الجامعة المغربية إلى أين ؟؟
الجامعة المغربية إلى أين  ؟؟

ما يحدث الآن بالجامعة المغربية هو تفتيت ممنهج لصف الأساتذة الجامعيين، حيث اختلط الحابل بالنابل، ولم نعد نميز بين النقابات و الشعب و من يدير المؤسسات...


بعد إضعاف العمل النقابي بالمؤسسة الجامعية و قطاعات أخرى مماثلة، أصبحت الجامعة تشهد ظهور لوبيات تخدم مصالح المنتمين إليها، فتم استنبات لوبيات صغيرة بالشعب و المختبرات التي شجعت الوزارة فتحها من أجل تطوير البحث العلمي، فإذا بها تحتضن نواتا جديدة لتفريخ اللوبيات، و تم تهميش النقابات، إذ في غالب الأحيان ما يتم فبركة المكاتب المحلية و مجالس المؤسسة بكثل انتخابية معبئة من طرف هذه اللوبيات، و هنا نتساءل عن مستقبل البحث العلمي في ظروف يصبح فيها الأستاذ الجامعي مطالب بالدخول في تحالفات، حتى يتمكن من تحقيق مشروعه العلمي، و هو غير ممرّن و لا مستعد لينخرط في مثل هذه الممارسات التي يمكن قبولها في عالم السياسة على مضض، لكن نستغرب عن سر وجودها في العالم الأكاديمي.


كنا نعتقد أن الجامعة منارة  لتحصيل العلم و المعرفة و بناء فرق بحث تصل بالطلبة إلى قمة التنوير والتوعية، فإذا بنا نصطدم بواقع تتدافع فيه المصالح الضيقة، بوجود أساتذة يستغلون تحالفات لبلوغ مآرب شخصية،  والغائب الرئيسي هو البحث العلمي المشترك،  وتجذر الإشارة هنا أننا لا نعمم، نظرا لوجود أساتذة غيورين على القطاع، يناضلون من مواقعهم من أجل استقامة الأوضاع، كما يقوم آخرون بواجبهم على أكمل وجه، و بعدها يغادرون المؤسسة متفادين الاحتكاكات غير المرغوب فيها، لكن عمل اللوبيات بدأ يفسد ما يحاول أن يصلحه "العطار" بهذه المؤسسات. 


تنتعش الكليات اليوم بقلة من الباحثين الذين يشتغلون بشكل فردي، و يحاولون كسر طوق الجمود الذي تعانيه المؤسسات، لكن لا وجود لمدارس فكرية كما هو الشأن في البرازيل والهند وإفريقيا، ناهيك عن عواصم العلم التقليدية بأوروبا و أمريكا، و لم نسمع قط عن ظهور تيار فكري بجامعة مغربية... إذ نادرا ما يطل علينا أستاذ ببحوث منشورة، و يحاول أن يسوق نفسه من خلالها بأنه صاحب مشروع فكري خاص به....جميل و نمثن مجهوداته الفردية ونحييه عليها، لكن كيف؟؟ وماذا عن الفريق؟؟ وهل نحن الآن نعيش في عصر الأنوار؟ هذا زمن المختبرات و فرق البحث!؟ 


لماذا نحن في الجامعة؟ هل جئنا للجامعة لبناء تحالفات و لوبيات لقضاء مصالح اقتصادية...و محاربة بعضنا البعض، و هذا ما تسعى إليه الأجهزة المخزنية، حتى تضعف الأستاذ الجامعي و تقزم عمله، أم جئنا للبحث و التدافع العلمي، و طرح النظريات و المقاربات، و القيام بالأبحاث الأكاديمية المشتركة ذات المنفعة العامة؟ هل جئنا للجامعة قصد الإشراف على الميزانيات و تدبير الإدارات، كما أصبحنا نشاهد اليوم، لأن هذا ليس من صميم تخصصنا، و لم نكن قط مؤهلين لمثل هذه المناصب التي زُجّ بنا فيها...؟


تصوروا معي مثلا أن يقوم أعضاء لوبي في كلية بإبعاد زميل عن التدريس، بدعوى أنهم فريق متكامل و ليسوا في حاجة إلى خدماته للتدريس، و هو أستاذ التعليم العالي في تخصصه، و مثلهم، يشتغل في نفس الحقل العلمي...هل هذا يقبله العقل؟ و هنا نتساءل لو حدث هذا، كيف يمكن أن يتحول فريق بحث في مختبر إلى لوبي و يناور لإبعاد أستاذ عن حقه في التدريس، و يستبدلونه بأساتذة مساعدين...هل هذه هي الرسالة التي جئنا بها إلى الجامعة...و من له الصلاحية في الحكم على مستوى هذا الأستاذ مثلا؟...


في ظل هذا الوضع النشاز، تتكثل بعض المجموعات الصغيرة من الأساتذة،  و تسعى إلى الاحتماء بغطاء مؤسساتي لكي تدخل في تحالفات مصلحية، لكن الطامة الكبرى التي تدعو إلى التشاؤم، هو أن هذا الوضع لا يقتصر على الكليات، بل هو خطاطة نظام سياسي قائم على الزبونية و التحالفات و شراء الولاءات، فالبتالي ما يلوح في الأفق هو قدرنا في إعادة إنتاج اللوبيات، فكلما قمنا بإزالة لوبي قديم أو تآكل مع مرور الزمن، إلا و نبت لوبي جديد بدماء جديدة، ذلك لأن النظام مازال يغذي هذه الممارسات في قطاعات مختلفة... و لن تقوم قائمة للجامعة المغربية في مثل هذه الظروف... أما ما نشاهده من صور إعلامية عن نجاحات الجامعة، فلا تعدو سوى محاولات معزولة لا تعكس حقيقة الواقع السيوسيولوجي المعيش...


يبدو أن قدرنا المكتوب هو التطاحن العبثي  و محاربة سيزيفية للوبيات تتستر على الخواء المعرفي الذي يخيم على معظم الجامعات...


ذ. محمد معروف، جامعة شعيب الدكالي


الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة