المالية التشاركية بالمغرب من سؤال الشرعية الدينية إلى سؤال العدالة الاجتماعية
المالية التشاركية بالمغرب من سؤال الشرعية الدينية إلى سؤال العدالة الاجتماعية


صادق البرلمان المغربي منذ مدة على مشروع القانون رقم 17 87 الذي يقضي بتعديل القانون رقم 99 18 المتعلق بمدوة التأمينات، وينتظر أن يدخل حيز التنفيذ ابتداء من يناير 2020 بما يسمح للأبناك التشاركية المستحدثة بالتعامل بموجب التأمين التكافلي، وذلك بعد مطابقته من قبل الهيئة الشرعية للمالية التشاركية التابعة للمجلس العلمي الأعلى لينخرط المغرب فعليا في ركب الدول المنفتحة على المالية الإسلامية بعد طول امتناع وممانعة من قبل السلط السياسية والاقتصادية وعلى راسها بنك المغرب.
لكن المشكلة القائمة لا تتعلق فقط بترسانة التشريعات والقوانين رغم أهميتها بل تتعلق بالسياسات المالية ومدى تحققها بمعايير المسؤولية الاجتماعية وإلى أي حد تحقق العدالة الاجتماعية، بدون شك هناك جزء من الفاعلين والمهتمين يهمه أساسا سؤال الشرعية الدينية وما يتعلق بأعمال المطابقة الشرعية مع معايير الفقه الإسلامي، لكنه سؤال يظل منقوصا ما لم يطرح سؤال العدالة الاجتماعية، فهل السياسات المالية المنتهجة بغض النظر عن طبيعتها التمويلية (تشاركية إسلامية أم تجارية ربوية) ستسعى لتمويل الحاجات الاستهلاكية والاستثمارية بما يخدم المرتفقين والفئات الاجتماعية الهشة والمتوسطة الحال، وفق سياسة إنمائية عادلة، أم ستخدم فقط أصحاب الأموال وأرباب الاستثمارات الكبرى والبنوك بما يحقق لها الربح السريع والهائل على حساب جيوب الفقراء وعرقهم، لاسيما وأن الملاحظ الاقتصادي يدرك فداحة الفروق في الفائدة بين التمويل التجاري من بنك مغربي مقارنا ببنك إسباني أو فرنسي، فقد تصل الفروق بينهما إلى زيادة تصل لثلث التكلفة التمويلية للقرض. أما الفرق بين تكلفة التمويلات الإسلامية بصيغتها التشاركية المغربية وبعض مثيلاتها الإفريقية والمشرقية فقد تصل لمستويات قياسية. وتبقى المقارنة التي يجريها المواطن المغربي بين صيغة التمويل الربوي والتمويل التشاركي وجيهة جدا، وذلك حتى بين البنك ونافذته التشاركية، ولعله أصرخ مثال واقعي عن مدى استحضار التمويلات التشاركية لسؤال العدالة الاجتماعية، فقط أطرح هذا المثال للتأمل: ذهب أحد المواطنين لبنك تشاركي لطلب تمويل بصيغة المرابحة للآمر بالشراء قصد حيازة عقار ثمنه: 570 ألف درهم لمدة 25 سنة، أخبروه أن تكلفته الإجمالية ستصل إلى مليون و20 ألف درهم؛ وعندما قارن العملية مع التكلفة وفق الصيغة الربوية وجد أن الفرق بينهما يصل إلى 150 ألف درهم. هذا فقط الفرق الحاصل في التكلفة بين البنك الربوي ونافذته التشاركية.
إن سؤال العدالة الاجتماعية في السياسات المالية والاقتصادية سؤال أساسي وجوهري لا يمكن تجاوزه فقط بتسجيل وإضفاء علامة حلال على العمليات التمويلية، بل إنه سؤال يمتد ليطرح نفسه على الدولة التي تحتاج لإعادة توصيف نفسها هل هي دولة وظيفتها  حماية المجتمع وإنصافه من جشع السوق أم أنها دولة تكرس جهدها لحماية فئة الأغنياء والباطرونا وأرباب الأموال؟ كما يطرح نفسه على المواطن والفئات الاجتماعية الهشة والمتوسطة بأن تعي جيدا أن السياسات الاجتماعية والاقتصادية تصاغ في ظل أجواء مشحونة بالصراع والتدافع الاجتماعي وتوازن القوة بين فئات المجتمع مما يحتم ضرورة تكتل المستهلكين في تنسيقيات أو نقابات أو جمعيات تدافع عن مصالحهم وتشكل قوة اقتراحية  تناضل من أجل إنصافهم في وجه جشع المؤسسات المالية والبنوك بغض النظر عن تسميتها وطبيعة منتجاتها.


د. فؤاد بلمودن – أستاذ التعليم العالي بشعبة الدراسات الإسلامات بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة.

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة