بين صمت القبور وصخب الانتخابات... أيّ تمثيل ينتظره المواطن؟
بين صمت القبور وصخب الانتخابات... أيّ تمثيل ينتظره المواطن؟

 

مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية، التي تُطلّ برأسها كل بضع سنوات كساعة رملية تُذكِّر الناخبَ بأن "الاختيار" بين يديه، يخرج فجأةً مَن كانوا غائبين عن المشهد العام، كأشباحٍ تَهُبّ من تحت أنقاض الصمت. إنهم "ممثلو الشعب" السابقون، الحاليون ، مَن اختفوا طوال ولايتهم خلف جدران اللامبالاة، ليعودوا اليوم إلى الواجهة بخطاباتٍ مزيّفة، وأسئلةٍ برلمانيةٍ مُفاجئة، وحساباتٍ على وسائل التواصل تَئِنّ فجأةً من "هموم المواطن"!
لن يَفُوت المُتتبعَ أن هذه "الصحوة الانتخابية" ليست سوى محاولة يائسة لترميم صورةٍ مهترئة. فما عاد المواطن يُصدّق وعوداً جوفاء من أشباحٍ لم يُشاهدهم في قبة البرلمان إلا نادراً، ولم يَسمع لهم صوتاً يُناقش غلاء المعيشة، أو يُحاسب على ضرائب تُثقل كاهل الفقير، أو يُحارب الفساد. بل العكس هو ما حصل: شهدت بعض الجلسات البرلمانية الحاسمة غياباً مريباً لـ"ممثلي الشعب"، حتى أن أسماء بعضهم رُفعت في قوائم "الغائبين دون مُبرر"، وكأن مقعد البرلمان مجرد وسادة للقيلولة!  
الأمر الأكثر إيلاماً أن هؤلاء، بعد إخفاقهم في تحقيق أبسط مطالب ناخبيهم، يعودون اليوم بنفس العقلية، ونفس الخطاب المُنمّق، ونفس الوعود المُكرّرة، وكأن المواطن ذاكرة سمكة! فها هم يُنشطون حساباتهم الوهمية على "فيسبوك"، ويَطرحون أسئلةً برلمانيةً مَشكوكاً في دوافعها، ويُوزّعون الوعود كحلوى في استراتيجيةٍ مكشوفة: "حملة انتخابية مبكرة"، لا أكثر.  
السؤال الذي يَفرض نفسه: كيف يُمكن لشخصٍ قضى ولايته في الغياب والتقصير أن يَطلب ثقة الناخب من جديد؟ وكيف يُبرر غيابه عن مناقشة قانون المالية، الذي تُقرّر من خلاله مصائر الناس، بينما كان يُفترض به أن يكون في الصفوف الأمامية دفاعاً عن حقوق مَن انتخبوه؟ بل كيف يُمكن لمواطنٍ عاقل أن يمنح صوته لـ"ممثل" اعترف – ضمناً – بفشله، حين حوّل البرلمان إلى نادٍ اجتماعي، والمقعد النيابي إلى منصةٍ للتَرَشُّح الدائم؟  
الحقيقة المُرّة هي أن جزءاً من هذه الدوامة الانتخابية الفارغة يتحمّل مسؤوليتها الناخب نفسه. فطالما ظلّ الصوت يُمنح بمعيار القبلية، أو الإغراءات المادية، أو العاطفة العشوائية، ستظل الدورة تُكرّر نفسها: "ممثلون" يَبحثون عن مكاسبَ شخصية، ومواطنون يَدفعون الثمن.  
في الختام، ربما حان الوقت لاختبارٍ جاد: لن يَصلح الحال إلا بوعي ناخبٍ يرفض الترويج الانتخابي الزائف، ويَنتخب بدماغه قبل قلبه. فالصوت ليس مجرد ورقة تُلقى في الصندوق، بل هو أمانة... فهل سنُسلّمها مرة أخرى لمَن خانوا الأمانة من قبل؟



بقلم: عبدالاله نادني



.

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة