قراءة في واقع النخب الشبابية بالمغرب بعد 'الربيع العربي' ومآلاتها
قراءة في واقع النخب الشبابية بالمغرب بعد 'الربيع العربي' ومآلاتها


لا يجادل أحد في أن "الربيع العربي"   كانت له آثاره الممتدة في الزمان والمكان على جميع مواطني الدول العربية، بل وحتى على دول العالم بصفة مباشرة أو غير مباشرة.
هذه الآثار التي طالت جميع فئات المجتمع بجميع طوائفه، وفي مقدمتها الشباب الذين كانوا هم المحرك الأساسي لهذه الحركية التي عرفتها جل المجتمعات العربية في بداية العشرية الثانية من القرن الواحد والعشرين، ذلك أن طبيعة هذه الفئة والظروف المحيطة بها أهلتها للعب هذا الدور، وإن اختلفت نسبة مشاركتهم وفعاليتهم في هذه الموجة حسب الظروف الذاتية والموضوعية. لكن يبقى الدور الأبرز للنخب الشبابية سواء منها تلك التقليدية أو الغير تقليدية والتي وفر لها الحراك وما سبقه من أحداث الظروف المواتية للبروز بل وحتى لنشأتها، فكانت أن قادت هذا الحراك ثم تبعتها جل النخب وإن اختلفت مآربهم، وكذا باقي طوائف وأفراد الشعوب. 
لقد كانت رياح التغيير التي هبت مع أول نسمات "الربيع" حينها بارقة أمل لكل الشعوب العربية، وفي مقدمتها شباب المنطقة، لكن ما تبع هذه النسمات من رياح عاصفة، وعواصف مدمرة أتت على الأخضر واليابس من آمال هذه الشعوب، جعلها تفقد الثقة في ذاتها أولا ثم في محيطها ثانيا، وإن كان هذا التوصيف يصدق على الشعوب أفرادا فماذا عن نخبها؟
الآن وبعد ما يقارب العشر سنوات عن أحداث "الربيع العربي"، نسائل من ضمن ما نسائل، النخب الشبابية، كيف آلت أوضاعها بعد هذه العشرية؟ وماهي قراءتها لواقعها الحالي؟ ثم ماذا عن نظرتها الاستشرافية لمستقبلها ومستقبل المنطقة؟ وسنحصر قراءتنا هنا فقط في النخب الشبابية المغربية.
بالرجوع إلى سنة 2010 وما قبلها، سنجد أن الأوضاع كانت في المغرب في هذه الفترة تتسم بالاحتقان الذي بلغ مستويات غير مسبوقة، وقد كان من أبرز مظاهرها نسب البطالة المرتفعة ومستويات الفقر التي بلغت حدا غير مسبوق، والتضخم الذي أصبح ينذر بأن القادم أسوء، وغيرها من المؤشرات التي كانت لها دلالة واضحة على أن المستقبل القريب حينها – والقريب جدا – لا يبشر بخير. وقد تجلت النتائج المسبقة لرياح الربيع في انتشار عدد المظاهرات والاحتجاجات التي عرفت أشكالا غير مسبوقة، بل وحتى طالت فئات لم تكن لتخرج يوما ما للاحتجاج على أوضاعها فيما سبق، وكانت السمة الأساسية لهذه الاحتجاجات هو فئويتها في أغلبها، بل حتى في الفئة الواحدة تجد تفييئ في الاحتجاج (رجال التعليم والمعطلين نموذجا). لكن الخطير في الأمر هو أن هذه الاحتجاجات أخذت أشكالا أكثر راديكالية بلغت حد حرق الذات، الأمر الذي كان مؤشرا حقيقيا على مدى اليأس الذي وصل إليه المحتجون. وكالعادة كان وقود هذه الاحتجاجات أو عنصرها الأساسي هم الشباب، سواء أفرادا غير منظمين ألجأتهم الظروف للخروج إلى الشارع أو شبابا أطرتهم الإيديولوجيات التي يؤمنون بها للوقوف في الشوارع منادين بضرورة الاستماع إليهم وتحقيق مطالبهم. وهكذا سوف نجد أن مجموع هؤلاء الشباب كونوا لنا نخبا تختلف في أهدافها ومطالبها، وتتفق على ضرورة تغيير الأوضاع القائمة.
لنجد أن أبرز ما خلفه "الربيع العربي" وجود نخب شابة أصبحت قادرة على التأثير في محيطها، هذه النخب التي تخفي ورائها غابة من التناقضات والاختلافات توحدت إبان الحراك حول مطلب واحد، وهو ضرورة التغيير، ولكن أي تغيير وبأية وسيلة ولأي هدف؟ هنا كان الاختلاف. وسنجد أن هذه الاحتجاجات الشبابية ميَّزتها حينها ميزتين أساسيتين، سلميتها وانضباطها إلى أبعد الحدود، وكذا تجديد آلياتها ووسائلها.
1. من رحم السلمية انطلقوا وإليها عادوا
شأنها شأن باقي شعوب المنطقة، كانت احتجاجات فئات المجتمع المغربي متسمة بالسلمية إلى أبعد الحدود، ولعلنا نتذكر جميعا الشعار الذي كان يرفعه المتظاهرون حينها بالعامية المغربية " سلمية سلمية لا حجرة لا جنوية"، هذه السلمية استمرت طيلة فترة الحراك ولم تشهد المظاهرات المطالبة بالتغيير أي عنف أو تخريب، حتى كان يوم الأحد 29 يونيو والذي عرفت تدخلا أمنيا كانت نتيجته استشهاد الشاب كمال عماري وعدد من الإصابات والاعتقالات، ومع ذلك استمرت المظاهرات في نهجها السلمي، إلى أن خفت حدتها لتصل إلى لحظة فارقة بانسحاب جماعة العدل والإحسان من الهيئات الداعمة للحراك حينها وما تبع ذلك إلى أن انطفئت شعلة حراك 20 فبراير. إلا أن السلمية ستستمر في جميع الحركات الاحتجاجية التي تلت 20 فبراير، كحراك الريف وجرادة وغيرها من الاحتجاجات التي أخذت في التوسع يوما بعد يوم.
2. تجديد الآليات والوسائل:
ما تميز به الربيع العربي هو وسائله المبتكرة والتي ساهمت فيها الثورة التكنولوجية التي عرفتها بداية الألفية الثالثة، وهكذا سنجد أن الشباب طوعوا هذه التكنولوجيا لصالحهم، فصارت مواقع التواصل الاجتماعي عنوانا لهذه المرحلة، وبديلا حقيقيا عن وسائل الإعلام التقليدية، الأمر الذي انعكس على انتشار المظاهرات وتمددها في طول وعرض البلدان العربية، كما ظهرت فئة ستعرف لاحقا بشباب مواقع التواصل الاجتماعي والتي ستصبح نخبة من النخب الشابة للربيع العربي.
واقع النخب الشبابية بعد الربيع العربي
لعل واقع النخب الشبابية في المغرب بعد الربيع العربي لم يصبح أحسن حالا من واقعها قبله، فهي لم تستطع إحداث التغيير المنشود، سواء في أوضاعها الذاتية، أو في محيطها بالقدر الذي كانت تطمح إليه، لكنها مع ذلك أحدثت خرما في جدار الصد والممانعة، وهكذا سنجد ارتفاع نسب الوعي لدى عدد من الفئات الشابة، سواء الوعي بأهميتها وقوتها على التأثير، أو حتى الوعي بالواقع السياسي والاجتماعي والتجاذبات التي تحيط بهما وكذا الفاعلين الأساسيين أو الثانويين داخلهما.
 سنجد كذلك أن جدران الخوف بدأت في التهاوي والتكسر عند عدد لا يستهان به من أفراد الشعوب، كما سنجد تطور الخطاب الشبابي ونوعيته وقيمته التأثيرية. لكن يبقى السؤال مطروحا عن واقع النخب الشبابية اليوم... وإلى أي حد يمكن أن نقارن وضعها اليوم بوضعها بالأمس؟
إن المتأمل لواقع النخب الشبابية بالمغرب في الوقت الراهن سيجد أن هذه النخب تنقسم إلى قسمين:
فئة استفادت من استمرار الأوضاع القائمة كما كان عليه الحال قبل موجة الربيع، كما أنها عززت مواقعها في المنظومة السياسية مستغلة الدينامية التي أحدثها الربيع العربي، وإعطاء الفرصة للشباب في الولوج إلى عالم السياسة أو عالم المجتمع المدني من أوسع أبوابهما، وهكذا سنجد أن مجموعة من الشباب تصدروا المشهد ولو ظاهريا، فمثلا ولج عدد مهم إلى قبة البرلمان انطلاقا من لوائح الشباب، كذلك دعم الجمعيات الشبابية وفتح المجال أمامها وغيرها من الأبواب الموصدة والتي فتحت. ويمكن أن نحدد هذه الفئة في شبيبات الأحزاب سواء الموالية منها أو المعارضة من داخل الللعبة السياسية، وكذا الشباب الجمعوي التابع لهذه الأحزاب أو أولئك الذين ليس لهم امتدادات سياسية.
فئة أخرى استفادت من دينامية الحراك فأصبح لها صوت مسموع وسط الساحة السياسية، وإن كان يراد له أن يظل خافتا، لكن استطاعت أن ترفعه، وفرضت نفسها على الواقع السياسي، إلا أن ذلك لم يلبي مطالبها المتمثلة في إحداث تغيير حقيقي، تتمثل بالأساس في شبيبات التنظيمات الحزبية والسياسية التي توجد خارج "اللعبة"، وكذا بعض الوجوه الشابة التي برزت مع أحداث الربيع العربي، خاصة ما يمكن أن نسميهم بشباب وسائل التواصل الاجتماعي.
مآلات النخب الشبابية في المغرب
لا يجادل أحد في أن المستقبل للشباب، هذا الشباب الذي يراد له اليوم أن يظل حبيس أفق ضيق، زاد من ضيقه فقدان الأمل لدى فئات عريضة من الشباب. فقدان الأمل هذا سنجده لدى عدد من النخب الشبابية كذلك، والتي أصبحت خطابات عدد كبير منها تتسم بضيق الأفق واليأس من المستقبل، لكن بالمقابل سنجد أن بعض النخب حاولت جاهدة أن تنفض غبار اليأس عن المجتمع وخصوصا شبابه، فنادت بالأمل في مستقبل مشرق (نداء من اجل الأمل شبيبة العدل والإحسان نموذجا)، أو أن خطاباتها حاولت توصيف الأزمة وضرورة تجاوزها بتغييرات جذرية. لنجد في المحصلة أن هذه النخب في مآلاتها قسمين:
نخب شابة لها نظرة استشرافية للمستقبل محورها الأمل الذي يصل عند بعضها إلى درجة اليقين في تحقق التغيير المنشود إن عاجلا أو آجلا. لكن مع نظرتها المتفائلة تسلك في نهجها خطوات عملية تحاول من خلالها أولا بث الامل في نفوس الشباب، وثانيا المساهمة الفعالة في إحداث تغيير حقيقي للأوضاع القائمة.
هناك نخب شابة نظرتها للمستقبل نظرة مغرقة في التشاؤم، خاصة المستقبل القريب، حيث ترى أنه من المستحيل تغيير الأوضاع القائمة، وبالتالي عوض أن تعمل على تغيير الأوضاع تحاول التأقلم معها قدر المستطاع.


بقلم : طارق السايحي




.

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة