى أقل من 200 متر. وقد جرى تسليمه إلى المصالح الدركية التابعة للقيادة الجهوية بالجديدة، التي أحالته بموجب مسطرة تلبسية، على النيابة العامة المختصة.

وكان الشاب المتسلل "حرڴ" من قبل، عبر سفن كانت حلت بميناء الجرف الأصفر، إلى بعض بلدان القارة العجوز (فرنسا – إيطاليا – انكلترا). وكانت السلطات الأوربية كانت تعيده إلى موطنه الأصلي المغرب.

ميناء الجرف على وقع نازلات مثيرة :

مافتئ ميناء الجرف الأصفر، هذا الموقع الاستراتيجي الحساس، يهتز على وقع حوادث ونازلات مثيرة  للجدل. حوادث نورد منها باختصار، نظرا لضيق المجال لعرضها، ما يلي

1 - سرقة "هوليودية" من الميناء:

في ال4 فبراير 2013،  تبخر 25 طن من مادة "المونترات 33"، بعد أن شحنها في ظروف غامضة، من ميناء الجرف الأصفر، "كاميون" لم تكن السلطات المختصة تحققت لا عند دخوله أو خلال عملية الشحن، أو لحظة مغادرته عبر بوابة الميناء، من هوية سائقه ووجهته وترقيمه المعدني.. سيما أن ثمة مسطرة وتدابير خاصة، تحتم نقل وتأمين وصول هذه المادة (المونترات 33)، إلى وجهتها المحددة، تحت حراسة أمنية مشددة، نظرا لكونها من الأسمدة الأزوتية الكيماوية الحساسة، التي تدخل ضمن المواد ذات تركيبة من المتفجرات.

2 – احتراق شاحنة محملة بالمحروقات:

 اندلعت النيران، الأحد 27 غشت 2017، في شاحنة صهريجية محملة بمحروقات هيدروكاربيرية، عبارة عن الزيوت المستعملة من قبل السفن، التي ترسو في ميناء الجرف الأصفر.

والخطير أن الشاحنة المحترقة، كانت مستوقفة غير بعيد من أنابيب الغاز، ومن بعض السفن.. وفي أثناء وقت الاستغلال المحدودة،  في الرصيف رقم: 9، الذي  يعود تدبيره إلى  "مرسى ماروك".

الشاحنة التي اندلعت فيها النيران، والتي لم تكن تتوفر على شروط ومعايير السلامة، لم تخضع للمراقبة القبلية، عند ولوجها سواء  إلى ميناء الجرف الأصفر، أو  إلى الرصيف رقم: 9.. كما أنها لم تحترم فترة الاستغلال.. والأكثر من ذلك   أن الجهة التي خولت لها بالولوج إلى الرصيف رقم: 9، إلى المنطقة المحدودة، ووقت الاستغلال، هي جهة أخرى، غير "مرسى ماروك".. في خرق لقانون الموانئ.

والغريب أن النازلة وقعت، الأحد 27 غشت الماضي، ولم يأخذ علما بها المسؤولون لدى الوكالة الوطنية للموانئ بالدارالبيضاء، إلا لاحقا..  يوم الثلاثاء 29 غشت 2017،  وذلك من خلال مقال صحفي صدر على أعمدة جريدة وطنية.


التسلل.. ناقوس الخطر:

فأن يقتحم الغرباء والدخلاء  إلى ميناء الجرف الأصفر، هذا الموقع الاستراتيجي–الحساس، وأن يتسللوا إلى السفن الأجنبية، المحملة بمواد  كيماوية ومصنعة، تعرف أو تجهل طبيعتها ومدى خطورتها.. فذلك ناقوس إنذار، جراء الخطر الذي يتهدد الميناء، والمنطقة الصناعية الجرف الأصفر، هذه المنشأة الاستراتيجية التي تحول فيها الوحدات الصناعية الفوسفاط إلى حامض فوسفوري خالص، ثم إلى أسمدة صلبة، يتم شحنهما، قصد التصدير، عبر ميناء الجرف الأصفر، أول ميناء لنقل المعادن في المغرب، وثاني أكثر الموانئ الوطنية أهمية من حيث حجم المبادلات.

خطر التهديدات الإرهابية:

إن عمليتي اقتحام ميناء الجرف الأصفر، والتسلل إلى سفينتي (ويسبي أركان) النرويجية، و(كامبريدج) الليبيرية،  تزامنتا مع تفكيك خليتين إرهابيتين بالجديدة، على التوالي، الخميس 18 فبراير 2016، والجمعة 27 يناير 2017. وكانت الخلية الأولى، الخطيرة والأخطر، ضمنها مواطن فرنسي (زعيمها وعقلها المدبر)، ومراهق مغربي، تعتزم تنفيذ مشاريعها التخريبية، في اليوم الموالي لتفكيكها، الجمعة 19 فبراير 2016، بضرب أماكن عمومية للتبضع والتسوق، ومؤسسات سيادية وسياسية ذات رمزية، ومواقع اقتصادية ومنشآت سياحية وصناعية، ضمنها المنطقة الصناعية "الجرف الأصفر"،

ولعل هذا ما يضعنا أمام الأمر الواقع.. أمام أسوأ السيناريوهات، وكأن "الكارثة" قد حصلت فعلا. فلنفترض أن الدخلاء (المتسللون)، كانوا إرهابيين انتحاريين، وقاموا بتفخيخ السفن الراسية في الميناء، وتحديدا السفينة الليبيرية، المحملة ب10000 طن من الأمونياك، أو تفجيرها بحزام ناسف، أو باستعمال آلة تحكم عن بعد. فأكيد أنه لن يكون ثمة من مفر وفرار من "الكارثة البشرية–الإيكولوجية"، التي يصبح معها كل شيء "في خبر كان".


صفقة ال"ڴاردييناج":

لعل من ضمن التدابير  التي يتعين على سلطات الميناء المختصة، اتخاذها وتفعيلها على أرض الواقع، إعادة النظر في صفقة التعاقد مع شركات الأمن الخاص (gardiennage)، التي نصت عليها مقتضيات القانون رقم: 15.02، المتعلق بالموانئ وبإحداث الوكالة الوطنية للموانئ وشركة استغلال الموانئ. صفقة ترسو دائما، من باب التذكير، على شركات بعينها، حتى أنها أصبحت حكرا عليها. وفي انتظار ذلك، بات إلزاما تفعيل معيار المنافسة والتنافسية الشريفة بين شركات الأمن الخاص الثمانية، المتعاقد معها، بغاية توفير خدمات أمنية تكون بحجم أهمية ميناء الجرف الأصفر، هذا الموقع الاستراتيجي الحساس، وعدم نهج سياسة التناوب بين الشركات. ما قد ينم عن منطق الزبونية والمحسوبية، وربما أشياء أخرى في غاية الحساسية  والخطورة.

ميناء بدون إشهاد الأمن:

علمت الجريدة أن ميناء الجرف الأصفر كان خضع لبعض "الروتشات"، التي تخفي حقيقة واقعه الأمني غير الآمن.. أملا في الظفر من السلطة الإقليمية الأولى، عامل إقليم الجديدة السابق، معاذ الجامعي، على "إشهاد الأمن" (certification de sécurité).. إلا أن الإشهاد المنشود،  يتطلب توفر معايير وشروط حقيقية، ليست عبارة عن "ماكياج"، لدر الرماد على الأعين.

 ولعل انعدام شروط ومعايير الأمن والأمان هذه،  والتجهيزات والبنيات التحتية اللازمة، ما وقفت عليه عن كثب لجنة إقليمية  انتقلت إلى ميناء الجرف الأصفر، الخميس 26 يناير 2017، أي ب24 قبيل تفكيك خلية الجديدة الإرهابية، التي كانت في مرحلة جاهزيتها لتنفيذ مشاريعها التخريبية.

الثروة الفاحشة..  من أين لك هذا ؟

وبالمناسبة، فإن ثمة مسؤولا بميناء الجرف الأصفر، في مركز حساس،  يملك ثروة طائلة، وعقارات، ضمنها 5 "فيلات" في عاصمة دكالة.. فكيف لهذا الموظف ذي الأجر والتعويضات المحدودة، أن يصبح بقدرة قادر من كبار الأغنياء في الجديدة وفي المغرب.. ممن ينعتون ب"الغنى الفاحش" ؟!

ثغرات أمنية خطيرة:

إن اقتحام واستباحة ميناء الجرف الأصفر، هذا الموقع الاستراتيجي الحساس، من قبل دخلاء وغرباء، ومحاولات الهجرة السرية المتكررة، يكشف بالواضح والملموس عن ثغرات أمنية خطيرة، وعن غياب التنسيق أفقيا وعموديا بين السلطات. وهي حالات كانت الجريدة نشرت "غسيلها المتسخ"، على أعمدة موقعها الإلكتروني، من خلال تحقيقات صحفية تحت عناوين: "سرقة من سفينة بانامية تكشف ثغرات أمنية خطيرة في ميناء الجرف الأصفر"؛ و" مجهولون يستبيحون ميناء الجرف الأصفر.. والسلطات في حالة شرود"؛  و"استباحة ميناء الجرف الأصفر والتسلل إلى السفن.. الخطر الذي يتهدد المغرب"؛ و"ميناء الجرف الأصفر قنبلة موقوتة في ظل خطر الإرهاب الذي يتهدد المغرب".

وقد أثارت الجريدة بنشرها تلك التحقيقات الصحفية المزلزلة، انتباه السلطات  مركزيا وجهويا وإقليميا، إلى تقاعس الجهات الوصية والمعنية، وإلى الثغرات الأمنية التي تهدد أمن ميناء الجرف الأصفر،  ودقت من ثمة ناقوس الخطر والإنذار، حتى يتحمل كل من موقع اختصاصاته وصلاحياته، مسؤولياتهم، ويأخذوا الحيطة والحذر، ويفعلوا التدابير الأمنية  الاحترازية والاستباقية، لحماية ميناء الجرف الأصفر من التسلل إليه، وإلى السفن التي ترسو على أرصفته، تفاديا لأسوأ الاحتمالات التي يمكن تصورها، سيما في هذه الظرفية الموسومة بخطر الإرهاب الذي  يتهدد المغرب، على غرار بلدان العالم.. إلا أن لا تفاعل حصل، ولا شيء تغير. فالمسؤولون ارتموا في سبات عميق.. لتبقى  من ثمة تحذيرات  الجريدة شبيهة بمن يصب الماء على الرمال، أو كما يقول المثل الفرنسي: "prêcher dans le désert".

وقد كان ملف الجرف الأصفر من ضمن الملفات  التي حظيت بعدم اهتمام معاد الجامعي، عامل إقليم الجديدة السابق، والذي كم من حاجة قضاها بتركها جانبا، في ظل حياده السلبي.. وكم من ملف حساس، حسم فيه برميه في  رفوف "الأرشيف".

 فالآمال معقودة على محمد الكروج، عامل إقليم الجديدة الجديدة، من أجل نفض الغبار عن العشرات من الملفات الحساسة، العالقة، وفي مقدمتها ملف الجرف الأصفر.. من أجل تخليق المرافق العمومية،  وتفعيل مضامين خطاب العرش، الذي  يقضي بربط المسؤولية بالمساءلة والمحاسبة.


الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة