فوضى ''الدراجات النارية''.. تحد وعبء ثقيل على الشرطة والدرك بإقليم الجديدة
بحلول فصل الصيف والاصطياف، تصبح عاصمة دكالة وجهة مفضلة يقصدها الزوار والسياح، من داخل وخارج أرض الوطن، حيث تتضاعف أعدادهم ثلاثة أو أربعة مرات، للشواطئ الخلابة التي يزخر بها إقليم الجديدة. واقع لا يمر ولا يمكن تصوره دون بروز ظواهر تشكل تحديا وقلقا للقائمين على تدبير الشأن العام، وللسلطات الشرطية والدركية بالمجالين الحضري والقروي، من ضمنها إقبال بعض الشباب الطائش، أغلبيتهم من "ولاد الفشوش"، على سياقة الدراجات النارية، سيما من نوع c90 و c50، وغيرها ذات سعة 49 سم، بتهور وجنون، لإثبات "الأنا" و"الفرعنة".
* شباب طائش ومتهور
على غرار جهات وأقاليم ومدن المغرب، فإن ظاهرة سياقة "دراجات الموت"، قد أضحت تكتسح بشكل مقلق شوارع مدينة الجديدة ومنتجع سيدي بوزيد، الكائن حوالي 5 كيلومترات جنوبي عاصمة دكالة. إذ يعمد بعضهم، في "تحد للموت وللقانون"، كما لوحظ على طول الكورنيش، وفي الشوارع وملتقيات الطرق، إلى السياقة بسرعة جنونية وبشكل استعراضي وبهلواني، دون اكتراث للعواقب غير المحسوبة، ودون حماية حتى لأنفسهم، بوضع الخوذة الواقية، واحترام إشارات المرور، والسبر في الاتجاه الممنوع، وركوب ثلاثة أشخاص على وسيلة واحدة. هذا، فيما يعمد آخرون إلى الاستفزاز أو الاعتداء على المتدخلين الأمنيين، الساهرين، عند نقاط المراقبة والسدود "البارجات"، المقامة على المحاور الطرقية، على تنظيم حركات السير والجولان، كما وقع في الدارالبيضاء لعناصر شرطية بالزي الرسمي، في مشهد وثقت له بالصورة كاميرا هاتف نقال. ما أفضى إلى تحديد هوية شرذمة المنحرفين، وإيقافهم، وإحالتهم على النيابة العامة المختصة.
كما أن بعضهم سرعان ما يقومون بتغيير مساراتهم الطرقية، في الاتجاهات المعاكسة والرجوع من حيث كانوا قادمين، عندما يجدون أنفسهم ودراجاتهم على بعد أمتار من دوريات المراقبة الطرقية، التي لن تتهاون في تحرير محاضر المخالفة، وحجز الدراجات المخالفة للقانون، لإيداعها في المحجز (الفوريان)، سيما في غياب توفرهم على الوثائق الضرورية وشهادات التأمين، وكون دراجاتهم النارية قد يكون مشكوكا في مصدرها، وغالبا ما تكون معدلة ميكانيكيا، من أجل السرعة والإفلات من الإيقاف، عند قيامهم بأفعال إجرامية، من قبيل السرقة والاعتداء في الشارع العام، سيما أنهم يعلمون علم اليقين أن الدوريات الراكبة والساهرين على تنظيم حركات المرور واستتباب الأمن والنظام في الأماكن العمومية، غير مخول لهم قانونا بالمطاردة، لخطورة تبعاتها، وما قد ينجم عنها من مخاطر تهدد سلامة لمواطنين ومستعملي الطريق.
كما أن بعض الشباب الطائش من سائقي الدراجات النارية، باتوا ينظمون سباقات خطيرة، بغاية الظفر بمبالغ مالية، يساهمون في جمعها، على المحاور الطرقية؛ سباقات تكون عواقبها كارثية، كما حصل خلال شهري رمضان متباعدين بأقل من ثلاثة سنوات، بنفوذ دائرة عبدة، بإقليم آسفي، على الطريق الوطنية المؤدية جنوبا من جمعة اسحيم ، إلى قرية "ثلاث بوكدرة"، بعد أن نظم سائقو دراجات نارية متهورون، مباشرة بعد الإفطار الرمضاني (المغرب) ، تحت جنح الظلام، سباقا جنونيا تسبب في اصطدامات في ما بينهم، خلفت قتلى. وهي النازلة التراجيدية، سباق الدراجات النارية الجنوني، التي تكررت، بين السائقين المتهورين، بالطريقة ذاتها، شهر رمضان الماضي، بإقليم آسفي، وتحديدا على مقربة من دوار "المصابيح"، بالجماعة الترابية المصابيح؛ إذ لقي شاب في مقتبل العمر مصرعه بشكل مأساوي.
ودائما في المنطقة ذاتها، وتحديدا في مركز الجماعة الترابية، عاينت الجريدة مؤخرا، مرات متتالية، شبابا طائشا، وهم يقومون، مع اقتراب غروب الشمس، بسياقة دراجاتهم النارية، بشكل جنوني واستعراضي، يشكل خطرا محدقا على السلامة الطرقية والجسدية للمواطنين. وبالمناسبة، فإن العشرات من هذه الدراجات النارية، المشكوك في مصدرها، والتي غالبا ما لا يتوفر سائقوها على شهادة التأمين، وهذه رسالة "غير مشفرة" لمن يهمه الأمر ، تصطف أمام المقاهي، التي أضحت، دون حسيب أو رقيب، مرتعا لتعاطي واستهلاك المخدرات (مخدر الشيرا – الكيف..). ما بات يستدعي تدخل القيادة العامة للدرك الملكي، للتسريع بإخراج مقر الدرك الملكي بمركز جماعة لبخاتي، بإقليم آسفي، إلى الوجود، بعد أن طال انتظاره، والمبرمج، من باب التذكير، منذ حوالي 15 سنة، والذي كاد يطاله النسيان.
* تعبئة الشرطة والدرك بإقليم الجديدة
على إثر السلوكات والتصرفات الطائشة التي ما فتئ يبين عنها المتهورون من سائقي الدراجات النارية، وما يتسببون فيه من عرقلة لحركات السبر والجولان، وفي مخاطر تهدد السلامة الطرقية والجسمانية، غالبا ما تنتهي فصولها المأساوية والدموية في قسمي المستعجلات والإنعاش، أو في مستودع حفظ الأموات، وكذلك في مخافر الشرطة والدرك، حيث تنجز الضابطة القضائية، صاحبة الاختصاص الترابي، مساطر جنحية مرجعية، تحيلها على النيابة العامة المختصة، ولمكافحة هذه السلوكات الطائشة، تعبأت المصالح الشرطية والدركية، على التوالي لدى القيادة الجهوية للدرك الملكي للجديدة، والأمن الإقليمي للجديدة، بتسخير مواردهما البشرية والمادية واللوجيستية، وبتكثيف حملات ودوريات المراقبة في الشوارع والمحاور الطرقية، بالمجالين الحضري والقروي.
ففي مدينة الجديدة، ثمة عدة دوريات شرطية تابعة لفرقة الدراجات النارية، تنتشر في نقاط ومحاور وأماكن مختلفة، ترافقها سيارة الإغاثة(dépannage) ، تعمل جادة وجاهدة على ضبط المخالفات والمخالفين، وكبح جماح السلوكات والتصرفات الهمجية لبعض مستعملي الدراجات النارية، شأنها في ذلك شأن الدوريات الدركية، بمنتجع سيدي بوزيد، والتي تتشكل بالمناسبة من عناصر المركز وعناصر كوكبة الدراجات النارية لدى جهوية الجديدة، الذين لا يدخرون جهدا في التصدي للمخالفين، بوضع نقط مراقبة ودوريات متنقلة، راكبة وراجلة.
وقد ابانت المجهودات المبولة من طرف الشرطة والدرك بالجديدة، جراء الانخراط الفعال والجاد للمؤسستين في عملية المراقبة المستمرة واليومية، وبلغة الإحصاءات والحصيلة، عن ضبط ما بين 40 إلى 50 ناقلة (دراجة نارية)، مخالفة في اليوم.
* محدودية نجاعة التدخلات الأمنية
جراء جحافل الدراجات النارية، لم تعد مراقبتها من قبل رجال الشرطة والدرك، للحد من المخالفات التي يتسبب فيها بعض السائقين المتهورين، من خلال إجراءات زجرها بأقل الأضرار، (لم تعد) بالأمر الهين، لصعوبة وخطورة عملية المراقبة؛ ما يحد من نجاعة التدخلات الأمنية. الأمر الذي أصبح يستدعي، من جهة، عدم التساهل في الإجراءات الإدارية والمسطرية المتعلقة بسهولة اقتناء دراجة نارية، وإدخالها عبر المعابر الحدودية، وبالفحص التقني، وبتسجيل الملكية، ومن جهة أخرى، تشديد العقوبات الزجرية، عند ارتكاب أي فعل سياقة متهور، تترتب عنه خسائر في الأرواح أو إصابات جسمانية أو مادية جسيمة، وذلك من خلال مراجعة وإعادة النظر وتعديل مقتضيات مدونة السير على الطرق، بشكل يضمن الردع، على غرار الفصل 507، المعدل في القانون الجنائي، والذي أصبح كابوسا، يجعل المنحرفين يفكرون أكثر من مرة، قبل أن يقدموا على ارتكاب فعل جرمي بواسطة السلاح الأبيض (سكين – آلة حادة..).
* التشدد في العقوبات والإجراءات
أفاد مسؤول أمني أنه أصبح من الضروري مساعدة الأجهزة الأمنية، التي تعمل على تنفيذ وإنفاذ القانون، وذلك بمراجعة المواد القانونية لمدونة السير، الخاصة بالدرجات النارية، وذلك بسن وتشريع عقوبات مشددة على المخالفات المرتكبة، حسب درجة خطورتها، مع فرض وتأكيد الوضع بالمحجز (الفوريان)، في جميع المخالفات، والزيادة في مدة الحجز المنصوص عليها، مع إدخال ترقيم الدراجات المخالفة ضمن تطبيقات مكاتب التسجيل لدى وزارة النقل، وليس الإبقاء عليها في مركز الفحص التقني، حتى يتسنى للجهات المعنية والمختصة، المنفذة للقانون، التنقيط (le pointage)، مع ضبط وإحضار الهاربين من المراقبة، عند النقاط والسدود الأمنية، الشرطية والدركية.
* شأن عام.. توعية وتحسيس
لقد بات من الضرورة والضروري تظافر جهود ومجهودات المتدخلين، من سلطات وأسر ومؤسسات تربوية، ومجتمع مدني، بغية التحسيس والتوعية بشأن مخاطر الدراجات النارية، وجعلها شأنا عاما ومسؤولية الجميع، دون أن يبقى ذلك مقتصرا ومحدودا فقط في الأجهزة الأمنية.
وبالمناسبة، ستنجز الجريدة ربورطاجا صادما حول "فوضى التروتينيت"، التي باتت ظاهرة تكتسح الشوارع والمحاور الطرقية، وحتى ممرات الراجلين، ينتقل ويتنقل على متنها أحيان بشكل عمودي، أزيد من شخص واحد (واقفين)، دون حسيب أو رقيب؛ حيث إن سياقتها لا تخضع للقانون، على خلاف الدول الأوربية، التي سنت تشريعات خاصة، يصبح معها ممكنا وناجعا زجر وردع المخالفين ومخالفات هذا النوع من وسائل النقل والتنقل، التي يتعين تخصيص مقتضيات تشريعية بشأنها في مدونة السير المغربية.
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة