في غياب المندوب العام.. مدراء وأطر المؤسسات السجنية بجهة الدارالبيضاء- سطات يدفنون زميليهم ضحيتي فاجعة سجن الجديدة
في غياب المندوب العام.. مدراء وأطر المؤسسات السجنية بجهة الدارالبيضاء- سطات يدفنون زميليهم ضحيتي فاجعة سجن الجديدة


توالت في اليومين الأخيرين، الأحد والاثنين الماضيين، مواراة جثماني الموظفين العاملين قيد حياتهما بالسجن المحلي بالجديدة، الثرى في مثواهما الأخير، بعد أن  قضيا نحبهما في حادثة سير تراجيدية،  وقعت فصولها الدموية، في ساعة مبكرة من صبيحة الأحد الماضي، عند النقطة الكيلومترية 500+11 من الطريق الوطنية رقم: 7، الرابطة بين مركز سيدي إسماعيل، و"العاصمة الحمراء"، عندما كانا  متوجهين بمعية 5 من زملائهما، على متن سيارة خفيفة من نوع "دوكر"، إلى مدينة مراكش، حيث كانوا يعتزمون اجتياز مباراة الكفاءة المهنية، التي تنظمها المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، قبل أن يتدخل القدر، ويغير  بشكل مأساوي مجريات الأحداث.
هذا، وجرت مراسيم  دفن الفقيد الأول، الأحد الماضي، في حدود الساعة السادسة مساءا، في مقبرة دوار "الشواهبة" بالزمامرة، بتراب إقليم سيدي بنور؛ فيما جرت مراسيم دفن زميله، الفقيد الثاني، ظهر أمس الاثنين،  في مقبرة الرحمة بعاصمة دكالة. 
وقد سار في الموكبين الجنائزيين المهيبين، بعد إقامة صلاة الجنازة على جثمانيهما الطاهرين، إلى جانب أفراد أسرهما وذويهما ومعارفهما، مدير السجن المحلي بالجديدة، ومدير السجن المحلي العدير، ومدير السجن الفلاحي العدير، وموظفو وأطر المؤسسات السجنية الثلاثة، والقائم بأعمال جمعية التكافل  بالسجن المحلي بالجديدة، ومدير سجن عكاشة، ومدير السجن المحلي لعين السبع، ومدير الإصلاحية بالدارالبيضاء، ومدير السجن المحلي لعين البرجة، ومدير السجن المحلي لبرشيد، والمدير الجهوي للسجن بجهة الدارالبيضاء–سطات، رفقة موظفي وأطر المديرية الجهوية، وموظفو وأطر السجون بالجهة، ومنسق مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء بجهة الدارالبيضاء–سطات، وممثلو مؤسسة الرعاية اللاحقة.
هذا، وأشرف القائمون على المؤسسات السجنية الثلاثة بالجديدة، على جميع الإجراءات المسطرية والإدارية لدى السلطات المختصة، القضائية، الدركية، الأمنية، والصحية بسيدي بنور والجديدة، من أجل عملية دفن الموظفين اللذين يتحدران من إقليم سيدي بنور ومدينة الجديدة. كما سخروا، بالتنسيق مع المكتب المركزي لجمعية التكافل، جميع الإمكانيات المادية واللوجستيكية، بغية تسهيل عملية نقل جثماني الفقيدين ودفنهما، وكذا، تطبيب وعلاج المصابين في المستشفيات الخصوصية؛ حيث جرى نقل اثنين منهم تباعا إلى مصحتين خاصتين بالدارالبيضاء؛ فيما تجاوز موظف مصاب مرحلة الخطر، بعد أن خضع لعملية جراحية، وللعناية الطبية المركزة في قسم الإنعاش بالمستشفى الإقليمي بالجديدة، والذي غادره بالمناسبة، صباح  الأحد الماضي، مصابان آخران، عقب تلقيهما العلاجات  الطبية، واللذان وضعهما الصحي لم يعد  يدعو للقلق. كما تم الوقوف مع الأسر المكلومة في محنتهم، والتكفل بمصاريف التطبيب والعلاج، والدفن والعزاء.
وقد تم توفير الإمكانيات المادية واللوجيستيكية، بما فيها وسائل النقل التي أقلت المعزين والمشيعين في الموكبين الجنائزيين بسيدي بنور والجديدة،  ضمنها حافلات  وفرتها الجمعية المحمدية للأعمال الاجتماعية لوزارة العدل.
وقد تشكل فريقان من أطر وموظفي المؤسسات السجنية الثلاثة بالجديدة، سهرا على إجراءات العزاء بإقليم سيدي بنور ومدينة الجديدة، حيث أقيم ليلا ما يعرف ب"العشاء" (le diner funeste)، الذي حضره مدراء وموظفو وأطر المؤسسات السجنية بجهة الدارالبيضاء–سطات، الذين شيعوا، الأحد والاثنين الماضيين، جثماني زميليهم.
والجدير بالذكر أن النيابة العامة لدى قصر العدالة بالجديدة، ممثلة في رئيسها الأستاذ عبد الرحيم ساوي،  ونائبه الأول الأستاذ هشام موليم، عملت على قدم وساق، منذ إشعارها بالنازلة، في الساعات الأولى من صبيحة الأحد الماضي، على تتبع مجريات الأحداث، ونقل المصابين إلى المستشفى الإقليمي بالجديدة، ومواكبة وضعهم الصحي عن كثب وأولا بأول، وكذا، على التسهيل والتسريع بإنجاز الإجراءات المسطرية الخاصة بنقل ودفن أحد الموظفين المتوفيين، أمس الاثنين الماضي، في مقبرة الرحمة بعاصمة دكالة.
إلى ذلك، فإن مراسيم الدفن "الرسمية"، التي نظمت بالزي الرسمي الخاص بموظفي وأطر إدارة السجون، على شرف الفقيدين،  قد غاب عنها المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج، والعديد من المسؤولين والسلطات. 
فلو أن الفاجعة كانت حصلت في إحدى "بلدان ما وراء البحار"، لاضطر كبار المسؤولين الحكوميين لقطع إجازاتهم السنوية، وعطلهم الاستثنائية، ولطاروا لتوهم عبر أولى الرحلات الجوية، إلى أوطانهم، للتتبع والاطمئنان على أحوال الضحايا، ومؤازرتهم وأسرهم في محنتهم.. ماديا ومعنويا. 
والمثير أن المندوبية العامة  لم تصدر، عقب فاجعة موظفي السجن المحلي بالجديدة، ولو بشكل متأخر، أي بلاغ تنعي فيه وفاة موظفين من أطرها،  كانا متوجهين بمعية 5 من زملائهما، الأحد الماضي، بغية اجتياز مباراة الكفاءة المهنية، التي نظمتها الإدارة المركزية في مدينة مراكش، التابعة لجهة مراكش– آسفي، الجهة غير الجهة التي ينتسبون إليها ترابيا، والتي، بحكم مقر عملهم في مدينة الجديدة، هي جهة الدارالبيضاء–سطات، حسب التقسيم الترابي، وفق ما أقرته الجهوية المتقدمة، التي دخلت حيز التنفيذ سنة 2015. 
وعليه، فكيف للإدارة المركزية للسجون أن تقتصر على تنظيم مباراة الكفاءة المهنية في مركزين وحيدين، متبتعدين جغرافيا وترابيا، هما مكناس ومراكش، لأطرها وموظفيها المنتشرين على نطاق واسع في الجهات ألاثنتي عشرة، وفي مختلف الأقاليم والمدن بالمغرب.. دون مراعاة لظروف تنقلهم الصعبة من مناطق جد بعيدة ومتباعدة، من شمال وجنوب وشرق وغرب المملكة ؟!
هذا، فإن على المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج أن تشمل جميع الضحايا من موظفيها الذين كانت آمالهم معقودة على الترقية والترقي من السلم 6 إلى السلم 7، بتلك الترقية المهنية التي كانوا يطمحون  إليها، والمحددة قيمة التعويض عنها في 170 درهم / الشهر، في حال الظفر بها من بين المترشحين المحظوظين، الذين لا يتعدى بالمناسب أجرهم الشهري 4200 درهم.. وأن تشمل أيضا الموظفين القتيلين، مع احتسابها بشكل شرفي ومشرف، وبأثر ما بعد الوفاة (à titre posthume). وهذه ستكون بلا شك بادرة ومبادرة طيبة، قد تخفف من وقع المصاب الجلل على الأسر المكلومة، لن يمانع فيها لا الرأي العام، ولا المسؤولون في حكومة العثماني،  ولا حتى زملاء الضحايا من المترشحين الذين اجتازوا بالفعل، الأحد 20 أكتوبر 2019، مباراة الكفاءة المهنية بمركش ومكناس؛  في الوقت الذي كانت فيه سيارات الإسعاف تقل زملاءهم السبعة تباعا إلى مستودع حفظ الأموات وقسم الإنعاش بالمستشفى الإقليمي بالجديدة.
وبالمناسبة، يتعين على المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، إعادة النظر في التعويضات المالية المخصصة لأطرها، الذين يشغلون في قطاع معقد المهام والخدمات، والذين هم في الآن ذاته حراس، وأمنيون، ومربيون، وأطباء نفسانيون (..)، من أجل تحسين ظروفهم الاجتماعية والمعيشية، اقتداء  بالإصلاحات التي مافتئت تنهجها المديرية العامة للأمن الوطني، وبالتعويضات التي تخصصها لأطرها من نساء ورجال الأمن الوطني؛ وكذا، سيرا على ما عرفته المؤسسات السجنية والعاملين لديها، في عهد المندوب السابق، حفيظ بنهاشم (2008 – 2013)، والذي كان شغل من قبل منصب المدير العام للأمن الوطني (1997 – 2003).
إلى ذلك، علم لدى السلطات المحلية، والمقال مائل للنشر على أعمدة الجريدة، أن المندوبية العامة أوفدت، مساء اليوم الثلاثاء، 7 من المسؤولين من الإدارة المركزية، ومن جمعية التكافل بجهة الدارالبيضاء–سطات،  يقومون بمعية مدير السجن المحلي العدير (العضو في المكتب المركزي لجمعية التكافل)، إلى حدود هذه الساعة،  بزيارات للمرضى والأسر المكلومة بإقليم سيدي بنور والجديدة.. وذلك  بعد مرور أزيد من 48 ساعة عن وقوع الفاجعة؛ وتماثل اثنين من الضحايا للشفاء، بعد تلقيهما العلاجات الطبية بمستشفى الجديدة؛ ونقل اثنين منهم إلى مصحتين خاصتين بالدارالبيضاء، حيث خضعا لتدخلين جراحيين معقدين؛ وتجاوز مصاب آخر مرحلة الخطر، بعد إخضاعه لعملية جراحية، وللعناية الطبية المركزة بمستشفى الجديدة؛ ومواراة ضحيتين قضيا نحبهما، الثرى في مثواهما الأخير بتراب إقليم سيدي بنور وعاصمة دكالة، في مراسيم رسمية، وموكبين جنائزيين مهيبين، امتدا، بالعربات والسيارات وحافلات النقل، على طول أزيد من كيلومتر، وحضرها المدراء وموظفو وأطر المؤسسات السجنية بجهة الدارالبيضاء–سطات! 




الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة