'نعي' المنظومة التربوية بجهة دكالة–عبدة في حفل 'رثاء' مدير الأكاديمية الناجي شكري‎
'نعي' المنظومة التربوية بجهة دكالة–عبدة في حفل 'رثاء' مدير الأكاديمية الناجي شكري‎

لم يكن حفل تكريم ووداع الناجي شكري، المدير السابق لأكاديمية التربية والتكوين لجهة دكالة–عبدة، الذي نظمته  نقابة مفتشي التعليم والفعاليات التربوية والإدارية،  مناسبة سارة رسمت البهجة على وجوه الحاضرين المتجهمة، بقدر ما كان  "مأتما" و"رثاء"، ليس لرجل رحل إلى دار البقاء، وإنما لمسؤول تربوي من طينة خاصة، جرى التنكر له، بعد أن بصم مسار إصلاح المنظومة التربوية بإنجازاته وعطاءاته، وساهم  في الرقي بمستوى جودة المدرسة المغربية، في زمن إصلاح الإصلاحات المتتالية، مستعصية المنال.

 

تحامل وإجحاف:

لقد تحاملت المنظومة التربوية، والجهوية المتقدممة، و"السياسة وأشياء أخرى"، على  رجل الإصلاح الناجي شكري.. لكن الوطن لم ولن يتنكر له. وقد كان ذلك على الدوم إيمانه الراسخ، الذي عبر عنه شامخ القامة–مرفوع الراس، أمام حشود الحاضرين الذين غصت بهم قاعة حفل التكريم والوداع، أو بالأحرى "خيمة العزاء والمواساة"، بعبارات اختزلت وطنيته وإخلاصه الصادقين للوطن،  وذلك بقوله جهرا أن "المنظومة التربوية تنكرت له.. فلتذهب الكراسي والمناصب، وليبق الوطن!"

إن التاريخ لا يخلف وعده وعهده. فهو لا يتنكر للعظماء "الحقيقيين" الذين يبصموه بعطاءاتهم وإنسانيتهم وبمثلهم وأخلاقهم العليا. أما من يبحثون عن الجاه والعظمة "الزائفين" في أي بقعة من البسيطة، مسؤولون  وصناع القرارات "البيروقراطية"، من فوق الكراسي المريحة، من داخل المكاتب المكيفة، فإن مآلهم الزوال. فهم لن يكونوا  خالدين–مخلدين. وعليم أن يستحضروا الحكمة القائلة أن الكرسي (مناصب المسؤولية والسلطة): "لو كان يدوم لغيرك، ما كان ليؤول إليك".

لقد كان حفل التكريم والوداع حقا مناسبة حزينة، توالت فيها الشهادات المؤثرة، المشحونة بالمشاعر الجياشة، في حق المدير السابق للأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة دكالة–عبدة. وكان كذلك  "نعيا" لجهة دكالة–عبدة، التي كان  نفوذها الترابي يشمل أقاليم الجديدة وسيدي بنور وآسفي واليوسفية. حيث ابتلعت جهة الدارالبيضاء–سطات، في إطار الجهوية المتقدمة،  إقليمي الجديدة وسيدي بنور.

 

الجهوية.. حيف "تاريخي":

قبل الخوض في موضوع "الحيف الذي طال المنظومة التربوية، والمسؤول التربوي الناجي شكري"، لا بد من التوقف عند الجهوية المتقدمة. فقد صادق مجلس الحكومة، في ال5  فبراير 2015، على مشروع المرسوم رقم: 40-15-2، القاضي بتحديد عدد الجهات في 12 جهة، وتسمياتها ومراكزها والعمالات والأقاليم المكونة لها. إلا أن مصادقة الحكومة لم تأخذ بعين الاعتبار مناطق ومدنا عريقة وغنية بمؤهلاتها الاقتصادية والسياحية والبشرية، مثل منطقة دكالة  التي يشمل نفوذها الترابي إقليمي الجديدة وسيدي بنور ألخاضعين، حسب التقطيع الجهوي القديم، لجهة دكالة–عبدة. هذه الجهة التي تم فك الارتباط فيما بين أقاليمها الأربعة، ليصبح من ثمة إقليما آسفي واليوسفية تابعين لجهة مراكش-آسفي. فيما بات إقليما الجديدة وسيدي بنور تابعين لجهة الدارالبيضاء–سطات (الجهة السادسة)، مركزها الدار البيضاء، وتتكون من عمالات وأقاليم الدارالبيضاء والمحمدية والجديدة والنواصر ومديونة وبنسليمان وبرشيد وسطات وسيدي بنور.

وكما يبتلع الحوت الضخم سمكة، أو كما يغرق الطوفان مدنا وحضارات، فإن الجديدة لم ولن يعد  لها أثر في الوجود، بعد محو اسمها من قائمة التسميات الرسمية التي اعتمدتها الجهوية الموسعة.

هذا، فإن لا أحد بإمكانه أن يجادل في المكانة الخاصة والمتميزة التي تحظى بهما منطقة دكالة وإقليم الجديدة. ولا أحد، أيا كان، يحق له أن يتلاعب بمستقبلهما ومصيرهما وهويتهما، وأن يطلق على كيانهما طلقة الرحمة (طلقة الغدر)، أو يدق في نعشهما آخر مسمار، وأن يحكم من  ثمة عليهما ب"الإعدام".

إن النفوذ الترابي لإقليم الجديدة، يشمل كذلك مدينة أزمور، التي كانت حاضرة دكالة البيضاء والحمراء، قبل حواضر نبتت في الأزمنة اللاحقة لها، إلى درجة أنهم كانوا يقولون عنها: "من مدينة ازمور إلى قرية فاس". هذا الكلام الوارد عن قدم وحضارة أزمو٬ مدون بأحرف من مداد في كتاب "آسفي وما إليه"، لمؤلفه محمد بن احمد العبدي الكانوني، الذي يقول عن حاضرة أزمور: ״وهي مدينة عتيقة، يرجع تأسيسها إلى ما قبل الميلاد المسيحي. ولها ذكر في المدن الموجودة في عهد الفينيقيين...״. فأزمور تعاقبت عليها شعوب وأمم وأمراء وقياد وعساكر٬ ابتداء من موسى بن نصير.

لعل هذه المؤهلات الاقتصادية والبشرية والسياحية والصناعية الضخمة وغيرها، جعلت الراحل الحسن الثاني يعد الجديدة بمستقبل زاهر، ويقول أنها ستصبح "ثاني قطب اقتصادي في المغرب"، بعد العاصمة الاقتصادية، الدارالبيضاء. وهذا ما تحقق على أرض الواقع، في عهد الملك محمد السادس، من خلال الإنجازات الصناعية والاقتصادية والتنموية العملاقة التي رأت النور في منطقة الجرف الأصفر (15 كيلومتر جنوب مدينة الجديدة)، وبتراب إقليم الجديدة.  لكن الجهوية المتقدمة أجخفت في حق الجديدة، وفي حق التاريخ.

 

شهادات "مزلزلة":

بالرجوع إلى حفل تكريم ووداع المسؤول التربوي الناجي شكري، أو بالأحرى إلى "المأتم" وحفل "النعي والرثاء"، الذي حضره جميع المتدخلين في الحياة المدرسية والفعاليات التربوية بأقاليم الجديدة وسيدي بنور وآسفي واليوسفية (أسرة التعليم بمختلف مكوناتها التربوية والإدارية، من مدراء إقليميين للوزارة الوصية على القطاع، ومفتشين تربويين، ومدراء المؤسسات التعليمية، وأطر التدريس، وأطقم الأكاديمية، وممثلي النقابات التعليمية...)، فقد عرت الشهادات الصادقة، بما فيها الشهادة "المزلزلة" التي أدلى بها بعفوية  محمد حجاوي، المدير الإقليمي لوزارة التربية الوطنية بسيدي بنور، (عرت) عما يحس به كل مواطن مغربي، وكل من له ذرة غيرة على هذا الوطن، وعلى المدرسة المغربية والمنظومة التربوية. شهادة يجب أن تصل إلى من يهمهم الأمر، وفي طليعتهم رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، ورئيس المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي عزيز عزيمان، ووزير التربية الوطنية والتكوين المهني رشيد بلمختار، مادامت هذه الشهادة المدوية والصادقة،  قد جاءت على لسان "شهد شاهد من أهلها".

هذا، فإن الجهوية المتقدمة لم تأت فقط على إقليمي الجديدة وسيدي بنور، اللذين ايتلعتهما كما يبتلع الحوت الضخم سمكة، وإنما أجحفت بدورها في حق المسؤول التربوي الناجي شكري، رجل الإصلاح من العيار الثقيل ومن طينة خاصة، الذي باتت المدرسة المغربية تفتقده، وأحوج  إليه من أي وقت مضى،  لما حققه على أرض الواقع، من نتائج وإنجازات غير معهودة، في زمن إصلاح الإصلاحات المتتالية، مستعصية المنال..على درب إصلاح المنظومة التربوية، والرقي بمستوى جودتها وطنيا وجهويا وإقليميا ومحليا.


"التاريخ" من بابه الواسع:

وحتى لا ينس أو يتناسى من يهمهم الأمر، فإن جهة دكالة–عبدة (سابقا)، قد احتلت وطنيا المرتبة الثانية، بعد جهة الرباط–سلا–زمور–زعير (سابقا)، في أعلى المعدلات المحصل عليها في امتحانات البكالوريا، برسم الموسم الدراسي 2014 – 2015. وكانت التلميذة أمة السميح الحضراوي من الثانوية-التأهيلية  "سيدي بنور"، بنيابة سيدي بنور (التعليم العمومي)، ظفرت بأعلى معدل عام وطني 19.16  (مسلك العلوم الفيزيائية). فيما كان أعلى معدل عام وطني في التعليم الخصوصي (19.46)، من نصيب التلميذة إناس المعتز بالله (مسلك علوم الحياة والأرض)، من مجموعة مدارس "الملاك الأزرق" بالجديدة. إذ حظيت بشرف تحطيم الرقم القياسي في تاريخ المعدلات العامة الوطنية في امتحانات البكالوريا، منذ فجر الاستقلال. كما حصلت كذلك التلميذ ذاتها (إناس المعتز بالله)، برسم الموسم الدراسي الفائت، على الجائزة الأولى في المغرب، في مسابقة "أولمبياد البيولوجيا".

وقد كان للمدرسة المغربية شرف المشاركة، برسم الموسم الدراسي الماضي، في نهائيات "أولمبياد الرياضيات" التي جرت في "تايلاند". وكان التلميذ عبد الله أزناك من مجموعة مدارس "الملاك الأزرق" بالجديدة، ضمن التلاميذ  الخمس الين مثلوا المغرب.

وكان كذلك التلميذ أنور عبادي من الثانوية-التأهيلية "الجرف الأصفر" بسيدي إسماعيل، بنيابة الجديدة (التعليم العمومي)، ظفر بأعلى معدل عام وطني 19.28  (مسلك العلوم الفيزيائية).

 

إجماع "ناذر":

كان المسؤول التربوي الناجي شكري، الذي تنكرت له المنظومة التربوية، والجهوية المتقدممة، و"السياسة وأشياء أخرى"، محط تقدير وإجماع جميع المتدخلين في الحياة المدرسية والشأن التعليمي بجهة كالة–عبدة. وهذا ما حدا بنقابة مفتشي التعليم إلى تنظيم حفل التكريم على شرفه، ورد الاعتبار المعنوي له. تكريم لم يحظ بالمناسبة بشرفه المدراء الثلاثة السابقون، الذين تعاقبوا تباعا على أكاديمية جهة دكالة–عبدة.

 

إنصاف المدرسة المغربية :

إذا كانت المنظومة التربوية، والجهوية المتقدممة، و"السياسة وأشياء أخرى"، قد تنكرت للأستاذ الناجي شكري، المدير السابق لأكاديمية جهة دكالة–عبدة، فإن الآمال معقودة على أعلى سلطة في البلاد، الملك محمد السادس، بغية رد الاعتبار لرجل الإصلاح هذا، وإنصافه الذي يعتبر إنصافا للمنظومة التربوية، وللمدرسة المغربية، ولفلذات أكبادنا المتمدرسين، رجال الغد.. حتى يتأتى تحقيق الرؤية الاستراتيجية (2015 – 2030)، التي وضعها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي:"من أجل مدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء". 

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة