أنقذوا هذا الوطن !!
أنقذوا هذا الوطن !!


  يبدو أن هناك جهات نافذة داخل الدولة المغربية اليوم ، يغريها نموذج حكم السيسي في مصر، يتمظهر هذا عمليا في سلوك السلطة وإدارتها  لمختلف الملفات الراهنة ، من خلال نهج مقاربة أمنية ،  تنشر الخوف ، و تقمع الحريات ، وتشل المؤسسات و تدجنها وتستغلها  لتحقيق مآربها السلطوية ، بالموازاة مع التطرف في اتباع  سياسة اقتصادية ذات طابع نيوليبرالي متوحش ،تعتمد إثقال كاهل المواطن  بالزيادات في أسعار المواد الأساسية ،و إحداث مختلف الرسوم و الضرائب أو الرفع منها، في ظرفية اقتصادية صعبة عنوانها تفشي الفساد والغلاء و البطالة و اقتصاد الريع ، و رداءة الخدمات العمومية من صحة و تعليم ، ومحاولة تنصل الدولة من أية التزامات اجتماعية ...
      ما يشجع أكثر هذه الجهات على التمادي في نهجها المدمر، غياب مجتمع مدني وازن و حي  ومعارضة سياسية عقلانية وقوية و مستقلة ، تكبح هستيريا التسلط، و تفرمل نزيف الفساد، و تعبر عن أصوات ملايين المقهورين و آمالهم... بالإضافة إلى  عجز و فساد جل النخب و التنظيمات السياسية و انبطاحها ، نظرا لظروف نشأتها  المشوهة ، أو لانصهارها الكامل في بنية الفساد و الاستبداد ، إذ كيف نطلب مثلا من حزب إداري أن يمارس دور المعارضة ، و هو الذي أوجدته السلطة قصد تأييد كل ما يصدر عنها ؟! و ماذا ننتظر من الحزب الأغلبي مثلا ، و هو الذي إن سمعنا له صوتا ، فلا يكون إلا  مدافعا شرسا عن سياسات التفقير التجويع و القمع، و إن احتج فإنما يحتج لتحقيق منافع فئوية لقادته الشرهين للمناصب و الثروة و تعدد الزوجات !! من المفجع  حقا أن تتصدر المشهد السياسي نخب  فاقدة لأية استقلالية و مصداقية ، أصبح سلوكها السياسي مقززا ، كتصويتها  بلا خجل في مجلس النواب ضد مقترحات ، تبدو ملحة في الوقت الراهن، اقترحها نائبا اليسار المعارض ، للرفع من ميزانيتي الصحة و التعليم ، و لإلغاء الضريبة على الدواء ! فكيف، بعد هكذا فضيحة، أن نقنع فئات عريضة من المغاربة بالثقة في المؤسسات و الانخراط في الأحزاب و المشاركة في الانتخابات ؟؟!
     في مغرب اليوم ، تنفث السلطة رعبها في وجه الشعب الفقير المضطهد، بإرسال الإشارات القمعية بأساليب بدائية تذكرنا بماضي سنوات الرصاص سيئة الذكر،  فليست مصادفة أن يتم الحكم بالسجن لعشرات السنين على شباب من مدينة  الحسيمة ، ذنبهم أنهم طالبوا بالخبز و الكرامة ، و على صحفيين غردا خارج سرب السلطة، وعلى مغني راب ثارت كلماته ضد الأوضاع المعيشية الصعبة،  و يقدم للمحاكمة شاب أعزل غاضب لا يملك  غير قناة على يوتيوب ... هي إذن سياسة ممنهجة هدفها تسييج المجتمع بالخوف من سطوة السلطة المستفيدة  أيضا من تراجع الشارع ، و من علاقاتها الزبونية بالخارج ،و غياب الاهتمام الدولي بالمنطقة لصالح بؤر توتر أخرى ..
      لا يبدو أن هناك رجال دولة عقلاء مسموعون داخل مربع الحكم للتنبيه لخطورة طغيان الأجهزة المعلومة و سطوة المال الفاسد و موت السياسة، و لسلبيات استقرار مفروض بالقوة و مبني على الخوف و ليس على رضى الناس أو نتيجة رخاء اقتصادي حتى .. وليس في الأفق بعد مهزلة التعديل الحكومي  الأخير أية تباشير لحدوث انفراج ما، بالرغم من براكين الألم و الغضب التي تعتمل في المجتمع ، التي و إن لم تجد لها صوتا داخل المؤسسات الفاقدة التمثيلية و المصداقية، إلا أن الملاحظ مؤخرا ، هو قدرة هذا  المجتمع المأزوم على التعبير عن نفسه ، عبر وسائل جديدة  و فاعلين جدد ، كبعض أغاني موسيقى الراب ، و الشعارات و الرموز القوية التي ترفعها جماهير الكرة ، و تدوينات المواطنين و قنواتهم  على مواقع التواصل ، و التي إن كانت لا تشكل بديلا سياسيا حقيقيا ، إلا أنها استطاعت أن تنتج خطابا سياسيا معارضا غير مسبوق ..
     إن مظاهر العنف و ارتفاع معدلات الجريمة و الانفلات الأمني الفظيع ، و تفشي ظاهرة المخدرات بكل أنواعها  ، و حوادث الانتحار المؤلمة ،و جحافل المتسولين و المشردين و غيرها من سمات تفسخ النسيج الاجتماعي العديدة الأخرى كالكفر بالانتماء للوطن و الدعارة و قوارب الموت ... تنبئ  بأن المغرب مجتمعا و سلطة و نخبا يعيش أزمة كبرى، ولحظة تاريخية عصيبة ، طابعها الغموض والفراغ والانسداد و غياب الحلول و المبادرات .. و لا نملك أمام هكذا واقع مزر ، إلا أن ننبه كل  الفاعلين داخل السلطة و خارجها ، الى خطورة الوضع ، و ضرورة التدخل العاجل لإنقاذ الوطن ، عبر إعمال العقل و التحلي بالحكمة ، و فتح  حوار وطني جدي بين جميع مكونات الشعب ، آملين لهذا الوطن العزيز الخروج من أزمته الحرجة  مستقرا و ديمقراطيا  و موحدا و معافى...   


*أستاذ و ناشط سياسي


الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة