محمد بنطلحة الدكالي: رسالة إلى إسبانيا وشعوبها.. الوحدة الترابية المغربية خط أحمر
محمد بنطلحة الدكالي: رسالة إلى إسبانيا وشعوبها.. الوحدة الترابية المغربية خط أحمر


طوال التاريخ مرت العلاقات بين المغرب وإسبانيا  بعقبات عدة  بدءا من الوجود العربي في الأندلس وما رافق ذلك من حضور مغربي قوي جسدتها معركة الزلاقة التي ما زالت جرحا غائرا في الذاكرة الإسبانية مرورا باحتلال اسبانيا لشمال المغرب وجنوبه وصولا إلى استقلال المغرب واحتفاظ اسبانيا جيبي سبتة ومليلية ؛مما جعل هذه العلاقات  تشهد مدا وجزرا ،ويمكن القول بانها صداقة حذرة  تؤدي  إلى أزمات دبلوماسية بين الحين والآخر.
 
صحيح أن الغيوم التي تتراكم في السماء ما بين ضفتي المتوسط ليست دائمة  لكنها تعود  بين الفترة والأخرى في قضايا استراتيجية لأن اسبانيا لم تتحرر من عقدة التوجس التي لازمتها  في علاقتها مع المغرب طوال التاريخ، وكذلك عقدة الجغرافيا، ولا زالت اسبانيا تنظر إلى المغرب كعدو استراتيجي وجار مزعج، ومدريد لا تقبل وان كانت لا  تصرح  بذلك أن يكون المغرب قويا، ويحقق نموا اقتصاديا، وان يكون قوة إقليمية ،فهي دائما  متوجسة من مغرب قوي، لذا فهي دائما تتسم علاقتها مع المملكة المغربية بالحذر الدائم، مع العلم  أن المغرب يعد حاليا أكبر شريك تجاري لإسبانيا في القارة الأفريقية، وثاني أكبر شريك لها في العالم خارج الاتحاد الأوروبي، كما أن المغرب يحمي الحدود الأوروبية من الهجرة غير الشرعية ومن مافيات تهريب المخدرات،كما يجب أن نستحضر جيدا دور المغرب القوي في التعاون الامني لمحاربة الإرهاب والتطرف، ورغم ذلك ورغم كل العراقيل نجد أن المغرب متشبت بالمنطق والحكمة وملتزم بصدق التعامل مع الجار الاسباني.
 
إلا أن اسبانيا باتت متوجسة من التحرك المغربي منذ ترسيم المملكة المغربية لحدودها البحرية كقرار سيادي في إطار القانون الدولي معلنا التزامه الحوار مع الجارة الإسبانية، ولقد عبرت مدريد عن توجسها من هذه الخطوة الجريئة مما خلق أزمة صامتة بين البلدين  كانت وراء تأجيل القمة المشتركة؛وبرزت الأزمة بين البلدين بشكل جلي بعد قرار الولايات المتحدة الأمريكية اعترافها بالسيادة المغربية على أقاليمه الجنوبية، وهذا الإعتراف الامريكي  بمغربية الصحراء اربك حسابات الاسبان وشكل تحولا مهما على مستوى التوازنات الجيوسياسية فضلا عن علاقات المغرب مع القوى الإقليمية، وفرض على اسبانيا إعادة ترتيب حساباتها من جديد في تعاملها مع  المغرب وبالخصوص ملف الصحراء المغربية، لأنها فقدت أوراق ضغط كانت تستعملها في مفاوضاتها  مع المغرب في العديد من الملفات الحيوية التي تجمع بين البلدين، بل وان اسبانيا التي تقدم نفسها بمثابة الوصي "الاستعماري" على المنطقة حاولت الضغط على إدارة بايدن لتغيير الموقف الامريكي من الإعتراف بمغربية الصحراء معتبرة القرار بمثابة "توجه انفرادي" وان حل النزاع الإقليمي لا يعتمد على إرادة دولة واحدة  مهما  كان حجمها وبالتالي ان الحل هو بيد الأمم المتحدة !!!مع العلم أن المسؤولية التاريخية الإسبانية كما  كتب "بيدرو  كانا ليس " في مقال نشر في المجلة الإسبانية " اتليار"تستدعي اعترافها بسيادة المغرب على أراضي  صحراءه  والإعلان عن ذلك في  تصريح رسمي يؤكد  هذه الحقيقة.
 
وتمادت التصريحات الإسبانية المعادية للمصالح الاستراتيجية للمملكة المغربية من قبل أحزاب إسبانية مشاركة في الائتلاف الحكومي كما سجل الملاحظون وجود تحركات إسبانية ضد المصالح الاستراتيجية المغربية والتي تخل بحسن الجوار والشراكة القائمة، مع العلم أن المغرب ظل دائما يطالب جيرانه الاسبان بعلاقة قوامها الوضوح والشراكة الموثوق بها.
 
اما القطرة التي  افاضت الكأس هي استقبال الجلاد إبراهيم غالي بإسم مستعار وجواز سفر مزيف وفي تواطؤ مكشوف  مع حكام قصر المرادية  مدعين  أن ضميرهم الإنساني والأخلاقي هو الذي جعلهم يستقبلونه  من أجل العلاج…  يالغرابة  التبرير الذي يدوس على كل القيم الحقوقية الكونية  من أجل استقبال مجرم حرب، أن المغرب حينما يطالب بمحاكمة هذا الجلاد فهو يريد أن يظهر للعالم اجمع أن هنالك جرائم ترتكب ضد مواطنيه المحتجزين بمخيمات تندوف التي توجد خارج نطاق المراقبة والتتبع  لحقوق الانسان،وان هنالك تجنيد للاطفال والنساء وتعذيب ممنهج لكل من عبر عن رغبته في الرجوع إلى بلده المغرب، وذلك تحت غطاء عسكري جزائري على كل مخيمات المحتجزين حتى لا يتسرب إلى الخارج صوت المكلومين. الضحايا ومعاناتهم مع قيادة  دكتاتورية يسيرها حكام  الجزائر.
 
أن اسبانيا عليها أن تدرك جيدا  أن ميزان القوى الثنائي والإقليمي قد بدأ  يتغير، وإن المغرب لم يعد يقبل بقواعد اللعبة القديمة ويجب على الدبلوماسية الإسبانية عوض أن ترتهن سياسة ميتافيزيقية أصبحت من الماضي.
 
وأن تفكر بحكمة واقعية في المستقبل المشترك الذي يجمع بين البلدين الجارين، وأن تعزز الشراكة الاستراتيجية بفضل الرغبة المشتركة في تطويرعلاقات متكافئة قائمة على اندماج فعال، في إطار رابح رابح بالنسبة  لكلا البلدين ولضفتي البحر الأبيض المتوسط، وعلى اسبانيا أن تدرك جيدا أن المغرب سيد قراراته وأن وحدته الترابية خط أحمر، أن التاريخ المفصلي  الذي نعيشه  اليوم يدعونا إلى التصالح مع التاريخ والجغرافيا الحقيقيين من أجل علاقات أكثر قوة  ومتانة  للأجيال المقبلة ، ولحسن حظنا ثمة درس نتعلمه من هذه الأزمات سواء المملكة المغربية أو اسبانيا وشعوبها، وأن الرغبة في علاقات أفضل وامتن هي الأقوى  دوما وابدأ.
 
 محمد بنطلحة الدكالي/ أستاذ علم السياسة بجامعة القاضي عياض بمراكش

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة