عزيز هيتوت، شاب من
مواليد 1990 بجماعة أولاد عيسى باقليم الجديدة، زارته "الجديدة 24" في ورشته
المتواضعة التي يكتريها في مركز جماعة اولاد غانم بخمسمائة درهم شهريا، لتجد أمامها
شابا عشرينيا يعلو محياه الخجل، لا تفارقه الابتسامة، مفعما بالحيوية ومغدقا بطموح
قل نظيره في شباب اليوم، حين لمسنا في كل جزء من مجسمات البواخر والأحواض التي
يصنعها حضور الإبداع و إتقان للعمل.
موهبة متفردة في إقليم
الجديدة، عَشق البحر مند نعومة أظافره وركب أمواجه، ولا غرابة في ذلك، ففي المنطقة التي يقطنها عزيز،
يتقن أغلب سكانها حرف البحر، بحكم قربها من المحيط.
انقطع عزيز عن
الدراسة في سن مبكرة حين بلوغه مستوى الثالث ابتدائي، ليجعل من البحر ملاذه الوحيد، وفي الخامسة عشر من عمره قرر الفتى الدكالي
السفر إلى طانطان ليشتغل رفقة أخيه بقارب
للصيد وهناك أثارت انتباهه أحواض السمك المعروضة للبيع، لتسحره بذلك تلك الأحواض
البسيطة، فشرع في استراق النظر ليسجل لها صورة لصقت بذاكرته في صحراء طانطان التي
مكث فيها ما يقرب من عشر سنوات.
وفور عودته إلى
الجديدة أصر على محاولة صنع شبيه لتلك الأحواض
بمجهود شخصي دون معلم وبأدوات بسيطة لتنجح محاولته إلى أن بلغ درجة التميز، حيث
بدأ بشراء الأسماك وحاول تزويجها ليكتمل بذلك صنع حوض من الزجاج مليء بالطحالب
والأسماك المتنوعة الزاهية الألوان والتي تبهر العيون. وقد كانت سنة2001 تاريخ
ميلاد إبداعاته بعد مخاض تكبد مشقته لوحده.
لم يكتف الشاب بالأحواض
بل استلهمته مخيلته ليصنع مجسمات بواخر من العود
مختلفة الأحجام والأشكال، لكن ما يجعلها أكثر إثارة إتقانه في صنعه للباخرة
التي يتولى عمل كل تفاصيلها، إذ تجده في ورشته معتكفا عليها مسخرا جهده ليمتهن
حرفا متعددة تختزلها موهبته. فهو وحده النجار والزجاجي والصباغ، لان عمله الإبداعي
يُحتم عليه مزاوجة عدة حرف. وما يزيد الإبهار بتحفه كونه يضيف التكنولوجيا الحديثة
عليها فتلك المجسمات مزودة بأسلاك كهربائية يستفاد من ضوئها الخافت للإنارة كما بإمكانك
أن تستمع لأسجان من الموسيقى من اختيارك بوضع ذاكرة (carte mémoire) في مكان خصصه على الباخرة لذلك .
والجدير بالذكر أن
الشاب عزيز لم يتلق
أي تكوين في أي من المهن التي سبقت الإشارة إليها، فدقة ملاحظته ورجاحة عقله وسرعة
بداهته خلقت منه موهبة، فحسب تصريحه يكفيه النظر في صورة أو البحث في المواقع
الالكترونية ليحاول صنع أشباه الأشياء، بل يجعل الشيء أكثر تطورا.
وإثر قيامنا بجولة
في ورشته وجدنا أدوات بسيطة من قبيل سكين وعلب صباغة وآلة بسيطة لتقطيع الزجاج، وأداة
للثقب قال إنها لحرفي يستعيرها منه .إذ تغلب البساطة التي تقف الحاجز بينه وبين
طموحاته التي تتجاوز قريته الصغيرة وتتجاوز سعة البحر.
وعن سؤالنا له حول
امكانية تعليم هذه الحرفة للآخرين، أجاب أنه يصر على فعل ذلك كي لا تزول حرفته
بزواله، ففي فصل الصيف الأخير قام بتعليم
طفل واحد إلى حد الآن.
ويقول عزيز هيتوت،
أن صنع الباخرة الواحدة، يستغرق، عدة أيام لتصبح جاهزة للبيع على قارعة الطريق
الرئيسية في مدخل أولاد غانم في اتجاه مدينة الواليدية، فيعرضها فوق طاولة وهذا هو ملاذه الوحيد لتسويق سلعته بأثمنة تبدأ
من المئة درهم وتصل إلى الألفين درهم للبواخر الكبيرة المعقدة الصنع. ومن هذا
الدخل المتواضع، يضيف عزيز، يعيد شراء المواد الأولية ويعيل عائلته بما تبقى. وعن
مشاريعه المستقبلية صرح انه بصدد محاولة صنع بواخر تعوم في المسابيح بواسطة أداة
التحكم عن بعد.
إن عزيز هيتوت اليوم
في حاجة إلى الدعم المادي والمعنوي ليسطع اسمه، فمن العار أن تخمد نار الإبداع
المشتعلة داخله، فهو مازال ينتظر أيادي تحضن مشاريعه ,لإخراجه من قوقعته وجعل
منتوجه بارزا في المعارض المحلية والوطنية والدولية.
انجاز : أسماء الطويل
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة