القانون الجديد لإعادة تنظيم أكاديمية المملكة.. مسار واعد لصون تراث الملحون المغربي
القانون الجديد لإعادة تنظيم أكاديمية المملكة.. مسار واعد لصون تراث الملحون المغربي


عرفت السنوات الأخيرة، خاصة منذ أواخر سنة 2017، نقاشا كبيرا حول تراث الملحون، طرح أسئلة جوهرية ومصيرية في العمق؛ كان أهمها سؤال الشرعية التاريخية والمسؤولية المؤسساتية الثقافية والعلمية وسؤال الهوية الأدبية لشعر الملحون وتموقعه كإبداع ضمن فسيفساء التاريخ الثقافي المغربي وكذا قضية صون هذا التراث المغربي الأصيل بكل تشكلاته وامتداداته، وتنزيهه من العبث والسرقة. 
وكان الهدف الرئيس من هذا النقاش إثارة الانتباه أولا إلى ما يتعرض له تراث الأمة من تزوير وتدليس من طرف بعض العابثين بموروثنا الثقافي المادي واللامادي غير الآبهين بآصرة الأخوة وروابط الدين وحسن الجوار والتاريخ المشترك، ثم العمل على تحصين هذا التراث من خلال العمل على تسجيله ضمن التراث الإنساني اللامادي لدى منظمة اليونسكو، وأخيرا دفع مؤسسات الدولة ذات الصلة بتراث الملحون إلى تحمل مسؤوليتها لوضع تصور وخطة عمل لتنزيل مخرجات النقاش الدائر.
ولعل صدور قانون رقم 19.74 المتعلق بإعادة تنظيم أكاديمية المملكة المغربية جاء ليجيب على مجمل الأسئلة التي طرحت بخصوص تراث الملحون المغربي، كما أنه جاء لتتويج مسار اهتمام أكاديمية المملكة المغربية كمؤسسة وطنية علمية عليا بهذا التراث والذي بدأ منذ ستة وثلاثين سنة مع صدور سلسلة "معلمة الملحون" سنة 1984؛ والتي أسست للتوثيق لشعر الملحون المغربي وشعرائه وتقاليده الإبداعية العروضية والبلاغية والمعجمية، وفي 2007 مع إحداث لجنة موسوعة الملحون وإصدار دواوين شعراء الملحون المغاربة في إطار سلسلة "موسوعة الملحون" في اتجاه الحفاظ على إبداع الأمة وتدوينه صونا للهوية المغربية، وفي سنة 2018 مع إطلاق مبادرة تسجيل تراث الملحون ضمن لائحة التراث الثقافي اللامادي لدى منظمة اليونيسكو.
             ومن خلال قراءة متأنية لمواد القانون السالف الذكر خاصة ما يتعلق بالمستجدات التي جاء بها عناية بتراث الملحون، وتأكيدا لمسار هذه المنارة العلمية في تعاملها مع موروث الأمة وتنزيلا لتوجيهات صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله الواردة في الرسالة التي وجهها لأمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية في 18 مارس 2010 بمناسبة صدور ديوان الشاعر سيدي قدور العلمي، والتي عبر فيها جلالته عن سروره بأن تتولى الأكاديمية إحياء تراث المغرب بكل أنواعه وموضوعاته، وأن يقوم صفوة من الأساتذة المغاربة المختصين في الموضوع، وذلك في التزام بالمنهج العلمي المأخوذ به في نشر وإصدار كل صنف من أصناف التراث الوطني على الوجه الأمثل.
             ويمكن اختزال مستجدات هذا القانون المتعلقة بتراث الملحون أولا في المادة الثالثة المحددة لمهام أكاديمية المملكة المغربية التي نصت على: 
   *التعريف بمقومات الهوية الوطنية بكل مكوناتها وروافدها، 
   *الإسهام في الأعمال الرامية إلى التعريف بالموروث الفكري والثقافي والفني... للحضارة المغربية منها على الخصوص، 
   * الإسهام في تنمية الإبداع الفني والاعتناء بالفنون والتراث الفني المغربي الأصيل بكل روافده وتعبيراته.
وثانيا من خلال إحداث المعهد الأكاديمي للفنون ضمن الأجهزة العلمية للأكاديمية، والذي تمت الإشارة إليه في المادة 17 وتم تفصيل مهامه ومكوناته وأجهزته في المادة 40 من هذا القانون، حيث عهد إليه بتنمية الإبداع الفني والاعتناء بالفنون والتراث الفني المغربي الأصيل بكل أشكاله وتنوع مكوناته، والعمل على التعريف به، والإسهام في الحفاظ عليه وتثمينه بكل السبل المتاحة.
ويعتبر هذا المستجد النقطة المفصلية في تاريخ التعامل مع تراث الملحون المغربي، وتفاعلا إيجابيا مع كل الأسئلة والنقاشات المطروحة حوله من طرف كل الفاعلين في غياب عناية باقي المؤسسات العلمية والثقافية. كما يعتبر تثمينا لكل مجهودات الفاعلين الأكاديميين من الباحثين والشعراء والشيوخ المنشدين والخزانة والمولعين. هؤلاء الذين كانوا يتيهون في البحث عن مخاطب رسمي ومؤسسة تحتضن هذا التراث وتجمع شتات الفاعلين فيه.
ولعل المهام التي حددها المشرع للمعهد الأكاديمي للفنون أوضحت بما لا يدع مجالا للشك مضي أكاديمية المملكة المغربية في حماية وصون تراث الأمة تماشيا مع توجيهات صاحب الجلالة ومع مسارها الذي سنته منذ سنين. كما يؤسس لآفاق واعدة في بعث الحياة في موروثنا الثقافي وتوفير ظروف انخراط كل الفاعلين لاستكمال بناء الهوية الوطنية بما يضمن غناها وتنوعها وامتداداتها.

* عبد الإله جنان

باحث في شعر الملحون 

عضو لجنة موسوعة الملحون التابعة لأكاديمية المملكة المغربية
 
 
 

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة