الإساءة إلى المؤسسة القضائية .. لفائدة من يا ترى؟
الإساءة إلى المؤسسة القضائية .. لفائدة من يا ترى؟


بات لافتا في الآونة الأخيرة أنه في الوقت الذي ارتقى فيه دستور المملكة بالقضاء إلى سلطة مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية ومنع كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء تضرر جهات عديدة أضحت تختبأ وراء صفحات مجهولة لشيطنة هذه المؤسسة، التي تكتسي أهمية خاصة، باعتبارها أهم ضمانة لاحترام حقوق الانسان وحماية مصالح الأفراد والجماعات، وباعتبارها الآلية المعهود إليها ضمان سيادة القانون، ومساواة الجميع أمام مقتضياته؛ ضاربة عرض الحائط مجهودات جبارة تبذل على مستوى المجلس الأعلى للسلطة القضائية بخصوص تخليق هذا المرفق، ودون الالتفات إلى أن المجلس المذكور يبقى من أكثر المؤسسات صرامة في التعامل مع الحالات الشاذة للفساد داخله وفق الضمانات القانونية؛ بل إنه يعد من بين المؤسسات القليلة التي تضع رهن إشارة عموم المواطنين رقم أخضر للتبليغ عن الرشوة، وهو معطى مهم لتعزيز النزاهة داخل المؤسسة القضائية، هذا دون الحديث عن أرقام حالات الطرد من الوظيفة والملاحقة الجنائية لكل من ثبت في حقه ما يستدعي السجن؛ والتي يشير إليها في بلاغاته الصادرة عنه دون أدنى عقدة أو مركب نقص. 
ومادام الشيء بالشيء يذكر ونحن نتحدث عن النزاهة فإن أقل شيء مطلوب فيمن ينادي بالإصلاح من خلف الصفحات المجهولة ألا يختبأ خلف أسماء مستعارة، لأن الإصلاح يتطلب جرأة في القول والفعل، وطرح الأفكار والمقاربات الكفيلة بإثراء النقاش حول ما نريده من مؤسسات وطننا بالنظر إلى أن القضاء يعتبر شأنا مجتمعيا يخص كل المغاربة.
غير أن ما نراه اليوم هو بخلاف كل المطالبات الجادة والهادفة مطلقا؛ وإنما يتعلق الأمر بمحاولة الرعاع توجيه القضاء بعواطفهم الرعناء وتهورهم المدمر وتوجيهه تبعا لرغباتهم الحمقاء. وفي هذا الإطار تم تجنيد "مطرودي المدارس" و "ضحايا الهدر المدرسي" و "أصحاب العاهات النفسية" في محاولة يائسة لجر القضاة والمؤسسة القضائية إلى اللهو العام الذي استأسد وساد في زمن التفاهة الذي أضحينا نعيش أيامه الرديئة بتفاصيل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المروي عن أبي هريرة حين قال: "سيأتي على الناس سنوات خداعات؛ يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة.. قيل وما الرويبضة؟ ..قال الرجل التافه يتكلم في أمر العامة". 
ونحن نستحضر قول رسول الله عليه أزكى الصلاة والسلام.. دعونا نتساءل بكل نزاهة وجرأة؛ من يتصدر اليوم المشهد العام ويحلل ويناقش ويفتي دون معايير علمية أو أسانيد رأي معتبرة لدى أهل العلم؟ وهذا الأمر يحيلنا على كتاب "نظام التفاهة" للأستاذ "آلان دونو" (جامعي – دكتور في الفلسفة من جامعة باريس وأستاذ محاضر في علم الاجتماع بجامعة كيبك الكندية) الذي حاول من خلاله وصف واقع تسيد فيه التافهين والجاهلين وذوي البساطة الفكرية للمشهد العام، ويشرح الأستاذ "دونو" أن تحصيل التافهين للمواقع لأي سبب من الأسباب يجعلهم يبحثون عن أشخاص تافهين مثلهم لتحصين موقعهم، وعلى أساس هذا التخوف على الموقع تبنى بالتدريج شبكة من التافهين تحصن فيها كل نقطة بقية النقاط في الخريطة الاجتماعية، ومن تم إسباغ التفاهة على كل شيء. 
لهذا لا تستغرب وأنت تتصفح هاتفك فيغمرك "سيل جارف" من المحللين والمفكرين والخبراء وغيرهم من الرويبضاء التافهين، مصداقا لقول الشاعر: 
      خنافس الأرض تجري في أعنتها +++ وسابح الخيل مربوط إلى الوتد. 
وفي النهاية لابد من الإشادة برزانة وحكمة الجمعيات المهنية للقضاة وفي طليعتهم الودادية الحسنية للقضاة ونادي قضاة المغرب التي انتبهت إلى "المنحدر" الذي يحاول الحاقدون جرهم إليه؛ وتفرغوا للبت في قضايا المواطنين بما يرضي الله ويتوج الوطن ويفرح الملك، وتلك هي غاية الغايات؛ مستلهمين صبرهم على الأذى من قوله تعالى "وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين".




.

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة