في الحاجة إلى الأندية السينمائية مدرسياً
في الحاجة إلى الأندية السينمائية مدرسياً

ظلت الأندية السينمائية لعقود من الزمن مدارس حقيقية لتخريج متذوقي الفن السابع في بلادنا،  فخرّجت متحرفيين حقيقيين في كل ما يتعلق بالسينما، من: مخرجين، وكتاب سيناريو، ونقّاد، ومنظمي مهرجات سينمائية وطنية ومحلية، ومقدمي برامج إذاعية وتلفزية وصحافيين متخصصين في الفني السينمائي.. مما أثرى الخزينة السينمائية لبلادنا بالعديد من الأفلام، وأنضج ثقافتنا النقدية السينمائية بنقاد كبار ، وفي المبتدأ والمنتهى مشاهدين على دراية واسعة بالسينما تعبيراً ومدراسَ واتجاهات وتقنيات حتى.

بلغت ظاهرة الأندية السينمائية ذروتها خلال سبعينيات القرن الماضي، والجميل فيها أنها كانت حركة وعيٍ سينمائي جمعوي بامتياز. نشطت في المدينة بكثافة، وتسربت إلى البادية أيضاً، فكانت حقاً سلوك مدنياً واعياً بدون حدود، استطاع توحيد عشاق الشاشة الفضية هنا وهناك، أيام كانت الانتاجات السينمائية نادرة، والمتاح منها يصعب الوصول إليه... اليوم صارت الانتاجات السينمائية العالمية أكثر من أن تعد، وازدهر إنتاجنا السينمائي كماً وكيفا،ً وباتت متاحاً للعشاق ... وبالمقابل تراجعت الأندية السينمائية واختفى منها الكثير، حتى أصبحت الثقافة السينمائية عملة نادرة.

قبل أيام خرجت المكتبة السينمائية بطنجة رفقة نقاد سينمائيين في جولة تحفيزية على المديريات الإقليمية للتربية التكوين تبحث عن إحياء مجد غابر للأندية السينمائية، فكانت اللقاءات التحفيزية التوعوية طيلة يومين لكل مديرية، والهدف المسطر كان خلق أندية سينمائية داخل المؤسسات التعليمية، فاستجاب بعض رجال ونساء التعليم ممن يرون في السينما أفضل وسيلة لتنمية السلوك المدني في صفوف المتعلمين، وتحبيب المؤسسة إلى نفوسهم الغضة.

حضرت الثانوية التأهيلية عقبة بن نافع، التابعة للمديرية الإقليمية للتربية والتكوين بالجديدة، لقاء المكتبة السينمائية لطنجة، وتحمست للفكرة كما تحمس الجميع. وعلى بركة الله انطلق العمل، فضرب المشرفون على ذلك الورش التربوي السينمائي موعداً لثلة من المتعلمين مساء الجمعة 2 مارس الجاري بعرض شريط سينمائي تربوي فرنسي يعرفه العديد من الذواقين، ويعرفون أثره على نفوس المتعلمين، إنه الفيلم السينمائي الفرنسي  «les choristes » أو الجوقة.

تدور أحداث الفلم في فرنسا سنة 1949، بعض سنوات من الحرب العالمية الثانية، وخروج فرنسا منها بخسائر كبيرة مادياً وبشرياً. قصة الفيلم تجسد واقع إحدى دور الأيتام، تلك التي احتضنت آلاف أبناء الجنود المتوفين في ساحات المعارك. لم يكن مدير  دار الأيتام التي تحمل اسم  "Fond de l’etang" يعرف من مناهج التعامل مع النشء سوى الشدة والجبروث، شعاره الأثير "فعل – رد فعل" الفعل من المتعلمين يقابله برد فعل لا يختلف كثيرا عن عقوبات السجون من المدير ومساعديه، حتى لو كان فعل المتعلمين خطأ بسيط. هنا يصل مؤلف موسيقي عجز عن إثبات ذاته في عالم الكبار، فيتقدم ليشغل وظيفة حارس عام للداخلية وفي نفس الوقت مدرس من طينة خاصة، أسلوبه معالجة انحرافات الفتيان بالموسيقى والتسامح وخاصة بالتنقيب في ذواتهم الصغيرة عن مواهب كبيرة، ليبدأ صراع المدرس مع المدير أولاً، ومع زملاء العمل ثانياً، ومع المتعلمين ثالثاً. كل معاركه كللت بالنجاح، فجمع حوله جوقة موسيقية متناغمة الأداء، جعلت من أولئك "المتعلمين الفاشلين" شعلة أمل، حرص بكل قواه أن تظل متقدة ووهاجة.

تفاعل متعلمو عقبة بن نافع بصدق مع مشاهد أقرانهم داخل الفيلم، فضحكوا من مقالب تلاميذ دار الأيتام في الفيلم، وتعاطفوا مع التلميذ المعاقب بدون سبب، كما تعاطفوا على المدرس المتميز، وأيقنوا أن التعليم رسالة سامية لا يؤديها، حق أدائها، إلا أصحاب النفوس السامية والهمم العالية، أما محترفو صناعة الخوف فدربهم قصير قصر هممهم.    


سعيد بنرحمون: البئر الجديد

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة