عبد الإله نادني يكتب.. صيفٌ باهت على شواطئ الجديدة
المدينة التي اعتادت أن تستقبل الصيف بزحامٍ يملأ شوارعها وصخب يكسر هدوء أحيائها، تجلس هذا العام في هدوء سياحي يكاد يكون مُريبا. شواطئ الجديدة، تلك التي طالما كانت ملاذًا للهاربين من لهيب المدن الداخلية، تنتظر زوّارًا تأخّروا في القدوم. توافدٌ "خافت" – كما يصفه المراقبون – لا يُبشر بالانتعاشة الاقتصادية التي طال انتظارها، ولا بالطفرة المالية التي يحلم بها التاجر والساكن على حد سواء. منتصف شهر يوليوز يجيء، وجيوب أصحاب "الدور المعدة للكراء" مازالت فارغة، وما فنادق المدينة باحسن حال فهي تتذكّر اياما مضت كان فيها "ملء البيوت" هو القاعدة لا الاستثناء. حتى الازدحام الصيفي المألوف، ذلك المؤشر الحيوي، غدا ذكرى يرويها المتتبع العادي باندهاش.
وراء هذا الهدوء الحذر ، قصصٌ من الإحباط تتشابك. زوّارٌ يجدون أنفسهم في دوّامة لا تنتهي من الطرقات المعطوبة، بين إصلاحٍ هنا وحفرٍ هناك، تُنهكهم وتُتلف سياراتهم رويدًا رويدًا، فتُسلب منهم راحة الرحلة منذ البداية. آخرون تُصدّهم صورة المدينة حين تطل عليهم حاويات أزبال تفوح منها روائح تزكم الأنوف خصوصا مع ارتفاع الحرارة هذا إن لم تكن غائبة بالمرة ، او يحاصرهم حراس سيارات بكلام ساقط او ……فيندفع الزائر المُحتمل هاربا موليا وجهته قبلة اخرى قبل أن تطأ قدماه رمال الشاطيء، خصوصا مع الغلاء المبالغ فيه، هذا العدو القاسي الذي يحول دون أحلام الطبقة الوسطى التي تُشكل عماد السياحة الداخلية؛ فقضاء عطلةٍ بحرية، رغم شدة الحرارة، اصبح "رفاهية" و"ضربًا من الخيال" أمام جيوبٍ أنهكها ارتفاع كلفة العيش. نتيجة هذا كله: اقتصاد مدينةٍ يتلقى ضربة موجعة، وقدرة شرائية تتراجع، وسائحٌ لم تعد الجديدة قادرةً على تقديم البديل المتطور الذي يبحث عنه في "متنفسه" الصيفي.
بالمقابل، تطلّ علينا مدن اخرى كمدينة أكادير من الجنوب لتقدم درسًا بليغًا. رغم اشتراكها في تحديات الغلاء وتدني القدرة الشرائية، إلا أنها تشهد هذا الصيف إقبالًا سياحيًا "منقطع النظير". السر؟ سياسة سياحية واضحة المعالم، تقوم على ركائز متينة: تنظيم قطاع الكراء بأسعار معقولة، ومراقبة صارمة لأسعار الخدمات وجودتها في المقاهي ومرافق الاستقبال، واستثمارٌ في بنية تحتية لائقة، وتنويعٌ للمنتوج السياحي الذي يتجاوز مجرد البحر ليشمل الفنادق والمنتزهات وغيرها. لقد فهمت أكادير أن السائح اليوم يطلب أكثر من مجرد شاطئ.
أما في الجديدة، فالكلام عن "سياسة سياحية" أو "برامج" طموحة، سواءً أكانت قصيرة أم بعيدة المدى، يبدو كحديثٍ من ضرب الخيال. الاعتماد على البحر والشواطئ الطبيعية كرافعة وحيدة للسياحة قد تجاوزه الزمن ولم يعد كافيًا في سباق الوجهات السياحية الأخرى. البحر الجميل لا يعوّض عن طرقٍ مهشمة، ولا ينظّف شوارعًا ملوثة، ولا يخفف من غلاءٍ خانق، ولا يخلق تجربةً متكاملة. النهج الحالي يحتاج إلى مراجعة عاجلة. على المجلس الجماعي والفاعلين تبني "مقاربات أخرى أكثر نجاعة"، مستلهمين العبرة من نجاحاتٍ قريبة. الجديدة مدينةٌ تستحق أكثر من أن تظلّ تنتظر زوّارًا قد لا يأتون، بينما بحرها الجميل يهمس بأمواجه: "أنا هنا، لكنّي لستُ وحدي كافيا". حان وقت الفعل قبل أن يتحول الصمت الصيفي لهذا العام إلى واقع دائم.
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة