''الزلزال الملكي''.. قرارات وزير الداخلية في حق رجال السلطة بالجديدة شابها ''الشطط في استعمال السلطة''
''الزلزال الملكي''.. قرارات وزير الداخلية في حق رجال السلطة بالجديدة شابها ''الشطط في استعمال السلطة''

بمثول رجال السلطة ممن أوقفتهم وزارة الداخلية عن ممارسة مهامهم في مقرات عملهم بجهات وأقاليم المملكة، التي زعزعتها ارتداداتها "الزلزال الملكي"، أمام المجلس التأديبي، تكون ساعة الحسم في ملفاتهم قد اقتربت، لترتيب الجزاءات التي تتناسب والأفعال المنسوبة إليهم، والتي قد يكون من السابق لأوانه وصفها ب"الخروقات المهنية"، أو تصنيفها في درجة من درجات الجسامة.

"الزلزال الملكي":

لقد أطاح "الزلزال الملكي" بوزراء ومسؤولين حكوميين، تبث إخلالهم بإنجاز مشاريع "برنامج التنمية المجالية بإقليم الحسيمة– منارة المتوسط". وقد جاءت قرارات العزل في حقهم، تفعيلا لمبدأ "ربط المسؤولية بالمحاسبة" الذي نص عليه دستور المملكة.

"الزلزال" يؤجل حركية رجال السلطة:

حسب المتتبعين، فإن "الزلزال الملكي" وما أعقبه من ارتدادات، كان سببا في تأجيل إجراء حركية الانتقالات والتعيينات في صفوف هيئة رجال السلطة بالمغرب. تأجيل حصل للمرة الرابعة على التوالي، خلال السنوات الأربعة الأخيرة. فبعد أن أجرت وزارة الداخلية حركية رجال السلطة، شهر غشت 2014، جاءت انتخابات المجالس الجماعية والجهوية، شهر شتنبر 2015، ثم الانتخابات التشريعية، شهر أكتوبر 2016، لتؤجل للمرة الثانية والثالثة على التوالي، تنظيم تلك الحركية. فيما كانت الأحداث التي عرفها شمال المملكة، إثر ما سمي ب "حراك الريف"، من الأسباب التي عملت على تأجيل إجراء تلك الحركية، برسم سنة 2017.

ارتدادات "الزلزال":

إذا كان "الزلزال الملكي" قد أطاح ببعض كبار صناع القرار في الحكومة، فإن ارتداداته قد ضربت بقوة مسؤولين من مختلف المستويات والدرجات لدى المصالح اللاممركزة لوزارة الداخلية، وهم: وال واحد، و06 عمال، و06 كتاب عامين، و28 باشا ورئيس دائرة ورئيس منطقة حضرية، و122 قائدا، و17 خليفة قائد.

 وقد توزعت العقوبات ال180 في حقهم ما بين التوقيف المؤقت عن ممارسة المهام، مع الإحالة على  المجلس التأديبي (93 حالة)، وعقوبة "التوبيخ"، دون الإحالة على المجلس التأديبي (87 حالة).

إقليم الجديدة.. "حصة الأسد":

حظي إقليم الجديدة على صعيد جهة الدارالبيضاء–سطات، بحصة الأسد من العقوبات التي شملت الكاتب العام للعاملة، و9 من أصل 27  رجل سلطة (باشوان ورئيسا دائرتين  و23 قائدا)، عاملين لدى الإقليم الذي يتكون من 27 جماعة ترابية، موزعة ما بين 3  بلديات (الجديدة وأزمور والبئر الجديدة)، و4 دوائر (الجديدة وأزمور والحوزية وسيدي إسماعيل)، و24 جماعة قروية.

وقد همت عقوبة  التوقيف المؤقت، مع الإحالة على المجلس التأديبي، الكاتب العام، وباشا مدينة البئر الجديد، وقائد الملحقة الإدارية الخامسة، الذين شكلوا الدفعة الأولى من المسؤولين الذين أشعرتهم وزارة الداخلية، الأربعاء 13 دجنبر 2017، عن طريق برقيات (télégrammeبالقرارات الصادرة في حقهم. فيما تلقت عقوبة "التوبيخ"، الاثنين 18 دجنبر 2017، عن طريق  برقيات، الدفعة الثانية من المسؤولين بإقليم الجديدة، مشكلة من 7 قياد، هم:

بالنسبة للمدار الحضري للجديدة، قائدة الملحقة الإدارية الأولى، وقائد الملحقة الإدارية الثانية، وقائد الملحقة الإدارية السابعة؛

وبالنسبة للمدار القروي، رئيس دائرة الحوزية، الذي يؤمن بالمناسبة، منذ سنتين، مهام رئيس دائرة الجديدة بالنيابة، وقائد قيادة الحوزية، وقائد قيادة أولاد بوعزيز الشمالية (مولاي عبد الله)، وقائد قيادة أولاد غانم.

المثول أمام المجلس التأديبي:

مثل الكاتب العام وباشا البئر الجديد، الثلاثاء 02 يناير 2018، في ثاني يوم من السنة الميلادية الجديدة، أمام لجنة التأديب. فيما مثل قائد الملحقة الإدارية الخامسة، الجمعة 12 يناير 2018، أمام المجلس التأديبي. حيث تم الاستماع إلى إفاداتهم من قبل لجنة التأديب التي يرأسها مولاي إدريس الجوهري، الوالي المدير العام للشؤون الداخلية للوزارة، علاقة بالأفعال المنسوبة إليهم، المضمنة في التقارير والشكايات المرجعية، التي تكون الوزارة الوصية توصلت بها.

هذا، فإذا كانت لجنة التأديب قد أطلعت المسؤولين الثلاثة، عند مثولهم أمامها، على الأفعال المنسوبة إليهم، ومنحتهم حق الدفاع عن أنفسهم، مؤازرين من قبل محامين في اللجنة الإدارية المتساوية الأعضاء، قبل حجز ملفاتهم للمداولة، واتخاذ قرارات تأديبية، قد تصل حد  العزل، أو تقضي بتبرئة ذمتهم، وإعادتهم إلى العمل في مناصبهم الأصلية، أو نقلهم إلى مقرات عمل أخرى.. فإن وزارة الداخلية تكون حسمت "نهائيا" في حالات رجال السلطة الآخرين، القياد السبعة بإقليم الجديدة، بعد أن أصدرت في حقهم قرارات إدارية "نهائية"، مضمنة لعقوبة "التوبيخ"، توصلوا بها، الاثنين 18 دجنبر 2018، عبر برقيات.

القانون المنظم لرجال السلطة:

قبل وضع عقوبات وزارة الداخلية تحت المجهر، لا بد من استحضار الوضعية والوضع القانونيين للأشخاص المعنويين، من هيئة رجال السلطة، الذين صدرت في حقهم تلك العقوبات.

يخضع رجال السلطة للظهير الشريف رقم: 008-58-1، الصادر في: 4 شعبان 1377 (24 فبراير 1958)، بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، وللظهير الشريف رقم: 67-08-1، الصادر في: 27 من رجب 1429 (31 يوليو 2008)، في شأن هيئة رجال السلطة (ج. ر. عدد: 5677، بتاريخ: 27 شوال 1429 - 27 أكتوبر 2008).

ويعتبر رجال السلطة موظفين عموميين، يخضعون، على غرار موظفي القطاعات العمومية، لمقتضيات وأحكام قانون الوظيفة العمومية،  طبقا للفصل 4 الذي هذا نصه: "يطبق هذا القانون الأساسي على سائر الموظفين بالإدارات المركزية للدولة، وبالمصالح الخارجية الملحقة بها.".

وبالموازاة، ولفهم القرارات والعقوبات الإدارية التي اتخذتها وزارة عبد الوافي لفتيت في حق رجال السلطة، لا بد كذلك من استحضار سياقها وظرفيتها ومستوياتها ودرجاتها، وعلاقتها ب"الزلزال السياسي"، أو ما بات يعرف ب"الزلزال الملكي"، الذي كانت له "ارتدادات" وصلت إلى عدة  جهات وأقاليم بالمملكة.

فمستويات  تلك العقوبات يمكن حصرها في مستويين اثنين، هما كالتالي:

مستوى أول:

أعفى الملك محمد السادس، الثلاثاء 24 أكتوبر 2017، بعد توصل جلالته من إدريس جطو، الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، بالتقرير الذي تضمن النتائج والخلاصات علاقة ببرنامج "الحسيمة منارة المتوسط"، (أعفى) من مهامهم مسؤولين وزاريين وحكوميين، هم: محمد حصاد، وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، بصفته وزير الداخلية في الحكومة السابقة، ومحمد نبيل بنعبد الله، وزير إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، بصفته وزير السكنى وسياسة المدينة في الحكومة السابقة، والحسين الوردي، وزير الصحة، بصفته وزيرا للصحة في الحكومة السابقة، إلى جانب  العربي بن الشيخ، كاتب الدولة لدى وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، المكلف بالتكوين المهني، بصفته مديرا عاما لمكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل سابقا، وعلي الفاسي الفهري، من مهامه كمدير عام للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب (..).

وأكد تقرير المجلس الأعلى للحسابات، في وقائعه وحيثياته، أن "التحريات والتحقيقات التي قام بها، أثبتت وجود مجموعة من الاختلالات تم تسجيلها في عهد الحكومة السابقة.. وأن عدة قطاعات وزارية ومؤسسات عمومية لم تف بالتزاماتها في إنجاز المشاريع، وأن الشروحات التي قدمتها، لا تبرر التأخر الذي عرفه تنفيذ هذا البرنامج التنموي"..

وقد جاءت هذه العقوبات من الدرجة أو المستوى الأول، تفعيلا لأحكام الدستور في ما يتعلق ب"ربط المسؤولية بالمحاسبة". وبالرجوع إلى مضامين خطاب العرش، كان الملك محمد السادس واضحا وحازما وصارما في هذا الباب. حيث قال جلالته: "وهنا أشدد على ضرورة التطبيق الصارم لمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل الأول من الدستور، التي تنص على ربط المسؤولية بالمحاسبة. لقد حان الوقت للتفعيل الكامل لهذا المبدأ. فكما يطبق القانون على جميع المغاربة، يجب أن يطبق أولا على كل المسؤولين بدون استثناء أو تمييز، وبكافة مناطق المملكة. إننا في مرحلة جديدة لا فرق فيها بين المسؤول والمواطن، في حقوق وواجبات المواطنة، ولا مجال فيها للتهرب من المسؤولية أو الإفلات من العقاب.".

مستوى ثان:

كانت ل"الزلزال الملكي" ارتدادات ضربت بقوة مسؤولين من مختلف المستويات والدرجات لدى المصالح اللاممركزة لوزارة الداخلية، وهم: وال واحد، و06 عمال، و06 كتاب عامين، و28 باشا ورئيس دائرة ورئيس منطقة حضرية، و122 قائدا، و17 خليفة قائد.

وقد همت العقوبات الإدارية 10 مسؤولين بإقليم الجديدة. حيث إن 9  من أصل 27 رجل سلطة بالإقليم، قد تلقوا عقوبات إدارية، أي بنسبة عقوبات بلغت 33.3% (دون احتساب منصب الكاتب العام). وهو رقم قياسي  يجعل إقليم الجديدة  يتقلد الصدارة في العقوبات الإدارية، في جهة الدارالبيضاء– سطات، التي ينتمي إليها ترابيا في إطار الجهوية المتقدمة، وحتى على الصعيد الوطني، مقارنة مع باقي الجهات والأقاليم.

قرارات غير قانونية":

إن القرارات المتضمنة للعقوبات الإدارية "التوبيخات"، في حق 7 من رجال السلطة بإقليم الجديدة، دون إحالتهم على المجلس التأديبي،  قد جاءت مشوبة ب"الشطط في استعمال السلطة"، التي يخولها القانون في إطار مقيد ومحدود، وذلك للأسباب التالية:

1/  عدم تعليل القرارات الإدارية:

 إن تلك القرارات قد خرقت مقتضيات وأحكام الظهير الشريف رقم: 1.02.202، الصادر في: 12 جمادى الأولى 1423 (23 يوليو 2002)، بتنفيذ القانون رقم: 03.01، بشأن إلزام الإدارات العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية، بتعليل قراراتها الإدارية.

وقد نص القانون رقم: 03.01، في مادته الأولى عما يلي: "تلزم إدارات الدولة، والجماعات المحلية وهيآتها، والمؤسسات العمومية، والمصالح التي عهد إليها بتسيير مرفق عام، بتعليل قراراتها الإدارية الفردية السلبية، الصادرة لغير فائدة المعني، المشار إليها في المادة الثانية بعده، تحت طائلة عدم الشرعية، وذلك بالإفصاح كتابة في صلب هذه القرارات عن الأسباب القانونية والواقعية الداعية إلى اتخاذها.".

ومن القرارات الإدارية التي تخضع للتعليل، حسب المادة الثانية من القانون المرجعي (القانون رقم: 03.01)، القرارات الإدارية القاضية بإنزال عقوبة إدارية أو تأديبية، والتي وردت في الفقرة (ب). ولا تدخل هذه القرارات الواردة في الفقرة (ب)، من المادة 2 من هذا القانون ضمن "حالة الضرورة"، التي نصت عليها المادة الرابعة من القانون المرجعي ذاته.

هذا، فإن كان قانون الوظيفة العمومية نص في الفصل 65 (الباب الخامس/العقوبات التأديبية)، عما يلي: "تختص بحق التأديب السلطة التي لها حق التسمية"، فإن الفصل الذي يليه (الفصل 66)، قد شدد، في حالة عقوبة "التوبيخ" التي تعني رجال السلطة السبعة بإقليم الجديدة، على ضرورة التعليل في ما يتعلق بعقوبتي "الإنذار والتوبيخ"، طبقا لما نص عليه، كالتالي: "يقع الإنذار والتوبيخ بمقرر معلل تصدره السلطة التي لها حق التأديب، من غير استشارة المجلس التأديبي، ولكن بعد استدلاء بيانات المعني بالأمر.".

وتجدر الإشارة إلى أن تلك القرارات الإدارية الفردية، "غير المعللة"، التي توصل بها رجال السلطة بإقليم الجديدة، الاثنين 13 دجنبر 2017، قد أصبحت "نهائية" و"لا رجعة فيها". حيث إن المعنيين بها، ورغم كونها لا تدخل أصلا ضمن "حالة الضرورة"، لم يفعلوا داخل الأجل القانوني، لعدم جرأتهم، مقتضيات المادة 4 من قانون الوظيفة العمومية، التي تخول لهم الحق في أن يتقدموا  بطلبات إلى الجهة المصدرة للقرار، داخل أجل ثلاثين (30) يوما من تاريخ التبليغ، لإطلاعهم على الأسباب الداعية إلى اتخاذ تلك القرارات الإدارية السلبية، الصادرة لغير فائدتهم. حيث تكون الإدارة حينئذ ملزمة بالرد على الطلبات داخل أجل خمسة عشرة (15) يوما من تاريخ التوصل بالطلبات.

هذا، وقد جاء في المنشور عدد: 2003/2، وجهه إدريس جطو، الوزير الأول (تقنقراط)، بتاريخ: 10 مارس 2003، إلى وزير الدولة والوزراء وكتاب الدولة، في موضوع: "إلزام الإدارات العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية بتعليل قراراتها الإدارية"، أن هذا القانون (القانون رقم: 03.01، الذي دخل حيز التنفيذ، ابتداء من فاتح فبراير 2003، بعد صدوره في الجريدة الرسمية، عدد: 5029، بتاريخ: 12 غشت 2002)، يعد تجسيدا للتوجيهات السامية لصاحب الجلالة أيده الله ونصره، الرامية إلى "الحد من البيروقراطية، ومن غلو السلطات التقديرية  للإدارة"، و"ربط المفهوم الجديد للسلطة، بمفهوم الخدمة العامة، وصيانة الحقوق، وحفظ الصالح، واحترام الحريات والقوانين (..) إثارة انتباه كافة الموظفين والأعوان، وخاصة الأطر المشرفة، إلى أن عدم تعليل القرارات الإدارية، المرتبطة بالمجالات التي حددها القانون السالف الذكر، يجعلها معرضة للإلغاء أمام القضاء الإداري، بسبب عدم الشرعية. مما يقتضي الدقة والرصانة في صياغتها، والحرص على أن يكون التعليل واضحا ومحددا ومطابقا للقانون (..).".

2/ عدم سلك المسطرة القانونية:

إن التقارير التي تكون توصلت بها وزارة الداخلية، والتي تكون استندت إليها من أجل إصدار عقوبات إدارية، في حق رجال السلطة في جهات وأقاليم المملكة، قد تكون مغلوطة. فهي ليست قرآنا منزلا من السماء، وليس من قاموا بإنجازها أنبياء ورسلا معصومين من الخطأ.

وبهذا الخصوص، أوردت يومية "الصباح" في مقالة تحت عنوان: "تقارير عمال وراء الإطاحة برجال سلطة"، ونقلا عما قالت الجريدة أنها "معلومات حصلت عليها من مصادر مطلعة من داخل وزارة الداخلية"، ما يلي:

"أن العديد من رجال السلطة الذين تم الاستماع إليهم من قبل لجنة التأديب، التي يرأسها مولاي إدريس الجوهري، الوالي المدير العام للشؤون الداخلية للوزارة، راحوا ضحية تقارير “مغلوطة”، أنجزها ضدهم “حسي مسي” بعض العمال الذين كان من المفروض أن يضربهم الزلزال، لأنهم المسؤولون المباشرون عما يجري من أحداث وشبهات الفساد والاحتجاجات في مناطق نفوذهم. وتفاجأ العديد من رجال السلطة، بتدوين تقارير ضدهم، من قبل العمال الذين كانوا يشتغلون تحت إمرتهم، رغم العلاقات الإدارية الجيدة التي كانت تظهر في العلن بينهم. وأشهر أعضاء لجنة التأديب تقارير في وجه رجال السلطة الذين تم الاستماع لهم، رفعها ضدهم بعض العمال، وأخرى عبارة عن شكايات مجهولة المصدر، توصلت بها الإدارة المركزية للوزارة عن طريق مكتب الضبط. كما استعانت اللجنة نفسها ببعض المقالات الصادرة في الصحف والمواقع الإلكترونية.".

هذا، فقد كان على وزارة الداخلية أن تسلك المساطر القانونية، الجاري بها العمل في باقي الإدارات العمومية، وذلك بأن توجه استفسارات كتابية  إلى رجال السلطة، في موضوع الأفعال المنسوبة إليهم.  وعقب توصلها بالأجوبة، يمكنها حينئذ أن تحيلهم، في حال عدم اقتناعها بما تضمنته من تبريرات، على أنظار المجلس التأديبي، للبث في حالاتهم وملفاتهم، وترتيب الجزاءات المستحقة، والعقوبات التأديبية، المنصوص عليها بمقتضى قانون الوظيفة العمومية، والتي حددها الفصل 66، حسب تزايد الخطورة، على الشكل التالي: الإنذار – التوبيخ – الحذف من لائحة الترقي – الانحدار من الطبقة – القهقرة من الرتبة – العزل من غير توقيف حق التقاعد – العزل المصحوب  بتوقيف حق التقاعد. 

"ربط المسؤولية بالمحاسبة":

نص دستور المملكة في فصله الأول، على "ربط المسؤولية بالمحاسبة". وهذا ما تمت أجرأته على أرض الواقع، تأسيسا لدولة الحق والقانون، بعد أن تشكلت، شهر يونيو 2017، بأوامر من الملك محمد السادس، في المجلس الوزاري للحكومة، لجنة منبثقة عن المفتشية العامة لوزارة الداخلية، والمفتشية العامة لوزارة المالية، للتقصي في أسباب وحيثيات تأخر إنجاز "برنامج التنمية المجالية بإقليم الحسيمة–منارة المتوسط"، الذي كان أعلى سلطة في البلاد أعطى انطلاقته سنة 2015.

هذا، وجرت الأبحاث الميدانية، واستجماع الحجج والأدلة ووسائل الإثبات، والإثباتات، والإفادات والاستماعات.. التي شملت مسؤولين وزاريين وحكوميين من الوزارات والقطاعات المعنية، في احترام تام للمساطر القانونية، وبأخذ ما يلزم من الوقت الكافي (أزيد من 6 أشهر)، بالنظر إلى كثرة المشاريع المدرجة في هذا البرنامج، وعدد المتدخلين، ووفرة التقارير المنجزة (تقارير المفتشية العامة للإدارة الترابية، والمفتشية العامة للمالية..)، والمعطيات الواجب دراستها وافتحاصها، من قبل المجلس الأعلى للحسابات. ما مكن هذه الهيئة التي يرأسها إدريس جطو، من أن تنجز  بدقة مهنية وموضوعية، تقريرا كاملا ومتكاملا،  تضمن نتائج وخلاصات، تم عرضه على الملك، الذي أصدر على ضوءه، الثلاثاء 24 أكتوبر 2017، قرارات بالعزل في حق من ثبتت مسؤولياتهم في الخروقات التي شابت البرنامج التنموي "الحسيمة– منارة المتوسط".

وخلافا للتقرير الذي أنجزه المجلس الأعلى للحسابات، فإن العقوبات الإدارية التي اتخذتها وزارة الداخلية في حق رجال السلطة، قد شابها "الشطط في استعمال السلطة". فعلاوة على ما سبق استحضاره وعرضه،  فإن من شملتهم "التوبيخات"، دون عرضهم على المجلس التأديبي، أصبحوا يواجهون عدم تميعهم بالحقوق والإجراءات المسطرية والقانونية المضمنة في قانون الوظيفة العمومية، سيما المنصوص عليها في الفصول 65 –  66 – 68 – 69 – 70 – 71 – 72.

فعرضهم على المجلس الـتأديبي، لو أنه تم وفق القانون ومقتضياته وأحكامه، كان سيمكن رجال السلطة، "الموظفين المتهمين"، حسب التوصيف القانوني، من "الاطلاع على ملفاتهم الشخصية  بتمامها، وعلى جميع الوثائق الملحقة، وذلك بمجرد ما تقام عليهم دعوى التأديب، وتمكينهم من أن يقدموا إلى المجلس التأديبي ملاحظات كتابية أو شفاهية، وأن يستحضروا بعض الشهود، وأن يستحضروا معهم مدافعين باختيارهم (الفصل 67).

ويحيل هذا الفصل المرجعي (الفصل 67)، على "المحاكمة العادلة"، التي تكفلها القوانين والمواثيق الدولية، وحقوق الإنسان، كما هو متعارف عليها كونيا، والتي من شروطها تمتيع "الموظف المتهم" بحق الدفاع عن النفس، وتكون البراءة فيها هي الأصل، أي أن "المتهم بريء حتى تثبت إدانته"، وليس العكس، أي أن "المتهم مدان حتى تثبت براءته".

وبالمناسبة، فإن رجال السلطة الذين توصلوا، الاثنين 18 دجنبر 2017، عبر برقيات، بالعقوبات الإدارية، لم يجرءوا على تفعيل مقتضيات المادة 4 من قانون الوظيفة العمومية، التي تخول لهم الحق في أن يتقدموا  بطلبات إلى الجهة المصدرة للقرارات، داخل أجل ثلاثين (30) يوما من تاريخ التبليغ، لإطلاعهم على الأسباب الداعية إلى اتخاذ تلك القرارات الإدارية السلبية، الصادرة لغير فائدتهم. حيث تكون الإدارة حينئذ ملزمة بالرد على الطلبات داخل أجل خمسة عشرة (15) يوما من تاريخ التوصل بالطلبات. كما أنهم لا يجرءون على الطعن في تلك القرارات المشوبة ب"الشط في استعمال السلطة، أمام المحاكم الإدارية.

فلعل رجال السلطة ممن صدرت في حثهم قرارات إدارية، تقضي بتوقيفهم مؤقتا عن ممارسة مهامهم، قد يكون لهم على الأقل الأمل في الدفاع عن أنفسهم، لكونهم يمثلون أمام المجلس التأديبي (..).

وعليه، فإن موظفي وزارة الداخلية،  الذين تلقوا عقوبات "التوبيخ"،  قد تجاوزا "مرحلة الاتهام" أو "توجيه التهم إليهم". حيث أصبحوا "مدانين" بموجب قرارات  "تعسفية" "نهائية" و"لا رجعة فيها". قرارات لا يمكن البتة اعتبارها تحمل صبغة "التأديبية"، لأن هذا التوصيف القانوني يجب أن يمر حتما عبر قناة المساطر القانونية، وفي مقدمتها قناة المجلس التأديبي. حيث لم تعد ثمة أمامهم أية إمكانية لإظهار براءتهم من الأفعال المنسوبة إليهم، والتي يجهلونها جملة وتفصيلا، اللهم ما اختزلته بعض العبارات العامة التي يتم تداولها شفاهيا، وغير المدرجة في القرارات التي توصلوا بها، عبر برقيات، من قبيل "التقصير في أداء مهامهم".

"الضرورة والاستثناء":

 على خلاف قرارات وزارة الداخلية، التي لم تكن ثمة لا "حالة الاستثناء" ولا "الضرورة" لاتخاذها وإصدارها "بشكل استعجالي"، ولا لعدم تعليلها من الوجهتين الواقعية والقانونية.. فإن "الاستثناء الإيجابي" يكمن طبعا في التفعيل الصحيح للقوانين وللمساطر، ولمبدأ "ربط المسؤولية بالمحاسبة"، من قبل المجلس الأعلى للحسابات، الذي أنجز بدقة مهنية وموضوعية، تقريرا كاملا ومتكاملا،  تضمن نتائج وخلاصات، عرضه، الثلاثاء 24 أكتوبر 2017، على الملك محمد السادس، الذي أصدر على ضوءه قرارات "عادلة"،  قضت بعزل مسؤولين وزاريين وحكوميين، ثبتت مسؤولياتهم في الخروقات التي شابت البرنامج التنموي "الحسيمة منارة المتوسط".

حملة تشهير ممنهجة:

لقد واكبت العقوبات الإدارية التي أصدرتها وزارة الداخلية، حملة تشهير ممنهجة، وإساءة إلى الاعتبار الشخصي والمعنوي لرجال السلطة "المدانين"، على نطاق واسع عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، التي أمطرتهم بوابل  من التهم الخطيرة، وأوردت صفاتهم وهوياتهم.

الحملة التشهيرية المسعورة تعدت الحدود، عندما تداول "فاسيبوكيون" ورواد العالم الأزرق، وناشطو  تطبيق "واتساب"، البرقية (télégramme)، المتضمنة لقرار التوقيف في حق مصطفى الضريس، عامل إقليم سيدي بنور، مؤرخة في: 12 دجنبر 2017، ومؤشر عليها من قبل وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت.

فتسريب هذه الوثيقة الرسمية بشكل من الأشكال، وفي مستوى من المستويات، يعتبر سابقة خطيرة، يتعين على وزارة الداخلية أن تفتح بشأنها تحقيقا على جميع المستويات، للكشف عمن له أو لهم المصلحة في استغلالها، بغاية التشهير بالمسؤول الترابي الإقليمي الأول بسيدي بنور، ومن غير المستبعد أن يكون المستهدف هو  شقيقه المصطفى الضريس، خادم الأعتاب الشريفة، الذي  قدم خدمات جليلة، للدولة المغربية، بعد أن تقلد مناصب سامية، منها منصب المدير العام للأمن الوطني (2006 – 2012)، ومنصب الوزير المنتدب لدى وزير الداخلية (2012 – 2017).  

هذا، فإن المادة 9 من الظهير الشريف في شأن هيئة رجال السلطة، تنص على ما يلي: "يتمتع رجال السلطة بحماية الدولة، وفقا لمقتضيات القانون الجنائي والقوانين الخاصة الجاري بها العمل، مما قد يتعرضون إليه من تهديدات أو تهجمات أو إهانات أو سب أو قذف.".

فلماذا لا تعمد  وزارة لفتيت التي أصدرت قرارات مشوبة ب"الشطط في استعمال السلطة"، إلى تفعيل  مقتضيات هذه المادة القانونية المرجعية ؟!

رقم قياسي في العقوبات :

لقد عرف إقليم الجديدة لوحده 10 عقوبات إدارية، توزعت ما بين الكاتب العام لعمالة ألإقليم، و9  من أصل 27 رجل سلطة بالإقليم، أي بنسبة عقوبات بلغت 33.3% (دون احتساب منصب الكاتب العام). وهو رقم قياسي في العقوبات الإدارية، يجعل إقليم الجديدة يتقلد الصدارة في جهة الدارالبيضاء– سطات، التي ينتمي إليها ترابيا في إطار الجهوية الموسعة، وحتى على الصعيد الوطني، مقارنة مع باقي الجهات والأقاليم.

إن هذا الكم الهائل من العقوبات، وبهذه السرعة الفائقة،  في صفوف هيئة رجال السلطة، وبشكل غير مسبوق في تاريخ المغرب، منذ فجر الاستقلال،  يجر إلى التساؤل عن آليات وميكانزمات المراقبة، ومدى تفعيلها من قبل الجهات المعنية والمختصة، مركزيا أو جهويا أو إقليميا.

ومن جهة أخرى، فإن المثير في العقوبات ال180، التي وزعتها وزارة الداخلية بشكل شبه متساو  "عدديا ونوعيا" أو "نوعيا وعدديا" على رجال السلطة الترابية والمحلية، لم تخرج عن نطاق عقوبة "التوبيخ" (87 حالة)، وعقوبة التوقيف المؤقت عن ممارسة المهام، مع الإحالة على المجلس التأديبي (93).. ولم تتضمن ولو عقوبة "إنذار" واحدة.

فكيف، من غرائب الصدف، ل87  رجل سلطة أن يرتكبوا في جهات وأقاليم متباعدة، الخطأ أو الأخطاء نفسها، ترتبت عنها تحديدا ودون سواها من العقوبات، عقوبة "التوبيخ"..؟! وهذا ما يطرح بقوة، رغم أن تلك العقوبات تعتبر أصلا "غير قانونية"، مسألة عدم احترام الجهة التي أصدرتها ل"مبدأ التدرج"، عند اتخاذها، أي المرور  بشكل تصاعدي من العقوبة المخففة، مثل "الإنذار"، إلى العقوبة الأشد، كما حددها الفصل 66 من قانون الوظيفة العمومية،  حسب تزايد الخطورة، كالتالي: الإنذار – التوبيخ – الحذف من لائحة الترقي – الانحدار من الطبقة – القهقرة من الرتبة – العزل من غير توقيف حق التقاعد – العزل المصحوب  بتوقيف حق التقاعد.

من هم المسؤولون الحقيقيون؟:

هل العقوبات الإدارية الصادرة فجأة بهذا الكم الهائل وبهذه السرعة الفائقة، كانت  وزارة الداخلية ستتخذها في حق رجال السلطة، لو  أنه لم يكن هناك "الزلزال الملكي"، الذي ضرب بقوة، ووصلت ارتداداته إلى جهات وأقاليم  أخرى..؟!

إن دستور المملكة نص على مبدأ "ربط المسؤولية بالمحاسبة"، ولم ينص بشكل عكسي على "ربط المحاسبة بالمسؤولية". حيث إنه من غير المنطقي ومن غير المعقول ترتيب الجزاءات، عن مسؤولية أو مسؤوليات غير محددة طبيعتها، وغير محددة درجاتها ومستوياتها، وغير محدد المسؤولين فيها.

فهل رجال السلطة بإقليم الجديدة، ممن صدرت في حقهم عقوبات إدارية، يمكن توصيفها بأي وصف، ما عدا ب"التأديبية"، يتحملون فعلا المسؤولية.. ؟! مسؤولية ماذا ؟! ولنفترض أنهم "قصروا" في أداء مهامهم، ووووو.. ألم يكونوا يخضعون، عند ممارسة سلطاتهم، للمراقبة من قبل مسؤوليهم في سلم التراتبية الإدارية، وعلى رأسهم السلطة الإقليمية الأولى، ممثلة في عامل إقليم الجديدة..؟!

هذا، وبغية "تحميل المسؤولية إلى من يجب أن يتحملها قانونا"، ومن باب الإنصاف تماشيا مع المقولة الشهيرة (rendre à César ce qui appartient à César).. ما هي المعايير التي كانت تعتمد في تنقيط رجال السلطة "المقصرين في أداء واجبهم" (المردودية - المواظبة في أداء الواجب المهني..)، وفي ترقيهم وترقيتهم إلى أعلى الدرجات والترب..؟!

فالعقوبة الإدارية تكون ناتجة ونتيجة إخلال الموظف بواجبه، أو ارتكابه خرقا أو خطأ، ولو بدرجة غير جسيمة، وذلك بعد سلك المساطر التأديبية، المنصوص عليها بموجب قانون الوظيفة العمومية. وهذه مسألة لا يتجادل عليها اثنان.

فكيف لوزارة لفتيت أن تكافئ قائدا بمدينة الجديدة، وترقيه، منذ 3 أشهر، إلى درجة قائد "ممتاز"، ثم توجه إليه عقوبة "التوبيخ"..؟! فعما ينم هذا التناقض الصارخ.. المكافأة (الترقية المهنية) والعقاب (العقوبة الإدارية) معا.. ؟! فكيف يمكن تبرير ذلك من الوجهتين الواقعية والقانونية، على ضوء عقوبة "التوبيخ"، التي اتخذتها في حق القائد الذي تمت ترقيته، وعلى ضوء مقتضيات المواد 15 – 16 – 17  من الظهير الشريف في شأن هيئة رجال السلطة..؟!

أليس المسؤولان الترابيان الإقليميان، محمد الكروج، عامل إقليم الجديدة الحالي، وسلفه معاذ الجامعي، الذي تربع على إقليم الجديدة، حوالي 7 سنوات، دون أن تشمله في حالة استثنائية مثيرة، حركات الانتقالات والتعيينات التي همت الولاة والعمال في المغرب، (أليس) مسؤولين عن مرؤوسيهما من رجال السلطات الترابية والمحلية، وعما يصدر منهم وعنهم.. وعن جميع القطاعات داخل الإقليم، باعتبارهما  ممثلين لصاحب الجلالة وللحكومة داخل الإقليم، وبحكم كونهما يحظيان باختصاصات وصلاحيات دستورية وقانونية واسعة..؟!

ألا يتحمل العامل السابق، معاذ الجامعي،  قسطا كبيرا من المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع في العديد من الجماعات الترابية بإقليم الجديدة، إثر سوء تدبير الشأن العام المحلي، والتي ينتظر  المتتبعون للشأن العام أن يضربها "زلزال ملكي"..؟!

ألا يتطلب ما آلت إليه المشاريع التي تم تعطيل إنجازها، منذ سنوات، وفي ظل المجلس الجماعي الحالي، الذي مر على انتخابه أزيد من سنتين، تدخلا ملكيا.. ؟!

وبالمناسبة، ماذا فعل العامل السابق، من جهة أخرى، من أجل وقف نزيف شبح الأمية بإقليم الجديدة، أكبر عائق للتنمية البشرية والاقتصادية بالإقليم.. ؟!

هذا، وقد باتت دكالة، بلاد العلم والعلماء.. التي أنجبت كبار رجالات الفكر والفقه والفلسفة والسياسة.. الذين بصموا التاريخ بعطاءاتهم.. من طينة أبي شعيب الدكالي، وعبد الله العروي، (باتت) "مرجعا مهينا" في الأمية والأميين. هذا ما يستشف بالواضح والملموس من خطاب معاذ الجامعي، عامل إقليم الجديدة السابق، الذي كان يتحدث إلى المسؤولين بالجهة الشرقية، التي عين واليا عليها،  شهر يونيو 2017،  ليطلعهم، في أول فرصة سانحة،  أنه قدم من جهة (إقليم الجديدة)، التي نسبة الأمية فيها  تزيد عن 50، حسب ما تم التوثيق له  ب"فيديو".

هذا، وبما أن العامل السابق قد فجر هذه القنبلة، فلا بد من تقديم بعض التوضيحات المحرجة:  فبعد أن انتقل عدد ساكنة إقليم الجديدة، التي تخضع لنفوذه 27 جماعة ترابية، منها 3 جماعات حضرية (الجديدة وأزمور والبئر الجديد،)، و24 جماعة قروية، (انتقل)، حسب الإحصاءين العامين للسكان والسكنى لسنتي 2004 و2014،  من 659896 نسمة، إلى  786716 نسمة (بزيادة 126520 نسمة)، مازالت نسبة الأمية بالإقليم، بالنسبة للجنسين، الذكور والإناث، من سن 10 سنوات وما فوق، "غير مشرفة".

وحسب معطيات وحقائق  موثقة وموثوقة، علاقة بالإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2014، حصلت عليها الجريدة من مصادر "جد خاصة"، فقد بلغت نسبة الأمية 51.1% في الوسط القروي، الذي وصلت ساكنته 474441 نسمة (60.30 من عموم سكان الإقليم)،  أي أن  242439 نسمة لا يعرفون القراءة والكتابة. فيما بلغت نسبة الأمية  20، في الوسط الحضري، الذي وصلت ساكنته 312275 نسمة،  أي أن  62455  نسمة  أميون.

وتبعا ذلك،  فإن عدد الأميين في الوسطين القروي والحضري بإقليم الجديدة، قد بلغ 304894 نسمة، من أصل عدد السكان الذي حدده الإحصاء العام لسنة 2014، في 786716 نسمة. وقد شكلت نسبة الأمية عند النساء 63.9، أي أن جيشا من 146886 امرأة، لا يعرفن القراءة والكتابة.

فماذا فعل العامل السابق، معاذ الجامعي، طيلة حوالي ال7 سنوات التي قضاها، من أجل وقف نزيف الأمية التي تنخر إقليم الجديدة، وتقف حجرة عثرة في وجه تحقيق أهداف "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية".. والتي تصرف عليها (على محاربة الأمية) الملايير، بدعم مالي "ضخم" من الاتحاد الأوربي، دون أن تزعزع معدلاتها ونسبها سوى بشكل محتشم..؟!

إن هذا الملف–القنبلة (ملف الأمية بإقليم الجديدة) يستدعي لوحده، تفعيلا لمبدأ "ربط المسؤولية بالمحاسبة"، تدخلا ملكيا.. قد يفضي ليس فقط إلى "زلزال"، وإنما إلى "طوفان/تسونامي" (tsunami/déluge) !

آراء محللين ومفكرين:

 حسب الدكتور محمد عزيز خمريش، أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بسطات، نقلا عن حوار صحفي أجراه معه موقع "أنفاس بريس"، علاقة ب"زلزال" الإعفاءات، الذي مس خدام الدولة من رجال السلطة من جميع أصنافهم،  فإن وزارة الداخلية أقدمت، في سابقة غريبة تعتبر الأولى من نوعها، على إعفاء مجموعة من العمال، بذريعة الإهمال والتقصير في أداء المهام الوظيفية. حيث وبغض النظر عن ملامسة الواقعة في شقها السياسي، الذي اعتبره البعض (زلزال/تسونامي)، وغيرها من النعوت الفضفاضة، لابد من ملامسة الموضوع من زاويته القانونية، التي تثير العديد من الإشكالات القابلة للقراءة النقدية: قرار الإعفاء مشوب بالتجاوز في استعمال السلطة، ويحمل في طياته العديد من العيوب، منها: عيب الاختصاص، وعيب الشكل، وعيب السبب، وعيب مخالفة القانون، وانعدام التعليل المنزل منزلة انعدامه، على اعتبار أن الأمر بالإعفاء مجرد رسالة إخبارية، صادرة عن وزير الداخلية، يشير فيها إلى أن المعنيين تم إعفاؤهم من مهامهم، وتم تكليف الكتاب العامين لتدبير العمالة أو الإقليم، إلى حين تعيين عمال جدد (..).

هذا، فيما ذهب الدكتور حسن أوريد (الذي شغل منصب أول "ناطق رسمي باسم القصر الملكي"، من شهر يوليوز 1999، إلى غاية شهر يونيو 2005)، في مقالة نشرتها جريدة "القدس العربي"، إلى أن  الإعفاءات شملت سلسلة من عناصر الإدارة الترابية، بسبب التأخر في إنجاز مشاريع. ومعلوم أن في كل الأنظمة الإدارية تدرجا في التقصير، من الهفوة، والخطأ، فالخطأ الجسيم، مع ضمان للدفاع.

 فهل يدخل التأخر في دائرة الخطأ الجسيم، الذي يستوجب الإعفاء؟ وهل يتحمل مسؤول مسؤولية غيره، من إطار غير إطاره، ذلك أن شؤون المدينة هي من اختصاص عمداء المدن؟ فكيف يتحمل مسؤول ترابي وزر المنتخب؟ وكيف تُربط المسؤولية هنا بالمحاسبة، والقاعدة أنْ "لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أخرى"؟

والواقع، يضيف حسن أوريد،  أن الإدارة الترابية بالمغرب تعيش على إيقاعين: إيقاع قديم طبع فلسفة وزارة الداخلية، وهو الالتزام بالنتيجة، والجملة المأثورة للحاكم الفرنسي الأول ليوطي "الأمور المالية تتبع"، وإيقاع جديد رسمه "تكنوقراطيون" من مهندسي القناطر، الذين أوُكل لهم تدبير شؤون المواطنين، وهم لم يزاولوها قط، ويلتزمون من أجل ذلك، بالإجراءات والمساطر، أو ما يسمى "process"، عوض النتيجة.

إحباط وتذمرويأس:

لقد باتت العقوبات، سيما "التوبيخات" التي وزعتها وزارة لفتيت على رجال السلطة، "نهائية"، و"لا رجعة فيها". إذ لا يجوز لهم البتة أن يقدموا، ما لم يتم  إخراجهم من سلك الإدارة، لوزير الداخلية طلبات يلتمسون فيها أن لا يبقى أي أثر لتلك العقوبات الصادرة عليهم، إلا بعد مرور 5 سنوات، حسب الفصل 75 من قانون الوظيفة العمومية.  ما سيؤثر حتما على مسارهم المهني، ويعيق ترقيتهم إلى الدرجات والرتب العليا، وتقلد مناصب المسؤولية، وحتى عند إجراء حركات الانتقالات والتعيينات، التي تخص هيئة رجال السلطة.

وقد تذمرت نفسية رجال السلطة، جراء تلك العقوبات "غير القانونية"، وأصبحوا محبطين، وفاقدين الثقة في أنفسهم، وفي من من المفترض والمفروض أن يوفر لهم الحماية.  ما سينعكس سلبا على أداء مهامهم، في مكاتبهم، وفي الشارع العام.  

لقد كان رجال السلطة هؤلاء أكباش فداء  (boucs émissaires/souffre-douleurs)، حسب ما يستشف من المقالة التي نشرتها جريدة "الصباح"،  تحت عنوان: "تقارير عمال وراء الإطاحة  برجال سلطة"، نقلا عما قالت "الصباح" أنها "معلومات حصلت عليها من مصادر مطلعة من داخل وزارة الداخلية"،  أشارت فيها بصريح العبارة وبالواضح والملموس، إلى كون: "العديد من رجال السلطة الذين تم الاستماع إليهم من قبل لجنة التأديب، التي يرأسها مولاي إدريس الجوهري، الوالي المدير العام للشؤون الداخلية للوزارة، راحوا ضحية تقارير “مغلوطة”، أنجزها ضدهم “حسي مسي” بعض العمال الذين كان من المفروض أن يضربهم الزلزال، لأنهم المسؤولون المباشرون عما يجري من أحداث وشبهات الفساد والاحتجاجات في مناطق نفوذهم (..)".

ومن جهة أخرى، فإن ما أدخل اليأس إلى نفوس رجال السلطة ممن يمثلون أمام المجلس التأديبي، كون العقوبات التي ستتخذها لجنة التأديب في حقهم، باتت حقيقة حتمية. وهذا ما يستشف من مقالة "الصباح" التي أوردت ما يلي: "ووفق ما تسرب من معلومات، فإن العديد من رجال السلطة دافعوا عن أنفسهم، وواجهوا الاتهامات التي دبجها عمال ضدهم بالحجج والبراهين لدحضها، رغم أن البعض منهم لم يجد مساندة تذكر من قبل “المحامين” في اللجنة الإدارية المتساوية الأعضاء، وهم كلهم من أبناء الوزارة، الذين يكنون الاحترام والتقدير لأعضاء لجنة التأديب، ولا يقدرون على مجادلتهم أو الرد عليهم، لأنهم هم من يتحكمون فيهم، خصوصا في حالة العمال الستة والوالي عبد الفتاح البجيوي (..).".

"تدخل ملكي" للإنصاف:

إن الآمال معقودة على المقام العالي بالله، صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، الأب الحنون والرءوف، بأن ينصف ويرد الاعتبار إلى خدام الأعتاب الشريفة، من رجال السلطات الترابية والمحلية، من وال وعمال وكتاب عامين، وباشوات ورؤساء دوائر ومناطق حضرية، وقياد وخلفاء القياد.. الذين هيبة الدولة المغربية هي من هيبتهم، في مغرب الألفية الثالثة الذي عرف، في ظل العهد الجديد، تحولات جذرية، جعلته في مصاف الدول الديمقراطية، في العالم المتحضر، الذي تحترم فيه القوانين وحقوق الإنسان، والحريات الفردية والجماعية، وحرية الرأي والتعبير.

 

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة