الصقارة في المغرب: ممارسة تقليدية مهددة بالانقراض
الصقارة في المغرب: ممارسة تقليدية مهددة بالانقراض

 

في مواجهة شبح الانقراض الذي تحمله رياح العصرنة والانشغال المعيشي اليومي، تتواصل ممارسة الصيد بالصقور في حضن قبائل القواسم بمنطقة الجديدة، التي باتت الساهر الأمين على استمرارية تقليد تراثي عريق يشكل جزءا من الشخصية والتاريخ العربيين، ومبعث فخر ثقافي، خاصة في منطقة الخليج العربي، مهد هذا النشاط.

 

الصقارة ممارسة تقليدية تقوم على تربية الكواسر وتدريبها على التقاط الطريدة في محيطها الطبيعي. وبفعل تغير أنماط الإنتاج وتفاعل الإنسان مع الزمن، فإن هذه الرياضة التراثية مهددة اليوم في المغرب بالانقراض، خصوصا أن أجيال اليوم لا تقدر اليوم هذه الهواية حق قدرها، بوصفها مظهرا للأصالة والعراقة، لولا الاهتمام والعناية التي تخص بها بعض القبائل والجمعيات هذا النشاط.

وتعد منطقة القواسم بالجديدة واحدة من المعاقل الأخيرة التي اشتهرت برياضة ارتبطت بأهلها منذ عصور، واكتسى داخلها الصقر مكانة رمزية خاصة. وارتباط أهل القواسم، هذه القبيلة التي توجد في قلب دكالة، قريبا من المركز القروي أولاد افرج، والمنحدرة من نسل الولي الصالح مولاي الطاهر القاسمي، بهذا الموروث التاريخي الذي عرف قديما شهرة واسعة، استمرارية لارتباط الظاهرة ببركة جدهم سيدي علي بن قاسم الذي عرف بتدريب هذا الطائر النبيل.

هذه القبيلة تكتب الحلقات المعاصرة من قصة إحدى أعرق العلاقات بين الإنسان والطائر، والتي يعود تاريخها إلى أكثر من أربعة آلاف سنة، خصوصا في دوار السماعلة بحد أولاد أفرج بإقليم الجديدة ، فضلا عن أولاد عمران بإقليم سيدي بنور، حيث الناس لا يعرفون سوى لغة الصقور.

وبفضل مجهودات هذه القبائل في حماية هذا الموروث تجسد الالتحام القوي بين الصقار والصقر، حتى أصبح هذا الأخير في نمط عيش الساكنة المحلية، فردا ذا شأن من أفراد العائلة، يستحق عناية أثيرة وحرصا خاصا على سلامته وأمنه.

في هذا الأفق، برزت بعض الجمعيات، من ضمنها جمعية صقار القواسم مولاي الطاهر لأولاد افرج، التي تعمل على إعادة الثقة إلى حاملي أسرار هذا التقليد العريق وتكوين الخلف من جيل جديد ملتزم بالحفاظ على هذا التقليد.

ولعل الرغبة القوية في النجاح لدى هذا الجيل الجديد هي التي ترجمت ميدانيا بأشكال عدة من المبادرات الرامية الى تحفيز استقرار الشباب، وتبادل الخبرات مع العارفين المدربين المنتمين لبلدان الخليج العربي و أوروبا، وتكثيف أنشطة الصيد بالصقور على مستوى جهات مختلفة داخل البلاد.

أهمية هذا التراث حدت باللجنة الحكومية للتراث الثقافي غير المادي لليونسكو خلال اجتماعاتها المنعقدة بنيروبي من 15 إلى 19 نونبر 2010، إلى تسجيل الصقارة، إحدى طرق القنص التقليدي، كتراث إنساني حي في قائمتها التمثيلية.

ويقول أحمد شهيد، الباحث في تراث تربية الصقور، و المكلف بالتواصل والاعلام بجمعية القواسم للصقارة، إن اللجنة اعتبرت الملف المقدم عن الصقارة أفضل ملف عرض عليها على مدى تاريخها، إذ شاركت في إعداده وتبنيه، بتنسيق من هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، إحدى عشرة دولة (بلجيكا، جمهورية التشيك، فرنسا، كوريا الجنوبية ، منغوليا، المغرب، قطر، العربية السعودية ، إسبانيا، سوريا والإمارات العربية المتحدة) مما جعل ممثلي اليونسكو يؤكدون كتابة بأنهم كانوا أمام "نموذج فريد للتعاون بين الدول".

ويلاحظ شهيد أن أسلوب الحياة العصرية والتمدن السريع قد قلصا من فرص ممارسة الصقارة حاليا، وأديا بالتالي إلى تراجع كبير لهذه الرياضة في عدة بلدان، كما هو الشأن بالنسبة للعادات القروية المهددة بالانقراض نتيجة الهجرة نحو المدن.

في المقابل، تسجيل هذا الموروث الثقافي العريق في اللوائح التمثيلية للتراث الثقافي العالمي سيجعله، في نظر الباحث، موضوع عناية كبرى، ذلك لكون الحكومات الموقعة على قائمة اليونسكو تلتزم برعاية وحماية الموروثات الثقافية المنقولة أبا عن جد. كما أن رياضة الصقارة تمثل موروثا استثنائيا لارتباطها بجميع الأنواع الثقافية المعنية بحماية اليونسكو مثل التقنيات التقليدية، المعرفة والطقوس، الصناعة التقليدية ، الموسيقى، الرقص، الفن والشعر أو الممارسات المتصلة بالطبيعة.

وأبرز أحمد شهيد أن المغرب يعتبر أحد البلدان الشهيرة التي عرفت انتشارا مهما لفن الصقارة وعملت على الحفاظ عليه في حلته الأصيلة، وذلك بفضل شغف القبائل الدكالية بهذا الموروث وحرصها على رعايته وصيانته عبر الأجيال، مشيرا إلى أن قبيلة القواسم تحتفظ بسمتها كمسرح لعلاقة توحد فريدة بين الطائر الجارح وصاحبه، علاقة لم تفقد شيئا من حمولتها وأصالتها.

وشدد على أن تكريم أجيال هذه القبيلة الذين سهروا على استمرارية الصقارة كموروث تقليدي، يستدعي تقديرا للرجال الذين صنعوا هذه الأسطورة ودعما لمن يستمرون في حمل نبراس ديمومته عاليا.

وفي إبرازه للقيمة التاريخية للصقارة، يعود محمد الغزواني رئيس جمعية صقاري أولاد فرج إلى الماضي بعيد، خلال عهد السلطان المولى اسماعيل الذي كان يرافق حرسه دوما فرقة من مربي الصقور سواء خلال زياراته الرسمية عبر البلاد أو في الحفلات المنظمة على شرف الدبلوماسيين وكبار رجالات الدولة الأجانب.

وكان له الفضل في إحداث وظيفة "البياز" (الصقار) بقانونه كإطار دولة، كما تم إنشاء مستشفى بمدينة آسفي اختص في علاج الصقور.

ويلاحظ الغزواني أن عشق الصيد بالصقور ورعاية هذه الممارسة التراثية سمة بارزة في تاريخ الملوك العلويين، ويتعين إيلاؤها مزيد من الاهتمام صونا لذاكرة ونمط حياة ذي قيمة تاريخية مميزة.

الصقارة تراث إنساني مشترك، يخلد ممارسة تقليدية عابرة للأوطان، توزعت مظاهرها الحديثة بين دول في الخليج والمغرب العربي وأوروبا، واستحقت بالتالي التفاتة وطنية ودولية، حفظا لموروث لامادي عريق، يحكي سيرة ذكاء جماعي في تفاعل الإنسان مع مجاله الطبيعي والحيوي.

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة