رئاسة جماعة مدينة الجديدة وواقع 'فقدان البوصلة'
رئاسة جماعة مدينة الجديدة وواقع 'فقدان البوصلة'


صدق المحلل النفسي الفرنسي جاك لاكان حين أكد انطلاقا من دراساته على قاعدة مؤداها أن "معرفة خفايا اللاشعور يمكن في اللغة"، فاللغة ليست حسب الرجل ألية رمزية للتداول والتفاعل بين البشر، بل هي أيضا مدخل لمعرفة خبايا ومكنونات النفس البشرية خاصة في منطقها اللاشعورية، أرى بأن القاعدة تنطبق فعلا كمنطلق في التحليل على ذلك الجواب/الرد الذي أورده السيد جمال بن ربيعة، كرئيس للمجلس البلدي لمدينة الجديدة، على ما بلغه من رسائل من طرف مكونات المعارضة بالمجلس، خاصة تلك الرسالة الموضوعة بتاريخ 17 غشت 2022 حول الوضع الكارثي لمدينة الجديدة، وما ورد فيها من مضامين ومفردات ورسائل منها العلني والمشفر، التي لا تظهر منطق التعامل المسؤول والعادي لرئاسة المجلس مع مكون من مكونات المجلس، بقدر ما تضعنا أمام تكتيك يعكس مما يعكس فقدان البوصلة وعدم القدرة على مجاراة التسيير، سواء في العلاقة الداخلية داخل المجلس أو تدبير واقع مدينة الجديدة الذي هو بالضرورة واقع الأزمة.
وعليه، سنعمل من الناحية المنهجية والتقنية؛ على تقسيم جواب السيد رئيس المجلس البلدي لمدينة الجديدة في جوابه على المعارضة ضمن الرسالة عدد 3181 الواردة بتاريخ 22 غشت 2022، إلى ثلاثة فقرات أساسية، الأولى تتعلق بتأويل رئاسة المجلس لمفهوم المعارضة وحدود صحته، والفقرة الثانية بخصوص قضية النظافة بمدينة الجديدة بين الرسالة والواقع الموضوعي، والفقرة الثالثة تتصل بنقطة الاستقالة (استقالة الرئيس) والجواب عنها هل هو جواب مؤسساتي مسؤول أم جواب بنكهة البوليميك، وغرضنا من هذه السطور هو تبيان حدود تحمل رئاسة المجلس البلدي لمدينة الجديدة لمسؤوليتها حول على واقع مدينة الجديدة راهناً على ضوء هذه الرسالة عبر تحليل مضمونها، مع التساؤل حول حدود فعلية ممارسة رئاسة المجلس لقواعد وتقاليد الممارسة السياسية في شقها التدبيري المؤسساتي.
1- بصدد مفهوم المعارضة حسب مقاس الرئيس:
جاء في الرسالة الجوابية على مراسلة المعارضة، تعريف معين لمفهوم المعارضة حسب ما تقول المراسلة أنه يمتح مضمونه من الدستور والقوانين التنظيمية، لكن ما يلي ذلك يهدم هذه الحجة، ويستنتج منه أنه تأويل للقانون ينسجم مع رهانات رئاسة المجلس، والتي تراهن على التدبير مهما كان نوعه، سلبا أو ايجابا، دونما اعتراض، في حين أنه في كل التقاليد السياسية، وضمنها بالمملكة المغربية، فمن أهم مهام المعارضة سواء داخل المجالس الترابية أو مجالس الجهات أو البرلمان بغرفتيه، هو نقد وتصحيح وتوضيح مكامن الخلل في تدبير الأغلبية للشأن العام، وتكتيكات التوافق أو التعارض في ارتباطها بالصالح العام، يحددها طبيعة السياق الموضوعي العام، فهل في سياق العجز التسييري لرئاسة المجلس، والتي تجد انعكاساتها في واقع المدينة المتردي، هل كان ينتظر السيد رئيس المجلس البلدي لمدينة الجديدة، أن تقابله المعارضة بالتصفيق والتشجيع!؟.
ثانيا، لقد سقط السيد رئيس المجلس في حالة تناقض تام، بين ادعاء إيلاء القيمة القانونية والدستورية لمكون المعارضة، وبين التجاوب العملي الذي يجب أن يكون منسجما مع روح الاختيار الديمقراطي الذي نص عليه دستور المملكة سنة 2011، ويظهر هذا جليا من خلال المصطلحات والمفاهيم التي سيقت في المراسلة الجوابية، إذ أنها مليئة بأحكام القيمة حد الثخمة (المعارضة العشوائية، الابتزاز السياسي، التعطيل والفرملة ...)، وعليه فكيف سيطالب الرئيس من المعارضة، التحلي بقيم الديمقراطية والتدافع السياسي الإيجابي خدمة للصالح العام، وهو أول من ينقض هذا المبدأ عبر تصوير هذا المكون المؤسساتي في صورة سوداوية، هذا التناقض يعكس شيئا من سيكولوجية التوجس والخوف والتضايق السياسي من طرف رئاسة المجلس، وهو في نظري عامل الفرملة وليس عمل المعارضة الصحي في هذه الظرفية.
-2 واقع النظافة بمدينة الجديدة: بين المراسلة والواقع الراهن للمدينة 
جاء ضمن المراسلة بخصوص الاجابة عن وضعية النظافة، حديث عن العناية الكاملة والأهمية البالغة التي يوليها للقطاع، إلا أنه وللأسف الشديد اتضح له خلال الآونة الأخيرة أن الخدمات المقدمة ليست في مستوى تطلعات الرئاسة والساكنة التي عبرت عن عدم رضاها على الخدمات المقدمة من طرف الشركة المفوض لها تدبير القطاع، بينما المدينة وخاصة في ذروة فصل الصيف، عرفت تراكما للنفايات بعدة نقاط وشوارع رئيسية وأحياء مهمة، ولم تسجل الساكنة ما كان يجب القيام به ممثلا في التحرك الميداني والمتابعة عن كثب لهذه الأزمة وحث الشركة على ضمان حق الجديديين والجديديات في بيئة سليمة، وضمن هذا نتساءل حول عدم تفعيل رئيس المجلس البلدي لمدينة الجديدة لدوره طبقا لمقتضيات 113.14 من القانون المنظم للجماعات الترابية التي تفوض له ممارسة صلاحيات رئيس الشرطة الادارية وضمن هذه الصلاحية ايلاء العناية بنظافة الجماعة الترابية التي تقع في نفوذه، كما تم تقديم تبرير متعلق بتراكم النفايات بالمدينة خاصة في الأونة الأخيرة، وهو في نظري عذر أقبح من زلة، وهو مبرر توافد الزوار على المدينة، ومن باب المقارنة، يظهر أن هذا التبرير هو حجة هشة؛ بحيث أن مدن أخرى خاصة مدن شمال المملكة، تعرف توافد رقم مهم من الزوار والمصطافين دون حدوث هذا التراكم المهول من النفايات نظرا ليقظة المجالس الترابية والسلطات العمومية في هذا الشأن، مما يعزز مسؤولية المجلس البلدي لمدينة الجديدة في هذا الوضع دون أي تملص أو تبرير.
3- الرد على قضية الاستقالة: رد موضوعي مسؤول أو بوليميك ؟:
من ضمن أهم النقاط التي أثارت السجال ضمن المراسلة الجوابية لرئيس المجلس البلدي لمدينة الجديدة، وهو رده على مطلب المعارضة الذي طالبه بالاستقالة لعجزه عن تدبير شؤون المدينة، وعوض أن ينتهز السيد الرئيس الفرصة ليظهر عن روح الحكمة والتبصر والتفهم ويفتح باب تدارك التباعد بين مكونات المجلس ويعيد النهوض بوضعية تدبير الشأن الترابي بالمدينة، اختار نهج البوليميك وإقحام لغة أحكام القيمة في رده مما يعزز ما أوردناه في الفقرة الأولى أعلاه، وهي خوف وتوجس الرئاسة اتجاه المعارضة، مما يعكس غياب الوعي السياسي ومقتضياته في ارتباط بالسياق الموضوعي العام وهو واقع الأزمة بالضرورة، مما يفرض التوافق عوض الصراع، هذا إن كان هم رئاسة المجلس وأغلبيته هو خدمة المدينة، كما جاء ضمن المراسلة حديث عن تفعيل آلية العمل التشاركي في تدبير الشأن المحلي، بينما الواقع يؤكد نقيض ما قال، عبر غياب التواصل الدوري بين رئيس المجلس والساكنة، والتعثر الحاصل في تشكيل هيئة المساواة وتكافؤ الفرص كآلية تشاركية وضعها المشرع بغرض اشراك المجتمع المدني في تدبير الشأن الترابي، مع طرح تساؤل حول غياب الاغلبية عن الواجهة وحدود انسجامها، وهذا مكمن من مكامن العجز والاستسلام التي أصابت رئاسة المجلس أمام تواتر أزمة الشأن الترابي خاصة على مستوى الخدمات الأساسية الموجهة لساكنة المدينة.
- خلاصة لابد منها: 
يتبدى من خلال الرد الجوابي لرئيس المجلس البلدي لمدينة الجديدة على مراسلة المعارضة، أننا أمام حالة فقدان البوصلة في ظل تراكم واقع الأزمة الذي أصاب المدينة على كافة المستويات، وتتجلى هذه الحالة من خلال لغة المراسلة التي تعكس التوجس والخوف والتردد من مراسلات المعارضة الوجيهة والتي تصب نصب مساءلة تدبير المجلس وخدمته لسكان المدينة، ومع تراكم الأزمة على عدة مستويات، بدأت تترسخ قناعة معينة لدى الشارع الجديدي مفادها أن رئاسة المجلس ستعجز عن ممارسة مهامها أمام هول الانتظارات والمشاكل الحاصلة، مما سيضع المدينة رهينة إصلاح منشود قد يقع بعد استحقاقات 2026، مما يجعل مطلب استقالة الرئيس أكثر وجاهة، وهذا لن يصغر من شأن السيد الرئيس، بقدر ما سيعكس نوعا من الجرأة السياسية من جهة وسيفتح المدينة وسكانها عن نقاش البديل الممكن وسيفتح مجالات الإصلاح، وعليه لازالت الفرصة سانحة امام رئاسة وأغلبية المجلس البلدي لمدينة الجديدة لسلك خيارين: خيار تحمل المسؤولية والعمل الجاد خدمة لمطالب ساكنة مدينة الجديدة بما ينسجم وروح الدستور والقانون وتعليمات جلالة الملك محمد السادس نصره الله الواردة في خطاباته، أو الاستقالة وفتح الباب أمام البدائل الممكنة لإصلاح ما تبقى من الملمح الحضري لمدينة الجديدة.

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة