عندما يحرم الموظف من طلب العلم
عندما يحرم الموظف من طلب العلم

من الواضح، أن الجامعات المغربية ابتداء من هذه السنة ستخلو من تواجد شريحة الموظفين على جنبات مدرجاتها وفصولها ، حيث إذا تأملنا مليا فهي خسارة فادحة للجامعة بنفسها، إذ ستفقد شريحة وازنة كان لها الفضل فيالرفع من جودة التعليم الجامعي وتنافسيته، وهذا باعتراف الأساتذة الجامعيين بأنفسهم، فضلا على النتائج التحصيلية للموظفين التي تؤكد ما ذهبنا إليه.

 

كما أنها خسارة فادحة للموظفين خصوصا منهم رجال ونساء التعليم الذين سيحرمون من امكانية تنمية قدراتهم العلمية وكفاءاتهم المهنية، ويبقى السبب في ذلك اقدام وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني على منع منح تراخيص متابعة الدراسة الجامعية لموظفي الوزارة، بدعوى أن أماكن تواجد الجامعات هي بعيدة كل البعد عن مقرات عمل الموظفين مما يدفعهم للتغيب، زيادة على رد فعل انتقامي ضد الأساتذة حاملي الشهادات الذين خاضوا معارك نضالية خلال السنة الفارطة دفاعا عن حقوقهم المشروعة، التي دفعوا ثمنها باهضا من خلال الاقتطاعات من الأجور وعرضهم على المجالس التأديبية، كما تم حرمانهم أيضا فيما سبق من ولوج المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين.

بغض النظر إن كانت حجج الوزارة فيها جانب من الصحة وهو أمر مستبعد جدا، فإن ذلك لا يلغي الشطط في استعمال السلطة وخرق أسس مبادئ الفصل 31 من الدستور التي تضمن حق التعليم للجميع وتيسر ولوج المواطنين إليه على قدم المساوات، وكذا فيه تجاوز مجحف للمواثيق والمعاهدات الدولية.

من جهة أخرى، فالوزارة بهذا الإجراء الغريب، حيث من المفروض فيها أن تكون سباقة إلى  تشجيع طلب العلم وليس محاربته، قد جمعت الموظفين في سلة واحدة، وتكيل لهم اتهامات مجانية بالانتهازية من دون أن تقدم دليلا موضوعيا مبني على دراسات تثبت أن مسألة متابعتهم للدراسة الجامعية تؤثر على مردوديتهم داخل الفصول، والعارفون في مجال التعليم يدركون أن العطاء والمردودية التعليمية لا ترتبط ارتباطا مفصليا بهذا الموضوع، وهي بذلك دعوة صريحة للموظفين إلى التخلي عن التعليم المجاني إلى التعليم المؤدى عنه بنفس الجامعة، حيث هذه الأخيرة تمنعك من متابعة دراستك بدعوى غياب ترخيص إدارتك الأصلية، في حين هي نفسها تستقبلك بالأحضان إن تعلق الأمر بدفع المال واللجوء إلى الحصول على دبلوماتها المؤدى عنهاوفي هذه الحالة فهي ليست بحاجة للترخيص بمتابعة الدراسة ولاهم يحزنون، علما أن ميزانية الدولة جزء مهم من عائداتها مستخلصة من الضرائب المفروضة على الموظفين، ليجدوا أنفسهم في آخر المطاف محرومون من هذه الخدمة العمومية.

والعجيب في الأمر، أن الحكومة المغربية بهذا الإجراء فهي تتناقض مع نفسها، فتارة تحرم الموظفين من متابعة دراساتهم العليا وتارة تطلبهم وتستعين بهم في سد الخصاص للتدريس بالجامعات، أو تكليفهم بالمؤسسات التعليمية.

السؤال المطروح في هذا السياق، كيف وصلنا إلى ما نحن عليه؟ إنها حقيقة هجمة بربرية على مكتسبات الموظفين في الآونة الأخيرة، وتبقى الأسباب متعددة منها، بداية الاستعانة بوزير تقنوقراطي على رأس وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، ليس له امتداد شعبي ولا ديمقراطي ولا هو نابع من إرادة الناخبين انطلاقا من صناديق الاقتراع ، وبالتالي فلن يحاسبه أحد ولن يمتثل للقواعد الحزبية أو النقابية، مرورا إلى خفوت دور النقابات المنشغلة بانشقاقاتها المتوالية والصراعات الشخصية وخوفها المستمر من انقطاع دعم الدولة السخي،وكذا فقدان ثقة الشغيلة التعليمية في هذه النقابات مما أثر على ثقل تواجدها في المحطات النضالية، وصولا إلى تنكر أعضاء الحكومة الحاليين لزملائهم الأساتذة، حيث أن شريحة كبيرة منهم هم في حقيقتهم اساتذة سابقين يتقدمهم رئيس الحكومة بنفسه الذي تنكر لماضيه وسمح بتمرير هذا القرار الإقصائي، ومن يدري قد تكون هذه مجرد بداية لسلسلة من القرارات الاقصائية قد تصل إلى درجة حرمان الموظفين من مغادرة التراب الوطني أو توقيف الحركة الانتقالية للموظفين.

 

بقلم محسن زردان

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة