مستشفى الجديدة : اختصاصيون لا يؤمنون خدمة الحراسة ومعدات صحية حساسة غير مشغلة ... ونزيف الوفيات يتواصل !! (+ فيديو)
 مستشفى الجديدة : اختصاصيون لا يؤمنون خدمة الحراسة ومعدات صحية حساسة غير مشغلة ... ونزيف الوفيات يتواصل !! (+ فيديو)

قفز عدد الوفيات بشكل مذهل، منذ فاتح يناير 2014، وإلى غاية السبت الماضي، داخل المركز الاستشفائي الإقليمي بالجديدة، إلى 63  وفاة،  بعد أن طرأت 9  وفيات، خلال 3 أيام متتالية، وذلك بتسجيل 3 وفيات في اليوم (الخميس والجمعة والسبت 23– 24– 25 يناير 2014). رقم يوازي بالمناسبة معدل الوفيات الملاحظ ذاته في اليوم. 

 

وقد كنا نشرنا، الجمعة الماضية، تحقيقا تحت عنوان : "أكثر من 50 مريضا قضوا نحبهم في أقل من شهر في مستشفى الجديدة من الجيل الجديد". ولم يكن يتعدى معدل الوفيات في الفترة الممتدة من فاتح يناير 2014، وإلى غاية ال21 منه، حوالي وفاتين والنصف في اليوم.

 

 وقد قضى 325 مريضا نحبهم ، خلال الأسدس الأول (6 أشهر) من سنة 2013، داخل المركز الاستشفائي الإقليمي بالجديدة (مستشفى محمد الخامس). وفيات حصلت جلها داخل قسم الإنعاش.

 

وقد كان الاعتقاد سائدا والآمال معقودة أن يتراجع معدل الوفيات في المركز الاستشفائي الإقليمي الجديد من "الجيل الجديد"، الذي شيد بمواصفات صحية دولية، على مساحة إجمالية تبلغ 10 هكتارات، منها  29000 مترا مربعا مغطاة، وفاقت كلفته الإجمالية 400 مليون درهم، ممولة من قبل الميزانية العامة للدولة، والبنك الأوربي للاستثمار.

 

إن واقع الصحة "غير الوردي"، وارتفاع الوفيات داخل المركز الاستشفائي التابع لوزارة الوردي، يجرنا حتما إلى استحضار واقع بعض أقسام ومصالحه الصحية، وفي طليعتها قسم المستعجلات. هذا القسم الذي تتناوب عليه على مدار ساعات اليوم، أطقم طبية، يعمل كل واحد منها بطبيب من الطب العام وممرضين أو ثلاثة، جلهم متقدمون في السن، ومقبلون على التقاعد، ومنهم من يعاني من أمراض مزمنة. ويقع الضغط على هذه الأطقم الطبية التي تؤمن "خدمة الحراسة" و"الخدمة الإلزامية"، رغم محدودية أفرادها. ضغط يستشف بلغة الأرقام والحصيلات، من الفحوصات التي تجريها تلك الفرق الصحية، والتي تناهز أحيانا 300 فحصا في ظرف 24 ساعة، بعضها لا يدرج في سجلات القسم.

 

وغالبا ما يقوم الأطباء "لي جنراليست" بالمهام الموكولة لزملائهم الأطباء الاختصاصيين، من قبيل إجراء تخطيط القلب، وغيره، نظرا لكونهم (الاختصاصيين)  يحظون بامتيازات، تمنحها إياهم إدارة المستشفى،  كإعفائهم من القيام ب"خدمة الحراسة"، وتعويضها ب"الخدمة الإلزامية"، وعدم الاشتغال خلال عطلة نهاية الأسبوع، والسماح لهم بالممارسة لدى مصحات القطاع الخاص(...).

 

وتعمد إدارة المستشفى في الحالات الاستعجالية التي تستدعي تدخلا فوريا، إلى ربط الاتصال هاتفيا بالأطباء الاختصاصيين في منازلهم، الذين يختارون العمل ب"الخدمة الإلزامية"  (la garde  astreinte) ،عوض تقيدهم ب"خدمة الحراسة" (la garde résidentielle). ونستحضر خير مثال عن ذلك، ما حصل ليلة الاثنين 23 دجنبر 2013، عقب حادثة سير تراجيدية، وقعت فصولها الدموية على المحور الطرقي من الطريق السيار الرابط بين البئر الجديد وأزمور، وخلفت 6 قتلى، و31 مصابا بجروح متفاوتة الخطورة. حيث وجدت إدارة المستشفى صعوبات في ربط الاتصال بالأطباء الاختصاصيين، لدعوتهم للالتحاق بعملهم(...).

 

وغالبا ما يتعذر الاتصال بالأطباء الاختصاصيين في منازلهم، لكون هواتفهم تكون "خارج التغطية" ... ولكون المركز الاستشفائي الجديد يقع بمحاذاة السجن المحلي سيدي موسى، في منطقة غير مغطاة بربط  وخدمات الشبكة الهاتفية.

 

وتجدر الإشارة إلى أن عامل "الوقت"... و"التأخر" في الوصول إلى المستشفى غاليا ما يكون حاسما في حياة المريض، وتحديد مصيره ... والذي من شأن "دقيقة واحدة" أن تنتزعه من مخالب موت محقق.

 

هذا، فإن الأطباء الاختصاصيين الذين يساوي أو يزيد عددهم عن 4 أطباء في بعض التخصصات الطبية، لا يؤمنون، على خلاف نظرائهم في باقي مستشفيات المملكة، "خدمة الحراسة"، بإقامتهم خلال أوقاتها بشكل رسمي في قاعة معدة لهذا الغرض، داخل المستشفى، قريبا من الحالات المرضية التي تستدعي تدخلا فوريا، وعناية طبية مركزة، ومراقبة متواصلة، وتتبعا عن كثب، سيما الحالات التي يستقبلها ليلا قسم المستعجلات. ما يشكل خرقا لمقتضيات "النظام الداخلي للمستشفيات"، الصادر بشأنه قرار وزارة الصحة رقم : 11-456، بتاريخ : 6 يوليوز 2010، والذي تم نشره في الجريدة الرسمية رقم : 2-5923، بتاريخ : 7 مارس 2011.

 

للإشارة، فإن الأطباء الاختصاصيين كانوا يقومون ب"خدمة الحراسة"، على غرار زملائهم في الطب العام، في عهد مدير المستشفى السابق. وكانت ثمة لائحة بأسمائهم وأوقات الخدمة، والبيانات الضرورية الخاصة بهم، يتم نشرها وإشهارها في مكان ظاهر للعيان، داخل المستشفى. وكان تواجدهم فعليا داخل المصالح الطبية، قصد الاستجابة للحالات الصحية المستعجلة، مع ضمان استمرارية العلاج

 

ونطلع بالمناسبة السيد مدير المركز الاستشفائي بالجديدة،  على اختصاصاته التي نصت عليها المادة 2 من القانون المشار إليه سلفا. كما نحيله – لكل غاية مفيدة – على المادة 63  المتعلقة باستمرار المرفق الاستشفائي، والتي هذا نصها : "لأجل استمرارية خدمة العلاج بالمستشفى، تنظم خدمة الحراسة والخدمة الالزامية، طبقا لمقتضيات المرسوم رقم : 2-06-623، الصادرة في 24 من ربيع الأول 1428 (13 ابريل 2007)، والنصوص الصادرة بتطبيقه. ولهذا الغرض، تنجز برامج يومية أو أسبوعية أو عرضية، تحتوي على الأسماء وألقاب ووظائف ومعلومات (عناوين، أرقام هواتف) الأطباء والممرضين المعنيين بالأمر، وكذلك مصالح وأوقات الحراسة أو الخدمة الإلزامية. ويجب نشر وتعليق هذه البرامج داخل المستشفى. وتتولى ادارة المستشفى ضمان الشروط الضرورية المتعلقة براحة وتغذية موظفي الحراسة. وتضمن في حدود الوسائل المتاحة، نقل الموظفين بالمكلفين بالخدمة الالزامية. وينجز مدير المستشفى كذلك برنامج المداومة الادارية، بالنسبة للموظفين التقنيين والإداريين وأعوان الدعم، لأجل الاستجابة إلى الحاجيات الاستثنائية والمستعجلة، لسير المصالح التي يمكن ان تحدث خارج أوقات العمل العادية".

 

وكان أطباء المستعجلات وجهوا في ال9  من دجنبر 2013، شكاية عن طريق السلم الإداري (مدير المركز الاستشفائي، والمندوب الإقليمي للصحة)، إلى وزير الصحة العمومية، كانت جريدة "المساء"، نشرتها على أعمدة صفحاتها. يفضحون فيها ما اعتبروه "حيفا وميزا عنصريا" داخل المستشفى. حيث  قالوا أن ثمة فئة محظوظة من الأطباء، لا تسأل عما تفعل. يأتون وقتما يشاؤون، ويخرجون وقتما يشاؤون.

 

وانتفض أطباء المستعجلات في شكايتهم، على زملائهم بأقسام أخرى في المستشفى، قالوا أنهم لا يقومون بالمداومة و الحراسة الليلية، وأن أغلبهم يغادرون مصالحهم قبل الواحدة بعد الزوال، وأن بعضهم يحل متى أراد، ويغادر متى أراد، دون حسيب أو رقيب، في الوقت الذي اضطر فيه طبيب بقسم المستعجلات للاشتغال، رغم تركيبه للمطول الوريدي (السيروم) على ذراعه، بعدما رفضت إدارة المستشفى شهادة طبية، تبرر مرضه.

 

ويتساءل المعنيون والرأي العام عن طبيعة الإجراءات والتدابير التي اتخذتها وزارة الوردي، التي توصلت منذ حوالي شهرين، بشكاية أطباء المستعجلات.

 

والخطير  أن أطباء المستعجلات يجدون أنفسهم مكرهين على توقيع شهادات الوفاة"bulletins de décès"، التي تطرأ ليلا في المصالح الطبية (قسم الإنعاش ...)، وذلك في غياب الأطباء الاختصاصيين الذين لا يؤمنون   "خدمة الحراسة". وفي غالب الحالات، فإن  أطباء المستعجلات (الطب العام) يعزون تلك الوفيات التي لا تدخل في نطاق اختصاصاتهم وصلاحياتهم، إلى سكتات قلبية، رغم أنهم  لم يقوموا بتشخيص أسبابها. وهذا ما يمكن الوقوف عليه، بالرجوع إلى تلك الوثائق والمستندات "الصفراء"، التي تكون الغاية من إنجازها، تسهيل إجراءات مساطر تسليم  الجثت إلى ذويها، وتسهيل دفنها(...).

 

وينضاف إلى عدم تفعيل الاختصاصات المنصوص عليها بمقتضى المادة 2، وكذا، خرق مقتضيات المادة 63 من "النظام الداخلي للمستشفيات"، وجود جهاز "سكانير" لا يتم تشغيله ليلا، وأيام عطلة نهاية الأسبوع. جهاز يحظى بدور مركزي في تحديد الإصابات الجسمانية البليغة، وفي تشخيص طبيعتها ومدى خطورتها، والتي قد يكون عامل الزمن حاسما في علاجها، وأحيانا في تفادي مرحلة الخطر والموت، مثل"hématome extradural "، التي تستدعي تدخلا جراحيا استعجاليا.

كما أن "قاعة الديشوكاج" (salle de déchoquage)،   المجهزة بأحدث المعدات الصحية، والتي تبلغ طاقتها الاستيعابية 6 أسرة، غير مشغلة، رغم دورها الحاسم في تحديد مصير بعض المرضى والمصابين في الحوادث، وانتزاعهم من موت محقق، ضمنهم من دخل في حالة غيبوبة متقدمة، أو على وشك السكتة القلبية (...)، ما يتطلب استخدام"l’électrochoc".

 

هذا، وكان محمد الزاهدي، رئيس المجلس الإقليمي للجديدة، السبت الماضي، شاهد عيان على بعض ممارسات وسلوكات داخل المركز الاستشفائي الجديد،  قال أنها انتقلت من مستشفى محمد الخامس (الفيديو رفقته).

 

إن وقف نزيف الوفيات داخل المستشفى، و الحفاظ على صحة وسلامة وحياة المواطنين الذين لهم الحق  في التطبيب والعلاج والاستشفاء، في ظروف إنسانية وملائمة، هي أمانة ملقاة على عاتق ومسؤولية معاد الجامعي، عامل  إقليم الجديدة، الذي جدد فيه  جلالة الملك محمد السادس ثقته المولوية.

 

 

 

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة