عيد بأي حال عدت يا عيد !
عيد بأي حال عدت يا عيد !


بالرغم من الظروف الاستثنائية التي صاحبت عيد الأضحى هذه السنة، والمتمثلة في ارتفاع أسعار الأضاحي وتذاكر السفر التي تضاعفت لأكثر من أربع مرات في بعض المحطات الطرقية، إلا أن جل المغاربة تمكنوا من سرقة فرحة العيد من خلال التجمع العائلي، وطقوس هذا اليوم المبارك التي ورثناها أبا عن جد. 
دون إغفال مجموعة من الأسر والأفراد الذين تعذر عليهم إحياء العيد لسبب أو لآخر، سواء بسبب قلة ذات اليد أو عدم القدرة على الالتحاق بالأهل، أو غيرها من الأسباب. مع تسجيل حالات مؤسفة لضحايا الطرقات بين قتيل وجريح إثر التنقل والسفر بسبب العيد. كذلك من تعرضوا للسرقة أو الاحتيال.
 
والأصل أن الإنسان كادح لربه كدحا، وما عيد الأضحى سوى يوم كسائر الأيام، يمكن أن يكون آخر يوم في حياة الإنسان، كما يمكن أن يتزامن مع أزمة مادية أو صحية تحول دون شراء الأضحية أو التعرض لأي حدث غير متوقع.
  
لكن لاعتبارات اجتماعية ونفسية، جعلنا من عيد الأضحى يوما يحسب له ألف حساب، كما أصبح الكبش والفحم والتوابل أهم الأركان، مع إغفال لمقاصد هذه الشعيرة الدينية في تذكر معجزة سيدنا ابراهيم عليه السلام، الذي هم بذبح ولده سيدنا اسماعيل تصديقا وأمتثالا للرؤيا. كما أن الغاية من العيد صلة الرحم والتصدق على الفقراء والمساكين بثلث لحم الذبيحة.



وها هو أول أيام العيد قد ولى والتفت الأسر حول الموائد والمجامر وكؤوس الشاي، وقد تناولوا الأطباق المعدة من أحشاء الخروف وأشهرها "بولفاف"، وهو الكبد الملفوف بالشحم كأنه تجسيد للفرحة المغلفة بهم الاقتراض ! 
وخلال نفس اليوم تشكلت الطوابير أمام محلات الجزارة بالمدن من أجل تقطيع اللحم ووضعه في الأكياس.
ولأن الظروف الاقتصادية صعبة، فلن يلتفت أغلبنا لنصائح الأطباء والتي تحذر من الاستهلاك المفرط والمسترسل للحم "الغنمي". فالناس بالكاد اشترت الأضحية، والأغلبية لا يمكنهم توفير مواد غذائية أخرى موازية من أجل التنويع الغذائي!



من جهة أخرى، لا شك أن تكاليف عيد الأضحى زادت من مديونية الأسر وفرملت مشاريع العطلة الصيفية. أما الأطفال فالأكيد أن السفر أو الذهاب للشاطئ يسعد قلوبهم أكثر من "قطبان اللحم". لكن، لم يكن لذويهم أي مجال للاختيار.وليس أمام الأطفال سوى الاقتصار على اللعب في الأزقة أو الشوارع أو الفضاء المحدود داخل الشقق السكنية، بالرغم من المخاطر المرتبطة بذلك. وعليهم ألا يجربوا المساومة أو طلب أمور أخرى من ذويهم، وإلا فسيتعرضون للتعنيف.
فالأب المديون كقنبلة موقوتة، يعاني من الضغط على جميع المستويات، ويحارب كالجندي في كل الجبهات. ومع ارتفاع قياسي في الأسعار وفي درجات الحرارة وفي ضغط الدم لن يكون من السهل عليه التحكم في أعصابه وردود أفعاله أمام طفل بريء يطالب بحقه في اللعب والاستجمام، وقضاء عطلة مستحقة بعد عام دراسي متعب. إلا أن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن. 
فالآباء هذه الأيام غارقون حتى آذانهم في الديون والهموم والأعباء، وجلهم لم يعد يستوعب إن كان حقا يعيش الحياة أم يصارعها ويحاول النجاة.
أما الحكومة ووزاراتها وسياراتها ذات العلامة الحمراء، وكل ما تم تسخيره لها من إمكانيات. والمنتخبين ومدبري الشأن المحلي فهم في عطلة العيد وليس من المنصف أن نعاتبهم على الوضع الاقتصادي الصعب أو تردي خدمات  النظافة أو معاناة كثير من الدواوير من العطش والجفاف، ما داموا اليوم في عطلة. كذلك البرلمانيون عن المعارضة الحريصين كل الحرص على الترافع المصور بالبرلمان ضد الغلاء ومشاكل المواطن البسيط، على الأرجح فهم الآن بجانب مسابح "فيلاتهم" وضيعاتهم يستريحون من تعب البرلمان وأضواء الكاميرات. 



بالنهاية لا يمكن إلقاء اللوم على أحد، فأمل الفقير هو أن يصير متوسط الدخل، وحلم الغني أن يزداد غنى، سواء من خلال السياسة أو التجارة أو أي طريقة، فالغاية تبرر الوسيلة.
وعلى الرغم من مظاهر الحضارة والتمدن إلا أن جوهر الحياة خلال هذه الأيام لا يقل توحشا وقسوة عن زمن الإنسان البدائي حيث البقاء للأقوى ولا مجال للعواطف أمام فرض السيطرة وتحقيق الأهداف. والحروب الطاحنة الدائرة في مناطق النزاع بالعالم أكبر دليل. وقد صرح بوتين حديثا أنه مستعد للاستمرار في الحرب حتى آخر أوكراني. أما الغرب فلا هم له بالإنسان أو القيم التي يدعي مناصرتها، وإنما يزعجه الصراع على الثروات وظهور منافسين شرسين على الساحة من أجل السيطرة المطلقة على العالم. لا حديث في الدول الغربية سوى عن حرب بوتين وما تخلفه من تبعات، وبالأمس القريب اختار الغرب إعدام زعيم عربي سابق يوم عيد الأضحى دون مراعاة لرمزية هذا اليوم عند المسلمين. 
أم يمكن تفسير كل ذلك بكون الإنسان شريرا بطبعه، يقول الكاتب والشاعر جبران خليل جبران : " الخير في الناس مصنوع إذا جبروا.. والشر في الناس لا يفنى وإن قبروا". وسبقه المتنبي بالقول : "الظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم !". 
نفس الأمر عبر عنه مكيافيلي المفكر والفيلسوف السياسي الإيطالي الذي أسس نظريته حول الشر.
والواقع يعكس في الحقيقة أن الإنسان يتقن أساليب الخداع والمكر، ويبيح لنفسه الخيانة والاعتداء على الغير من أجل هدف نبيل بالنسبة له وهو تحقيق مصالحه الشخصية. وكمثال على ذلك، استعان رب أسرة يوم العيد بجزار من أجل عمليتي الذبح وسلخ الجلد،  لكن لم يتوقع صاحب الخروف أن ترتفع أتعاب الجزار بشكل كبير مقارنة بما هو متعارف عليه في السنوات الماضية. وعند استفساره الجزار عن سبب طلبه مبلغا كبيرا أجابه هذا الأخير بكل ثقة وهو ينظر في عينيه بأن الحرب في أوكرانيا هي السبب ! 






.

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة