تحقيق: إقليم الجديدة الثاني وطنيا في وفيات الأشخاص ب''الجْهَلْ'' وبلدية الجديدة لا توفر اللقاح!
تحقيق: إقليم الجديدة الثاني وطنيا في وفيات الأشخاص ب''الجْهَلْ'' وبلدية الجديدة لا توفر اللقاح!

في مغرب الألفية الثالثة.. يحتل إقليم الجديدة مراكز جد متقدمة في الأمية وجحافل الأميين الذين لا يعرفون القراءة والكتابة، وفي عدد وفيات الأشخاص بسبب الإصابة بالسعار أو داء الكلب  المرض الفيروسي، الذي ينتقل من الحيوان إلى الإنسان (la rage humaine).

فنسبة الأمية بإقليم الجديدة زادت عن 50%، حسب الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2014. فيما يحتل الإقليم المرتبة الأولى بجهة الدارالبيضاء–سطات، والمرتبة الثانية على الصعيد الوطني في عدد وفيات الأشخاص بسبب داء الكلب، ب23 حالة وفاة خلال الفترة ما بين يناير 2000 وشتنبر 2017.

 

فالأمية والوفيات بسبب السعار، وارتفاع معدلاتها المسجلة، مؤشرات غير مشرفة، تنم بالواضح والملموس عن ضعف التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية، وعن حقيقة الخطابات والشعارات التي ترفعها السلطات، والمسؤولون الترابيون، والمنتخبون، والقائمون على الشأن العام، والتي يسعون من خلالها جادين وجاهدين إلى إظهار صورة "وردية"، هي في حقيقة الأمر مخالفة لحقيقة الواقع المعاش  في المغرب.

والجريدة بصدد إجراء آخر اللمسات على التحقيق الاستقصائي هذا، لقي طفل (12 سنة) من جماعة  "حد أولاد افرج"،  حتفه، ليلة أمس الأربعاء – الخميس 16 – 17 يناير 2019، جراء إصابته المحتملة بداء الكلب، بعد تعرضه، منذ حوالي شهر، لعضة كلب.

وتأتي هذه النازلة المأساوية التي اهتز على وقعها إقليم الجديدة، بعد مضي أزيد من سنة عن "الأيام الدراسية والتحسيسية  حول محاربة داء الكلب"، التي احتضنتها عمالة الجديدة، في ال28 وال29 شتنبر 2017؛ وتزامنا مع المؤتمر الوطني الرابع الذي تنظمه "الجمعية  المغربية لأطباء وقاية الصحة العامة والمحافظة على البيئة"، الجمعة – السبت 18 – 19 يناير 2018، بكلية الطب والصيدلة بالرباط، والذي من أهم محاوره "محاربة الكلاب الضالة".

هذا، فإن الوقائع والحقائق التي تعرضها الجريدة في "التحقيق الاستقصائي"، تدعو حقا للقلق، وتسائل بقوة المسؤولين، كل من موقع مسؤولياته وواجباته، بغية إيجاد حلول ناجعة واستعجالية.

1/ الأمية بإقليم الجديدة.. أرقام مهولة:

باتت دكالة، أرض العلم والعلماء.. التي أنجبت كبار رجالات الفكر والفقه والفلسفة والسياسة.. الذين بصموا التاريخ بعطاءاتهم.. من طينة أبي شعيب الدكالي، وعبد الله العروي.. "مرجعا مهينا" في الأمية وجحافل الأميين. هذا ما يستشف من خطاب معاذ الجامعي، المسؤول الترابي السابق، الذي تربع على إقليم الجديدة حوالي 7 سنوات، دون أن تشمله في حالة استثنائية، حركات الانتقالات والتعيينات التي همت الولات والعمال في جهات وأقاليم المملكة، والذي كان يتحدث في حفل رسمي إلى المسؤولين بالجهة الشرقية، التي عين عليها واليا،  شهر يونيو 2017، وأطلعهم في أول فرصة سانحة  أنه قدم من إقليم الجديدة،  حيث تزيد نسبة الأمية عن 50%، حسب ما تم التوثيق له  ب"الفيديو".

إن خطاب معاذ الجامعي، رغم كونه تضمن إشارة فيها إهانة لإقليم الجديدة ولساكنته، ولمنطقة دكالة التي كان المسؤول الترابي، ابن مدينة فاس، يتغنى  في المحافل والمناسبات تحت تصفيقات الرسميين وفعاليات المجتمع المدني بالجديدة، بكونه ينتسب إليها (دكالة)، يعكس على أرض الواقع حقيقة تفشي سرطان الأمية، وتناسل جيوش الأميين بالإقليم، الذي  تخضع لنفوذه الترابي 27 جماعة ترابية، منها 3 جماعات حضرية (الجديدة، أزمور، والبئر الجديد،)، و24 جماعة قروية.

هذا، فبعد أن انتقل عدد ساكنة إقليم الجديدة، حسب الإحصاءين العامين للسكان والسكنى لسنتي 2004 و2014،  من 662961 نسمة إلى  786716 نسمة (بزيادة 123755 نسمة)، مازالت نسبة الأمية بالإقليم، بالنسبة للجنسين، الذكور والإناث من سن 10 سنوات وما فوق، "غير مشرفة".

ووفق معطيات موثقة علاقة بالإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2014، فقد بلغت نسبة الأمية بإقليم الجديدة، 51.1% في الوسط القروي، الذي وصلت ساكنته 474441 نسمة (60.30 من عموم سكان الإقليم)،  أي أن  242439 نسمة لا يعرفون القراءة والكتابة. فيما بلغت نسبة الأمية  20% في الوسط الحضري، الذي وصلت ساكنته 312275 نسمة،  أي أن  62455  نسمة  أميون.

وتبعا لذلك،  فإن عدد الأميين في الوسطين القروي والحضري بالإقليم، قد بلغ 304894 نسمة، من أصل عدد السكان الذي حدده الإحصاء العام لسنة 2014، في 786716 نسمة. وقد شكلت نسبة الأمية عند النساء 63.9%، أي أن 146886 امرأة لا يعرفن القراءة والكتابة.

الأمية + الجهل.. النتيجة الحتمية:

إن ظاهرة استفحال آفة الأمية وتكاثر جحافل الأميين، ينجم عنها حتما تفشي الجهل. والطامة الكبرى أن يجتمع الأمية والجهل وانعدام الوعي، سيما في ظل سلبية السلطات والمتدخلين والمسؤولين الترابيين، وعدم تفعيل اختصاصاتهم وصلاحياتهم، وخاصة فيما يتعلق بحماية الصحة والبيئة والنظافة؛ وانتشار بعض الخرافات والمعتقدات؛ وغياب حملات التحسيس والتوعية، وعدم قيام هيئات المجتمع المدني بالأدوار المنوطة بها. ما يؤثر سلبا على نمط الحياة وعيش الساكنة. ولعل هذا ما يفسر ويبرر ارتفاع عدد الوفيات لدى الأشخاص في المغرب بسبب داء الكلب، والتي بلغت 365 حالة وفاة، في الفترة ما بين سنتي 2000  و2017، أي ما يعادل 20 وفاة في السنة، حسب إحصائيات وزارة الصحة.

2/ الاستراتيجية الوطنية لمحاربة السعار:

تعريف "السعار":

السعار أو داء الكلب، مرض فيروسي يسبب التهاب حاد في الدماغ، ويصيب الحيوانات ذات الدم الحار. وهو بطبيعته مرض حيواني المنشأ، ما يعني أنه ينتقل من فصيلة إلى أخرى، من الكلب إلى الإنسان مثلاً، وغالباً ما يكون ذلك عن طريق عضة من الحيوان الحامل لداء الكلب. فهو يصيب الجهاز العصبي المركزي، ما يؤدي إلى إصابة الدماغ بالمرض، ثم الوفاة.

ففور ظهور أعرض الإصابة عند الإنسان، ذكرا كان أم أنثى، ومن مختلف الأعمار، فإن المرض الفيروسي يفضي إلى الموت،  إلا في حالة تلقي الوقاية اللازمة في الوقت المناسب، والتي تكمن في اللقاح ضد داء الكلب (vaccin antirabique).

ينتقل فيروس السعار إلى الدماغ عبر الأعصاب المحيطية، وغالباً ما تستغرق فترة حضانة المرض وقتا طويلا، حسب مسافة وصول الفيروس إلى الجهاز العصبي المركزي، والذي بمجرد وصوله إليه (الجهاز العصبي المركزي)، تبدأ الأعراض بالظهور، ولا يمكن معالجة العدوى، التي غالبا  ما تؤدي إلى الوفاة في بضعة أيام.

وتتجلى الأعراض المبكرة لداء الكلب في  الشعور بالضيق، والصداع والحمى التي تزداد حدة، لتتحول إلى ألم حاد، وفي حركات عنيفة وتهيّج لاإرادي، والاكتئاب، ورهاب الماء أو الكلب، والقصور في التنفس. وفي النهاية، تنتاب المريض نوبات من الجنون والخمول. ما يسفر عن الغيبوبة.

الاستراتيجية الوطنية:

65000 شخصا تعرضوا، سنة 2016، لعضات حيوانات بالمغرب. وقد خضع 200 ألف حيوان أليف (الكلاب) لعملية التلقيح من قبل الأطباء البياطرة، وصرفت الدولة 40 مليون درهم للتكفل بالعلاج والتلقيح، سواء أكانت تلك الحيوانات حاملة أو  غير حالمة لداء الكلب،  وذلك من باب الحيطة  والاحتياط، لكون جل العضات تكون ناجمة عن حيوانات مجهولة أو غير ملقحة.

 وقد بلغ معدل الوفيات لدى الأشخاص المصابين بداء الكلب بالمغرب، 365 حالة وفاة في الفترة ما بين سنتي 2000 و2017 (بمعدل حوالي 22 حالة وفاة سنويا)،  ورسميا، بمعدل 20 حالة وفاة في السنة، حسب الإحصائيات الرسمية.

وتأتي عضات الكلاب في المقدمة ب94%، ثم القطط ب5%، و1% (خيول وفئران..). وبالنسبة للجنس، فقد شكل الذكور 82% من نسبة الوفيات؛ وبالنسبة للفئات العمرية، فإن 143 حالة وفاة سجلت عند الأطفال دون 15 سنة. ويحتل العالم القروي المرتبة الأولى في الوفيات بنسبة 77%.

هذا، واعتمدت الدولة المغربية استراتيجية وطنية، الغاية منها الحد على المدى القريب من داء الكلب، وعلى المدى البعيد، القضاء عليه نهائيا، بالوصول إلى صفر (00) حالة إصابة. وهي استراتيجية انخرطت فيها  وزارة الداخلية، والجماعات الترابية، ووزارة الصحة، ووزارة الفلاحة (..). إلا أن هذه الاستراتيجية تبقى نجاعتها في التصدي لآفة المرض الفيروسي جد محدودة،  لعوامل منها:  عدم انخراط بعض الجماعات الترابية في هذه الاستراتيجية؛ وعدم تفعيلها للاختصاصات والصلاحيات الموكولة إليها بموجب القانون التنظيمي رقم: 113.14، المتعلق بالجماعات، وخاصة فيما يهم الصحة والنظافة والبيئة؛ وعدم الإلمام بداء الكلب وخطورته، وبالأساليب الوقائية التي يجب اتباعها، سيما في غياب مكاتب جماعية لحفظ الصحة والنظافة العموميتين، وعدم التوفر على أطباء وأطباء بيطريين، وتقنيين في حفظ الصحة والنظافة (..)؛ وغياب التكوينات المستمرة لفائدة المتدخلين، والحملات التحسيسية التي تستهدف المواطنين، من خلال تنظيم لقاءات تواصلية، وتقديم وتنشيط برامج على التلفزة والراديو، وفي المساجد (خطبة الجمعة..)، وفي المؤسسات التربوية، وإدراج مواد في المقررات التعليمية لوزارة التربية الوطنية؛  وعدم رسم خريطة لتتبع المرض الفيروسي، وعدم مراقبة الكلاب الملقحة وغير الملقحة، وغياب إحصائيات حقيقية تعكس واقع داء الكلب وانتشاره في المغرب (..).

الوفيات بالجهة.. أرقام مخيفة!:

أحدثت جهة الدارالبيضاء–سطات  بموجب الجهوية المتقدمة، التي دخلت حيز التنفيذ سنة 2015. فهذه الجهة التي تعتبر القطب الاقتصادي الأول بالمغرب، بلغت ساكنتها 6 ملايين و861739 نسمة، حسب الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2014، بعد أن أصبح نفوذها الترابي يغطي، حسب التقسيمات الإدارية، 16 عمالة وعمالة مقاطعة وعمالة إقليم، منها عمالات أقاليم مديونة، النواصر، الجديدة، سيدي بنور، المحمدية، بنسليمان، سطات، وبرشيد.

وعلاقة بوفيات الأشخاص بداء الكلب، تبوأت جهة الدار البيضاء–سطات الصدارة،  باحتلالها المركز الأول على الصعيد الوطني، ب82 حالة وفاة في الفترة ما بين سنتي 2000  و2017. واحتل إقليم الجديدة المركز الأول بهذه الجهة، ب23 حالة وفاة خلال الفترة المحددة،  ما يفوق ربع  (¼) الإصابات المسجلة بجهة الدار البيضاء–سطات. وبالجهة ذاتها، يأتي إقليم سطات في المركز الثالث وطنيا، ب22 حالة وفاة.

وبالمناسبة، فإن إقليمي الجديدة وسطات التابعين لجهة الدارالبيضاء–سطات، قد سجلا معا، في الفترة المحددة (ما بين سنتي 2000 و2017)، 55 حالة وفاة لدى الأشخاص المصابين بداء الكلب، أي ما يزيد بكثير عن نصف الحالات المسجلة في جهة الدارالبيضاء–سطات، والتي بلغت 82 حالة وفاة؛ وما يعادل عدد الوفيات المسجلة بجهة الرباط–سلا–القنيطرة (55 حالة وفاة). وهذا ما جعل هطه الجهة الفتية، جهة الدارالبيضاء–سطات، التي مركزها العاصمة الاقتصادية الدارالبيضاء،  تنتزع بدون منافس المركز الأول على الصعيد الوطني.

وتأتي جهة الرباط–سلا–القنيطرة، ومركزها العاصمة الإدارية الرباط، في المرتبة الثانية وطنيا ب55 حالة وفاة، منها 25 حالة وفاة بإقليم القنيطرة، و16 حالة وفاة بإقليم سيدي قاسم. ما يجعل إقليم القنيطرة يحتل المركز الأول وطنيا.

وتحتل جهة مراكش–آسفي المركز الثالث وطنيا ب49 حالة وفاة؛ وجهة سوس–ماسة المركز الرابع وطنيا ب41 حالة وفاة؛ وجهة فاس–مكناس المركز الخامس وطنيا ب35 حالة وفاة.

الجديدة.. واقع يدعو للقلق:

بعد أن خرج من رحمه إقليم سيدي بنور، واستقل ترابيا سنة 2009،  أصبح إقليم الجديدة يضم فقط 27 جماعة ترابية، منها 3 جماعات حضرية، وهي بلديات الجديدة وأزمور والبئر الجديد، و24 جماعة قروية. وفي السنة ذاتها، عرفت عاصمة دكالة توسعا عمرانيا وترابيا، وكثافة سكانية، بعد أن بات مدارها الحضري يغطي حوالي 10 دواوير وتجمعات سكنية عشوائية، منها دواوير الطجين، الغربة، الرقيبات، الغنادرة، المسيرة (..).

وبعد انفصاله عما كان يعرف بجهة دكالة–عبدة، أصبح إقليم الجديدة يخضع للنفوذ الترابي لجهة الدارالبيضاء–سطات، المحدثة بموجب الجهوية المتقدمة، التي تم تفعيلها سنة 2015.

هذا، وأضحت عاصمة دكالة عبارة عن سوق قروي، طيلة أيام الأسبوع، بعد أن تنامت الهجرة القروية، واحتل الباعة المتجولون و"الفراشة" الملك العمومي، شوارع المدينة وساحاتها وأرصفتها.. التي باتت تغطيها الخيم و"العشاش"، وتعرف انتشار الأزبال، والعربات المدفوعة والمجرورة بالدواب. وحتى الشاطئ الرملي للجديدة، أصبح مرتعا تتعايش فيه الحيوانات (الخيول والجمال..) مع الزوار والمصطافين، في مشهد صار مألوفا.

وباستثناء بعض الحملات المناسباتية، أو التي تفرضها الظرفية، فإن السلطات بالجديدة والإقليم لا تخضع الأماكن العمومية والتجارية والخدماتية، للمراقبة، من مجازر الذبيحة التي تنعدم فيها شروط النظافة والصحة، ومطارح النفايات غير المسيجة،  ومحلات وعربات الماكولات السريعة. ما سمح للكلاب العيش في بيئة توفر لها ظروف الراحة والتناسل والتكاثر الطبيعي والعددي (la prolifération).. حتى أن موظفة علقت على الوضع المقلق، بكونها تخشى التنقل للقيام بمهامها الميدانية، مشيا على قدميها بمدينة الجديدة، خوفا ليس فقط من الاعتداءات الإجرامية، وإنما أيضا من اعتداءات الكلاب الضالة.. التي تمشي على "أربعة قوائم".

إلى ذلك، فإن  حملة الإبادة في حق الكلاب الضالة بعاصمة دكالة، التي تشنها بين الفينة والأخرى، السلطات المحلية.. لم ولا تجدي نفعا، وهي جد مكلفة من حيث المصاريف المالية والطاقات البشرية.. وهي أشبه ما يكون بحرب "دون كيشوت على مطاحن الهوى!". فالمتوخى إيجاد حل ناجع، يضمن القضاء على داء الكلب، والمحافظة على الكلاب.. فهي حيوانات لها الحق في الحياة، كسائر الكائنات الحية. حيث إن القضاء على الكلاب، ستكون له انعكاسات غير مرغوب فيها، لكونها تندرج في ما يعرف ب(la lutte intégrée)، وتحافظ من ثمة على التوازن في الطبيعة.

وضع داء الكلب.. بإقليم الجديدة:

حسب المصلحة البيطرية الإقليمية، التابعة للمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية بالجديدة (SVP/ONSSA)، فإن حملة التلقيح  التي نظمتها  برسم سنة 2018، همت تلقيح 103 كلب ضد داء الكلب، بتراب إقليم الجديدة، وتوجيه 124 شخصا على المراكز الصحية (centres antirabiques)، لتلقي اللقاح اللازم.

وقد تعذر على الجريدة معرفة الإحصائيات الخاصة بتلقيح الكلاب، التي تخص 27 طبيبا بيطريا خاصا بالإقليم.

هذا، فإن المتدخلين من المصلحة البيطرية الإقليمية، ينتقلون فور علمهم أو إشعارهم من قبل السلطات  بوجود حالة الاشتباه في إصابة حيوان بداء الكلب، إلى مكان تواجده، بغية اتخاذ التدابير الاحترازية الضرورية، وأخذ الحيوان ووضعه تحت الملاحظة؛ فإن كان كلبا أو قطا، فلمدة 15 يوما، وإن كان عاشبا (herbivore)، فلمدة 3 أشهر، لتتبع وضعه الصحي.

إلى ذلك، وحسب مسؤول صحي، فإن "كل عضة كلب تعرض لداء السعار الذي يقتل"، وعليه، يلزم على الشخص الذي يكون تعرض لعضة حيوان يحتمل أنه حامل لداء الكلب، أو في حال عدم تحديد هوية الحيوان الذي عضه، وعدم معرفة ما إذا كان "جاهل"، (يلزم عليه) أن يلتحق فورا بالوحدة الصحية المختصة، لتلقي التلقيح المضاد لداء الكلب، الموزع على "4 فلاكونات"، بتكلفة قيمتها 650 درهم، وذلك على ثلاثة مراحل: ففي المرحلة الأولى، أي في اليوم الأول (j0)، يتلقى في الآن ذاته حقنتين من اللقاح بكميتين متساويتين (0.5 cc) و(0.5 cc)، في ذراعيه اليمنى واليسرى؛  وفي المرحلة الثانية، أي في اليوم السابع (j7)، يتلقى في إحدى ذراعيه الحقنة الثانية من اللقاح بكمية (0.5 cc)،  وفي المرحلة الثالثة، أي في اليوم الواحد والعشرين (j21)، يتلقى  في إحدى ذراعيه الحقنة الثالثة والأخيرة، وبالكمية ذاتها (0.5 cc).

إلى ذلك، فإن 1078 شخصا تعرضوا بإقليم الجديدة لعضات حيوانات (كلاب – قطط – خيول – فئران..)، حاملة أو مشتبه في إصابتها بالسعار، قد تلقوا 4194 تلقيحا مضادا لداء الكلب (4 حقنات من التلقيح للشخص الواحد)، خلال الفترة ما بين يناير وشتنبر 2018 (9 أشهر)، في 11 مركزا صحيا (centres antirabiques)، تابعا للمندوبية الإقليمية لوزارة الصحة.

وحسب الجنس، فقد استفاد من التلقيح 519 شخصا من الذكور، و221 من الإناث، فيما استفاد من التلقيح، حسب الفئة العمرية، 145 طفلا دون سن السابعة، و193 طفلا تزيد أعمارهم عن 7 سنوات.

وبالنسبة للشخص الذي لم يتلق لسبب أو آخر اللقاح المضاد، والذي تبدأ أعراض الإصابة في الظهور عليه، فإنه يؤخذ إلى مصلحة الأمراض التعفنية بمستشفى ابن رشد (موريزكو) بالدارالبيضاء، حيث يتم عزله في غرفة مظلمة (mise en quarantaine)، بعيدا عن الضوء والماء، اللذين يبدي إزاءهما حساسية كبيرة، ويتم مده بمادة دوائية مسكنة، إلى أن يقضي نحبه في ظروف إنسانية، تكون أشبه بالموت الرحيم (l’euthanasie).

ومن التدابير الاحترازية التي تتخذها السلطات بإقليم الجديدة، بمجرد توصلها بتصريح بالوفاة من إدارة مستشفى ابن رشد،  تشكيل لجنة إقليمية مختلطة، تنتقل فورا إلى مسكن الشخص المتوفى نتيجة الإصابة بداء الكلب، أكان في المجال القروي أو الحضري، للبحث عن الحيوان الذي عرض الضحية للعضة المعدية؛ والتأكد عما إذا كان ثمة ضحايا آخرين محتملين، قد يكون الحيوان "الجاهل" عضهم بدورهم، أو دخلوا في تعايش أو احتكاك معه.. لكن غالبا ما يكون الحيوان قد مات بسب الإصابة، أو قام السكان والأهالي بقتله.

 وسقطت خرافة "المعاشات":

من المعيقات التي تحول دون القضاء على داء الكلب، انتشار بعض الخرافات، من قبيل إمكانية التشافي على يد "المعاشات".. حيث يؤخذ الشخص الذي تعرض لعضة الكلب، إلى "المعاشات" الذين يحتفظون به لفترة طويلة، وفق طقوس خاصة، إلى أن يتشافى من المرض الفيروسي. وحقيقة الأمر أن  الشخص يكون كتب له عمر طويل، لكون الكلب الذي عضه، لم يكن يحمل من باب الصدفة وبكل بساطة، داء الكلب.

والغريب أن شخصا ممن ينتسبون إلى "المعاشات"، الذين يظهرون قدراتهم الخارقة على العلاج من السعار، أصيب، سنة 1994 أو 1995، بداء الكلب، ولم يتلق على إثر ذلك العلاج اللازم.. حيث لم ينتقل إلى المركز الحصي "سيدي يحي" بالجديدة، إلا بعد أن بدأت تظهر عليه أعراض الإصابة. إذ تم أخذه إلى مستشفى ابن رشد بالدارالبيضاء، حيث تم الاحتفاظ به داخل مصلحة الأمراض التعفنية، إلى أن فارق الحياة. وكما يقول المثل العامي: "كون كان الخوخ يدوي، كون داوى راسو!".

 جماعات ترابية لا يحتدى بها:

ثمة جماعات ترابية بإقليم الجديدة لا تفعل اختصاصاتها وصلاحياتها التي نص عليها القانون التنظيمي رقم: 113.14، المتعلق بالجماعات، سيما التي تهم الصحة والبيئة والنظافة، بدليل أن جل الجماعات الترابية بالإقليم البالغ عددها 27 جماعة، لا تتوفر على مكاتب جماعية لحفظ الصحة، ولا على أطباء، وأطباء بيطريين، وتقنيين غي الصحة والنظافة، في حين أن منها جماعات تسمح لنفسها باقتناء سيارات خدمة فاهرة "آخر صيحة"، وبتوظيف أطر جماعية عليا، تكلف أجورا باهضة.  

وبالمناسبة، فإن الجماعة الترابية "مولاي عبد الله" بإقليم الجديدة، التي يشرف على تدبير الشأن العام المحلي فيها دكتور في الصيدلة، مولاي المهدي الفاطمي،  من الجماعات القلائل، على رؤوس الأصابع بالإقليم، التي تفعل اختصاصاتها وصلاحياتها، وآلياتها الإدارية والقانونية، في ما يتعلق بحماية الأمن الصحي للمواطنين.

فجماعة "مولاي عبد الله" هي الجماعة القروية الوحيدة بالإقليم، التي تتوفر، إلى جانب ثلاث جماعات حضرية، وهي بلديات الجديدة وأزمور والبئر الجديد، على مكاتب جماعية لحفظ الصحة (BCH)، يشرف عليها أطباء. وقد قامت جماعة "مولاي عبد الله" باقتناء ما يكفي من لقاح مضاد لداء الكلب، لفائدة ساكنتها التي تبلغ 74671 نسمة، حسب الإحصاء العام للسكان والسكتى لسنة 2014.

وقد سجل المكتب الجماعي لحفظ الصحة لجماعة "مولاي عبد الله" فائضا برسم سنة 2017، بلغ  889 "دوز" من اللقاح المضاد للسعار، تمت إعادة برمجة استعماله للسنة الموالية، إلى جانب اقتناء 445 لقاحا جديدا، برسم سنة 2018، التي تلقى خلالها اللقاح 144 مواطنا من الجماعة الترابية ذاتها.

وبجماعة "مولاي عبد الله"، فإن المكتب الجماعي لحفظ الصحة، الذي ترأسه الدكتورة سميرة بوزيد، يسهر علاقة بتنظيم الصحة والنظافة العموميتين، على حماية الصحة والمحافظة على النظافة والبيئة. ومن المهام الموكولة إليه، والتي يترجمها على أرض الواقع، حفظ صحة السكن والوسط والبيئة، وحفظ النظافة بالسكن، وحفظ الصحة والنظافة  بالمحلات العامة، وحفظ صحة المواد الغذائية المعدة لاستهلاك الإنسان، وحفظ صحة الحيوانات والمواد الحيوانية.

وقد تعبأ المكتب الجماعي بطاقاته البشرية وموارده المادية وإمكانياته اللوجستيكية، لمراقبة الكلاب.. وتتبع داء الكلب، وحالات الأشخاص المعضوضين، وإخضاعهم للعلاجات والتلقيحات الضرورية. وهو يجري التدخلات الميدانية بشكل استباقي، وأثناء الحالات الطارئة. كل ذلك جعل من المكتب الجماعي لحفظ الصحة والنظافة العموميتين بجماعة مولاي عبد الله،  مرجعا يحتدى به إقليميا وجهويا ووطنيا في حماية صحة المواطنين، وأمنهم الغذائي، والمحافظة على البيئة والنظافة.

بلدية الجديدة.. اللقاح المفقود:

في إطار الخدمات الصحية التي تقدمها لساكنة إقليم الجديدة، البالغة 786716 نسمة، حسب الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2014؛  و820104 نسمة، حسب التوقعات لسنة 2018،  عبأت المندوبية الإقليمية لوزارة الصحة بالجديدة، 11 وحدة صحية بمنطقة نفوذها الترابي، لتخزين اللقاحات المضادة لداء الكلب، التي تقتنيها الجماعات الترابية بالإقليم، ولإخضاع ساكنتها للقاح، في حالة تعرضهم لعضات حيوانات، تحتمل إصابتها بالسعار،  من ضمنها المركز الصحي "سيدي يحي" بمدينة الجديدة. لكن المواطن المقيم في عاصمة دكالة (المدار الحضري)، والذي يتعرض لعضة حيوان، يتفاجأ بعدم وجود اللقح المضاد لداء الكلب، عند إحالته على المكتب البلدي لحفظ الصحة (BMH)، التابع للجماعة الحضرية للجديدة، والذي اتخذ مقرا له من بناية مستودع حفظ الأموات الإقليمي، غير المشغل منذ تشييده سنة 1990، والتي تآكلت صباغة جدرانها بفعل عوامل التعرية (التساقطات المطرية..)، وأصبح لونها شبيها بلون الإسمنت الذي بنيت به،  وتكسر زجاج نوافذها المطلة على الشارع.. جراء الإهمال وغياب الصيانة. مقر غير مميز، ولا يحمل بالمناسبة على واجهته الأمامية لوحة أو  علامة تشير  سواء إلى كونه إدارة جماعية، أو إلى طبيعة مهامها.

وبالمناسبة، فقد عاش المواطن (ي.) تجربة مريرة، عندما التحق، الأربعاء 3 يناير 2019، بالمركز الصحي "سيدي يحي"، والمكتب البلدي لحفظ الصحة بالجديدة، حيث طلب منه الانتقال إلى معهد باستور بالدارالبيضاء، لتلقي اللقاح المضاد لداء الكلب، الذي يكلف 650 درهم، ناهيك عن مصاريف وعناء التنقل ذهابا وإيابا، لثلاث مرات، إلى العاصمة الاقتصادية.

هذا، فإن الجماعة الحضرية للجديدة التي تبلغ ساكنتها 194934 نسمة، حسب الإحصاء العام للسكان والسكنى لسة 2014، و217512 نسمة، حسب التوقعات لسنة 2018، تشكل الاستثناء مقارنة مع باقي الجماعات الترابية بالإقليم، بما فيها جماعات مولاي عبد الله، الحوزية، سيدي عابد، أولاد عيسى، وأولاد احسين، التي تخزن وتجري جميعها العلاج والتلقيح لفائدة ساكنتها، في الوحدة الصحية ذاتها، المركز الصحي "سيدي يحي".

وبالمناسبة، فإن كل جماعة ترابية بإقليم الجديدة، تقتني من ميزانيتها الجماعية الخاصة، وبشكل مستقل عن باقي الجماعات الترابية، من معهد باستور بالدارالبيضاء، حصتها (dotation) من اللقاح المضاد لداء الكلب، الذي يستفيد منه خصيصا سكان الجماعة الترابية، بعد الإدلاء ببياناتهم الشخصية، وفي مقدمتها عنوان سكناهم أو ما يفيد ذلك (بطاقة التعريف الوطنية –  شهادة السكنى..).

ففي الوقت الذي تتوفر وتوفر فيه الجماعات الحضرية والقروية بإقليم الجديدة، حصتها واحتياجاتها  من اللقاح، الكافية لعلاج وتلقيح ساكنتها، خلال السنة، فإن الجماعة الحضرية للجديدة تعاني عجزا ضخما متكررا (énorme déficit répétitif).  فاللقاح لم يعد متوفرا لدى المكتب البلدي لحفظ الصحة بالجديدة، وذلك على التوالي، منذ شهر شتنبر 2017، وإلى غاية شهر يناير 2018 (4 أشهر)، ومنذ شهر يوليوز 2018، وإلى غاية شهر يناير 2019 (أزيد من 6 أشهر). وقد استمر عدم توفر اللقاح بجماعة الجديدة، تقريبا طيلة الأسبوعين الأولين من شهر يناير 2019. حيث لم تقتن البلدية حصتها من لقاح داء الكلب من معهد باستور، إلا يوم الاثنين 14 يناير الجاري.

وقد بلغ العجز المسجل لدى بلدية الجديدة برسم سنتي 2017 و2018، (– 1503)،  أي أن 376 مواطنا عضتهم حيوانات، تحتمل إصابتها بداء الكلب، كادوا أن لا يخضعوا للقاح المضاد، ما كان سيعرض حتما  حياتهم للخطر، لو أن المركز الصحي "سيدي يحي" لم يتدبر الأمر بالسرعة والنجاعة  المطلوبتين، لاعتبارات صحية وإنسانية وأخلاقية، وكذلك قانونية.

هذا، فإن المواطن، ضحية عضة حيوان، لا تعنيه المساطر الإدارية والجماعية المتبعة، إذ أن ما يهمه هو ضمان أمنه الصحي، وحقه في التطبيب وتوفير العلاج.. اللقاح المضاد لداء الكلب. سيقول بعضهم أن التوقعات لا يمكن ضبطها ومعرفة مسبقا عدد الأشخاص الذين سيتعرضون في السنة، لعضات حيوانات. فإن كان الأمر كذلك، فلماذا العجز لم يسجل عند باقي الجماعات الترابية بإقليم الجديدة..؟! ولماذا العجز ينحصر تحديدا عند بلدية  الجديدة، وللمرة الثانية على التوالي، سنة 2017 ثم سنة 2018..؟!

قد يرد بعضهم بكون سبب العجز يكمن في كون بلدية الجديدة لم تعتمد  "الصفقةالإطار"، عند اقتناء اللقاح المضاد لداء الكلب. وهذا أيضا مردود عليه... فإن كان "سند الطلب" الذي اعتمدته جماعة الجديدة، قد أبان عن عدم نجاعته، فلماذا ظلت تعتمده طيلة السنوات الماضية، وحتى في سنة 2018، سيما أن تسجيل العجز لسنة 2017، الذي حدد في (– 1400)، كانت بدايته شهر شتنبر 2017، وتواصل طيلة 4 أشهر..؟!

رئيس بلدية الجديدة يتساءل:

على ضوء الوضع الخطير والمقلق على إثر عدم توفر اللقاح المضاد لداء الكلب، الذي من المفترض والمفروض أن يوفره المكتب البلدي لحفظ الصحة بالجديدة، كان للجريدة، الجمعة 4 يناتير 2018، اتصال هاتفي بجمال بن ربيعة، رئيس الجماعة الحضرية للجديدة، للاستفسار ومحاولة الحصول على أجوبة شافية ومقنعة. لكن رئيس المجلس الجماعي لعاصمة دكالة تقاسم مع الجريدة الاستغراب، بعد أن تساءل عن الطريقة التي نفذت بها سريعا حصة مدينة الجديدة من اللقاح، التي صرح بأن البلدية خصصت لاقتنائها اعتمادات مالية تزيد عن 200000 درهم.

التحسيس.. الحق في "المعلومة":

إن بعض الجماعات الترابية بإقليم الجديدة، ليس فقط لا تفعل اختصاصاتها وصلاحياتها، التي ينص عليها القانون التنظيمي رقم: 113.14، المتعلق بالجماعات، وإنما لا تنخرط في التحسيس والتوعية، وفي إطلاع الرأي العام والمتتبعين للشأن العام، وعموم المواطنين، بأنشطتها الجماعية، وبأشغال دوراتها العادية والاستثنائية، وبالقرارات والمقررات التي تتخذها (..)، لعدم توفرها على "سيت ويب" (site web)،  وذلك على خلاف الجماعات الترابية في باقي جهات المغرب، الحضرية منها، كجماعات العيون، مكناس، فاس، مراكش، القنيطرة، سلا.. وحتى الجماعات القروية، كجماعة "ترميكت" بإقليم ورززات (جهة درعةتافيلالت). حيث إن بعض رؤساء المجالس الجماعية بإقليم الجديدة، يروجون لصفحاتهم الفايسبوكية الخاصة، التي تحمل صورهم وبياناتهم الشخصية، وينشرون عليها أخبارا رسمية تهم تدبير الشأن العام.  

ومن جهة أخرى، فإذا كان الفصل 27 من الدستور يخول للمواطنات والمواطنين حق الحصول على المعلومات، الموجودة في حوزة الإدارة العمومية، والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام، فإن ذلك يبقى بعمالة الجديدة، مجرد حبر على ورق. حيث إن رئيس قسم الشؤون الاقتصادية والتنسيق (سعيد الزرق)، يمتنع عن التواصل مع رجال الصحافة والإعلام ضاربا بذلك عرض الحائط خطابات وشعارات الانفتاح والتواصل مع مكونات المجتمع، التي يرفعها محمد الكروج، عامل إقليم الجديدة.

هذا، وفي إطار التحقيق الاستقصائي هذا، وسعيا إلى المساهمة في التحسيس والتوعية، كان للجريدة اتصال برئيس قسم الشؤون الاقتصادية والتنسيق (سعيد الزرق).. لكنه امتنع  عن تقديم أية معلومة تحت مبررات واهية وغير واقعية.

وبالمناسبة، فإن عمالة الجديدة اهتزت، الجمعة 12 أكتوبر 2018، على وقع محاولة إقدام  مواطن على حرق نفسه بالبنزين، بعد أن يئس في الحصول على رخصة الثقة، التي كان تقدم بشأنها، سنة 2015، بطلب إلى قسم الشؤون الاقتصادية والتنسيق، الذي يشرف على تدبيره (سعيد الزرق). وهو الطلب الذي ظل يراوح مكانه، دون البث أو الحسم فيه، سواء بقبوله أو رفضه.. وهي النازلة التي يمكن، لكل غاية مفيدة، ولمن يهمه أو يهمه الأمر، الرجوع إلى تفاصيلها من خلال المقال الصحفي الذي نشرته الجريدة  تحت عنوان: "مواطن يحاول حرق نفسه بالبنزين بعمالة الجديدة.. لعدم تمكينه من رخصة ثقة"، وذلك عبر محرك البحث الإلكتروني (Google).

الحق في الحياة والتطبيب والعلاج:

أجمعت الكتب السماوية والأديان والقوانين الوضعية، على الحق في الحياة. فالفصل 20 من دستور المملكة نص على أن "الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان. ويحمي القانون هذا الحق.".

وقد نص الفصل 31 من الدستور عما يلي: "تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين على قدم المساواة، من الحق في: العلاج والعناية الصحية، والحماية الاجتماعية والتغطية الصحية.". وهذا ما يتماشى مع روح القانون الجنائي الذي كان صريحا في تجريم عدم إسعاف شخص في خطر.

وحتى الحيوانات في العالم المتحضر، تحظى بالحق في الحياة وفي العيش الكريم، ومن أجلها أنشئت مؤسسات وجمعيات للرفق بالحيوانات، وكرس كبار المثقفين والفنانين.. حياتهم، أمثال الممثلة الفرنسية الشهيرة (بريجيت باردو)، التي اعتزلت، سنة 1974، عالم الأضواء، للدفاع عن حقوق الحيوانات، وانخرطت، سنة 1987، في جمعية عالمية تدافع عن الحيوانات، وأصبحت قدوة لفنانين آخرين، تأثروا بأسلوبها، مثل (كايلي مينوغ)، (مادونا)، (ماريا كاري)، و(ريانا).  

وحتى في تركيا، فإن الكلاب الشاردة  تحظى بالعناية الفائقة، حيث تعيش وتتعايش في مجموعات، في منطقة تراب بلدية من البلديات، التي تعتبر مسؤولة عنها وعن إطعامها (..)، وهي مزودة بجهاز تعقب (GPS)، يوضع في أذن كل كلب، في حال فقدانه أو حمايته من الضياع. ويتعرض كل من يعتدي على الكلاب للملاحقة القضائية، وإدانته بالحبس.

بغية القضاء على داء الكلب، تعمد السلطات في تركيا إلى تلقيح الكلاب الشاردة، وخصيها (la castration)، للحد من تناسلها وتكاثرها.

وعليه، فإن السؤال العريض الذي يتبادر بكل بتلقائية إلى عقل كل مغربي غيور على وطنه، وعلى سلامة أبناء جلدته، وأمنهم الصحي، هو:

إذا كان "السعار ممكنا تفاديه 100%"، فماذا فعلت السلطات لوقف نزيف وفيات الإنسان بسبب "الجهل" في المغرب، مغرب الألفية الثالثة.. ؟!

فإذا كانت الحكومة ضمنت في وقت قياسي وبسرعة الضوء،  "الأمن الطاقي" للمغاربة، بعد تثبيت ساعة في التوقيت الرسمي (غرينيتش+1)، وتمديد فترة الظلام، فلماذا لم تستطع ضمان "أمنهم الصحي".. ؟!

وماذا فعلت السلطات والمتدخلون، وعامل صاحب الجلالة على إقليم الجديدة، وممثل الحكومة، والمنسق بين القطاعات الإدارية والحكومية بالإقليم، لوقف نزيف الوفيات بإقليم الجديدة، الذي حطم الرقم القياسي وطنيا في عدد وفيات الأشخاص المصابين بداء الكلب..؟!

وبالمناسبة، هل ترجم المتدخلون من سلطات ترابية وجماعية وصحية وبيطرية.. على أرض الواقع، في شكل إجراءات وتابير ملموسة، التوصيات المنبثقة عن "الأيام الدراسية والتحسيسية حول محاربة  داء الكلب "، التي نظمتها جمعية الأطباء البيطريين الصحيين بدكالة.. الخميس – الجمعة 28 – 29 شتنبر 2017، بقاعة الاجتماعات  بعمالة إقليم الجديدة، والتي حضرها محمد الكروج، عامل إقليم الجديدة، الحاصل على دبلوم مهندس دولة في الزراعة، ودبلوم الدراسات المعمقة من المعهد الوطني بباريس، والذي تقلد مناصب المسؤولية في وزارة الفلاحة،  وعينه الملك محمد السادس،  الأحد 25 يونيو 2017، ممثلا لجلالته وللحكومة المغربية على إقليم الجديدة؛ أم أن تلك الأيام التي غابت عنها عدة جماعات ترابية بالإقليم.. فرضتها  مناسبة اليوم العالمي لمحاربة داء الكلب..؟!

وتجدر الإشارة إلى أن بلدية الجديدة كانت وقعت سنة 2009، اتفاقية شراكة مع المديرية العامة للجماعات المحلية لدى وزارة الداخلية، من أجل تفعيل مشروع رائد  اختيرت له مدينة الجديدة ضمن 6 مدن أخرى، ويكمن في 4 محاور، هي: محور الطب الشرعي (مستودع حفظ الأموات..)؛ محور تحليل الماء؛ محور حفظ الصحة الغذائية؛ ومحور محاربة داء الكلب. فالمحور الرابع  الذي يقضي  بناء محجز حيواني على مساحة 400 متر مربع، بمواصفات ومعايير دولية، وتخصيص 3 عربات، وفرق عمال مكونين،  وتجهيزات ومعدات، لاستجماع الكلاب الضالة من المدار الحضري للجديدة، وخصيها وتعقيمها وتلقيحها، ثم إعادة إطلاقها في الطبيعة.

وتبعا لبنود اتفاقية الشراكة المبرمة، فإن المديرية العامة للجماعات المحلية تساهم في أي محور من المحاور الأربعة ب50%. وكانت وزارة الداخلية ساهمت سنة 2009، ب12 مليون سنتيم من أجل تلقيح الكلاب.. كما بلغت مساهمتها 40 مليون سنتيم، من أجل بناء المحجز الحيواني، الذي تم تشييده.. فقط على الأوراق والوثائق الرسمية. فهل ستتدخل وزارة لفتيت لإعادة الروح إلى هذا المشروع الرائد، الذي بات الاعتقاد سائدا، إن لم نقل اليقين، بأنه تم إقباره إلى غير رجعة.. ؟!

المؤتمر الوطني الرابع.. والكلاب الضالة:

تنظم "الجمعية  المغربية لأطباء وقاية الصحة العامة والمحافظة على البيئة"، الجمعة – السبت 18 – 19 يناير 2018، بكلية الطب والصيدلة بالرباط، المؤتمر الوطني الرابع، حول "مكتب الصحة في خدمة  التنمية الجماعية"، ومن أهم المحاور التي ستنصب عليها عروض المتدخلين: "حفظ الصحة الغذائية'"، "محاربة النواقل"، و"محاربة الكلاب الضالة". وهو المؤتمر الذي من المقرر أن يعرف مداخلات وزير الداخلية، ووزير الصحة، والمدير العام للمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية،  ورئيسة (SMMHSP).

هذا، ووجه وزير الداخلية إرسالية إلى الولات والعمال، في موضوع دعوة الأطباء البيطريين والأطباء المكلفين بحفظ الصحة العامة، العاملين في مناطق نفوذهم الترابي، لحضور أشغال المؤتمر الوطني الرابع، والذي كان من المفترض أن يدعا يحضره الولاة والعمال بدورهم، إلى جانب رؤساء مجالس الجهات، ورؤساء المجالس الإقليمية بمختلف جهات المغرب.

إلى ذلك، فهل سيشكل المؤتمر الوطني الرابع أرضية، تنبثق عنها  استراتيجية .وطنية،  يساهم جميع المتدخلين فيها، كل من موقع اختصاصاته ومسؤولياته وواجباته، في إيجاد حلول ناجعة للحد من تناسل وتكاثر الكلاب الضالة، وما ينجم عن ذلك من خطر انتشار داء الكلب، وانتقاله إلى الإنسان..؟!

فلماذا لا تعتمد السلطات بالمغرب "التجربة التركية"، التي أبانت عن نجاعتها، والتي تقضي باستجماع الكلاب الشاردة، وخصيها وتعقيمها (castration et stérilisation)، للحد من تناسلها وتكاثرها في الطبيعة، ومن ثمة القضاء على داء الكلب، الذي تسبب في وفاة 365 مواطنا مغربيا، في الفترة ما بين سنتي 2000 و2017..؟!

 

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة