من ذاكرة أبناء الجديدة.. عندما تعرض اللاعب السابق فتوي الشريف لمحاولة القتل بمطار محمد الخامس
من ذاكرة أبناء الجديدة.. عندما تعرض اللاعب السابق فتوي الشريف لمحاولة القتل بمطار محمد الخامس


يعد مصطفى فتوي الشريف 70 سنة واحدا من النجوم القلاقل الذين انجبتهم الملاعب المغربية في سبعينات القرن الماضي ، وفي وقت كانت فيه الساحة الرياضية مليئة بالنجوم ، تمكن من فرض ذاته وحجز لنفسه مساحة شهرة ، تشهد له أنه من الجيل الذي صنع المجد الكروي ببلادنا ضمن التشكيلة الخالدة التي ظفرت بكأس إفريقيا للأمم سنة 1976 .
ولد "الشريف " وعرف بهذا اللقب لأنه يتحدر أصلا من زاوية سيدي غانم بجماعة أولاد عيسى ، في 25 فبراير 1950 في حي القلعة الشعبي الذي أعطى أسماء أخرى منهم عيسى السفيني وغيرهم ، ولاحت موهبته بين أقرانه في سن مبكرة .
وما أن أدرك الشريف سن الثانية عشرة حتى أضحى مثار إعجاب المولعين بكرة القدم ، الذين تنبؤوا له بعلو الكعب ، وفي غمرة مباريات كان يخوضها مع أبناء الحي بالشاطئ قبالة " بيروعرب " كانت عين ثاقبة في كرة القدم تترصد خطواته ، ولم يكن سوى محمد بوكري المكلف بالفئات الصغرى للدفاع الحسني الجديدي ، الذي أقنع والده بضمه إلى دار الشباب " البريجة " ببطولة الأحياء ومنها إلى فتيان فارس دكالة ، في مسار متميز توج بسطوع نجم جديد في سماء الكرة الوطنية .
كان الشريف صغيرا السن وسط العمالقة ، أبدا لم تكن حياته ومنذ نعومة أظافره سهلة ، لقد عانى الشيء الكثير وهو يزاوج بين الدراسة والرياضة ، واشتغل في ميناء الجديدة بمراكب الصيد لتوفير بعض الحاجيات ، وهي الصعوبات ذاتها التي واجهها وهو يصعد إلى الفريق الأول سنة 1968 ، ولم يتجاوز بعد الثامنة عشرة ، إذ فجاة وجد نفسه وسط مجموعة من الأسماء الكبيرة  ، نذكر منها عبداللطيف الشياظمي وعبدالرحمان شيشا ومحمد الحسني والجيلالي الحسني وكريمو الشركي وميلود وزير وعبداللطيف سبانيا ومحمد المعروفي .
مرة قال لي الشريف " كنت صغير السن وتملكتني دهشة كبيرة ، كيف لي أن أثبت وجودي وسط عمالقة كرة القدم ليس بدكالة ولكن على الصعيد الوطني ،"
وفي 1972 استقدم مكتب الدفاع المدرب الهنغاري بول أوروز ، الذي يرجع له الفضل في تشبيب الفريق ، ومنح الشريف فرصة الرسمية التي حافظ عليها إلى 1983 أي طيلة 11 سنة .
والشريف كان يطلق عليه " الجوكر " لأنه لعب بكل الأمكنة باستثناء حارس مرمى ، بل ومن مدافع إلى قلب هجوم سجل 16 هدفا في سنة 1978 وكان قاب قوسين من لقب هداف البطولة ، الذي فاز بع غسيلة من شباب المحمدية .
لعب الشريف للفريق الوطني 11 سنة خاض فيها 112 مباراة دولية في مسيرة حافلة ، ولما عاد الفريق الوطني من كأس العالم بمكسيكو سنة 1970 محققا سمعة طيبة ، كان الشريف من الجيل الخلف المطوق بمسؤولية الاستمرارية على درب التألق ، عندما نودي عليه أول مرة للمنتخب سنة 1972 مع جيل جديد ضمنهم محمد الفيلالي وعبدالعالي الزهراوي وحميد الهزاز وأحمد فرس واعسيلة والعربي أحرضان و العربي شباك والمهدي وسماط وبابا ، وهو الجيل الذي تجاوز بسرعة صدمة الإقصاء الظالم أمام الزايير في سنة 1974 وبفضل مجهودات الناخب الوطني المرحوم المهدي بلمجذوب ، كونوا مجموعة متناغمة خاضوا بها كأس إفريقيا للأمم وأحرزوا للمغرب لقبا غاليا في خضم احتفالات الشعب المغربي بالمسيرة الخضراء واسترجاع الصحراء.
مازال الشريف مدينا بالفضل للملك محمد السادس الذي كان آنذاك وليا للعهد ، إذ يقول الشريف " بمجرد عودتنا من أديس أبابا استقبلنا بالمطار ، اقتربت منه وطلبت أن تكون الجديدة أول مدينة تدخلها الكأس الغالية ، فوافق بدون تردد تكريما لنا ، لأنني كنت أول من سجل ضد السودان ، وكان هدف التتويج من رجل بابا كذلك ، وأذكر أننا دخلنا الجديدة بنصر إفريقي وسط استعراض بالفرقة النحاسية من قلب المدينة ، مرورا بشارع الحسن الثاني ووصولا إلى مقر العمالة وكانت هذه أحسن ذكرى في حياتي "
في سنة 1978سجل الشريف هدفين في شباك الوداد الذي كان يحرس مرماه الحارس أحمد ، وكبرت رغبة الراحل عبدالرزاق مكوار في ضمه إلى القلعة الحمراء ، لكنه رفض مغادرة الدفاع .
وفي 1980 خاض المنتخب الوطني مباراة ودية أمام المنتخب السوفياتي بمراكش ، بمناسبة افتتاح ملعب الحارثي ، وفي ليلة المباراة لم يرمش للشريف جفن ويتذكر " كنت في الفريق الوطني مدافعا أيمن مكان بوجمعة ، وكلفني المدرب مارداريسكو بحراسة الجناح الخطير " بلوخين " الحائز ثلاث مرات على الكرة الذهبية ، لم أنم ليلة المباراة ، ورحت أفكر في الطريقة التي سأوقف  بها هذا المهاجم ، ويوم المباراة وبمجرد مرور ربع ساعة ، تمكنت من إحكام قبضتي عليه ، بل أكثر من ذلك كنت من سجل هدف الفوز ، وام أكن أدري أن وفدا إماراتيا جاء ليتابع مدافع الوداد العربي أحرضان ، لكنه اقتنع بمؤهلاتي وعرض علي الاحتراف برأس العين ، وهو ماتم فعلا لمدة موسمين ونصف بمقابل 30 مليون سنتيم للدفاع ، وهو المبلغ الذي اشترى به الفريق أول حافلة له في تاريخه ، ظل يستعملها إلى سنة 2000 .
في سنة 1977 تعرض الشريف لمحاولة قتل بمطار محمد الخامس ، فقد كان عائدا من رحلة له بفرنسا ، وبمجرد خروجه من مطار محمد الخامس ، كانت سيارة متوقفة ترجل منها شخص ، وبادره بالقول " اللاعب الدولي ديالنا " وعرض عليه إيصاله إلى البيضاء ، ولم يتردد الشريف وصعد إلى السيارة وكان بها ثلاثة أشخاص ، جلس وسطهم بالمقعد الخلفي  وبعد عشر دقائق من المسير ، عرجوا إلى طريق غير معبدة ، وطلبوا منه تسليمهم حقيبته وكل ما يملك ، ووجهوا إليه ضربة بآلة حادة على وجهه ، لكنه وبحكم كونه كان يتمتع بلياقة بدنية عالية ، تمكن من دفع أحدهم والانفلات ، وطاردوه وسط حقول فلاحية ، وحال ظلام دامس من التمكن منه ، وتلقى علاجا بأحد مصحات البيضاء برعاية من الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم .
اعتزل الشريف الكرة الكرة سنة 1984 وبحكم أنه أستاذ للتربية البدنية ، انصرف اهتمامه للتحصيل في ميدان التدريب , كانت أول فرصة أتيحت له في 1994 مساعدا للفرنسي " جول أكورسي " وكان حينها فريق الدفاع في القسم الثاني محتلا للرتبة الرابعة عشر ، جعلته ينفصل عن أكورسي ، وتولى الشريف قيادته في مرحلة الإياب ، وتمكن من الارتقاء به إلى الرتبة الثانية ، التي أهلته لمباراة السد ، التي فاز فيها على أولمبيك خريبكة بمركب الأمير مولاي عبدالله بهدفين لصفر ، مكنته من العودة إلى القسم الأول ، وإن كان البعض نسب هذا الإنجاز للمدرب محمد العماري .
ويحسب للشريف أنه أول من منح لرضا الرياحي رسميته في الفريق ، وهو الذي أعاد تميم الفريق عندما دربه مرة أخرى سنة 1999 عقب نزوله إلى القسم الثاني ، كما شارك الشريف في تسيير الدفاع الجديدي نائبا للرئيس ، ضمن المكتب المسير الذي مان يتراسه المرحوم إدريس شاكيري .
الشريف إسهاماته الكبيرة تتحدث عنه ، سواء في الدفاع عن القميص الوطني لأزيد من عقد ، كونه من دعائم المجد الإفريقي في 1976  أو مع الدفاع الحسني الجديدي ، وجميع الذين جايلوه من اللاعبين تم تكريمهم من طرف الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم  إلا الشريف الذين تنكروا لعطاءاته ، لأن من واجب الوطن أن يكرم نجما من نجومه النادرين ، إسوة بالتكريم الذي حظي به الشريف وأحمد نجاح قبل سنة من نادي راس العين الذي كانا محترفين به .
برغم ذلك يظل الشريف لاعبا كبيرا بصم على مسار متميز ، كواحد من النجوم الذين صالوا وجالوا في ملاعب الكرة ، وأتحفوا الجماهير لفترة طويلة من الزمن بعطائهم الكروي الرائع .

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة