تدبير السقي بواسطة السانية باقليم الجديدة في خبر ''كان'' !!! (تحقيق صحفي)
تدبير السقي بواسطة السانية باقليم الجديدة في خبر ''كان'' !!! (تحقيق صحفي)

عرف المغرب باعتباره بلدا فلاحيا أنماطا مختلفة في تدبير الشأن المائي المرتبط بسقي الأراضي، وفي هذا الإطار عاشت ساكنة دوار "أولاد الغضبان " التابع لجماعة مولاي عبد الله بإقليم الجديدة تجربة مميزة وحميمية مع "السانية" التي شكلت وإلى عهد قريب مفخرة وعزة ورمز شهامة لأهالي الدوار والمنطقة حين كانت عملية دوران السانية مرفوقة بالشذو والغناء (السانية والبير والمجاري لالا ، لالا) تيمنا بنعمة الماء وخيراته.

يرتبط أصل السانية "بالشرق الإسلامي أساسا، إذ كانت تستعمل كآلة رفع للمياه ببلاد الرافدين، وعرفت باسم "الدولاب" غير أنه تـم تغيير اسمها بالمغـرب لتعـرف باسم "السانيـة" أو"الناعورة" أو "الدور"، وقد اعتبرت عند المؤرخين آنذاك اختراعا غير مسبوق في تدبير استخراج وتصريف مياه السقي


المهماز احد بقايا مكونات  السانية

ورغبة منا في الحصول على المزيد من المعلومات في الموضوع، اتجه فريق العمل إلى دوار "أولاد الغضبان" الذي يقع على بعد 12 كيلومترا من مدينة الجديدة على الطريق الساحلية المؤدية إلى الوليدية، وعند وصولنا كان اللقاء مع شيخ القبيلة السيد الكثيري عبد الله الذي اصطحبنا صوب السيد مصطفى بشاك ذو 58 عاما أحد العاملين في المجـال   

الفلاحي بالمنطقة وأحد المالكين للسانية قديما، وكان أول ما أفادنا به حديث يحمل علامات الأسف لاختفاء "السانية" التي أضحت أثرا بعد عين، حيث أحضر بعض بقاياها (المهماز ، واللوحة الرافعة)، وقد علل تخليه وتخلي باقي الفلاحين بالدوار عن "السانية" إلى التطور التكنولوجي، ودخول آلات حفر الآبار الجديدة إلى الديار، بالإضافة إلى استعمال محركات الديزال وربح الوقت ، بالإضافة إلى حاجة أجيال اليوم لزيادة المداخيل خاصة بعد تحول مساحات الحقول إلى أحجام أصغر بفعل موت الأجداد والتقسيم المستمر للأراضي، علاوة على غياب أي دعم من طرف الجهات المسؤولة على القطاع الفلاحي، وقد استحضر رفقة ابنة عمه السيدة "فاطمة بشاك" ذكريات زمان "البركة" على حد قوله، وأمدنا بصور شخصية له وهو يقوم بعملية استخراج الماء من البئر التي حفرت يدويا أيام "الناعورة" جاردا مكوناتها كـ: "الفران" و "الطارة" المسؤولان على الحركات الدائرية ، والدلاء القصديرية التي يصل عددها حوالي 30 دلوا، حمولة كل واحد منها خمسة لترات من الماء، دلاء تربط بواسطة حبال على "حزام" مزدوج، وتتم عملية استخراج الماء من أعماق البئر بعد عملية دوران لجمل أو حمار أو بغل تحجب عنه الرؤية، ليصب الماء بعدئد في "الجفنة" ويمر عبر قناة يطلق عليها اسم "السلوقية"، ومنه صوب صهريج كبير يسمى ب "الشاريج" وبعد ذلك نحو القطعة الأرضية الصغيرة المسماة ب "البلانشة" في نظام بديع لري الجزر والفجل والخرشف والقزبر والكرافس والنعناع وغيرها من المنتوجات الفلاحية.

وبخصوص كم المياه وجودتها في الآبار ذات المحركات التي عوضت عالم "السواني" اليوم، أكد السيد مصطفى بشاك انخفاض صبيبها نتيجة للاستهلاك غير المعقلن، وتحول عذوبتها إلى ملوحة (ماء صلوقي) مما يجعلها غير صالحة للشرب ومهددة للزراعات المتبقية التي تشكل المصدر الأساسي لعيش الساكنة بالدوار خاصة وأن هذه الآبار محاذية للشريط الساحلي للمحيط الأطلسي إذ لا تبعد عنه إلا بأمتار معدودات (حوالي 300 مترا).  


وبغية الوقوف على وجهة نظر مدبري الشأن المحلي في الموضوع توجهنا إلى مقر جماعة مولاي عبد الله حيث استقبلنا السيد الحاج الطاهر عبد الرحيم نائب الرئيس، وفي معرض حديثه مجيبا على تساؤلاتنا أكد بأن المنطقة أصبحت منطقة صناعية بالدرجة الأولى بتواجد مركبات الجرف الأصفر وجليك وسوناسيد وغيرها، وأشار إلى أن الاهتمام بقضية "الماء" بالشريط الساحلي هو أمر من اختصاص وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، وأضاف في نفس السياق أن ملوحة المياه وضعف الإنتاجية وتحول أنماط العيش والمكننة والرغبة في مداخيل قارة جعلت الكثير من الشباب يتوجه للعمل بفضاءات الوحدات الصناعية بالمنطقة.

واستجابة لإلحاح فريق العمل على ضرورة إحياء هذا الإرث الجميل، إرث تدبير ماء السقي بواسطة "السانية" باعتباره يشكل جزءا من هوية الدوار والمنطقة ككل، وباعتباره تراثا محليا بإمكانه بناء لبنة من لبنات السياحة القروية ، أكد السيد نائب المجلس القروي أنه سيطرح القضية

للنقاش في دورة المجلس القادمة في أفق إنشاء جمعية لمالكي السواني قديما، ودعمها ماديا ومعنويا والعمل بشراكة معها لإعادة الروح من جديد على الأقل لبعض من هذه السواني التي طالما لعبت أدوارا حاسمة في الحفاظ على الثروة المائية وحسن تدبيرها وتصريفها، إيمانا منه بأن الماء عصب الحياة ويشكل ينبوعا من ينابيع تحقيق التنمية البشرية المستدامة.

 

-----------------------------------------------------------------------------------------------

إنجاز تلاميذ الأولى باكالوريا علوم / مجموعة مدارس الملاك الأزرق الخاصة بالجديدة

في اطار المسابقة الوطنية لمباراة الصحفيين الشباب من أجل البيئة  

              


الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة