عرضت أخيرا القناة التلفزية الوطنية الأولى، استطلاعا صغيرا عن الصقارة (البيزرة) مبرزة بالتالي أحد الجوانب الهامة في رياضة القنص الجوي، أي حصص التدجين (أو الترويض) التي يتطلبها إعداد صغار الصقور لموسم القنص الموالي. من الوهلة الأولى و بغض النظر عن جدوة المعلومة، يبدو أن الاستطلاع لم يخرج عن المألوف باستثناء تصوير المشهد بمدينة إيفران.
إننا بعيدون كل البعد، قد يقول قائل، عن أرض دكالة التي تعتبر دوما المعقل غير القابل للجدل لهذا الموروث العريق الذي صار منذ حوالي سنتين تراثا إنساني حيا مدونا في القائمة التمثيلية لليونسكو. كما أن الرغبة قد تشابنا في التساؤل عن خبايا أوجه التشابه المحتملة التي يمكنها التوفيق بين الجديدة و إيفران حول موضوع الصقارة.
هدفنا في ما يلي يحثنا إذن على المشاركة بشكل متواضع في هذا الصدد و ذلك بتقديم بعض التوضيحات عن وضعية قد تبدو متجازوة زمنيا لقراء يتابعون عن قرب أو عن بعد كل مراحل تطور هذه الرياضة الفريدة للقنص الإيكولوجي.
عن سهو أو نتيجة قصور في الإلمام بشمولية ملف الصقارة (الشئ الذي لا يمكن أن يعاب عليها) تغاضت القناة التلفزية عن كون جميع الشباب الذين ينشطون المركز الإماراتي لإيفران، و الذي يبلغ عددهم الثمانية، ينحدورن من بلدة السماعلة بدكالة و ينتمون (أو يتبعون) لبرعم جمعية الصقارين القواسم بأولاد افرج.
و تنبثق أنشطهتهم في هذا المركز الإماراتي لتربية و تدجين الصقور، عن اتفاقية شراكة تدون منذ أكثر من أربع سنوات و تهدف أساسا إلى الرفع من مستوى معارف شباب الجمعية مع ضمان عمل قار لهم يطابق اختصاصهم.
في نفس السياق و لغاية مفيدة، يحف لنا أن نشير إلى أنه، موازاة مع فعالية (نشاط) إيفران، جرت عملية مشابهة في مقر الجمعية ببلدة السماعلة (أولاد افرج)، بتعاون مع أعضائها و تحت إشراف خبير في الصقارة و بيطري.
و كان الهدف من هذه التظاهرة هو تهذيب (ترويض) حوالي عشرة صغار الصقور من أصل نبيل، و ذلك على مدى شهر، من أجل إعدادهم لموسم القنص الكبير، الموسم الذي ينتظره بشغف صقار و دول الخليج و الذي ينبغي أن يستمر من شتنبر إلى نهاية يناير.
في الواقع ما الذي يؤهل كلا من مدينتي إفران و الجديدة لأداء هذا الدور الحاسم في صقل قدرة الجارح على القنص؟ لماذا يختار صقار و دول الخليج هذين البقعتين المغربيتين كمرحلة للتوريض قبل الهجرة نحو البقاع الشاسعة للقنص على الطاير ؟
الجواب عن مثل هذين السؤالين يكمن من وجهة نظرنا في بعض النقط الأساسية، أولاها أنه ، علاوة على حسن الضيافة الراسخ في تقاليدنا و على علاقات الأخوية التي تربط بين المغرب و دول الخليج، تتوفر بعض بقاعنا على مميزات أخرى تغري أكثر فأكثر محترفي الصقارة، خاصة خلال فترات القنص.
و بالرجوع لهذه النقطة، فلا أحد ينكر رطوبة الجو الجدية بإيفران و بدرجة أقل اعتدال المناخ المحلي بالجديدة التي جعل منها هذا الصيف أول قبلة للمصطافين على الصعيد الوطني. إن توفر هذا الاعتدال المناخي يمثل ورقة رابحة في ترويض صغار الصقور الذي يفترض إخضاعهم لتداريب متكررة و مكتفة طوال فترة قد تصل إلى الشهر و قد تضر خلالها شدة الحر بصحتهم و تعرقل العملية بكاملها.
الميزة الثانية التي تغري صقار دول الخليج و تجذبهم نحو المغرب تتعلق بوفرة يد عاملة مختصة في المجال، و بالتالي مؤهلة لمرافقة المحترفين طوال المدة اللازمة للترويض و التي تتطلب دراية كبيرة و متابعة طبية و غذائية صارمة و بشكل خاص صبرا متميزا، من هذا الجانب يمكن الاطمئنان على جمعية الصقارين القواسم التي لا تخيب أبدا الظن لكونها تضطلع منذ نشأتها في تثمين رأس المال البشري بتحفيزها للشباب على اكتشاف مهنة قليلة التداول بالتأكيد، لكنها شريفة كأي تخصص آخر.
أخيرا و للتذكير، تجدر الإشارة إلى أن جمعية الصقارين القواسم لأولاد افرج برمجت أثناء وضعها لأول خطة عمل لها منذ عدة سنوات مجموعة من المشاريع من ضمنها بالخصوص إحداث مركز لإيواء و تدجين صغار الصقور من مختلف الجهات، و كذلك مشروعي مأوى سياحي و متحف يستعرض التاريخ الرائع لموروث محلي يعرف حاليا نهضة زاخرة.
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة