بسبب ''المقاطعة''.. رقم معاملات شركة ''سنطرال–دانون'' بإقليمي الجديدة وسيدي بنور يتراجع بنسبة 24 %
بسبب ''المقاطعة''.. رقم معاملات شركة ''سنطرال–دانون'' بإقليمي الجديدة وسيدي بنور يتراجع بنسبة 24 %

بدأت "حملة المقاطعة" التي يشنها المغاربة، منذ حوالي أسبوع، بدعوات من نشطاء العالم الأزرق، على منتوجات "سنطرال–دانون"،  و"ماء سيدي علي"، ومحطات البنزين "أفريقيا"، تعطي ثمارها على أرض الواقع.. في ظل تواصلها (الحملة)، واكتساحها مختلف جهات المملكة، بفضل نضج ووعي الشعب المغربي، الذي أصبح يعول على نفسه، في ظل الصمت الرسمي. الشعب المغربي الذي  أبان أن "في الاتحاد قوة"، وأنه استطاع  كسر الصورة النمطية السلبية، التي  تختزلها المقولة التقليدية: "اتفق العرب ألا يتفقوا. وإن اتفقوا، لم يفعلوا. وإن فعلوا، لم يكملوا".

هذا، وأطلق النشطاء على "فايسبوك"، وسوم: #مقاطعون،  و#خليه يريب،  و#مازوطكم حرقوه، و#ماتوعتش ليا جيبي (..)،  لحمل الشركات الكبرى المستهدفة ب"حملة المقاطعة"، على التراجع عن الزيادة  وارتفاع أسعار سلعها الاستهلاكية، سيما المحروقات "الهيدروكاربيرية" التي عرفت أثمنتها تراجعا ملحوظا في العالم.

وقد شكك بعضهم في هذه الحملة، معتبرين أنها جاءت على خلفية تصفية حسابات، وأنها "مسيسة". فيما اعتبر بعضهم أن ما حققته لا يخرج عن نطاق العالم الافتراضي.

ووصف محمد بوسعيد، وزير الاقتصاد والمالية، الثلاثاء الماضي، من داخل مجلس المستشارين،  ب"مداويخ" النشطاء  والمشاركين  في "حملة المقاطعة".

هذا، فيما اتهم  مدير “سنطرال– دانون”، المشاركين في مقاطعة الشركة بـ“خيانة الوطن".

وعلى خلاف الفنانين، والنجوم، والأبطال الرياضيين، وغيرهم، خرجت "ابنة الشعب"، الفنانة المحبوبة لطيفة رأفت،  بتغريدة على "أنسطغرام"، ردت فيها على مدير شركة “سنطرال– دانون”، الذي اتهم المغاربة ب"خيانة الوطن"، وذلك بالإعلان عن تضامنها مع الشعب المغربي، ومشاركتها في "حملة المقاطعة"، وبالقول: "صحيح أننا مع تشجيع المنتوجات المصنوعة في بلادنا، ومع تطويرها. لكننا لا نقبل لأنفسنا الاحتكار. وللشعب المغربي الحق في مطالبة سلمية بتسوية وضعيته. ولا أسمح لأحد بأن يتهم الشعب المغربي بالخيانة، لمجرد مقاطعة منتوجات معينة. فالمواطن حر في اختيار ما يشتريه، حسب قدرته الشرائية. حتى حنا ولاد الشعب، وحتى حنا كانتقضاوا!".

أما عزيز أخنوش، وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، فقد استغل، الأربعاء الماضي،  حضور ندوة صحفية نظمتها شركة "سنطرال– دانون"، على هامش المعرض الدولي للفلاحة بمكناس، لتمرير رسائل مشفرة إلى المغاربة،  والمقاطعين لمنتوجاته، من خلال  الظهور أمام عدسات الكاميرات، وهو يشرب  كأس حليب من نوع "سنطرال". حيث صرح الوزير أخنوش في كلمة للصحافة،   أن "إنتاج الحليب لن يوقفه لا الأنترنيت ولا غيره". ما استفز مشاعر المغاربة، والنشطاء والمقاطعين، الذين لم يتأخر ردهم على أخنوش، بإطلاق هشتاغ: #شرب حتى ليصانص.

هذا، وحسب معطيات موثوقة حصلت عليها حصريا الجريدة، فإن  شركة "سنطرال–دانون"، المستهدفة ب"حملة المقاطعة"، والتي اختير لها هشتاغ:  #خليه يريب، فقد تراجع رقم معاملاتها (chiffre d’affaires) بإقليمي الجديدة وسيدي بنور، الثلاثاء والأربعاء 24 – 25   أبريل 2018،  على التوالي ب17 % و9 %. وقد اتسعت في اليوم الموالي، أمس الخميس 26 أبريل، هوة التراجع ب24 %. هذا دون احتساب رقم المعاملات الذي سجلته الشركة الإنتاجية في باقي جهات المغرب، والذي من المتوقع جدا أن يتواصل تراجعه،  في الأيام القادمة، في حال  استمرار "حملة المقاطعة"، سيما مع اقتراب حلول شهر رمضان، حيث يقبل المغاربة بشكل كبير على استهلاك مادة الحليب.

وتعتزم وحدات  إنتاج حليب "سنطرال" ومشتقاته بالقنيطرة وبني ملال والجديدة، الاستغناء يوميا عن 400000 لتر من الحليب، الذي تجمعه  من تعاونيات الحليب في المغرب. وهو ما قد يتسبب في خسارات  مادية جد طفيفة ومحدودة، تعادل 120 مليون سنتيم، بالنسبة لبعض الفلاحين ومنتجي الحليب.

وحسب النشطاء، لا بد من بعض التضحيات. فليس ثمة، كما يقول المثل الفرنسي: "أومليت دون تكسير بيض" (il n’y a pas d’omelette sans casser d’œufs).

إلى ذلك، ووفق شهادات استقتها الجريدة، فإن المغاربة شرعوا، إثر "حملة المقاطعة"، وبفضل نضجهم ووعيهم بمصالحهم، وتعبئتهم للدفاع بأنفسهم عن حقوقهم، بعد أن خذلتهم الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني، وحتى الصحافة والإعلام، والفنانون، ودعاة الإصلاح (..)، (شرعوا) في تغيير عاداتهم الغذائية والاستهلاكية، بالعدول عن الإقبال على اقتناء واستهلاك منتوجات بعينها دون غيرها،  لمعاقبة الشركات المستهدفة ب"حملة المقاطعة"، والتي أصبحت، بأسعارها  الخيالية، تلهب جيوب المغاربة، وتأزم وضعهم الاقتصادي والاجتماعي،  وتعمق  هوة تقهقر قدرتهم الشرائية؛ ومن جهة أخرى، أو بالموازاة مع ذلك،  بغية  تشجيع المنافسة الشريفة مع  شركات أخرى، تنتج حليبا من نوع آخر، وب"جودة" عالية، وليس حليبا  "جاري" (أي مخلط بالما).

هذا، ويظهر بالواضح والملموس من تراجع رقم معاملات شركة "سنطرال–دانون"، حجم الخسائر المادية التي تتكبدها، بسبب "حملة مقاطعة" منتوجاتها من الحليب، الذي يعتبر بالمناسبة مادة غذائية واسعة الانتشار، يقبل  على استهلاكها الأغنياء والفقراء على حد سواء.

وتؤشر النتائج الإيجابية التي بدأت تجنيها  "حملة  المقاطعة"، التي واكبتها وسائل إعلام وقنوات تلفزية دولية، والتي انخرط فيها الشعب المغربي عن قناعة واقتناع، وبشكل حضاري وسلمي، وبنفس طويل، والتي  انبثقت عن الشعب، ويجب أن تبقى في يد الشعب، وأن لا تخرج عن دائرة  المطالب الاجتماعية المشروعة ،  والتي لا يجب قطعا خروجها عن إطار القانون، وعدم السماح بتسييسها، أو القفز والركوب عليها من قبل جهات سياسية أو نقابية أو هيئات حقوقية أو جمعوية أو غيرها  (تؤشر) على النضج والوعي اللذين  يحظى بهما المغاربة، الذين اختاروا الدفاع عن أنفسهم بأنفسهم،  وعن حقوقهم مصالحهم الاجتماعية والاقتصادية، باستحضار مقولة: "ما حك جلدك مثل ظفرك"، بعد أن خذلته الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني، وحتى الصحافة والإعلام، والفنانون، ودعاة الإصلاح (..).

لقد أصبح المغاربة يعولون على أنفسهم، وعلى العالم الأزرق  (صفحات الفايسبوك – تطبيق "واتساب" – قنوات يوتوب التلفزية..)، الذي أبان عن نجاعة في التواصل والاتحاد والتوحد حول القضايا التي تهم الشعب المغربي قاطبة،  وفي طليعتها الدفاع عن الحق المشروع في العيش الكريم.

هذا، وتداول نشطاء "المقاطعة" على مواقع التواصل الاجتماعي، دعواتهم إلى من سموهم "المقاطعون الأحرار"،  وخاطبوهم بأنه: "يجب أن يكونوا فخورين بما يفعلون. فالبعض  لا يجرؤون  على أن يكونوا أحرارا، حتى في أحلامهم.".

وقد حدد النشطاء مطالبهم المشروعة كالتالي: #البنزين لا يجب ان يتعدى  7.5 درهم للتر/ #لحليب لا يجب ان يتعدى 2.30 درهم، لنصف اللتر/ #الماء_المعدني لا يجب ان يتعدى 3.60  درهم، للتر والنصف.. وذلك بغض النظر عن الجهة المنتجة (..).

وبالمناسبة، نشرت مجلة "toprichests.com"، المتخصصة في الشخصيات السياسية، في تقرير لها، تصنيفها السنوي، لسنة 2017،  لأغنى الشخصيات السياسية في العالم وفي المغرب. وحسب ما تداوله نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي (تطبيق "واتساب"..)، فإن ترتيب أغنى الشخصيات السياسية في المغرب، قد حمل مفاجآت صادمة. ووفق التقرير الذي نشرته المجلة،  فإن عزيز أخنوش وعائلته، يحتل المرتبة الثانية من بين أغنى عشرة سياسيين في المغرب، بثروة حددها التقرير في 1.44  مليار دولار. فيما احتل مسؤولان سياسيان من حزب واحد، الرتبتين الخامسة والسادسة، على التوالي ب600 مليون دولار، و565 مليون دولار.. أحدهما ادعى  أمام أتباعه أنه "بالكاد استطاع تأثيث صالون بيته وإصلاح مطبخه".

إلى ذلك، فإن المغاربة سئموا الزيادة وارتفاع أسعار المحروقات "الهيدروكاربرية"، والمواد الاستهلاكية، سواء المصنفة في سلم الكماليات، أو حتى تلك المدرجة في سلم الضروريات، والتي باتوا  يكتوون بلهيب أسعارها الصاروخية، التي تزيد بكثير عن  أسعارها في دول الاتحاد الأوربي، حيث يفوق دخل المواطن بكثير دخل المواطن المغربي، وحيث تنخفض بكثير أسعار المواد الاستهلاكية والبنزين، مقارنة مع المغرب.  المغرب الذي ينعم بالثروات والخيرات، ما ظهر فوق أرضه، وما خفي تحتها وفي بطنها، وفي واجهتيها البحريتين المطلتين على المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، وفي أعماق سواحله الممتدة على طول 3500 كلم (أزيد من 500 نوع من الأسماك).. في مغرب السدود المائية، التي شيدها الراحل الملك الحسن الثاني، وفي مغرب المخططات بمختلف ألوانها (المخطط الأخضر – المخطط الأزرق..)، وفي المغرب الذي غنى عنه العندليب الأسمر رائعته: "الماء والخضرة والوجه الحسن"، وفي مغرب "مليون هكتار" (..). المغرب الذي كانت  ثروته الضخمة، سنة 1999، في حدود 5 تريليون و904 مليار درهم، قبل أن ترتفع سنة 2013، حسب تقرير الثرة الإجمالية للمغرب، إلى 12 تريليون و833  مليار درهم.  ثروة  إذا ما تم توزيعها على المغاربة، قسيكون نصيب كل مواطن يحمل الجنسية المغربية، 320 ألف درهم.. ؟!

هذا، أوليس من  حق المغاربة  الذين سئموا من ويلات الفقر والتفقير، أن ينعموا برغد العيش وبالكرامة، وبمقومات الحياة الشريفة. المغاربة الذين تراجعت قدرتهم الشرائية، وعرفت ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية انتكاسات غير مسبوقة، في عهد حكومتي عبد الإله بنكيران وسعد الدين العثماني، المنبثقتين عن حزب "العدالة والتنمية"..؟!

إن المغاربة  ليسوا في حاجة إلى الإعانات (الصدقات). والدولة المغربية ملزمة بأن توفر لهم شروط وظروف العيش الكريم، وتخطي الفقر ومخلفاته، والكوارث الناجمة عنه. فقد أبانت التجارب عبر التاريخ،  أن الإنسان قد يتخلى عن أفكاره ومبادئه، وحتى قيمه..  لكنه لا يتحمل آلام الجوع التي تقطع أمعاءه.

أليس من أجل لقمة العيش، ماتت نساء دهسا تحت الأقدام.. وأقبر شباب أحياءا  في مناجم الموت، وابتلع البحر حالمين على قوارب الموت،  بالهجرة إلى "إلدورادو" ما وراء البحار.. ؟!

ومن جهة أخرى، فالمغاربة مواطنون ووطنيون، يتحدون ويتوحدون حول ثوابت ومقدسات الوطن، التي يختزلها شعار المملكة الخالد: "الله – الوطن – الملك".

 أوليس بالاحترام والمحبة المتبادلين، اللذين يكنهما الملك محمد السادس للمغاربة، رعاياه الأوفياء وخدام الأعتاب الشريفة، عندما يستهل جلالته خطاباته السامية،  بعد حمد الله والصلاة  والسلام على خاتم الرسل والأنبياء، بمخاطبة الشعب المغربي، ب"شعبي العزيز"؟ 

وعليه، فإن المغاربة أجمعين، من طنجة إلى لكويرة، ليسوا "خونة الوطن".. وليسوا "مداويخ". وعلى من أساء إليهم،  وأساء إلى اعتبارهم ووطنيتهم الصادقة، أن يقدم اعتذارا رسميا إلى الشعب المغربي.

إن المغاربة  ليسوا فوضويين.. فقط قد سئموا  ويلات "الفقر"، الذي يفصل بين "الحياة" (la vie)، و"نمط العيش" (le mode de vie).

هذا، فإذا كان الجميع يتساوون في "الحياة"، بمفهومها العلمي والبيولوجي، وفي كون"الحياة" (الروح) تدب في أجسادهم، بحكم كونهم أحياءا، فإن الاختلاف يكمن في "نمط العيش". فهل يستوي من يعيش على "الخبز وأتاي".. وارتداء ملابس "البال" (les fripes)، و"حوايج الشينوا" المسرطنة.. مع الأغنياء الذين يزدادون ثراء على ثرائهم الفاحش..؟!

فلو كتب ل(فيكتور هيكو)، مؤلف "Les misérables"، الذي عاش في فرنسا، خلال القرن التاسع عشر (1802 - 1885)، أن يعيش في عصرنا، وأن يكتب عن "بؤسنا" و"بؤسائنا"، لما اكتفى، ولما كفته مجلدات،  قد تكون لها بداية، ولكن دون نهاية.. ولكانت تلك المجلدات شبيهة بالمسلسلات التركية أو المكسيكية، وبالسلسلة الأمريكية "طوب موديلز"، الذي بتت  بالولايات المتحدة الأمريكية، القناة  التلفزية (CBS)، الجمعة 13 أبريل 2018،  حلقتها ال7816 (الموسم 32).


 

 

 

 

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة